15 ديسمبر 2018

سوزان خواتمي في مجموعتها الثالثة "فسيفساء امرأة" قصص العيش في الراهن

الناقد: راسم المدهون 
جريدة الحياة
مجموعة الكاتبة السورية سوزان خواتمي القصصية الجديدة"فسيفساء امرأة"، تعود بنا من جديد إلى نعمة القص، إذ هي تقوم في مرتكزها الأهم على الحكاية وتحرص على السرد، وما فيه من تسلسل حدثي يسند بعضه بعضاً، ويسند القصة ليجعل منها في تعريف بسيط، حكاية صوغها في أسلوب فني، وخضعت أحداثها لانتقائية تعيد تشكيلها وتقديمها الى القارئ في كثير من لغة التشويق ومن الحرص على المزاوجة بين الشكل الفني وما يتأسس عليه من جمالية، والمضامين القصصية بما فيها من أحداث حياة ووقائع أيام.
سوزان خواتمي، سبق أن أصـدرت مجمـوعتين قصصيتين"ذاكرة من ورق"دار سعاد الصباح ـ الكويت عام 1999, و"كل شيء عن الحب"دار سعاد الصباح ـ الكويت 2001. وهي سبق أن فازت بجائزة سعاد الصباح الأدبية عن موضوع بعنوان"رسالة إلى شهيد"عام 1993.
"فسيفساء امرأة"منشورات اتحاد الكتّاب العرب - دمشق، تنتمي قصصها الى عنوانها بأمانة، من حيث هي التفات إلى جزيئات وتفاصيل في حياة امرأة معاصرة، تفاصيل تحمل الكثير من المشاعر المحبطة والأحلام المكسورة مثلما تحمل رؤى وارهاصات لأحلام أخرى تصطدم بوقائع العيش وما فيها من قسوة. سوزان خواتمي تقدم صورة المرأة في محيطها الاجتماعي بكل ما يكتنف هذه الصورة من خطوط سود، هي الفارق الكبير بين الأحلام الأولى، البيض والمحلّقة بأجنحة الخيال، والواقع الصلد الذي تؤسسه الحياة الحقيقية كما تعيشها المرأة بتفاصيل برود العشق، بل تحوله يوماً بعد يوم نوعاً من العادة التي تتكرر ولكنها تفقد كل مرّة شيئاً من ذاتها، لتنتهي بعد ذلك إلى قسوة من نوع جديد.
في"قصة أريد العالم وأكتفي بالشوكولا"، تقدم خواتمي حكاية امرأة مع الريجيم، حيث عليها أن تستعيد بقسوة الجوع قوامها الرشيق السابق بعد سنوات من الزواج، فيما لا ينطبق الأمر ذاته على زوجها الذي يتمتع بحرية السمنة والترهل كما يشاء:"زيادة الوزن بالنسبة إليه وقار رجولي مطلوب، بينما يحتم عليّ ملاحظة ضرسي الطيب الذي يتمتع باللقمة اللذيذة". في هذه القصة انتباه إلى تقليدية الوعي، أو إذا شئنا الدقة إلى ذكورية هذا الوعي والتي تجعل الرشاقة والجمال من الصفات الضرورية للمرأة، وفي الوقت نفسه فائضة عن الحاجة بالنسبة إلى الرجل. هنا تقدم سوزان خواتمي ملامح من معاناة المرأة مع الزواج كعلاقة مع الرجل تصبح محكومة بتفاصيل العيش اليومي وما فيه أسباب إحباط من خلال إخراج المرأة من صورة العاشقة، إلى صورة شديدة الواقعية، هي صورة الزوجة، ربة البيت، والأم، وعاملة التنظيف النشطة التي لا تكل ولا تتوقف عن العمل، والتي تجد نفسها مطالبة بالحفاظ على صورة العاشقة القديمة، تلك التي لا تعود موجودة إلا في ألبومات الصور القديمة ومنها صورة حفلة الزواج وما فيها من نضارة وشباب.
صورة الحياة
يبدو موضوع هذه القصة تقليدياً إلى حدّ بعيد، لكنّ معالجة الكاتبة تمنحه جدة وحرارة من خلال استقراء المشاعر الذاتية وإضاءة ما فيها من خلجات جزئية صغيرة، هي في مجموعها تفاصيل صورة الحياة الجديدة وملامحها.
أما في"الملفوف الساخن"، فتقدم سوزان خواتمي حكاية شديدة الواقعية لعاشق فقير يقدم على السرقة من أجل توفير حياة أفضل لحبيبته. في هذه القصة تذهب الكاتبة إلى الجانب الآخر من نفس الإنسان، الجانب الذي يحتفظ بنوازع الخير بما فيها الحب. قصة فيها الكثير من إشارات غير صريحة إلى عصف المصاعب الاجتماعية بأرواح الناس البسطاء وإلى المفهوم الحقيقي للانحراف، الذي تجسده في القصة واقعة السرقة من أجل غاية نبيلة في إسعاد الحبيب والحرص في الوقت ذاته، على إبقائه طاهراً من خلال إبعاده عن أجواء السرقة.
قصص سوزان خواتمي في"فسيفساء امرأة"، تفارق في أجوائها وحكاياتها ما نقرأه في هذه الأيام من قصص الكاتبات السوريات، خصوصاً أن سوزان خواتمي توظف حسها الأنثوي في معالجة شؤون حياتيه لبطلاتها وأبطالها بعيداً من الأساليب المعهودة، التقليدية والمتكررة، للغة القص الأنثوية، فلا تعمد الى الاتكاء على تأنيث الحكايات أو تأنيث الحلول إذا جازت العبارات، فنراها تتوغل بالتفاصيل الاجتماعية بكثير من الوعي المشحون بعاطفة صادقة نراها تقع في مكانها المناسب، من دون افتعال أو ادعاء، حيث القصة ملمح ذكي الرؤية لواقعة حياتية، فيها ما فيها من تفاصيل. لغة هذه القصص يومية، بسيطة ومباشرة وإن تكن الكاتبة نجحت في جعلها تتكيف مع وقائعها السردية ومع ما تريد التعبير عنه من مشاهد تحرص الكاتبة على أن تكون أساس قصصها. ففي القصص كلها انتباه إلى أهمية أن ترسم الكاتبة صور ما يجري من وقائع لا أن تقوم بسردها وحسب، وهذه في تقديري واحدة من أهم جماليات قصصها .

