22 نوفمبر 2009

تصحيح خطأ الموت/ دعد حداد

مكتنزة سمراء
بثوب كثوب ملكات الغجر
في أول خيوط الفجر الشتوي
ثقيل
وعاتم
بلون الرصاص
ممزوجا بالوجوه الحجرية
هبطت من الدرج اللولبي
بثقل الأربعين
حزناً
وحزناً
رفعت يدها السمراء من الكم الأسود
أحدهم يتأمل الخاتم الملون في إصبعها الأسمر المكتنز.
وضعت موسيقى في علبة الموسيقى
لكن الموسيقى.. لم تأت
هزتها قليلاً
شجرة الموسيقى الزئبقية
ابتسم الحضور
وعلق أحدهم بطراوة
مكتنزة سمراء
تهبط الآن درجا لولبيا آخر
في عيون المزروعين بموائد مزينة بقطع الحوت
المشوية والموءودة
تتوسل مرة ثانية بنقود
كي تسير الآلة
كي تصدح الموسيقى
والسعادة.
وحيدة هي هذه اللحظة
أكثر من أي وقت.
والموسيقى لا تأتي
صعدت الدرج اللولبي
وأنّ الخشب تحت قدميها الثقيلين
بإباء الملكات الوحيدات
شدت قامتها
كجذع شجرة مقطوع
ورفعت رأسها نحو السقف الأبيض بلطف
وابتسمت.
ثم..
غابت
في غرفة ستائرها قرمزية
وهواؤها بلون الرصاص
الذي خضب قلبها الطفلي
مخترقا الستائر الحمراء
وثقب أول خيوط الفجر الغجري
ملوحا بمنديل عرسها المبلل
وهي تنتظر..
في ساعات الغجر
تصحيح خطأ الموت

19 نوفمبر 2009

اطلاق الترجمة الأولى لـ ريتسوس من اليونانية الى العربية في متحف كافافيس

في متحف كافافيس بالاسكندرية أقامت الجمعية اليونانية في الاسكندرية اليوم الخميس 19-11- 2009 احتفالية بمناسبة مرور مائة عام على ولادة ريتسوس، حضرها جمهور سكندري من عرب ويونان مقيمين في الاسكندرية ممن غص بهم بيت كافافيس.


الاحتفالية قدمها مانولي مارانغوليس رئيس الجمعية اليونانية بالاسكندرية وتضمنت كلمة للشاعر المصري رفعت سلام تحدث فيها عن تأثر بعض الشعراء العرب بريتسوس؛ ثم تلا ذلك قراءة من أشعار ريتسوس التي ترجمها رفعت سلام من الانكليزية قرأها كل من الشعراء سامي اسماعيل ومنتصرعبد الموجود ثم قراءة لبعض قصائد سلام المترجمة الى اليونانية تلاها قراءة تلك القصائد بالعربية من الشاعر نفسه.

بعد ذلك قدم رئيس الجمعية اليونانية الترجمة الجديدة لريتسوس الصادرة عن دار جدار بعنوان « جيران العالم » والتي قام بها المترجم خالد رؤوف مشيراً إلى أنها الترجمة الأولى لريتسوس من اليونانية الى العربية مباشرة ومخاطباً الحضور أن هذه الترجمة صدرت اليوم. وقدم المترجم الذي قرأ مقدمة ترجمته متحدثا فيها عن منهجه في الترجمة؛ الذي توخى فيه أن يكون مخلصاً لأفكار ومعاني الشاعر، محاولاً نقل اسلوبية ريتسوس نفسها؛ في الكتابة الشعرية، الى العربية متوخياً أن تولّد استجابة مشابهة في ذهن قارئ النص المُترجَم لتلك الموجودة في ذهن القارئ من اللغة الأصلية.

منهيا كلمته بتقديم ناشر جدار خلف علي الخلف الذي تحدث بإيجاز عن الترجمة شاكرا المترجم بقصيدة ريتسوس «كلمة شكر».

قرأ بعدها اثنان من المشاركين (عربية – ويوناني سكندري) مقتطفات من قصيدة روميوسيني باليونانية، وأكمل قرائتها مانولي مارانغوليس؛ بعد ذلك تناوب على قرائتها بالعربية الشاعر خلف علي الخلف والمترجم خالد رؤوف من ترجمته الصادرة حديثا. ثم قرأت سيدتان يونانيتان قصيدة المراثي باليونانية وقرأتها أميمية عبد الشافي وايمان عبد الحميد بالعربية من ترجمة خالد رؤوف.

