29 أبريل 2008

الحب فقير.. كنحن.. كالبلاد

افتحي الايام لاختفي وراءها/ عقل العويط

ولأعترفْ
كان يمنعني عنكِ كلُّ هربٍ يركض فيّ
وكان يمنعني عنكِ خوفي على المعنى
وكم كان يضنيني أن أغيبَ مثلَ شمسٍ وراء غيمة
ومثلَ قمرٍ في نهار
لكني عرفتُ سذاجةَ هجرتي
وعرفتُ أن غيابي احتجابُ العودة الى الرحم
لأني منتظرُكِ وغائبُكِ ولأني أغدر بهربي
فكم هائلٌ ما تفعلين
ثم كم وكم عندما أهرب لأن كلَّ عثورٍ مانعٌ عن الكل
فأكون في استيلائكِ عليّ
وفي نزولكِ على هروب جسدي.
ولأعترفْ
أجدكِ عندما تصلين الى صحراء نفسي
وصحراءُ نفسي لا شجرةَ فيها سواي
تجدينني ولا تستطيعين البقاء طويلاً لأني صحراءُ الله
وعندما أتوب الى هربي فلكي لا تصبحَ الأرضُ ضيّقةً
ولا المتاهةُ ميناءَ خلاصٍ جزئيّ
ثم أجدكِ عندما يعييني البحثُ عن سماءٍ مفتوحة
وعندما أعثر عليكِ فإنما تحت سقفِ الشعر
وإذا أمطرتْ أقول ها هي تمطر في كلّ الأمكنة
لأني أحبّ البقاء
ولا أعود قادراً على الهرب
وكلما رأيتُ نفسي عائداً الى بيتِ جسدي أعثر عليكِ كأنما على بيتي الضائع
من هجراني أعود وهذا لسببِكِ الأشدّ جمالاً من حياتي
ومثل هذا يجعلني خالصاً من الوقت ومن المكان
ويمنحني اسمي حرّاً ومكبّلاً ثم حرّاً منه
فأخاطبكِ بصوتي وبغيرِهِ
ثم أقتل صوتَ غيري
وأنزل عليكِ
وأخاطبكِ
لأنكِ تريقين نبيذَ ضجري فيظلّ خيالُنا مرتوياً
لكني أخاطبكِ وعيناي تفتشان عن شقيقٍ ضائع
وأخاطبكِ لأني مقتضَبٌ كشمسٍ لا تشرق طويلاً
كحياةٍ في قطبٍ تغمره الظلمة
وها هو جسدي يعبرني ولا يضعني.
أذهب الى مسائكِ ومعي جمرُ الاعتذار
أجعلكِ وسيطاً بين قلبي ولفظي لتدمليهما باحمرارِ الوجنتين
أنجز الوقتَ
وأحوك الليل دثاراً لضحكتِكِ الكارجة
أسترق النظرَ إليكِ من غيرةِ عينيّ
كي أختلسكِ من جسدِكِ
كي أنهبَ كلّ ما أستطيع ولا أعلن
كي أراكِ مرةً وحيدةً بكمالِ الرؤية
كي لا تعرفي أني ضعيفُكِ
كي تعرفي كم أنا ضعيفُكِ
كي لا أعرفَ أني أحببتُكِ
كي أعرفَ أني أحببتُكِ
كي لا أفقدَ حباً لا ينازعني أحدٌ عليه
كي أكونَ أعينَ كلِّ الذين يحبّونكِ
كي يتوافدَ أحبّتُكِ من قلبي فأوزّعهم على منازلِكِ السبعة
آنيةً لباقاتِ الخزامى
كي أهيّئَ الحطبَ لتشعلي الطريقَ أمام أفكارِكِ
كي أرتّبَ بيتي لموسيقى عشّاقِكِ ولجنونِ الآخرين في جسدِكِ
كي أرسمَ قمرَ العشّاقِ على العتمة
ليكونَ نافذةً على كلِّ خيال
كي أسعفَ الذين يحبّونكِ بحبّي
كي إذا بلغوا ميناءَ كِ يصلوا بمراكبي الكثيرة
كي في عتمةِ يديكِ
أصيرَ قناعَ مَن يدلّكون أحزانَ روحِكِ بالشعر
ولعنةَ جسدِكِ بالجنس
كي تباركَني لعنةُ الماضي وتُغويني لعنةُ خلْق الحاضر
كي أُعدَّ طعامَ الصداقة لتنشغلي بالوليمة بدلَ السَّفَرِ في الهاوية
كي أسكبَ نبيذَكِ الأبيض على رخامِ الوقت
كي أرتضي أن أكونَ فُتاتاً لانتقامِ الجوع بعد عودتِكِ من كلِّ حبٍّ وخيبة
