12 يناير 2021

الخيوط المجهولة في رواية "ربع وقت" لسوزان خواتمي

 

عبر سردية هادئة ومتأنية، تنحت الكاتبة السورية، سوزان خواتمي، أحداث وشخصيات روايتها “ربع وقت”، مشيرة في مطلعها، وعلى لسان شخصية نائلة “أن الاستعجال أخو الحماقة..”، وكأنها تلمح إلى عدم الاستعجال في سرد أحداث روايتها، وربما هذا ما جعل خواتمي تفتتحها بحادثة اعتقال الصحفية “نائلة”، لتنتقل إلى أحداث غيرها، رغم أن حدثًا كهذا عادة ما يستدعي تصاعدًا دراميًا في بنية الأحداث، ويجعلها تتمحور حوله، إلا أن خواتمي تشتغل بخلاف هذه العادة، ملتفتة إلى حياكة بنيتها السردية على نحو نوشك معها على نسيان تلك الحادثة، ونحن نغوص في ماضي الشخصيات، وما أحاط بها من مؤثرات ثقافية واجتماعية وسياسية، مع سعي الكاتبة إلى ترك مهمة تفسير وتحليل هذه المؤثرات للقارئ، إلى حد أنها ورطت الراوي الذي يأتي على وصف “نائلة” بأنها شخصية تتمتع بالإرادة والعزيمة، وتحقق كل ما تعزم عليه، إلى أن يكتشف القارئ عكس ما أدلى به الراوي حول هذه الشخصية، التي بدت عديمة الإرادة، ممزقة الأهواء. ويكاد هذا الأمر يندرج على معظم الشخصيات، وكأن ثمة قوة خفية، غير منطقية، تسيرها وتتحكم بخيوط حياتها، وتسوقها إلى مصائرلا حيلة لها فيها. وإذا ما تعمقنا أكثر في عوالم الرواية، باحثين عن ماهية هذه القوة التي أتت في سياق أحداث الرواية، يتبين لنا أنها ليست إلا قوة عبثية، أوجدتها السلطة البعثية في عهدي الأسدين، الأب والابن، لتهيمن على حياة السوريين، وتعمل فتكًا في أعمارهم وأحلامهم. كان لخطاب بشار الأسد بعد أن ورث السيطرة على سورية، أثرًا مشجعًا لـ”نائلة” لإعداد تقرير مشفوع بالوثائق والأرقام، عن حالات الفساد والاختلاس التي صاحب بناء نادي الحمدانية الرياضي في مدينة حلب، لتدفع ثمن هذا التقرير مع بدء أحداث الثورة السورية.

وما يعمق من حالة الخراب، وهذه القدرية العبثية، أن المدعو “أبو خالد” ما هو إلا مهندس زراعي، وليس له أية علاقة بمهنة الصحافة. لكن تم تعيينه مديرًا للمجلة التي تعمل فيها نائلة، لا لشيء، إلا لكونه يجيد كتابة التقارير، فأصبحت المجلة أشبه ما تكون بمقهى شعبي.
وفي السياق نفسه، يباغتنا “أبو زكور” العامل بصفة “مستخدم” في المجلة بمدى النفوذ الذي يتمتع به. ولا يختلف الحال مع “نادر”، الموظف الآخر في المجلة، الذي يأتي اسمه أولًا في جدول قائمة صرف الرواتب الشهرية، رغم عدم التزامه بالدوام، لكونه منشغلًا بإدارة فرن لصناعة المعجنات.
وإن كان عنوان الرواية يشير إلى مدلول “الربع”، إشارة إلى الزمن، فإن هذا يمكن أن ينطبق كذلك على الشخصيات وأحلامها وتجاربها، فهي ربعية في يقينها، وإرادتها، وحتى في تكوينها النفسي، إذ بدت وكأنها أنصاف بشر، يتحركون على الأرض بعماء مطلق، فما من حلم واحد تحقق لأي منهم، وما من طموح يؤازرهم، وجلهم لا يعلم طريقًا يمضي إليه. وحتى إذا أتيحت لهم فرص ضئيلة للخيار، ستكون خيارات ناقصة، لا يحصد صاحبها إلا الندامة، فكل العوالم هنا ربعية. ومع أن الربع أمر خانق، فقد بدا وكأنه قانون كوني مفروض على أناس عاشوا ربع حياة، وربع سعادة، وربع خلاص، وهذا الربع يعمل نخرًا في كيان الإنسان السوري، جالبًا إليه الشقاء والندم والحرمان، فها هي “نائلة”، حتى بعد مرور سنوات عديدة على علاقتها مع “علي”، تلك العلاقة التي لم تدم إلا لزمن قصير “ربعي”، ولم تحقق لها إلا قسطًا ضئيلًا من السعادة، تفتح في أعماقها جرح الندم على قرار هجرها له. وفي وقت بلغت فيه الأربعين من عمرها، وصار لديها زوج وابنة، لا تكاد تتوقف عن مراسلته عبر الإيميل، معبرة عن حالة الندم والحرمان جراء غيابه عن حياتها، غير أن كل هذه الرسائل تبقى من طرف واحد، وما من رد عليها،

