20 سبتمبر 2016

التائهون.. أمين معلوف

 أقوى دليل على الرواية الجيدة، هو قدرتها على جذبك لقراءتها بذات الحماسة من السطر الأول حتى الأخير. 
تمتعت وتورطت وأحببت رواية أمين معلوف (التائهون) سواء بموضوعها الذي يدور حول تأثير الحرب الأهلية وتبعثر الأصدقاء في الشتات، أو في القفزات السردية وتكنيك الكتابة المستخدم بين الماضي والحاضر مستخدما كل التقنيات كالرسائل والحوارات والمونولوج، أو في نمو الشخصيات وتنوعها، أو في كل ما طرحته من أفكار حول الهوية والحرب والحرية والدين والحب والضداقة ضمن تعدد وجهات نظر، فمعلوف لا يحصارك بمقولات شعاراتيه. ... 
ايي طبعاً أريد أن أقول من لم يقرأ التائهون فاته الكثير ...!
للعلم أمين معلوف كاتب فرانكو لبناني من مواليد 1949 انتخب عضواً للاكاديمية الفرنسية، وله كتاب (الهويات القاتلة) الذي فتح عيناي على مطلق المعنى..
.
سوزان خواتمي

الخ

لا تقل لها أحبكِ، قبل أن ترسل مئة وردة بمئة رائحة مختلفة مجهولة المصدر، تمهد بها ارضاً بوراً وتبث في الهواء تلك الحيرة.
سوزان خواتمي

الخ

يكون الأمل جيداً في الصباح وسيئاً جداً إن استمر حتى المساء..! 
سوزان خواتمي

النبطي.. رواية يوسف زيدان

النبطي.. رواية يوسف زيدان


الصادرة عام 2010 عن دار الشروق وتمتد على مدى 381 صفحة من القطع المتوسط.
حصلت على نسخة من الكتاب في طبعته الخامسة مخطوفاً من بين يدي الصديق صالح النبهان، الذي كان بدوره قد خطفه من مكتبة نادي ابداع الثقافي، ما يدل على فوائد الخطف من خاطف.!
ربما كان من أكثر الاشياء التي تتكرر عند كل قراءة لما يكتبه زيدان، اني ارغب بتقصي المعلومات التاريخية التي يعتمد عليها في بناء رواياته، وهي للأمانة ليست سهلة ولا قليلة. الجميل في (النبطي) أن التاريخ لم يثقل البناء الروائي، بل كان ينساب مرتاحاً بين السطور، لنستدل من خلال السارد وهو هنا شخصية ماريا على أعراف وعادات وتقاليد الانباط، وحال منطقة الجزيرة العربية أثناء ظهور الاسلام حيث كانت هناك طفرة من النبوات، والسنوات العشر التي احتل فيها الفرس مصر. ماريا التي انتقلت بعد زفافها من تاجر نبطي، من منطقة الدلتا إلى شمال الجزيرة العربية حيث تقيم قبيلة زوجها متوزعين بين الخيام والبيوت المنحوتة في الصخر، رحلة طويلة وشاقة على ظهر بغل مع قافلة استمرت شهوراً ومرت بسهوب وصحارى واراض وجبال، وتتحول في ظروف حياتها بل ويصبح اسمها ماوية كما اطلقت عليها حماتها (ام البنين) والأنباط كما يأتي في التعريف عنهم [جماعات عربية كبيرة كانت تعيش من قبل الإسلام، بل من قبل المسيحية فى المنطقة الشاسعة الممتدة من جنوب العراق، مرورا بالمنطقة المسماة اليوم شمال السعودية، وجنوب الأردن، وفلسطين، وسيناء، وهم الذين بنوا الآثار الهائلة الباقية إلى اليوم منحوتة بالجبال بمنطقة «البتراء»، وما حولها من مناطق مثل «مدائن صالح»، و«وادى رم».]
كثيرة هي الأسباب التي تجعل القارئ يطلق على عمل ما أنه جيد، ويتبع ذلك ذائقة القارئ، فالقراءة فعل نرجسي في المقام الأول. بالنسبة لي حقق زيدان لي حصتي من المتعة إضافة إلى أن عمله شجعني على البحث في تاريخ الأنباط، والذي كل ما عرفته عنه زيارة قديمة لمنطقة البترا الفائقة الروعة .
في السرد الروائي ليس مهماً التأكد جازمين من المعلومات التاريخية، بقدر أهمية الحبكة الروائية المقنعة، ثم لا بأس ان أتى لبحث والتقصي لاحقاً، أو ان لم يأتِ.
أسوأ ما في الرواية هو غلافها واللاصق الضعيف المستعمل، والذي سمح لأوراق الرواية أن ينفرط عقدها، رغم جميع محاولاتي بأن لا تنفرط.