كي أجعلَ عينيكِ مرآةً للنظر إليّ كلّما غامتْ روحي تحت عشاءِ الرؤيا
كي أناديكِ مغسولةً بالطيب وملطّفةً بسعيرِ عطرِكِ الملائكي
وكي تكوني بديلي وغائبي
كي غداً وبعد غدٍ وأمس لا يعرف أحدٌ كيف أحبّكِ وكم
وحيداً وبلا منافسة
كي مسترقاً ومتسلّلاً أكونَ الرواقَ المفضي الى لحظةِ اندلاعِ خيالِكِ
وكي أكونَ نازعَ الليل عن وجهِكِ الى أن يسكرَ مني الحاضرون
كي، متقطّراً من النبع، يحصدَني الصيف ولا يبقى عليَّ ماءٌ في الشمس
كي أكونَ نظراتي فلا يشاركني أحدٌ متعةَ الفوز بكِ
وكي أكونَ مرارةَ أن تحملَكِ نظراتي الى البيت وأعودَ خالياً من عينيّ.
أقول هذا هو الحب
أعلّق يديَّ على خشبة لأوافيكِ في الصحراء والليالي
يُهلكني أنكِ تعدّين المائدةَ للآخرين
يُرهبني تهديدُكِ ولا أريد سواه
بقوةِ الأعداء ينهب كسلُكِ خزائني وأزعم أنها هداياي
يسلس الجنون قيادي ولا أعرف أن أليّن أحصنتَكِ
تقولين هذا هو الحبّ
وتقولين إنكِ خفيفة ثم تجتاحين حياتي
لا تتحمّلين انتظامَ الحياة
يجرحكِ خيالُ الكلام
وحتى نظرةٌ تريد أن تصلّي
فماذا أصرخ ومَن أستنجد!
أوسِّط بيننا ملائكةَ الرأفة
ليرفعوا للطريقِ ضفتين من الزنبق
أتداوى بصبرِ الأعشاب على العذاب
أكابد كي لا تنزلَ من وجهي تعابيرُهُ
أقتتل في دواخلي لأوحّدَ جموعي
وأصدّ بهاتين يديَّ جموعَ ليلِكِ
أجانِبكِ وطأةً تقتلني ثم أنتحب عليكِ
أضعكِ في صيفِ الفردوس تخبلينني في الجحيم
أرفعكِ الى غيمِ الموسيقى ترمينني في أخضر الصمت
أكلّل غيمَكِ بالمطر تخرّبين برديَ بالشمس
أحبّكِ تصيرين منتصفَ قمرٍ في آخرِ البحر
طعاماً لدلالِ الخيال
فماذا أصرخ ومَن أستنجد!
هكذا يبدأ اعتذاري
أنظر إليكِ بعينَيْ ذئب
كي أتركَ لنفسي أن تراكِ
عن كلِّ مرةٍ ممكنة
عن كلِّ مرةٍ مستحيلة
عن كلِّ حياتي السابقة
عن الحياةِ المقبلة
عن الأفراحِ والأوجاع
وعن الموتى والأحياء
عن اللصوصِ والملائكة وسارقي التفّاح
عن أولئك الذين يأكلونكِ بوحشةِ أجسامِهم
ويشربونكِ بعطشِ الصحارى في أعينِهِم
عن نفسي كلما كثر عددُ الذين يلتهمونكِ
عن كلِّ الأجيال
عن الذين يحبّونكِ نيابةً عني
عن الذين يحبّونكِ نيابةً عن أنفسهم
عن الذين يتركون على الأبواب دموعاً ومشاعرَ انتقامٍ لأجلكِ
عن الذين يغارونكِ ولا يغارونكِ
عن الذين يكرهون أن يقاسمَهم أحدٌ نظرةً اليكِ
عن الذين سيحبّونكِ كلما غادرتِع
ن الذين يتوجّعون كلما عدتِ
عن الدوارِ الذي يسلبني براعتي في الوصف
عن التماسُكِ الذي يغريني بمفاتنِ البعاد وكبرياء المغادرة
عن اللفظِ الأقلّ بلاغةً من حبي والنظرةِ الأقلّ نفاذاً من الماءِ في الصخر
عن كلِّ مرةٍ تقفينها أمام مراياكِ وتمحوكِ مراياكِ بشراهةٍ ضاحكة
عن كلِّ مرةٍ تكونين امرأةً أخرى
عن كلِّ مرةٍ تكونين لإخوتي وأعدائي
عن كلِّ مرةٍ تكونين لي
عن كلِّ مرةٍ تكونين لي ولإخوتي وأعدائي