وكذلك حال زوجها السابق “بكر”، فهو لا يجيد في حياته إلا الندم، لتخليه عنها في يوم ما، فتعتصره آلام الاشتياق إليها، في حين أن زوجته الحالية تتحول إلى خادمة في البيت، عساها تكسب رضاه، وتنال محبته، لكن أيضًا من دون جدوى. وحال الموظفة “هيفاء”، التي تعمل في مكتب المحامي “سليم”، زوج “نائلة”، لا يختلف عن ذلك، حين نراها تتحرك وتلبي طلباته، وكأنها دمية مستباحة، كيانًا وجسدًا، من دون أن تصدر عنها أي إشارة رفض، أو تمنع، ورغم أن “سليم” يتحكم بحياة الموظفة “هيفاء”، غير أنه هو أيضًا عديم الفاعلية والإرادة، فقد حملت “نائلة” في رحمها جنينًا قبل شهر من اعتقالها، ما جعله يشعر بنشوة الفرح، لكونه لم يسبق له أن ذاق طعم الأبوة، لكن سرعان ما تنقلب فرحته إلى لعنة، حين تتخذ “نائلة” قرار الإجهاض، قبل اعتقالها بفترة وجيزة، ورغم جميع محاولاته لتحريرها من المعتقل، خوفًا على حياة الجنين، ورغم استعانته بمعظم معارفه، من تجار وضباط، لا يفلح في تحقيق أية نتائج، في حين يتصدى لهذه المهمة المدعو “أبو زكور”، وعن طريقه يتم إطلاق سراحها مقابل مبلغ مالي كبير.

وحال الشاب “خليل”، الذي أوشكت “جوانا”، ابنة “نائلة”، أن تتعلق به عاطفيًا، بعد أن حرك في أعماقها أحاسيس جديدة، لا تختلف عن حال الجيل الذي سبقه، فهو و”جوانا”، بدورهما، يخضعان لقانون “الربع”، حتى إذا ما شارك “خليل” في فرحة المظاهرات الأولى، سرعان ما يساق إلى مصير مجهول. وأكثر ما يتضح هذا التمزق والاغتراب عن الذات والآخرين، يتبدى في شخصية “جوانا”، ابنة “نائلة” من زوجها السابق “بكر”، فهي نزقة عصبية، وكارهة لمعنى وجودها، وإن كانت أصغرهم عمرًا، تبدو وكأنها مرآة تنعكس عليها سنين أعمارهم، وما سوف تؤول إليه مصائرهم.
حتى فضاءات الأمكنة في الرواية كانت تشي برحلة الخراب، فالأرصفة تشغلها “بسطات” تباع فيها زهور صناعية قبيحة، وشموع ذائبة في أكياسها، وقطع ثياب نسائية فاقعة الألوان، كلها إكسسوارات مستهلكة ورخيصة. يضاف إلى ذلك أبواق السيارات وسط الازدحام المروري، وتبادل الصراخ بين السائقين وشرطي المرور.. ما يحيلنا إلى الخواء والاغتراب الذي يطبق بفكيه على حياة شخصيات الرواية، من دون أن ننسى “البلاطة” التي أقلقت راحة “نائلة” يوم دخولها الأول إلى المجلة، إلى أن تتعثر بها قبل اعتقالها بأيام، ما يؤدي إلى عطب في ساقها، وكأن الزمن يمسك بالمكان، وكلاهما أبديان لا يتحركان.
ورغم أن معظم المؤشرات تشي منذ البداية بالمصائر التي ستساق إليها شخصيات الرواية، إلا أن خواتمي تحرص على بناء فضاء وأحداث وشخصيات روايتها، قطعة إثر قطعة أمام أبصارنا، لتورطنا في رؤية ذواتنا عبر مرآة روايتها. وعندما يتم إطلاق سراح “نائلة” من المعتقل بعد أشهر من اعتقالها، تكون قد فقدت الجنين من رحمها، ولكن ليس نتيجة قرارها بالإجهاض، إنما نتيجة التعذيب الذي تعرضت له في المعتقل، وتفقد جراء ذلك الإحساس بجدوى الكتابة، وبجدوى الصحة والرشاقة والجمال، حين أرادت أن تضحي بجنينها حفاظًا عليهم في يوم ما.

