08 سبتمبر 2017

صحافة الإنترنت والفوضى الإخبارية

منذ أيام ونقلًا عن «الإندبندنت» نشرت المنصة الإخبارية «هافينجتون» مقالًا مترجمًا بعنوان (خلف قضبان سجون الأسد)، يتناول شهادة حية لجحيم الاغتصاب الذى واجهته إحدى المعتقلات وليست الوحيدة، وعلى الرغم من أن القانون الدولى اعتبر الاغتصاب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية؛ فإن كثيرات تعرضن ويتعرضن لهذا النوع من الإذلال والمهانة.
الفتاة التى مرت بتلك البشاعة تحدثت باسم مستعار ولم تكشف عن شخصيتها لظروف اجتماعية ونفسية نتفهمها جميعًا، إلا أن الصورة المرافقة التى اختارتها الصحيفة بشكل عشوائى ومن دون أن تتوخى الحرص، كانت لسيدة أخرى لا علاقة لها بالموضوع. ولأننا فى عصر الاتصالات السريع انتشر الخبر على وسائل التواصل الاجتماعى والصحف الإلكترونية، وانتشرت الصورة معه لتصل إلى الآلاف المؤلفة من القراء. هكذا صحت صاحبة الصورة من نومها لتجد نفسها فى ورطة لم تحسب لها حسابًا. 
الزوج المحاصر بأخطاء غيره كتب معترضًا بأن صورة زوجته أُقحمت داخل القضية من دون مبرر، وأشار إلى أن اللقطة أُخذت من خبر آخر يتعلق برفعهم قضية على فروع الأمن العسكرى بسوريا فى المحكمة الفيدرالية الألمانية.
فى محاولة للرجوع إلى الخطأ من مصدره فى المقال الأصلى للشهادة التى أوردتها صحيفة «الإندبندنت» أو من موقع «الهافينجتون» أو فى سلسلة المواقع الإخبارية اللاحقة التى نقلت الخبر كما هو، نجدها جميعًا متورطة بالتعجل والاستعانة بتقنية القص واللصق. على الرغم من أن فى كل مادة صحفية منشورة لا بد من الانتباه والتدقيق ليس فى الخبر نفسه فقط، بل أيضًا فى الصورة المرافقة. 
عادة ما تلتقط العين الصورة قبل الخبر، فالصورة على أشكالها المتعددة سواء الشخصية للكاتب أو الكاريكاتير أو الرسم البيانى للأرقام الواردة فى الخبر، هى المحفز للقراءة والوسيلة الأسرع والأقدر على تثبيت المعلومة وأيضًا تذكرها لاحقًا، وهذا للأسف ما سيجعل صورة السيدة راسخة فى الذهن لفترة طويلة. 
خلال تجربتى فى العمل الصحفي، جريدة واحدة فقط كانت تعنى بموضوع خصوصية الصورة المرافقة لأخبارها، ولديها قسم كبير متكامل ووافٍ للتصوير، وكتيبة من المصورين النشيطين المتمرسين الذين يلتقطون صورًا حصرية، وأذكر جهدهم وتعبهم فى قطع الشوارع واللحاق بالصحفى أو سبقه أحيانًا لحضور المراسم الرسمية والمباريات والمقابلات، وكان من حقهم علينا كمحررين كتابة اسم المصور على الصورة كما يكتب اسم الصحفى على المادة الصحفية، أو الإشارة إلى مصدر الصورة إن لم تكن حصرية، وهذا ما تفعله «رويترز» على سبيل المثال. 
ولم يكن ذلك عبثًا، فالصورة كما يقولون بلغة الصحافة الحديثة صارت هى الطلقة الأولى التى تصيب، أما إن خابت فذلك يرجع لأسباب عدة، تتعلق بالتكرار وعدم الموضوعية، أو أن تكون الصورة مؤذية وخادشة للآداب العامة، والأسوأ من كل ما سبق ذكره أن تكون مفبركة ولا تخص القضية المطروحة كما حدث مع صاحبة الصورة التى لن يحسدها أحدنا على الوضع الذى وجدت به. إن حذف الصورة من جهة المصدر وهذا ما حدث بناءً على اعتراض الزوج لم يكن علاجًا باترًا؛ لأن الصورة فى زمن الأخبار المنقولة من وعن، ما زالت تظهر هنا وهناك.