عن طفلةٍ على غرارِكِ تولد سبعَ مرات وأموتها سبعَ مرات
عن السبعِ النساء اللواتي يُقمنَ فيكِ
عن سجونِكِ السبعة وتزعمين أنها أمكنةٌ للفرار
عن يومِ الأحد حين أيضاً لا يستريح الله من خَلقِه
وعن عددِكِ الصالحِ لأيام الأسبوع ولا عددَ لكِ
عن الرجالِ الذين تحبّينهم
عن الرجالِ الذين لا تحبّينهم
عن كلِّ رجلٍ آخر تحبّينه وتكرهينه
عن كلِّ نظرةٍ تشتهي أن تكرجَ عليكِ
عن كلِّ يدٍ لا تملك أن تلامسَ خيالَكِ
عن خيبتي عندما أعود الى البيت ولا أرى ضحكتَكِ على قلبي
عن غيرتي كلما رأيتُ ضحكتَكِ وليمةً في أعينِ الآخرين
عن كلِّ رغبةٍ لا أستحقها
عن كلِّ رغبةٍ تستحقين أن تملكيها ولا تملكينها
عن كلِّ سكوتٍ لم تعرفي أنه لأجلِكِ
عن كلِّ ثرثرةٍ زائدة
عن كلِّ أحزانِ يديّ
وعن كلِّ خوفٍ وارتباكٍ لا يراعيان وداعتي
عن كلِّ ذهابٍ لي عنكِ وإيابٍ إليكِ
عن كلِّ حكمةٍ أسديها
وعن كلِّ جنونٍ أحاكَم عليه
عن ادّعائي وتواضعي
عن غريزتي كلما عرفتُ أنكِ ستسلبينني مناعةً باقية
عن ذكائي كلما دعوتُكِ الى العشاء
عن سعادتي كلما أحببتُ خسراني
عن جهلي ومعرفتي المسبقين
عن كلِّ عاصفةٍ لم تكسر شوكةَ أغصاني
عن كلِّ عاصفةٍ كسرتْني وأغصاني
عن كلِّ هاويةٍ رمتْني إليكِ
عن كلِّ هاويةٍ رمتني إليكِ ولم أهوِ
عن رعبي بأن رجلاً آخر يقيم فيكِ
عن رعبي بأن رجالاً آخرين
بأني لستُ لصّهم وأمينَهم
وبأن امّحائي غير تام لأكونَ جنودَهم وأعداءَهم معكِ
فماذا أصرخ ومَن أستنجد!
هكذا تبدأين اعتذار
يتنظرين إليّ بعينَي ذئبٍ يتأهّب للفريسة
كي تتركي لنفسكِ
أن ترَيني عن كلّ مرةٍ ممكنة
عن كلّ مرةٍ تقيمين في مكانٍ محدّد
عن كلّ مرةٍ لستِ في أمكنةٍ عديدة
عن كلّ مرةٍ تأوين الى جسدِكِ كسائر النساءوتتعرّىن كخيالِكِ
عن كلّ مرةٍ أنكِ
وأنكِ
وأنكِ نائمةٌ في بحيرةِ حناني
وأنكِ حرّةٌ مني
وأنكِ حرّةٌ فحسب
وأنكِ مَن أراها ومَن لا
وأنكِ تمنحين الآخرين أن يرَوا فيَّ أسماءَكِ
وأنكِ تصيبين أهدافَكِ بلا قوس
وأنكِ تعرفين خوفي أن أنظرَ إليكِ
وأنكِ تعرفين مشقةَ أن لا أنظرَ إليكِ
وأنكِ تجهلين مشقةَ أن أنظرَ إليكِ
وأنكِ كلُّ شاردةٍ وشاردٍ منكِ ومنّي
وأنكِ صفاءُ جلوسي تحت الليل الى أن يأتي الملاكُ حاملاً البشرى
وأنكِ سقفُ الغيم وغريزةُ الرملِ المتحرّكِ تحت وقوفي
وأنكِ ملاكُ كلِّ ضحكةٍ ونومٍ لي
وأنكِ شيطانةُ زهرةِ الفيروز
وأني لن أسترقَ النظرَ إليكِ يوماً
وأني سأنظر إليكِ مثلما أنظر الى أيِّ امرأة
وأني سأصافحكِ
وأني سأخاطبكِ بكلامٍ وقور ومشاعرَ أخوية
وأني سأجاملكِ مثلما أجامل حياتي
وأني سأتعايش معكِ مثلما أتعايش مع موتي
وأني عاقلٌ لأصحّحَ لكِ الأخطاء وأسندَكِ في المشقات
وأني مدركٌ أنكِ تبدعين شيئاً هائلاً غيرَ جمالِكِ فيَّ
وأني سأكون مع امرأةٍ أخرى
وأني سأكون معكِ ولن أكونَ معي
وأن أحداً سيعرف
وأن أحداً لن يعرفَ