*العربي الجديد/ ضفة ثالثة

*الرواية صادرة عن دار ميم في الجزائر 2020

#سوزان_خواتمي

#ربع_وقت


10 يناير 2021

في شهوة السلطة و”الدوس” على الديمقراطية

 في بلد اعتمد دستوره أسس الديمقراطية التي أنشأتها أثينا القديمة، وأرست دعائمها الثورة الفرنسية، رُفعت جلسة المصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

نام العالم أمس على دهشته بعد متابعته مشاهد اقتحام مقر الكونغرس في العاصمة الأميركية واشنطن، وخروج مظاهرات احتجاجية تؤيد الرئيس دونالد ترامب الذي لم تتوان تويتر وفيسبوك وسناب عن إغلاق حساباته وحجب مقطع مصور له ينادي مؤيديه بالتراجع والعودة إلى المنازل والانضباط بالسلمية، إلا أنه مازال يرفض فوز منافسه، ويشكك بنتائج الانتخابات. وربما بسبب تخوفه من قرار إقالته عاد ليقول بأنه موافق على الانتقال المنظم للسلطة في موعدها المحدد.!

المواجهات بين قوات الأمن وأنصار ترامب، أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص إحداها لسيدة قتلت بطلق ناري، وإصابة آخرين بينهم عناصر من الشرطة، وجملة من الاعتقالات، كما فرضت بلدية واشنطن حظر تجول شمل كامل المدينة.

منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، تأخذ مجموعة الأحكام والقوانين وبنود الدستور دور الضابط التنظيمي لعملية تداول السلطة، إلا أن تصرفات الرئيس ترامب الذي لا يبدو حتى الآن متقبلاً لخسارته كرسي الحكم يقودنا إلى الحديث عن العلاقة الجدلية بين الإنسان ونزعته لامتلاك أدوات القوة والسلطة كلما أمكنه ذلك، كما أن الدافع الغريزي للسيطرة مازال جلياً في النظم الديكتاتورية التي اعتمدت القمع لتحقيق الطاعة والولاء.

الشيء بالشيء يذكر:

اعتمد مسلسل vikings – يشير الاسم إلى القراصنة، أو الأشخاص الذين يمتهنون الغزو- على التاريخ القديم للإسكندافيين، ونمو حضارتهم خلال فترة العصور الوسطى. تدور حبكة العمل الدرامي في مواسمه الستة حول صراعاتهم وحروبهم الضروس لتوسيع دائرة سلطتهم، ومن ثم تمدد سيطرتهم، وزحفهم باتجاه الغرب لغزو بلاد أخرى مثل إنكلترا وفرانكيا “فرنسا”. كانت أحد شعاراتهم التي شحذوا بها قوة وبأس المقاتلين واندفاعهم ليستميتوا في القتال، هو الدفاع عن الإله أودين والقضاء على خطر تمدد الدين المسيحي من خلال سيرة حياة بطل المسلسل أغنار لوثبروك وحملاته في سبيل الحصول على المال والطعام ومن ثم طموحه وغروره بقوته وقدرته على الغزو والانتصار.

