26 يوليو 2010

منع منع النقاب.. وفلسفة الخيبة

كلنا جرب الخيبة، أي حين يكون الأمل مقبلاً، فنفتح له ذراعينا، لكن لسبب أو لآخر أو بلا سبب على الاطلاق يغير اتجاهه ويفر مدبراً والخيبة مقصلة نفسية لا تفرق بين صغير وكبير، وبين رجل وامرأة ومع ذلك يبدو أن للنساء الحظ الأوفر من الخيبة، ربما لأنهن تستفتين قلوبهن أكثر من اللازم! آخر تلك الخيبات، ما نشهده ونقرأه ونسمعه من آراء حول قانون منع النقاب الذي أصدره وزير التعليم السوري غياث بركات، ولم يعمم بعد، في مبادرة( ربما شخصية منه ) لحماية الهوية العلمانية. المضحك المبكي في الأمر أن هذا القانون، وضع ضمن دائرة الطباشير، فهو يتعرض لشد وجذب كل الأطراف حتى قبل أن نرى على أرض الواقع أية خطوة في اتجاه تطبيقه.. ويجابه من حيث المبدأ أو من حيث التطبيق بعدم رضا عام وشامل وعميق فنحن لم نسمع تهليلاً عاماً، تحظى به عادة القرارات الرئاسية! في الوقت الذي تكاد تصم آذاننا أصوات فئة الرافضين للقرار الذين يندرجون تحت مجموعتين، الأولى هم المتشددون والمتشددات ممن يجدون أن النقاب شعار ديني من غير الجائز المساس به، والاقتراب من مسلماته، على الرغم من الأدلة الكثيرة التفسيرية والدينية التي تفتي بغير ذلك وأترك نقاشها للمختصين من أصحاب الشأن.. لكنني على الأقل أعرف كما يعرف غيري أن (النقاب) مشهد طارئ على الشارع السوري الذي كان في سنوات سابقة أكثر غنى وأقل حدة بما يحتويه من تعددية لهويات مذهبية وطائفية ودينية وسياسية تتعايش من غير حساسية ونزعات مضمرة لأحد ضد الآخر.. المجموعة الثانية ممن لم يوافقهم القانون، ينافسون المتشددين على الموقف نفسه، ويظهرون ( ملكيين أكثر من الملك) وأقصد جماعة التحرر من اليساريين والليبراليين الذين اعتبروه قانوناً قمعياً وقاصراً يقتل الممارسة الديمقراطية ( متناسين فقداننا لأي ملمح ديمقراطي على أي صعيد ..!) والمفروض بحسب رأيهم ترك المجال مفتوحاً للاختيارات، والحرية الشخصية.. والحقيقة أني لست ميالة كثيراً لوجهة النظر التي تتسامى على (النتيجة) لتفتح ( للوسيلة) محضراً أمنياً ، ليس من باب القصور في الأوليات ، ولكن لأننا في المحصلة لا ننطوي على أية استراتيجية لا آنية ولا مستقبلية تنهض بالوعي، وتهيئ العامة أو الخاصة لممارسة ديمقراطية مسؤولة.. هنا لابد من القول وإعادته مثنى وثلاث..النقاب لا الحجاب ليس حرية شخصية، لأنه تجاوز معلن على العرف الاجتماعي الأخلاقي السائد في البيئة السورية .. إن قانون المنع، أن كان من منع، اقتصر على وزارة التربية، والحرم الجامعي، حيث المعلمة، وكلنا يعلم، هي رمز وقدوة للتلاميذ.. وحيث الحرم الجامعي مكان لإنتاج الوعي / المفروض طبعاً.. ! القانون إياه لن يقلل من فرص تعليم المرأة، فقوانين السلامة والمرور، إن كان من قانون، لن يوقف المنقبة عن قيادة السيارة، بل ستكشف وجهها لأنها مضطرة، وكذلك الأمر بالنسبة للمنقبة في لجنة الامتحانات، هي ملزمة بالتعريف عن هويتها ..كما أن المنقبات لم يمتنعن عن استخراج جوازات سفر بسبب الصورة التي تكشف الوجه .. و .. و .. والأمثلة كثيرة في مجتمعاتنا المعطوبة نحتاج إلى قوانين من هذا النوع وإلى تطبيقها، على الأقل كي نعيد التجانس لشوارعنا التي يكاد يختلط لون إسفلتها بلون أزياء عابراتها ..
الخيبة ليست في شبه الإجماع المخزي الذي تواجهه فكرة منع النقاب والاعتراض على آلية قرار ، ولا حتى أن بعضنا فتح ذراعيه لأمل يبعدنا شبراً لا أكثر عن تمترس ذهنية ضيقة تمد سيطرتها علينا دون احم أو دستور .. الخيبة هي أن وزارة التعليم العالي صرحت بتمنيها لو أن وسائل الإعلام تريثت في التعامل مع الخبر، ما يعني أنه ليس هناك ما يؤكد بعد وجود قرار بشأن المنقبات..! وحين يبتلع الصمت القرار، فإنه بحق خيبتنا ( التقيلة).. ولتنام بعدها الحرية الشخصية قريرة العين هانئة الخاطر..