وأني بابُ بيتِكِ وفنجانُ القهوة
وأني صالحٌ للقفز من الباب الى الشبّاك
ومن الشبّاك الى الخيال
ومن الخيال الى الهاوية
وأني ضالعٌ في حنكةِ مراياكِ
وأني جناحُكِ المتمرّدُ عليكِ كلما وقعْتِ في الحكمة
وأني أفرادُكِ الضائعون إليكِ في التجربة
وأني الأزرقُ من خوفي
والأحمرُ من غبطتي
والأبيضُ من اغتسالي بطيبكِ
وأني كلُّ الألوان لكِ
وأني مدينٌ لكِ بالأوجاع كلما تحرّك أنينُ الجبال في الأعالي
وبالنظراتِ حين تقول للقتلى أن يتجمّعوا في رأسي
وأني مجنونُكِ كلما لممتُ لكِ ضحكةً
وأني لم يتسنّ لي أن أبيحَ نفسي لنزولي الى ليلِكِ
وأن نفسي باتت لكِ مباحةً بلا إرادةٍ منّي
وأني مباحُكِ وممنوعُكِ قبل أن أخافَكِ وأهربَكِ
وأني الملاكُ الساقطُ من سقفِ غيمةٍ على سطحِ هاوية
وأني ملاكُ وجهِكِ وشيطانُ دعوتِكِ
وأني شعبُكِ وصحراءُ عبورِكِ الى اليمّ
وأني جسدُكِ الذي يسند ترابَ الحديقة من الانزلاق
وأني بيتا دموعِكِ ومعطفُ شتائِكِ الأخفّ من الهواء
وأني سأهرب في رأسي حيث أستطيع أن أحتمي من هلاكيَ المعلَنِ فيكِ
وأني لن أجدَ حمايةً لنفسي منكِ
وأني سأهرب فلا أرى نظراتي كي لا أراكِ
وأني هاربٌ مذ رأيتُكِ الى مجاهلَ أكتشف بذهولٍ أنكِ فيها
وأني مغبوطٌ لأني ذاهبٌ الى أمكنةٍ سأجدكِ ولن أجدَكِ فيها
الى أمكنةٍ تحرقني بعذابِ غموضها
وأني إذا استرقتُ النظر ولم أجدكِ سأراكِ بتمامِ قلبي
وأني إذا رأيتكِ فبأعينِ جميعِ مَن سيحبّونكِ وسيكرهونكِ
وأني إذا أتممتُ الرؤيةَ سأفوز بعماءٍ عظيم
وأني هالكٌ ولستُ صالحاً لأكونَ ميناءَ عودتكِ من بحارِ أسمائِكِ الكثيرة
وأني صالحٌ لكلّ هذا
وأني ساهرُكِ
وأن موتي ليس أصعبَ من انتظاري
وانتظاري تحت قوسِ القزح ليس أجملَ من حبّي
وأنتِ تتريّضين في عريِكِ الحرّ إنعاماً للقلب وتلييناً لأحوالِهِ
وأن حبَّكِ الناضجَ في أتونِ الوحدة سيكون سميري
أنا المقيمُ في عتمةِ الباطنِ الى أن ينموَ البحر في أحدِ الأيام
وأني جارُكِ في الخيال وتوأمُكِ في الليل وجديدُكِ في الرجال
وأني العددُ الذي لا يُحصى لأني لستُ في مكان
وأني مدمعاكِ كلما تساقط البللُ الغامض ولم تجدي أرضاً لزرعِكِ سوى فراغِ البئر
وأني كاتمُ وجوهِكِ وأهوالِكِ وكاتبُكِ كلما أقمْتِ في ريفِ جروحي وكلما ارتحلْتِ
وأني صباحُكِ في الفرج وظهيرتُكِ في النوم ومساؤكِ في الضيق ونصفُ ليلِكِ في الرغبة
وأني غائبُكِ وحاضرُكِ بسبب القناعِ وأصلِ الوجه
وأني أُتمّ مشورةَ القلب ومبالغةَ الخيال وسَفَرَ الوهم
وأني الأسرعُ بين الطيور لأقعَ الأسرعَ من الغيم
وأني المتهوّرُ كلما أبعدتُ بصري عن مرمى القنص لأرى بالغريزة مخبأَ الطريدة وفرارَها
وأني المقيمُ بسبب العاصفة تحت سقفِ الغيومِ الكثيفة
ولا يدُكِ تضع حداً لجمالِ ما أنا فيه
ولا جنونُكِ يقول كلمةً ليهدأ روعُ القمر
ولا وحدتُكِ تقول لي تعالَ.