على الرغم من القانون الأخلاقي الملزم للمجتمعات شبه البدائية في تلك الحقبة، إلا أنها لم تمنع سلسلة الخيانات و النّزاعات العائليّة وتعارض المصالح التي تسبّبت في حروب متتالية، وأقرت وسائل تعذيب قاسية، أما المصالحات واتفاقيات التحالف فكانت تنقض نفسها ضمن لعبة السياسة في بذرتها الأولى بين الزعماء.

أسباب الانتصارات والهزائم وتوالي الربح والخسارة، وأعداد الضحايا من المقاتلين الأشداء تبدلت وبدّلت معها أسس الحياة بشكل تدريجي.

ففي سيرورة التطور نحو التحضر تراجع دور شراسة القتال والمواجهة بالسيوف، وتم تقنين استخدام الأسلحة الفتاكة المستخدمة في الحروب أمام تقدم الخطط الماكرة ونفوذ السياسات العالمية الساعية إلى نفس الهدف؛ السيطرة. ما يجعل إسقاط الفكرة الأساسية من المسلسل على واقع حياتنا جائز ومطلوب.

هل نصدق بأننا صرنا أقل ضرواة وأكثر تمدناً.. هل كان عصر الفايكنغ مختلفاً جذرياً عما نعيشه في حاضرنا رغم كل التقدم التكنولوجي.. هل تهذبت الدوافع الغريزية؟   

صحيح أن الزمن صنع تقدماً في مسيرة البشرية، إلا أن الحضارة مازالت تخفي تحت قشرتها الرقيقة شهوة الإنسان لامتلاك القوة، سواء في شغف الحكام بمناصبهم في شرقنا البائس، أو فيما يظهره ترامب من تصرفات فلا يقبل خسارته في الانتخابات الديمقراطية عند جيراننا في الغرب !.

*تلفزيون سوريا

كورونا الذي يلاحقنا

 أعلن مات هانكوك وزيرالصحة البريطاني خروج سلالة كوفيد 19 الجديدة عن نطاق السيطرة، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن الفيروس التاجي الذي “ظهر لأول مرة في الصين في ديسمبر الماضي يطل بسلالة جديدة متحورة أشد عدوى وانتقالاً من الأصلية بنسبة 70 في المئة”.

الإجراءات الاحترازية بدأت بالفعل حيث تم إغلاق عدة مطارات، وتوقفت حركة الطيران في الجزء الأوروبي من العالم، كما تراجعت بعض الدول عن قراراتها بالانفتاح الجزئي، فإذا ما عادت إصابات كورونا إلى التزايد والانتشار السريع هل نتوقع عاماً جديداً تتكرر فيه قوانين الحظر وفرض قيود الحجر الصحي..؟ وفي تلك الحالة هل يتحتم علينا التفكير جدياً بالتأقلم مع عزلة لا نهائية، فنحرق حقائب السفر وننسى العالم الخارجي وكل ما يتعلق بالخروج من الدائرة المغلقة حيث نقيم، مكتفين بالتلويح للعالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الاتصال عبر الإنترنت..؟

يبدو أن ما يحدث حولنا يبقى أقل من توقعاتنا، بدءاً من مطبات حياتنا الشخصية، مروراً  بما آلت إليه ثورات الربيع العربي، وانتهاءاً بتطورات وباء لم يمنحنا فرصة الشك بنتائج اللقاح المفترض له حتى فاجأنا بمستجداته.!

رصدت  الآثار المدمرة للفيروس بعدد الضحايا، والخدمات الصحية غير المتوفرة وغير الكافية، والأضرار الاقتصادية التي ضربت قطاعات السياحة والصناعة  وأضرت بحركة البيع والشراء، والاستيراد والتصدير، وأفقدت كثيرون وظائفهم  فما تكبد آخرون خسائر أدت إلى إغلاق مشاريعهم الخاصة.  