سوزان خواتمي

12 سبتمبر 2016

ليس للسوري حقيبة يحملها

سوزان خواتمي
اخترع أديسون المصباح الكهربائي، واخترع زاكرياس جانسن الميكروسكوب، أما ماكينة الخياطة فاخترعها بارتليمي تيموني، حتى المظلة فقد اخترعها صمويل فوكس وفق ما تورده الويكيبيديا. أما محاولاتي لمعرفة الشخص الذي يعود له فضل اختراع حقيبة السفر، بشكلها الحالي فقد باءت بالفشل.
خلال تاريخ الانسانية اضطر الانسان للنزوح في هجرات ارتبطت بالأوبئة أو بالحروب الاستعمارية، أو الدينية أو بالكوارث الطبيعية، وكان عليه أن يحمل متاعه التي يحتاجها؛ مما خف حمله وغلا ثمنه في صناديق خشبية كبيرة، تتأرجح فوق الدواب. ومع تقدم وسائل النقل، لم يعد الرحيل يقتصر على حالات الفرار الجماعي، بل تحول إلى رغبة شخصية ترتبط بمفهوم السياحة والترفيه، أو بالسعي وراء فرصة عمل، وصارت المشاوير عبر السماء لا تحتاج الى أكثر من حقيبة بحجم معين ووزن معقول وجواز سفر قوي يسمح بتأشيرة دخول لاستقبالك في بلاد الله الواسعة.
تجربتي الأولى مع السفر خارج حدود بلادي كانت باتجاه ألمانيا، ركبت الطيارة للمرة الأولى، ولكني كنت في سن لم يتسن لي فيها أن أرتب حقيبتي وأفكر ملياً بما سأحتاجه وما لا أحتاجه، وتلك مهمة للعلم ليست بالسهلة.! تتالت بعدها الرحلات جواً وبراً وما عادت في ذهني ذاكرة تسعها، وتحوّل سفري المكوكي من الكويت إلى سوريا الى معاناة حقيقية، فالاستعداد لرحلة عائلية تستمر شهور الاجازة، والتفكير بما يلزم وما لا يلزم كان مرهقاً. عاهدت نفسي وتحت وطأة الشوق والرغبة بانتهاء الغربة التي أكلت العمر قضمة قضمة، على أني حين أعود وأستقر لن أقتني حقيبة سفر.. سيكفيني بقجة قماشية للسفرات القصيرة. يصفني صديق من باب الذم: بأني طفلة ساذجة، تدفعني عواطفي الآنية. وأظنه لم يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فحين قلت ما قلت كان حنين العودة يسيطر على تلافيف دماغي.
اليوم وكلما نظرت الى حقيبة سفر، فكرت بقيمة محتوياتها، الأشياء الضرورية والخاصة التي يحتاجها كل من غادر بيته ومدينته قسراً أو خوفاً أو هرباً. مدفوعاً برغبة وحيدة أن يعيش.. مجرد أن يعيش.
ماذا حمل السوري الهارب من القصف والموت معه ليقيم في بلاد الجوار..! وماذا حمل ذاك الذي لجأ إلى رحمة المهربين ليركب البحر في زورق مطاطي ويدخل أوروبا متسللاً، لأن جواز سفره ليس قوياً ولا يسمح إلا بهذه الطريقة..! وماذا حمل ذاك الذي مشى على قدميه عابراً الغابات والفيافي والحدود والأسلاك شائكة..! هل اتسعت حقيبته لألبوم صور عائلية، أو أثاث نفيس ورثه عن أجداده، أو قطعة أثرية تروق له، أو هدية الحب الأول، أو كتاب مفضل، أو دفتر مذكرات كتبها مراهقاً أو.. أو..؟
لا حاجة فعلية لمعرفة اسم من اخترع حقيبة السفر، بعد أن استبدلها السوري الهارب إلى الشتات بكيس نايلون وشريط لاصق متين يحوي في داخله: هاتفه النقال وأوراقه التي يعتقد أنها مهمة، ومبلغاً من المال اقترضه غالباً، وسترة نجاة، وربما علبة دواء وزجاجة ماء، وجواز سفر (آيل للانقراض) ترفضه كل بلاد العالم ولا يصلح إلا للغرق!.
نشر المقال في جريدة القبس الكويتية 
وفي موقع الرافد الالكتروني