28 أبريل 2008

النفاق الثقافي/ محمد العباس

لم يبالغ تشيخوف عندما قال بأن الحضارة إذا اقتربت من سافلٍ صغيرٍ فسرعان ما يصبح سافلاً كبيراً، فالكتابة كمرتبة من مراتب التحضر الإنساني التي تعقب مرحلتي الكلام واللغة هي مرقى يتسع لكل من يجد في نفسه القدرة على التمثّل من خلالها، ولكنها تبدو اليوم عند أشباه المثقفين المتصدرين لمشهد ثقافي تنهزم فيه القيمة الإبداعية قبالة سطوة الظاهرة الإعلامية بوتيرة متسارعة، عرضة للامتهان وتزوير الحقائق، حيث يمارس بعض المتشبهين بالثقافة تضخيم ذواتهم بشكل يبرز عوراتها عوضاً عن صقلها بجوهر الفن، للقبض على مفاصل المشهد والتحكم فيه.
يمكن تفهم مركبات النقص التي تعتري محرراً ثقافياً حين يبرز نصاً بائساً من نصوصه بشكل لافت من خلال صفحات ملحقه، أو عندما يعلن، نقلاً عن مصادر إعلامية مجهولة، أن إصداراته الأدبية قد تصدرت قائمة المبيعات في معرض الكتاب هذا أو ذاك، أو أن دار نشر عربية مرموقه تفاوضه لإعادة طباعة أعماله، وأخرى عالمية لترجمة آخر إصدارته، ولكن أن تنطلي عليه أوهامه فيرددها ككذبة موسمية في لقاءاته المدبّرة فهذه مسألة محل مجادلتها، أو تشخيصها بمعنى أدق، ليس المنابر الأدبية بل العيادات النفسية المتخصصة.
ولن يكون الأمر مفاجئاً، بل مثيراً للسخرية والشفقة، عندما يدفع كاتب له ملامح وإمكانات التاجر، قيمة طبعات متلاحقة من إصداراته ليرفع من أهمية منتجاته التي يكدسها في مخازنه أو يوزعها كاهداءات بالجملة، أو حتى عندما يستحوذ بثروته على مهرجانات شعرية وملتقيات أدبية بكاملها من أجل استضافته، وإجبار المتلقين على الإصغاء إلى هلوساته، فهذه سخافات يتلبس مقترفوها بالثقافة في كل الأزمنة وفي ظل هوجة إعلامية سرعان ما ينطفئ وهج صاحبها بتدني منسوب الدعم المادي أو بروز تاجر أقدر منه على الدفع وشراء ذمم الطبّالين.
من حق أي كاتب أن يحدث تماسه الواعي مع الظاهرة الإعلامية بحيث يبقي على صلة تداولية تكفل له الحضور وترويج منتجاته، ولكن ليس من الثقافة ولا اللباقة أن يشكل شبكة من المرتزقة والمأجورين مهمتهم تبريز اسمه على الدوام في واجهة المشهد، وتضليل القارئ بنشاطات وحضورات ثقافية لم تحدث إلا في خياله، أو من خلال لقاءات تقدّمه بمعايير نجوم الرياضة والسينما، أو من خلال رفع لافتات حداثة شكلانية وإفتعال معارك هامشية ومجانية مع التيارات الدينية لتمثيل دور الضحية الإجتماعية المنكّل بها.
الانترنت أيضاً منبر عصري مفتوح يحق لأي كاتب أن يحضره ويستثمره وفق قدراته ورغباته، ويحق له بالتأكيد أن ينشر منتجاته في هذا الفضاء التواصلي ليحدث تماسه وتفاعله مع ذوات مهمومة بنفس الهاجس، ولكن من المعيب أن يحف نفسه بجوقة من المراهقات الموهومات والمطبلات لنجوميته، أو أن يتوارى خلف أسماء مستعارة متعددة الأغراض لتعزيم نصوصه بمداخلات مزيفة، أو لإثارة الجدل حولها بشكل غوغائي يكفل له الحضور ولفت الإنظار دون أي رصيد معرفي أو جمالي.
كل تلك مظاهر أو عاهات إنسانية قبل أن تكون ثقافية، تتوفر في المشهد الثقافي بشكل مفضوح، ويعتقد من يمارسها أنه بمأمن عن الإنكشاف، لكن الحقيقة أنها معروفة ومرصودة بعيون قارئ قد ينجح بعض المزورين في استغفاله لفترة ولكن ليس للأبد، فالقارئ دائماً أذكى من أن يغيب وعيه، وأعتقد أنه - أي القارئ - لم ولن يستوعب فكرة حوار مع كاتب نشر منذ مدة في ملحق ثقافي بدون وجود اسم المحاور، فالذي يعنيه هذا التجهيل المتعمّد للوعي القرائي أن الكاتب قد أجرى حواراً ترويجياً متخيلاً مع نفسه، ومررّه على مجموعة من المنابر لنشره، وعندما لم يتقبل أي صحفي إلصاق اسمه بالحوار الترويجي نشره بدون محاور، فيما يبدو حالة من التواطؤ اتفق عليها عدد لا بأس به من المتنفذين ثقافياً.
ولأن إصداره لم يستأثر بأي قراءة نقدية أو حتى إنطباعية، وهو في عجلة من أمر شهرته، وفي أقصى درجات النرجسية والإعتداد بنفسه، صمّم قراءة نقدية منسوجة بتعال معرفي وبحفرية نقدية سابرة لأعماق إصداره، وهي مهمة لا يتقنها ولا يعرف سرها إلا كاتبها، ونشرها باسم ناقد مجهول، لم يكن له أي حضور إلا من خلال هذه القراءة اليتيمة، وهو ما يعني تعميق ذلك التواطؤ واستشراء حالة من النفاق الثقافي التي تؤسس بدورها لبيئة فاسدة ينمو من خلالها ذلك السافل الصغير ليصبح غولاً ثقافياً يتحكم في مفاصل المشهد الثقافي بنفس الآلية، سيراً على هدي أسلافه الذين وهبوا ما لا يملكون من منابر لمن لا يستحق من أشباه المثقفين.
محمد العباس ناقد سعودي