ولكن ماذا عن تأثير كيوفيد 19 على الأطفال ..؟

القلق والتوتر عند الأطفال

كلما تأهبنا للخروج يركض حفيدي ذو العامين فقط ليلتقط من العلبة كمامات يوزعها علينا… صار يعرف أنها جزء لا يتجزأ من عملية الاستعداد لمغادرة البيت كحذائه مثلاً، ولم يعد يستغرب الوجوه المقنعة التي لا يرى ابتساماتها أو تعابيرها أو حتى يفرق بين ملامحها.. الخروج من المنزل صار بالنسبة له سبباً للبهجة، فقوانين الحجر تُطبق عليه أيضاً، واللعب في الهواء الطلق ليس متاحاً على الأغلب.

هناك جيل جديد ينال حصته من الإغلاق العالمي، وعلى الرغم من أنهم أقل عرضة للمرض حتى اللحظة، إلا أن الأحداث المتلاحقة تتحفنا بوجهة نظر خبراء حذروا من أن سلالة فيروس كورونا التي ظهرت في بريطانيا ربما تصيب الأطفال. الشكوك مازالت قيد الدراسة، سوى أن المخاوف تنصب على بعض الإصابات لأطفال أقل من 15 عاماً.

 إن إغلاق المدارس ودور الحضانة والقيود المفروضة على الحركة تغيرات طرأت على روتين الحياة المعتادة، وأثرت سلبياً على سوية تحصيل التلاميذ العلمية، وبحسب اليونسيف هناك طفل من بين كل ثلاثة أطفال يفوتهم التعليم، إضافة إلى أن الإغلاق نال من صحتهم النفسية والبدنية لأن بقاءهم في البيوت أضر بجهازهم المناعي، وكلما طال أمد الجائحة، زاد تأثيرها عليهم، كما يعاني الصغار من أعراض الوحدة، فاحتكاكهم لا يتعدى أفراد عائلتهم، يقضون يومهم محجوزين بين جدران البيت، وتقتصر تسليتهم على قضاء ساعات طويلة أمام شاشات التلفزيون والأجهزة الإلكترونية، ويتعرض بعضهم للعنف والإهمال بسبب الضغوط التي لحقت بالأبوين أيضاً.

أبحاث قليلة أجريت لقياس آثار الحجر عليهم منها دراسة لعالم الأعصاب أرجين ستولك الذي وجد أن الصغار في رياض الأطفال أكثر قدرة على التواصل من نظرائهم في البيت، فحاجة الطفل لآخرين من نفس العمر يساعد على بناء عواطفه وتنظيمها ويكسبه مرونة التصرف.    

إن عزل الأطفال عن أقرانهم ومنعهم من ممارسة النشاطات الترفيهية يجعلهم ملولين وبكائيين ونافدي الصبر، وتزداد حساسسيتهم كصغار مع صعوبة تقبل حجزهم، فتبدو عليهم مظاهر القلق والتوتر والأرق التي تنعكس على تصرفاتهم لذلك من المفيد أن نشرح لهم سبب العزلة، ولو بشكل مبسط ليستعيدوا شعورهم بالأمان، إضافة إلى تنظيم يومهم ليتضمن فترة للعب وفترة للاتصال بأصدقائهم والتحدث معهم.. قد يبدو هذا صعباً على أبوين يعملان من المنزل، ولكنه ليس مستحيلاً على أقل تقدير.  

*تلفزيون سوريا

العنف ضد المرأة يكشف المثقف المزيف

 هل على المرأة أن تخسر معاركها بصمت؟

” إنه متحرش”

– الرجل الذي لا تفتنه امرأة ليس برجل.

” هو يبتز زميلته في العمل”

-أسلوبها في فضحه لا يليق بأنثى.

” إنه معنف”

– العنف ظاهرة اجتماعية لا تخص الرجل وحده.