14 مايو 2018

لعبة التشويق الممتعة .. عن رواية " امرأة في النافذة"


كثيرة هي الأسباب التي تجعلنا نقرأ، وأقل القليل ما يجعلنا نواصل القراءة... 
رواية "امرأة في النافذة" للكاتب أ.ج. فين، وهي (لست واثقة إن كان ذلك يعني شيئاً) الأكثر مبيعاً على قوائم نيويورك تايمز. تملك الرواية كل الألاعيب السحرية لامتلاك قارئها، ولا يعمد الروائي إلى التشويق وحده، والذي أتقنه تماماً كما أتقن الحبكة شارلوك هلمزية، فزرع مفاجآته كالألغام التي تنفجر في وجهك حيث لا تتوقع، وجاءت وفق رأيي الشخصي أكثر مما تحتمله قصة امرأة وحيدة تعيش عزلتها وتتفرغ لمراقبة الأشياء والجيران من نوافذ بيتها الواسع، مستخدمة عدسة كاميرتها.
إن فكرة " المراقبة " ليست جديدة على الأدب المكتوب والمرئي، فهناك أكثر من عمل اعتمد تلك الثيمة، إلا أن الـ 433 صفحة كتبت بأسلوب ومفردات وتوصيفات ذكية وممتعة ومختلفة تجعلنا نستغرق في تتبع الاحداث، حيث قام السرد على التحليل النفسي، وبشكل مواز على قائمة من الأفلام القديمة المشهورة، فالبطلة آنا أو الطبيبة فوكس تشغل وقتها في مشاهدتها، وهي مدمنة كحول، ماهرة في لعبة الشطرنج، مرت بمأساة موجعة قادتها للإصابة بدورها بمرض نفسي يمنعها من أن تخطو خطوة واحدة خارج بيتها، فكانت تقضي على الفراغ باللجوء إلى مواقع الانترنت لتمارس مهنتها كمحللة نفسية تساعد أشخاصاً بأسماء وهمية، وتقف عاجزة أمام مرضها الخاص، كما تقف عاجزة عن إثبات الجريمة التي رأتها، فلا أحد يصدق امرأة تقف على حافة الجنون، والموت أيضاً.
الحياة أيضاً تفرض حلولها، فمهما كان الانسان ضعيفاً إلا أنه يتشبث وبقوة لينجو، وهذا ما تنوه إليه خاتمة الرواية.
نجحت الرواية ضمن ترتيبها الزمني وتطورها البنائي في خلق الأجواء والمشاعر المناسبة للشخصيات المرسومة بأبعاد معقدة. لعل المأخذ الوحيد هو فيض المفاجآت في الصفحات الأخيرة من الرواية. ما عدا ذلك فهي رواية بارعة حقاً.