27 أبريل 2008

المجال المتاح للمرأة المبدعة اكبر مما هو متاح للمبدع الرجل (محمد الحمامصي)

اجرى الحوار الصحفي محمد الحمامصي من القاهرة:
تتميز تجربة القاصة والكاتبة السورية سوزان خواتمي بقدرتها علي التقاط الأحاسيس وملابساتها بحس لغوي عال وقدرة سردية شفافة، موضوعاتها جزء من نسيج الحياة الإنسانية بكل ما تشهده اليوم من تقلبات وتناقضات، من مجموعاتها القصصية " ذاكرة من ورق "، " كل شيء عن الحب "، " فسيفساء امرأة "، وساهمت بإعداد مجموعة من التقارير الثقافية عن عمل ونشاط العديد من المؤسسات الثقافية نشرت في مجلد "المسح الثقافي لدولة الكويت خلال نصف قرن"، وتنشر في العديد من المجلات والصحف الكويتية والسورية، وحازت علي عدد من الجوائز كجائزة سعاد الصباح في القصة القصيرة.

** لو نتحدث قليلاً عن بدايات تجربتك الكتابية وظروف ولادة وتطور هذه التجربة، فماذا تقولين؟
**صحيح أن عادة القراءة لازمت طفولتي كهواية محببة تستغرق غالب وقتي، سوى أن الكتابة لم تكن يوماً في مخططاتي، لكن فوزي بمسابقة دار سعاد الصباح الأدبية عام 1993 كان سبباً في تحولي من مجرد قارئة لديها دفتر "تخربش" عليه، إلى قارئة/ كاتبة إن جاز التعبير، عملت بعدها ما بوسعي بهدوء ودون استعجال حتى أصدرت مجموعتي الأولى – ذاكرة من ورق – عام 1999. صحيح أن عادة القراءة لازمت طفولتي كهواية محببة، لكن فيما بعد شعرت بإمكانية جديدة لم تكن واضحة تماماً، رغم اعتقادي أنها كانت موجودة منذ الأزل في داخلي، اليوم أشعر أن حاجتي للكتابة لا تقل أبداً عن حاجتي للقراءة.

** ماهي الظروف والمؤثرات التي تعتقدين أنها أثرت في ظهور تجربتك الكتابية؟
** أعتبر أن مكتبة أبي كانت محرضاً غير مباشر لاهتمامي بالكتاب، فمنذ طفولتي وأنا محاطة بالروايات والمجلات والدوريات والصحف ما جعلني أرتبط بالقراءة، وهذا مااعتبره تفتح دهشتي الأولى، كما اعتقد أنه كان هناك دور مؤثر في دفعي نحو نحو كتابة القصة لأستاذي خالد قطمة، ولا أنكر الدور المشجع لعائلتي خصوصا في خطواتي الأولى. بعدها وقبلها بالطبع هناك متابعتي للساحة الأدبية والاستماع إلى كل وجهات النظر الانطباعية والنقدية وتلك التي أسمعها من قارئ أو صديق، الكتابة كم تراكمي من الخبرة ويعرف هذا كل من يمارسها، وسأظل أتعلم..

** ماهي المحطات الرئيسية في تجربتك والمراحل التي قطعتها حتى الآن؟
** لاأدري أين وصلت الان، ولكني بلا شك اجتزت الخطوات المتعثرة الأولى، وفترة القلق حول قيمة ماأكتب، بغض النظر عن موقع تجربتي سأظل متمسكة بمبدأي الذي يربط الكتابة الابداعية بالهواية والهوى، فالابداع لايمكن توظيفه ولا تأطيره، أشعر بأن الكتابة المقنعة هي تلك الحرة الصادقة، ولابأس إن بقيت دون يقين قاطع، حصيلة نتاجي من القصة القصيرة أربع مجموعات، كل منها على حدى كانت أقصى امكانياتي وقت نشرها. فيما بعد تتشكل لدي مسافة واعية مما كتبته وأصبح منشوراً وعندما أراجعه أجد أنه كان من الممكن أن يخرج بشكل أفضل. وأرى أن هذا دافع أساسي لنطور خبراتنا الكتابية.

** ماهي صورة المرأة في رؤيتك الكتابية والحياتية ومدي تفاعل هذه الرؤيا مع واقع المرأة؟
** بالطبع حتى ولو كنت ضد تجنيس الكتابة، لكني إمرأة وبالتالي أجد نفسي اكثر انفعالية حين يقترب ما اكتبه من عالم المرأة، أستطيع التعبير بحميمية، وبحد أدنى من الجهد، وحين تكون شخصية ما في قصتي أتعايش بالكامل مع آرائها وانفعاليتها واشكالياتها وتناقضاتها و أخطائها. وفي العموم أملك قناعة تامة بأن جزءاً كبيراً من تخلفنا يعود إلى الحيز الضيق المتاح للمرأة، وقلة الثقة بامكانياتها، وسيتغير هذا الواقع فيما لو اعطيت الفرصة كاملة ليس في اختياراتها فقط بل في طقوس التربية الأولى وتأهيلها منذ الصغر كي تكون واعية إلى دورها واثقة من أهميتها في هذه الحياة.
** يرى البعض أن القصة القصيرة هي مران لكتابة الروية أين أنت من هذا، وهل استطاعت القصة القصيرة احتواء كل ما يعتمل داخلك وما يحيط بك؟
** قد لا أتفق مع هذا القول وربما أجد أن كتابة قصة قصيرة مستوفية لشروطها الابداعية، لا يقل جهداً عن كتابة رواية. إلا أن هذا لا ينفي أن لدي مشروعي الروائي الذي مازال في (كمبيوتري الشخصي)، أحلم بإتمامه، وأحاول إيجاد الوقت للتفرغ لها وانهاء مخطوطها الأولي، ومن ثم تركه فترة وأخذ مسافة لقراءته سواء مني أو من آخرين لأرى قيما إذا كانت هذه التجربة تستحق النشر، فأنا شكاكة وفي كل عمل جديد أحس أني ابدأ من الصفر. حتى في الأخذ باراء من أثق بقدرتهم القرائية ونزاهتهم أيضاً. لست متأكدة أن الكتابة الروائية ستنسيني حبي للقصة القصيرة، لكني متأكدة من اتساع الحيز الذي تتيحه الرواية، والمتعة في التورط بأجوائها المتعددة...

** تجنح لغتك إلي الرومانسية أحيانا لماذا؟
** ربما أختلف قليلاً مع هذا الاستنتاج، لأني أعتقد أن " لغتي" فيها ميل شعري وهذا مختلف بالطبع عم سميته الرومانسية، ورغم أني لا أميل الى الانشاء الرومانسي بل وأحياناً أحاول التخلص من أسر اللغة، لكنها محاولات قد تفشل، إلا أن شخصيتي أميل الى الرمانسية، وربما يتسرب هذا في لغتي التي أعبر من خلالها عن أناي كـ سوزان، في النهاية لابأس من محاولة تجميل هذا العالم الغارق في عنفه ورداءته ولو عبر لغة رومانسية لن تضر أحداً.

** هل ترين أن المبدعة العربية استطاعت تجاوز معوقات الابداع؟
** إذا كان الامر يخص المبدعة بصفتها كاتبة فقط فالامر لازال بعيداً لدينا الكثير الكثير من المعوفات، أما إذا كان المقصود من السؤال بصفتها كاتبة أنثى فأعتقد اقتربت من مساواة الكاتب الرجل في معاناته مع فارق طفيف، هو وجود بعض الأفكار المسبقة التي تحاصر حريتها، والتي يمكن تجاهلها باعتبارها بقايا إرث التخلف، و لم تعد تلك الأفكار في معظم البلدان العربية تشكل عموم النظرة الاجتماعية، ويمكن التعامل معها على أساس أنها اختلاف في وجهة النظر.. هناك متسع مناسب وكاف لكي تكتب المرأة وتنشر وتؤكد وجودها، وتعبر عن هذا الوجود بالطريقة التي تحبذها، بل أن البعض يعتبر أن المجال المتاح للمرأة المبدعة – حالياً - صار أكبر بكثير مما هو متاح للرجل المبدع.
** هل حصلت أعمال المبدعة العربية علي حقها من النقد أم لا تزال تعاني التجاهل؟
** الأعمال الابداعية بأقلام نسائية لم تعد تعاني التجاهل اطلاقاً، بل المشكلة الجديدة صارت تكمن في مصداقية النقد الموجه لها، وحياديته بدون اعتبارات خاصة، وبدون أن يتداخل مع نظرة مسبقة سواء تلك التي تصنع للكاتبة جناحين فتمنحها حق الطيران من غير وجه حق، أو تلك التي تشكك بقيمة ما تكتبه المرأة، وتضعه في خانة ادنى من نظيرها عند الرجل، فتنتقد من هذا المنطلق غير العادل..وهي مشكلة حقيقية، تجعلنا في حيرة بين طرفي نقيض، لكن الأبرز والذي أصبح ظاهرة ملفتة هو الترويج لكتابة المرأة دون مسوغات ابداعية يسندها النص الذي تكتبه
** ماذا عن مشروعاتك الابداعية القادمة؟
**عندي مشروعي الروائي الذي أريد له أن يتم (على خير)، فللرواية وقعها الذي لم تشغله بعد القصة القصيرة، إضافة إلى كم لابأس به من النصوص النثرية التي تحتاج إلى أن تأخذ حقها في النشر والمتابعة، فالصحافة رغم متعتها صارت تأخذ الكثير من وقتي، وأنا بطبيعتي السلحفاتية بطيئة وانتاجي قليل، أتمنى أن لاتغير الظروف مزاجيتي، لأبقى على علاقتي الهادئة والرصينة مع الكتابة، بعيداً عن صراعاتها وأوهامها..
نشر الحوار في ايلاف