قد تبدو هذه العبارات مجتزأة من سياقها، ولكنها توضح ما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي من نقاشات تتعلق بحوادث العنف الواقع على المرأة، فمؤخراً تم تداول تدوينة كاتب اعتبرت مسيئة وداعية للتحرش أثارت اللغظ، وتناقلت الصفحات قضية صحفي شهير متهم بمحاولات تحرش، كما تصاعدت على نحو غير مسبوق فضيحة إعلامي ضرب زوجته، إضافة إلى تفاعل الآراء حول شاعر أساء للمرأة وللنسويات.

المتابع لما يُكتب سيجد تنوعاً شديداً في الآراء من أقصى اليمين حتى أقصى الشمال، فهناك  الرافض والمستنكر والساخر والمشكك، وصولاً إلى من يتجاهل تلك القصص، ويرى أن الانشغال بها مضيعة للوقت أمام المواضيع الجسيمة والحساسة التي تحدث حولنا.

حتى الآن لا يبدو الجدل جديراً بكاتبة مقال عنه، ففي مجتمعات ذكورية تتعامل مع المرأة بمستوى أدنى تتكرر حوادث القتل والضرب والتحرش والإبتزاز على نحو مؤسف، كما تتنوع المواقف منها، أما الجديد فيتعلق بناحيتين: الأول وجود نساء شجاعات قررن المواجهة وعدم السكوت، فتحدثن علانية عن قصصهن الشخصية الأمر الذي استنكره البعض باعتباره يخدش أنوثة المرأة، ويخرج عن سياق المتوقع منها، كأن المطلوب أن تعاني وتخسر معاركها بصمت، بل وهناك من تخوّف من فضح الممارسات وتحويل القضايا الشخصية إلى قضايا عامة والتي قد تستخدم كسلاح وأداة انتقام، وهناك من أطلق عبارة رهاب النسوية، وهناك من عبر بتدوينات ساخرة تُسخف المواضيع المثارة، وتعتبرها فورة غضب أو موضة دارجة ستزول.

الناحية الثانية (المفاجئة) أن من قام ببعض تلك السلوكيات المعنفة، هم من (النخب المثقفة)، والمفترض عند تعريف المثقف بأنه قادر على إنتاج أفكار جديدة والتعامل معها، أي إحداث التغيير سواء في سلوكه أو في التأثير بغيره، ويدفعنا هذا التصور إلى السؤال: هل المثقف مثالي بالضرورة؟

إن التخلف الفردي يخلق تخلفاً اجتماعياً وبالعكس، فنحن أمام منظومة فكرية شرعنت العنف منذ زمن بعيد سواء في النص الديني أو بنود القوانين حتى تعمقت في جذرنا الثقافي، لذلك نكاد لا نجد موقفاً حازماً من العنف -حتى اللحظة على أقل – بل غالباً ما يتم تبريره بصفاقة، وبالتالي فإن درجة الوعي عند التعاطي مع قضايا العنف ضد المرأة، لا علاقة له بالمستوى التعليمي أو الاقتصادي او الاجتماعي، إذ يتساوى الرجل المتعلم مع الرجل البسيط، والغني مع الفقير والمشهور مع الانسان العادي، الشباب مع الأكبر سناً ، ولا نستثني المرأة نفسها عندما تتبنى المواقف الذكورية فتجد المبررات وتتهم الضحية وتتعاطف مع المعنف.

إن انكشاف حالات تخص المثقفين (المزيفين) سواء على صعيد التصرف الشخصي أو عند تبني صورة المرأة مختزلة بشكلها التقليدي/ الشهرزادي وضح ازدواجيتهم، فالكتابة عن العنف ضد المرأة ليست إلا وسيلة لإبهار القراء وزيادة المتابعين، تتناقض مع ما انفضح ستره، فشتان بين الادعاء وما يحدث بالفعل، وتبعاً لذلك ينقسم المثقفون المزيفون إلى فئتين.

الأولى: تسفه وتسخر وتبرر وتتجاهل اتخاذ موقف محسوم من حقوق المرأة التي تبدو كحقل ألغام.

الثانية: تعنف أو تتحرش أو تبتز أو تفعل كل ما سبق بمباركة واعية أو غير واعية من الفئة الأولى.

