في بلد اعتمد دستوره أسس الديمقراطية التي أنشأتها أثينا القديمة، وأرست دعائمها الثورة الفرنسية، رُفعت جلسة المصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.
نام العالم أمس على دهشته بعد متابعته مشاهد اقتحام مقر الكونغرس في العاصمة الأميركية واشنطن، وخروج مظاهرات احتجاجية تؤيد الرئيس دونالد ترامب الذي لم تتوان تويتر وفيسبوك وسناب عن إغلاق حساباته وحجب مقطع مصور له ينادي مؤيديه بالتراجع والعودة إلى المنازل والانضباط بالسلمية، إلا أنه مازال يرفض فوز منافسه، ويشكك بنتائج الانتخابات. وربما بسبب تخوفه من قرار إقالته عاد ليقول بأنه موافق على الانتقال المنظم للسلطة في موعدها المحدد.!
المواجهات بين قوات الأمن وأنصار ترامب، أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص إحداها لسيدة قتلت بطلق ناري، وإصابة آخرين بينهم عناصر من الشرطة، وجملة من الاعتقالات، كما فرضت بلدية واشنطن حظر تجول شمل كامل المدينة.
منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، تأخذ مجموعة الأحكام والقوانين وبنود الدستور دور الضابط التنظيمي لعملية تداول السلطة، إلا أن تصرفات الرئيس ترامب الذي لا يبدو حتى الآن متقبلاً لخسارته كرسي الحكم يقودنا إلى الحديث عن العلاقة الجدلية بين الإنسان ونزعته لامتلاك أدوات القوة والسلطة كلما أمكنه ذلك، كما أن الدافع الغريزي للسيطرة مازال جلياً في النظم الديكتاتورية التي اعتمدت القمع لتحقيق الطاعة والولاء.
الشيء بالشيء يذكر:
اعتمد مسلسل vikings – يشير الاسم إلى القراصنة، أو الأشخاص الذين يمتهنون الغزو- على التاريخ القديم للإسكندافيين، ونمو حضارتهم خلال فترة العصور الوسطى. تدور حبكة العمل الدرامي في مواسمه الستة حول صراعاتهم وحروبهم الضروس لتوسيع دائرة سلطتهم، ومن ثم تمدد سيطرتهم، وزحفهم باتجاه الغرب لغزو بلاد أخرى مثل إنكلترا وفرانكيا “فرنسا”. كانت أحد شعاراتهم التي شحذوا بها قوة وبأس المقاتلين واندفاعهم ليستميتوا في القتال، هو الدفاع عن الإله أودين والقضاء على خطر تمدد الدين المسيحي من خلال سيرة حياة بطل المسلسل أغنار لوثبروك وحملاته في سبيل الحصول على المال والطعام ومن ثم طموحه وغروره بقوته وقدرته على الغزو والانتصار.
على الرغم من القانون الأخلاقي الملزم للمجتمعات شبه البدائية في تلك الحقبة، إلا أنها لم تمنع سلسلة الخيانات و النّزاعات العائليّة وتعارض المصالح التي تسبّبت في حروب متتالية، وأقرت وسائل تعذيب قاسية، أما المصالحات واتفاقيات التحالف فكانت تنقض نفسها ضمن لعبة السياسة في بذرتها الأولى بين الزعماء.
أسباب الانتصارات والهزائم وتوالي الربح والخسارة، وأعداد الضحايا من المقاتلين الأشداء تبدلت وبدّلت معها أسس الحياة بشكل تدريجي.
ففي سيرورة التطور نحو التحضر تراجع دور شراسة القتال والمواجهة بالسيوف، وتم تقنين استخدام الأسلحة الفتاكة المستخدمة في الحروب أمام تقدم الخطط الماكرة ونفوذ السياسات العالمية الساعية إلى نفس الهدف؛ السيطرة. ما يجعل إسقاط الفكرة الأساسية من المسلسل على واقع حياتنا جائز ومطلوب.
هل نصدق بأننا صرنا أقل ضرواة وأكثر تمدناً.. هل كان عصر الفايكنغ مختلفاً جذرياً عما نعيشه في حاضرنا رغم كل التقدم التكنولوجي.. هل تهذبت الدوافع الغريزية؟
صحيح أن الزمن صنع تقدماً في مسيرة البشرية، إلا أن الحضارة مازالت تخفي تحت قشرتها الرقيقة شهوة الإنسان لامتلاك القوة، سواء في شغف الحكام بمناصبهم في شرقنا البائس، أو فيما يظهره ترامب من تصرفات فلا يقبل خسارته في الانتخابات الديمقراطية عند جيراننا في الغرب !.
*تلفزيون سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق