17 مايو 2005

هذيان لايعني أحدا( خلف علي الخلف)

1


اليمامة كما كانت تبدو لي من فوق الاكروبوليس

مالذي في اليمامة لابكيها كلَّ هذا البكاء المكتوم كمن يفارق موطنه الاول للمرة الاولى؟! ما الذي في اليمامة لأذكرها كمعشوقة فارقتها وهي في ثياب العرس؟ !

مالذي يجعل منفوحة الاعشى تكفنني بكل هذا الحنين ... ويجعل تلك البلاد تحتل روحي للابد



اليمامة ياعاشقين

من هنا تبدو كأنها الكون كله .. كلما وقفت فوق الاكروبوليس ونظرت... اراها فيتوهج جمرها على حواف القلب فيحرقني النشيد والنشيج

ليست اليمامة اجمل المدن

وليست احنَّ المدن

وليست عاشقة لا تنام مثل حلب

لكنها تأخذني من ليلي وتستبي وجدي فأطوف بذاكرتي حولها مثل عاشق يتسلل الى مخدع حبيبته ليلا



ها انا اكتبك باكيا ، انا الذي كنت دائما اردد : لا بد من الرحيل عن هذي البلاد .. انها تأخذ عمري وتنثره للسراب .....

لم تأخذني اليمامة بأحضانها كعاشقة .. كي اذكر دفء فراشها غير اني احس اني تركت روحي معلقة على جدران" ديرتها "



من يبلل ايامي الضامئة من مائها ؟

ويحمل لي خصلة من شمسها وحفنة من تراب " الديرة "، او نفسا من هوائها واعطيه هذه الايام التي تمضي هنا كلها مزينة بوهج مدينة افلاطون المثقلة بالتاريخ والاحلام وسكانها



حينما هجرتك وتركتُ اشيائي الصغيرة ... وحقيبتي وملابسي قلت ُ : لتذهب هذه للجحيم أيذكر تلك الاشياء من ييمم شطر أثينا

غير اني الان احس بفداحة الفقد ... من يقل لي عد لأترك كل شيء في مكانه هنا واحمل روحي التي تتوق لشمسها واعود اليها



يايمامة

ما كنت حضنا لعاشق

لكنك كنت ملفى الغريب



لو استطيع جعلت هذي البلاد قرطا يتوارى خلف حجابك



ايتها الوحدة والعزلة التي سكنت خطاي....

حين اتوسد اضلعي كي انام تحضريني اتهجى الاماكن من" منفوحة الاعشى " وحتى تخوم" الحديثة"



اتهجى ذاكرتي

من سينسى مطعما صغيراً في شارع الطيف في منفوحة الاعشى ... وينسى سمير القادم من " اللواء السليب "

من سينسى " الكبسة" ياسمير اليمامة؟؟

من سيصنع لي قهوة كنت اشربها في مقهى صغير ودافئ في " ابراج الخالدية "

اذكر هذا هنا فأحس ان النادل البنغلاديشي في المقهى الصغير كان من سلالتي او اهلي الطيبين



من لي بقراءة " الحياة " باكرا في صباح اليمامة



من سينسى خبزك وتمرك وقهوتك الجنوبية



من ينسى هذا لا يستطيع ان يذكر شيء



ها انا احلم من فوق الاكروبوليس ان اقف على ابواب " ديرتك" واسمع صوت مآذنك واسمع من ينادي " الصلاة ... الصلاة يا عباد الله " وما كنت مصلي



مالذي في اليمامة لتجعل قلبي يشفُّ ويرقُّ حينما اذكرها ...... وقد اخذت من العمر ما يكفي ولم تعطني غير روح مبللة بصحراء

اودعتك ماتبقى من الخلان وها انت تعيدي ولادتي سلالة من اسى وذريتي شجرا من نحيب



اثينا 2002









2



ها انا اصرخ قدام وجهك يايمامة

اغفري لي كل هذا الغياب بكل هذا الحنين

اغمس لهفتي بصمت صحرائك / ارى نفسي في مرآة الساحرات / اشتل الخلان في وجدي وانظر للبعيد.....

ردائي لا يستر احزاني وقلبي ينفطر من من فرط النشيد



كيف توسدت قلبي وتركتني وحدي وحدي اهجس بالهوى واكتوي بالصبابة وتذكّر الخلان



كأني عاشق يا يمامة



وحيدا إلا من الحنين/ ارتل الخطى مزاميراً ولا اجد من أتلو عليه النشيد



تحفر سيول الايام أخاديدها على تربة العمر فأحرق أشجاري واستطيب طعم الرماد



كأني عاشق .....