تتحول سلطة المركز والقوة المرافقة لها إلى أداة قمع، وهذا لا يخص الحكومات بل الأفراد أيضاً، هناك مشاهير من فنانين وصحفيين وكتاب واعلاميين استغلوا مواقعهم بشكل مسيء للمرأة، وسواء كانت هذه الشخصيات لا تتطابق أفكارها مع مواقفها أو كانت بحد ذاتها قامعة، يصبح انتقادها وكشفها على أوسع نطاق أمر في غاية الأهمية.

في المحصلة، يهمنا ليس الفضائح بحد ذاتها إنما وضع معايير أخلاقية لتطابق أفكار الكتاب و الأدباء والصحفيين والفنانين مع واقعهم، كي نصدقهم على الأقل.. كي نثق بكم الآراء التي يتحفوننا بها، ويسطرونها أو يقدمونها في برامجهم وأعمالهم الفنية، فالهدف تحويل الأفكار إلى قناعات، والقناعات إلى نمط حياة ترفض سلوكيات التعنيف ولتشكل رأياً عاماً ضاغطاً يستطيع  تغيير القوانين المجحفة مستقبلاً.

لذلك يصبح اتخاذ موقف واضح أمراً مهماً، وإن كان فردياً كما فعلت إدارة بعض المكتبات في مصر عندما منعت عرض وبيع إصدارات الكاتب المتهم، أو عندما أقالت جهة العمل المتحرش، أوعندما نرفض التعامل على المستوى الشخصي مع المزيفين، وهو أضعف الإيمان.

خاص حملة مارح أسكت

اللوبي النسوي السوري

جريمة ضد الإنسانية ما زالت تحدث

 تحمل قلوب أهالي المغيبات والمغيبين قسراً جرحاً غائراً، يعيشون عند طرف الهاوية بين الأمل واليأس… بين الوهم والحقيقة… يقفون عند منطقة الانتظار العبثي. قد يعود، قد يدق الباب، قد يصلنا عنه خبراً، وكلما أشرقت شمس يوم جديد حسبوه في روزنامة الغياب.

مرت ست سنوات على محاولات سمر.ع  المستحيلة واليائسة في البحث، خلالها كانت ومازالت موافقة على دفع أي مبلغ لأية جهة تستطيع مدها بمعلومة عن أخ لم يشهد ولادة زوجته، ولا يعرف شيئاً عن ابنه الذي سيدخل المدرسة قريباً. تقول سمر: “كأنه فص ملح وذاب”.

فريزة. ج امرأة في الخمسينات من عمرها مازالت ومنذ الشهور الأولى من الثورة تنتظر خبراً يثلج قلبها، تتواصل مع المُفرج عنهم لتسألهم عن زوجها إن كان حياً يرزق، ولكن ما من أحد ينفي أو يؤكد مصيره.

 أما علي.م فقد عرف بوفاة أبيه المعتقل صدفة من السجل المدني عندما أراد استكمال اجراءات بيع بيت العائلة، حيث أرسل النظام إلى دوائر السجلات المدنية قوائم بأسماء ضحايا قضوا تحت التعذيب دون إخبار ذويهم.

القبضة الحديدية لحكم الديكتاتور

أظهرت صور قيصر التي سربها مصور عسكري منشق مجهول الهوية جثثاً مشوهة داخل السجون والمعتقلات وأقبية التعذيب، لتضيف فاجعة جديدة إلى فجائع كثيرة مازال الشعب السوري يعيشها منذ تسعة سنوات، فالأهالي الملهوفين لمعرفة مصير أبنائهم وأزواجهم وأقربائهم اضطروا للبحث والتدقيق في ملامح وتفاصيل الجثامين في محاولة لمعرفة مصير المغيبات والمغيبين اللواتي/اللذين فقدوا أثرهم منذ سنوات.