28 أبريل 2018

(أنت قلت).... قصة حب مدمر

حين نقرأ الروايات بمتعة فإننا نتلصص على حيوات ابتدعها كتاب وروائيون يجيدون خلق المشهد، أما حين نقرأ كتاب مذكرات فهذا يعني أننا داخل حيوات شخصية، سمح لنا اصحابها بأن نعيشها معهم.
"أنت قلت" كتاب لكوني بالمن وهي فيلسوفة وكاتبة هولندية . روت لنا دراما عاشقين الشاعر الانكليزي تيد هيوز وزوجته الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث التي انتحرت لأسباب نفسية ليس أقلها فشل زواجها، وحاجتها المجنونة (كما يوحي لنا زوجها) كي تكون شاعرة يخلدها التاريخ.
استمدت الكاتبة الأحداث من مجموعة الحوارات والقصائد والمذكرات وآلاف المواضيع الصحفية التي تناولت حياة الزوجين.
وربما لأنه كتاب واقعي وليس متخيلأ، فالقارئ أي أنا مثلاً يؤخذ بما يقرأ بشكل كامل، قبل أن يضيع وتلتبس عليه المواقف.. هل كان تيد بشهرته وعلاقاته سبباً مباشراً في انتحار سيلفيا؟ وسبباً أيضاً في انتحار عشيقته الرسامة آسيا ويفيل مع ابنتهما الصغيرة بعد أن رفض الزواج بها فتتكرر الفاجعة بذات الطريقة، بعد تسع سنوات !
الجوانب النفسية الملتبسة لكائنين، والضغوط النفسية لمهنة الكتابة، وتداخلات الطفولة المؤرقة ، الحياة المرتبكة، والتنقلات الكثيرة بعيداً عن الاستقرار.. كل ذلك يرفع من وتيرة ( أنت قلت) ويشدنا بقوة إلى الأوساط الأدبية في الخمسينات، والتي لا تخلو من النميمة والمنافسة والزئبقية والمزاجية.
توفي الشاعر تيد هوز عام 1998 وبقي طوال حياته يعاني من أصابع الاتهام بكونه خائناً ومسؤولاً مباشراً عن وفاة زوجته، ولكنه رغم ذلك اختار الصمت، ليأتي هذا الكتاب الذي ترجمته لمياء المقدم كنوع من أنواع قلب الطاولة، ومحاولة للدفاع عن النفس، فالرجل كما يدعي عن نفسه لم يكن على تلك الدرجة من السوء.
وكي لا احرق الأحداث لمن يرغب بقراءة الكتاب، أكتفي بأن أقول: إنه يسبب الحزن .. يكشف متاهات الحياة .
ملاحظة: لم تهتم الصحافة بحادثة انتحار العشيقة آسيا ويفيل ولم تربط بين اسمها واسم الشاعر تيد هيوز، رغم حياتهما المشتركة الواضحة للجميع، واهتمامها بوضع رسوماتها لعدد من كتبه.
.
مقتطف من شعر سلفيا:
كأنك لم تكُ يومًا
كأني جئت إلى هذا العالم
من رحم أمّي وحدها:
سريرها الواسع ارتدى ثوب القداسة...
متّ كأي رجل
فكيف لي أن أشيخ الآن؟ أنا شبح انتحار شائن...
كان حبّي هو الذي قاد كلينا إلى الموت.
مقتطف من شعر تيد هيوز:
من ذا يملك هذين القدمين الصغيرتين العجفاوين؟ الموت.
من ذا يملك ذا الوجه ألأهلب ذو نظرة محرقة؟ الموت.
من ذا يملك هذين الرئتين اللجوجتين؟ الموت.
من ذا يملك هذه العضلات مغلفة بالمنفعة؟ الموت.
من ذا يملك هذه الأحشاء الصامتة؟ الموت
من ذا يملك هذه الأمخاخ المسائلة؟ الموت.
و له هذا الدم البارد؟ الموت.
و له هاتين العينين ذواتي كفاية دنيا؟ الموت.
و له هذا اللسان الصغير سليطا؟ الموت.
و له قبضة تأتي على غير توقع؟ الموت