وأثينا تحمي ريحها من نفس الغريب / تنام متكأة على خصرها .. تعبرها السنين ولا تبللها

ووحدي اواجه سيف الاحزان



ياسيدي ليس هذا دمي وليست هذه إبلي وليس في جعبتي غير هذا الحنين



وسادتي الريح

وحلمي التراب

وظلي البوح



ماذا جنيت من العمر والخلّان فارقوا موقدي



لم يتركوا حتى رائحتهم او نظراتهم تطوف المكان



من يأخذ قافلة المسافر أو يخطف سفينته لتهدأ روحه



ما كنت مغرماً بالسنين وهي تمضي.. لكن روحي تطوف حول قبورها .. وما بقي من العمر إلا أن نعد أصابع الرحيل



اثينا 2002







3







ايها العابر حيث تمضي ...ماذا تبقى من هواك



تهجو الاماكن ... تهجرها صوب اماكن اخرى غير انك لا تهدأ



كم حزناً كتبت ... كم ارضاً عشقت ؟ وظل يطردك المكان او انت تهجرهَ وكنتَ كمن يشتم الصحراء او يبصق البحر



من يواسيك ؟ يحمل عنك ظل الدمع كي تنام .. او من يذرف عليك دمعاً حين ينام ؟

ليس غيرك ايتها العاشقة

وليس لكِ غير صلاة الغائب



ها انت تكتحلين بذكرى المفارق وتزرعين ايامك ورداً وعلى وسادة عمرك ينام الارق

تتوسدك الايام وتتهجين السنين مثل طفل يتعلم الابجدية .. مالذي اعطاك اياه الحبيب غير هجرته ايتها الحالمة بغصنه



تنتظرين الحبيب على جمر المودة وحين يجيء مبللا بخطاه تصفعين ايامه على وجهها بالعبوس

وقلت لك : اني لا انام الا على جمر الحروف

وقلت لك : " هي هجرة اخرى "

وقلت لك : "في سعينا نحو الحياة التي نحب نعيش الحياة"

وقلت لك " قد تمضي الحياة بنا هكذا هكذا حتى اخرها ونحن نرى ايامنا ماءا يسيل في ارض بوار



وقلت لك : أقدم اعتذاري لعمرك وشبابك ايتها العاشقة .. ان كان ذلك يكفي ؟



ايتها العاشقة مالذي يدفئ أيامك غير ظل الوحشة

لكننا نحيا الحياة فوق الحياة مع قليل أو كثير من الدمع والملح





اثينا 2002









4



البلاد

البلاد التي نشيدها في النشيد ... تذوب على حواف الكتابة



أيها النسيان : لاتطوني مثل كتاب نسي على حافة نهر

بعد كل هذا الرحيل أريد لقبري شاهدةً كي يقرأ المارة اسمي ويتلفظوا به

لست غازياً ... ولست مدافعاً عن الاوطان غير اني اريد ايامي ...

اذرف السنين مثل بكاء عاشقٍ على حبيبة فارقته وتزوجت غيره / اندبها وانــــــــــــــــــــوح عليها

واقول عودي ... والميتُ لايعود

وها أنا انتظر المسيح كي يعيدها من قبورها

مامعنى ان تعود ؟! وهل ستكون هي حينئذ ! وهل الايام غير ظلٍ حياته معلقة بما هو خارج عنه...

حين يجبلني النشيد أتمتم " مثل عجوز حقود " متى ؟ كيف ؟ أين ؟



لكنها السنين تمضي ... تمضي ... ونحن نبحث عن الظل ونبحث في قعر كأس الحياة عن حثال انفسنا



انه الظل ولا شيء سواه / الظل الذي يحيا ويموت دون ان يدري ...دون ان يكون له في مصيره ميتاً ام حياً

هل نحن ظل الظل ... أم ظل الخرافة .. أم أناشيد نبتت في الظل ... و



مالذي في اثينا كي ننام على جمرها / مالذي يجعل الحياة قرب الاكروبول تشبه قصيدة كافافي بانتظار البرابرة

حين لانفهم المتن نخطف ابصارنا للهامش وقد نظل طويلا في الهماش وربما تمضي الحياة هناك دون ان نستطيع فهم المتن



مالذي في اثينا ... و antigoni تقطف أزهارها من ايدي العابرين وتزرعها على حواف الايام / ولا تحفل بالعابر وهو ينسج الاناشيد على سدو دنلوب ...

جرس الظل هي ... صوت ارتطام الموج بالقلب الكسير .. إنها الشجو إذ ينوء بمودة المنطفئ

أو رأفة الاشجار بالتائهين... تحمل العرش بخنصرها وتطوف حولها الأرواح كلّها مسبحةً:

تبارك الضوء إذ يسيل من حلمتكِ

أغصانك العارية مباركة

الريح التي تهب من أنفاسك على برِّ المحرومين

صوتها أنثى وخطاها رجفة الواصل سدرة المنتهى ...