وفي ختام الاحتفالية استمع الحضور الى صوت ريتسوس يقرأ قصائد من شعره. واختتمت الاحتفالية يتوقيع المترجم خالد روؤف على نسخ من كتابه الجديد

13 نوفمبر 2009

خالد.. خسارة الايام


ميَّزته تلك الضحكة التي كان يصر عليها في كتاباته، لسعة من حس ساخر، صادمة وخادعة، تضحكك والمفترض بها أن تبكيك؛ محملاً بتلك الروح جاء كتابه الأخير «هارب من الإعراب»، وأظنه من أجود ما كتب، بدأه بإهداء وفي إلى أستاذه وصديقه سعيد تقي الدين، ومقال عنه ألقاه في احتفالية بمرور مئة عام على ميلاد سعيد ألقاه في جمعية متخرجي الجامعة الأميركية يختم المقال بقوله: «واليوم أقول لكم.. مازلت ناطراً سعيد».. وحسبي أنهما يلتقيان الآن روحان ترويان المقالب؛ سعيد بالبروتيل والشحاطة والسيجارة، وخالد القطمة خلف مكتبه في دار سعاد الصباح، وعلى بابه علقت تلك اليافطة، «أنا أكتب إذن أنا موجود». كان يعلم بأن مكانه كمدير عام دار سعاد الصباح لا يفي بطاقته وقدراته الصحافية، لذلك عاد بعد توقف طويل لغوايتها، وصار يكتب افتتاحية جريدة النهار، ومن تابعها تلك الفترة، يلمس نباهة حسه الصحفي، ومتابعته التي لم تفتر، وأدواته التي امتلكها بمهارة الحواة.. وذلك لأنه في الحقيقة لم يتوقف عن الكتابة في الشأن العام يوماً، كان يقول لي إن مقالات بأكملها، حول مواضيع الساعة، وكل ما يقلقه يكتبه ذهنياً من الحرف الأول حتى نقطة السطر الأخير قبل أن ينام.. ولكنه نادرا ما ينشر.
ومن موقعه خلف المكتب، كما عرفته أول مرة، بقي خالد شيخاً للصحافيين ومآلهم، يزورونه، ويعقدون عنده جلساتهم، ويأخذون بمشورته، ويطلبون مساعدته.. ولا يتهرب إلا من ثقلاء الظل، فهم كما يقول ناقلو عدوى، ورأس الحكمة توخّي الحذر..! وكي يبقيني بقربه كصديقة كان عليّ أن أتفهم مزاجه أولاً، والأهم أن أستوعب قفشاته الطائرة..
عام كامل مضى على رحيل خالد القطمة. قرر بهدوء أن يدير ظهره لصور معلقة على حائط مكتبه، تروي سيرة أيامه الحافلة بالحزب والسياسة ومعارك الشباب ومغامراته وأصدقائه الذين رحلوا، والذين بقوا. نبهه الطبيب ليخفف وزنه، ولاحقته زوجته نور بملاحظاتها الصحية، فكان يطلب من محمد طبق الخس، ويوفر لبعض الوقت فقط، أنفاس السيجارة.. ثم يشعلها.. فقد أتم بربع ساعة كاملة نضاله ضدها، لم يكن مريضاً مطيعاً، تماماً كما لم يكن طالباً مسالماً في الجامعة الأميركية في بيروت، فقد دخل السجن بتهمة انتمائه الحزبي للقوميين السوريين، هواه الدائم حتى آخر أيام حياته.. كان وافر الحيوية، ضاجاً بالحياة حتى وهو يقاوم الشيخوخة والمرض.. وجل ما ظهر عليه من اختلاف، ميله للصمت، ولم يكن كذلك!
لم أجرؤ على زيارة مقر دار سعاد الصباح بعد وفاته، الغياب يفزعني، إلى أن مررت قبل أسابيع، وندمت.. الموت لا يورثنا إلا الحزن الذي يستيقظ بكامله دون أن نحسب حسبته، غرفته مازالت خالية وكأنها بانتظاره.. وسمعت صوته مرحباً.. قلت له: كن سعيدا حيث أنت. بالنسبة لي سيكون من الصعب ملء مكانه، ليس لأنه مختلف فحسب، بل لأنه ما من أحد يشبهه..

11 نوفمبر 2009

سأذهب الى أرض أخرى( خلف علي الخلف)

إلى كافافيس



كلُّ من يحدق في البعيد.. سيبحث عن مدينة أخرى. الإسكندرية لم تعد كما تركتها، بحرها الآن عجوز مصاب بالزهايمر، لم يعد قادراً على استقبال المراكب، بل لم يعد قادراً على تذكر أيامه حتى. لم يعد أحد يبحر من الإسكندرية يا كافافي، ولم تعد روحها تتجول في الطرقات بشعرها الطويل وبناطيلها الضيقة.. لقد سكنت العشوائيات، وعلى الدوام تلبس القفازات كي لا تصافح أحداً ..


المدينة التي نسيت البحر وأدارت وجهها للصحراء منذ وقت طويل؛ لم يعد على شواطئها نساء يغسلن بشرتهن بالضوء القادم من الأقاصي. ليلها يأتي باكراً لينام بحذائه على بسط مهترئة.. لقد خدعتنا يا كافافي؛ غررت بنا، فجئنا متلمسين خطاك.. لم نجد بحرا ولا سراويل معلقة على الشرفات.. ولم نجد أثراً لك في المدينة.!جئنا لنصافح أيامك ونبني على أطرافها بيتاً تسكنه الريح، جئنا نبحث عن مدينة أخرى مسكونين بحلم إيثاكا.. وجدنا أياما ميتة، في المساءات نجلس على حافة قبورها نتسلى بالنظر اليها وهي تمضي.


المدينة التي أصبحت باردة اكثر من قدرة جسد عار على التحمل؛ المدينة التي لم تعد تزورنا في ليلها الأحلام ؛المدينة التي لم تعد انثى؛


لن ندع الشيخوخة تدركنا فيها منتظرين البرابرة.