28 أغسطس 2016

غرزة ابرة :

سوزان خواتمي
خرجت قوافل داعش من منبج في وضح النهار، وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على المدينة. وقبل أن نفرق بين القرعة وصاحبة الشعر، ونعرف كيف ستستقيم الأمور بدأت وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي برصد حالات الفرح والاحتفالات حبوراً، فشاهدنا لقطات لنساء يزغردن ويحرقن النقاب ويدخن، احتفاء بعودة رمق الحياة وانتهاء الكابوس الداعشي ببطشه وتعسفه في فرض نموذجه المتطرف باسم الدين.
منبج كما يعرفها السوريون، ككل المدن الصغيرة تحكمها علاقات مجتمعية محافظة، ومع ذلك رفضوا أحكام التشدد. في الرقة كما في منبج كما في تدمر عادة ما تتحمل النساء العبء الأكبر والاقسى من مظاهر التدين، بدءاً من فرض الحجاب وتضييق الحركة والملاحقة ومنع الدراسة عنهن واجبارهن بطريقة أو بأخرى على الزواج، وتضييق نطاق الوظائف التي يسمح لهن بالعمل ضمنها.. وعلى امتداد خمس سنوات من الثورة واشتعال الصراع وغياب القانون والوازع الاخلاقي وتصاعد وهيمنة الفكر المتشدد تتعرض حقوق المرأة السورية إلى الاستلاب إذ مازالت المرأة هي الحلقة الأضعف أمام التجّبر والتطرف.
لكن إهدار حقوق المرأة لا يخص مليشيات الحرب وداعش والحركات المتطرفة فقط، فالنظام السوري الذي يتبجح بامتيازاته للمرأة، ويتخذ من المناصب السياسية التي حصلت عليها المرأة السورية ورقة مباهاة، على الرغم من أن *نسبة تواجد النساء في مجلس الشعب يبلغ 12% ونسبة النساء في مجالس الادارة المحلية يبلغ 3.1%.
ولم يتوان ذلك النظام على سبيل المثال لا الحصر على استخدام المرأة كوسيلة ضغط، فيعتقل نساء المسجونين ويهدد باغتصابهن على مرأى من عيونهم. ولم يكن للاتحاد العام النسائي وغيرها من الجمعيات النسائية أي حضور فاعل لمنع العنف الجنسي في السجون البعثية، كما أنه  لم يسع لدراسة ظاهرة انخفاض مساهمة المرأة في سوق العمل، وارتفاع بطالة النساء، ولم يضع آليات عمل تحد من تنامي ظاهرة الزواج قبل اكمال تحصيلهن الجامعي، أو تحد من التحايل على القضاء لعقود زواج الصغيرات، ولم يصل إلى حل جذري لجرائم الشرف، ولا إلى حق المرأة السورية بمنح جنسيتها لأطفالها. وكل ما سبق حقائق معروفة.
إلا أن الجدير بالذكر والملاحظة هو أن التهميش وانتقاص الحقوق يتعدى المليشيات المتأسلمة والنظام السوري، ليظهر في التيارات والاحزاب والمؤسسات المعارضة، حيث يتضح اقصاء المرأة من خلال نسب تواجدها في الهيكلية التنظيمية والتنفيذية والتي تكاد تكون معدومة، أو في حدها الأدنى، حتى في التشكيلات السياسية المتعددة كان التمثيل النسائي بحدوده التزييني غير الفاعل، على الرغم من وجود كوادر حقيقية من صاحبات الاختصاص والشهادات والتعليم العالي، ولكنهن مغيبات عن مفاصل العمل الثوري والسياسي ويقتصر وجود الوجه النسائي في المنظمات الإغاثية والنسوية التي تسعى جهدها (المحدود) لتعديل النسب المخجلة وفق كوتا معينة، كاللوبي النسوي السوري وشبكة المرأة السورية، وتجمع نساء الثورة السورية وغيرها.
مع كل التدمير الذي حولنا لسنا بحاجة إلى تهديد المكتسبات التي سبق أن وصلت إليه المرأة السورية وتدميرها، والوقت رغم كل الخسارات على كل المستويات مناسب دائماً للانتباه والتنبيه إلى هذه القضية، فمن الاجحاف أن تساهم المرأة في كل حلقات الثورة فتكون معتقلة وشهيدة وأرملة وأماً لشهداء ومتظاهرة ومسعفة واعلامية واغاثية وسيعول عليها المهمة الأهم في بناء المجتمع ثانية، ثم نكتفي بمنحها دورات تمكين لمحو الأمية ولتعليمها غرزات الخياطة.!
من المهم تحت الظرف الراهن الاهتمام بالمرأة واعطائها فرصاً غير مشروطة لتكون شريكاً فاعلاً في السياسة وفي وضع الدستور.  

  مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية


نشر المقال في موقع تيار الوعد السوري
وفي موقع اللوبي النسوي السوري
وفي موقع الرافد الالكتروني