مارس النظام جريمة الاختفاء القسري ومازال يمارسها كتكتيك ممنهج لإرهاب أي شكل من أشكال المعارضة، ففي أحداث الاخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي تم اعتقال المئات من الشابات والشبان، وصار من المتعذر معرفة مصيرهن/م أو مكان احتجازهن/م، وقتها توسلت أم من معارفنا اعتقل ابنها الشاب الصغير الذي لا يتجاوز السابعة عشر من عمره لأحد أقربائها من الضباط الكبار والمتنفذين لتعرف مصيره، فكان جوابه مباشراً وصادقاً: لو كان ابني لما تجرأت على السؤال عنه!.

إن الآلية الوحشية التي أسس لها حكم حافظ الأسد في تلك الفترة استمرت مع وريثه بشار، وجعلت سوريا بأكملها تحت القبضة الحديدية، حيث اتسعت صلاحيات الأجهزة الأمنية والعسكرية وفروع المخابرات لتصبح الركيزة الأساس لاستمرار حكم دكتاتوري بكامل معاييره، إذ يحق لهم كمؤسسات ارهابية ممارسة الاعتقالات التعسفية وتجاوز كل الحقوق الدستورية والقانونية للمواطن، الأمر الذي يجعل أهالي المفقودات والمفقودين يخشون اللجوء إلى المنظمات الحقوقية والدولية، فالانتقام حاضر وشديد، وقد يتعدى المعتقل نفسه ليطال العائلة بأكملها بمن فيهم النساء والأطفال. الأسلوب الذي يعتمده النظام السوري كوسيلة ضغط وتخويف، تُصّعب مهمة توثيق شهادات الناجيات والناجين وعائلات الضحايا التي يعمل عليها النشطاء ومراكز حقوق الإنسان ولجان التحقيق الدولية والمنظات الحقوقية.

احصائيات ومؤشرات

يعرف الاختفاء القسري بأنه “القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون“.

يحظر القانون الدولي استخدام الإخفاء القسري تحت أي ظرف من الظروف، وفق المادة السابعة من نظام روما الأساسي، ويصفها بجريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك فهناك ما نسبته 5 أشخاص من كل 1000 مواطن سوري جرى اخفائهم قسرياً.

وفق بيانات تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان منذ بداية الثورة وحتى آب 2019، هناك 98279 شخصاً مازالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا، يتحمل النظام مسؤوليته عن 83574 حالة أي ما يعادل 85،4%.

إن التركيز على ضحايا الاختفاء القسري لدى أجهزة النظام السوري لا يعود إلى عددهم الأكبر فقط، بل لأن الاتفاقية الدولية للحماية تضع الدولة والأطراف الموالية كمرتكب وحيد لهذه الجريمة، فيما تُعرف الجرائم التي ترتبكها المنظمات الارهابية والفصائل المسلحة خارج إطار الدولة بتعريفات خاصة بها.

بانتظار اليوم العالمي لمحاسبة المجرمين !

يعود 30 آب وهو اليوم العالمي للمختفين قسرًا وسط غياب أي تقدم ملموس في ملف المختفيات/ين والمعتقلات/ين السوريات/ين من جهة، وتكتم أطراف النزاع وعدم اعترافهم بوجود مختفيات/ين لديهم من جهة ثانية، فيما يستمر ارتفاع معدل ارتكاب جريمة الإخفاء القسري رغم  اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار 2474 الذي قدمت الكويت مشروعه حول المفقودين نتيجة النزاعات المسلحة العام الماضي 2019، واستماع المجلس لشهادتي الناشطتين “آمنة الخولاني” و”هالة الغاوي” اللتين تحدثتا باسم أسر المفقودات/ين والمختفيات/ين قسريًا، إلا أن الملف مازال ورقة تفاوضية قابلة للأخذ والرد، في الوقت الذي صار من الواضح أنه لا يمكن الوصول إلى نتيجة إلا بقرار أممي نافذ بإطلاق سراح جميع المعتقلات/ين، وتوضيح مصير المختفيات/ين، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.

*استند المقال في معلوماته على احصائيات الشبكة السورية لحقوق الانسان، وكتاب “الاختفاء القسري في سوريا” الصادر عن مجموعة تنسيق العدالة الانتقالية TJCG

موقع الحركة السياسية النسوية