#تيد_هيوز
#أنت_قلت
#سيلفيا_بلاث
#حب

07 فبراير 2018

ايزابيل الليندي والحب الأبدي : رواية العاشق الياباني

بسهولة وببساطة مازالت الكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي تستطيع جرّي إلى منعطفات لغتها الخاصة. قرأت لها أغلب أو جميع رواياتها، متأملة في كل مرة دهشة جديدة تحققها بمهارة حاوي يجيد قذف الكرات.
رواية " العاشق الياباني " تتناول الشغف والرومانسية والحب الأبدي جنباً إلى جنب مع إلحاحات الذاكرة والهرم والخيبة والخسارات الفادحة. بطبيعة الحال لا يمكن لكاتبة تعد الأكثر مبيعاً أن نتوقع منها قصصاً تقليدية، نتحدث هنا عن 65 مليون نسخة! بهذا الرقم المرعب لنا كقراء وكتاب عرب، تتسلح الليندي لتخوض بحرية في العلاقات المحرمة، والأهواء والنزعات البشرية على اختلافها من خلال تشابك حيوي بين شخصيتين رئيسيتين " ألما" السيدة الثرية العجوز بقلب حي تتستر على قصة حب لا تنتهي بينها وبين البستاني " ايشمي" الياباني ، و "إيرينا" الموظفة المهاجرة التي تعمل في دار المسنين وتخفي ماضياً حافلاً باشلمآسي.
اختارت الروائية للأحداث امتداداً زمنياً  بين النصف الثاني من القرن العشرين وحتى أوائل القرن الواحد والعشرين، فتورد: السجون النازية في بولندا، ومعتقلات اليابانيين الأميركيين، اسرائيل والعرب، مرض الايدز، ديانة الأوموتو المشتقة عن الشنتويّة،  بل وأيضاً مخيمات اللاجئين السوريين.
كل ذلك إضافة إلى تفاصيل المشاعر والمشهدّية وإيفاء الشخصيات حقها، كانت على درجة من الاتقان فلم تقطع التشويق السردي.
أثناء القراءة تذكرت الأفلام العربية التي تعتمد في كل قصصها البائسة على أبطال شبان، مقارنة بالكثير من التحف السينمائية الغربية التي تتناول الحياة في كل وجوهها، فلا تقتصر على الشباب والفتوة، ولا على الحبكة التقليدية التي تنتهي بالزواج. قلت لنفسي "لسا بدنا فت كتير"