إذ تمشي .. تمشي وراءها البساتين .. الرعاة يتركون اغنامهم .. العصاة يتوبون الى ربهم ويمشون وراءها

النهار يخفت ضوءه ويمشي وراءها .. البرابرة الذين انتظرهم كافافي يأتون مسرعين تلبس وجوههم البراءة ويمشون وراءها .... كافافي يقوم من قبره ممزقا قصاءده ليمشي وراءها..... إنها الطالعة من تاريخ هيرودوت



الأيام تذوي ... تذوي ولم نشم رائحتها بعد ... تسأل ُ : ماذا جنيتُ أنا الذي لم يراني الاعمى .. ماذا تبغي من الايام ؟

أشعر أني وجدت حروفاً وركبتُ كلاماً غير أني اضعت المعنى ..

هل المعنى هو ما تبغيه من شجر الأيام ...؟





أثينا 2002









5





فلتتوسدي أضلعكِ او أضلعي - أيتها العاشقة - وتعدي نجوم السماء وكلما اخطأت في العد يبتعد الحبيب

هل كنا حبيبين فعلاً ؟ أم ان النسيان طوى رسائلنا

ليس وهماً ان اقول :

فقدتُ اصابعي

فقدت ُ لساني

فقدتُ بصري

كيف سيكون حبي ؟! ... كيف المسه.... اتذوقه ... احكي له ... عنه .. أراه ....

وما بقي لي سوى حاستين ضعيفتين .... لابد له من رائحة تشبه رائحة الموت كي أشمه ... لابد لصراخه ان يكون عالياُ كي اسمعه

هل هذا هو الحب ايتها العاشقة ؟ لا ادري .... غير اني بعت عمري بزنبيل حنطة وبعد سنيـــــــــن وجدته مرمي على الطريق

[ لمن لم يصله المعنى : لم ينتفع به من اشتراه فرماه ...]



مثلك كانت العاشقات في عصور المحبة / غير أنك تنامين قبل وصول الضوء الى اطرافك

أفتت الضوء / أعيد طلائه بالبصر / ألمه من اقاصي ذنوبه الى اطراف أصابعي كي اكتب الوجد وأمحوه مثل شعارٍ ماتت ثورته



الأنفاس الداكنة تطوف المدينة

ليلُها يهرب من ظلام الشوارع

الزمن ينزلق من أعالي اوهامه / تكسر ساقه ويتبعثر الصمت



الصمتُ ظل الصوت

صوتٌ ناء في العمر

صوت ُمالامسته يد الصحو فظل على سرير اللسان غرير العين



الصمتُ



قشعريرة المدى

رغوة اللحظات

نهارٌ معلق على اسطح نسيتها العيون فبهتت الوانه

مرآة الانفاس وهي تقطف العشب من فناء الريح

من يعرفه ينسى الايام الضريرة وينام يابساً بجانب الأحيان....



تنسى فكرة الضوء وتسّاءلُ مالضوء خارج العتمة ؟!

العتمة من يعرفها ... عندما تخرج من فراشها مجردة من ثيابها... لتكتشف فجأة أن :

اللحظاتُ تنام باكراً

وأنت تسحبُ من تحت رأسها وسادة الوقت كي تحصيه ... ماذا تحصي؟!



الأيام تمضي.........

لماذا تقول الأيام تمضي ؟ ولاتقول الايام تزول ... ربما لانها تدخل الذاكرة وتظل تستحظرها ... ربما ... ربما

أنه أمر آخر ايها المحموم

تسأل عن ريحٍ ما لتطعن قلبها بقلبك ... وترى أن هذه الصورة اكثر واقعية من الألم الأعمى



الأعمى

كلُّ يومٍ يمرُّ من النفق

يتحسس النهارَ بعصاه

ولا يرى الضوء يسيل من بهائها إذ تمرّ

بجانبه كل يومٍ

معلقةً جمجمة العاشق على جيدها الاخرس



هو ليس اعمى لكن



من يأبه لأشجاره وهي تذوي

من يأبه لنهاره الذابل مفرداً كحجرٍ في صحراء

من يأبه لروحه وهي تصطك من برد العزلة

من يأبه لقلبه وهو ينام مرتجفا دون غطاء

من يأبه لأيامه وهي تمضي مثل ظعون مستطرقة

من يأبه لناره المطفأة

من يأبه لخطاه التي ضللتها الدروب

من يأبه لحنينه الذي يورق في الوحدة كمأوى وحيد في هذه الارض التي تتسع

من يأبه لقلقه من الموت وحيداً ميتة الشبح

من يأبه لغربته التي تحش روحه كل مساء وتطعمها للخواء



من يأبه له

وهو الأعزل





اثينا 2002