عن تلك المعجزة/ عبد الله سيدران

بيدك اليسرى، تزيحين
خصلة شعر عن جبينك،
وأنا، تلقائياً، أحفظ تلك الحركة.
لا أرى كيف تزيحين الخصلة،
لكن أذكر الحركة:
بيدك اليسرى، تزيحين
خصلة شعر عن جبينك.
وتقولين بصوت متهدّج،
يموّج لهب الشمعة على الطاولة:
« في الخارج، العاصفة».
{ { {
شيء ما، ليس أنا تحديداً، لكن فيه مني
غير قليل مني،
يحفظ هذا الصوت،
ويشعر حين يسمعك
أنه يذكر هذا الصوت المتهدّج
الذي يموّج لهب الشمعة على الطاولة أمامنا،
كما لو انه يعيد هذا المساء
وصوتك القائل:
«في الخارج، العاصفة».
***
العاصفة لم تزل في الخارج
والمساء مستمر ما استمرّت الحياة،
الحياة التي لديّ انطباع أني لا أعيشها حقاً،
التي ليست أكثر من ذكرى،
كصوت يقول لي:
«في الخارج، العاصفة».
هذا الصوت الذي أذكره،
كما اليد التي تزيحين بها خصلة شعر عن جبينك
كما اليد التي لمست للمرة الأولى،
حين كنت تتكلّمين.
عبد الله سيدران :شاعر بوسني
الترجمة عن الفرنسية : زينب عساف

24 أبريل 2008

سوزان خواتمي أسيرة ضمن واقع العبودية / ريمي ميخائيل

حاولت أن أكون صادقاً مع نفسي، لذلك لم أبحث عن مقالات عنك، كي لاأتأثر بما يقوله فلان و علان و فليتان و بآراء تمسيح الجوخ أو بآراء نتف الريش.. وطالما بدأت الكتابة لك- بناء على رغبتك لمعرفة رأيي كقارئ- فلا أستطيع أن أعدك برسالة قصيرة, إذ عادة ما أبعد عني جميع الساعات أثناء الكتابة.
سأبدأ برأي عام و شامل بالنسبة لكل ما قرأت من قصصك.. بعد قراءات متكررة لكتبك الصغيرة وصفك أبي بأنك "إمرأة حرة" و وافقت أمي على هذا الوصف، أما بالنسبة لي فكنت أحاول أن أكتشف معنى هذا الوصف، و لكن لم أسلم به كواقع, فلمن تتوجهين بكتاباتك؟ لجميع القراء العرب؟ أم للأدباء العرب؟ و بكافة الأحوال أشعر و كأني أراك أسيرة... لا معنى للحرية في وسط مقيد بأبشع أنواع العبودية, و هي عبودية "الصمم و العمى". قد أوافقهما الرأي لو قالا: تحاول سوزان أن تنادي بالحرية، ومع ذلك بالنسبة لي كشاب في سوريا فلن أمتنع أبداً عن النداء بكتاباتك كواحدة من أندر محاولاتي لنشر الوعي بخصوص موضوع معين، وخاصة بعد يأسي المتكرر من "عملية نشر الوعي". لا تقلقي فلما ينتهي المديح بعد ..!
لا أعرف كيف استطعت اجباري على الاهتمام بقصصك و لكنك نجحت في نصف المهمة, و سأشرح النصف الآخر فيما بعد.
بالنسبة لعملية التصوير و الوصف في القصة التي تكتبين، فهي تجربة و نزهة و حلم و مغامرة ولعبة ورق و حفلة شواء و سكرة عرق رخيصة في نفس الوقت..! نجحت في كسر الحواجز التي تعد من المحرمات سواءً عبر المواضيع التي تطرحينها، أو عبر طريقة الكتابة، وكنت على وشك الاعتقاد بأن هذا هو درب الخلاص للأدب العربي، و كنت على وشك الإيمان بما يشبه المسعى الكافر.
نعم أنا ذَكر، و أعترف لك بأنك بجمل قصيرة و قليلة قمت بتنشيط غددي و هرموناتي غير البريئة، و استحضرت النساء من قصصك إلى أحلامي، و تركت تفاصيل أجساد عارية تجوب مخيلتي، و كم أردت النوم على صدور بعض نساء قصصك.
أستطيع القول بأن من وصف نزار قباني بأنه عرى المرأة من آخر ورقة توت، يجب أن يصفك بأنك أعدت تلك الورقة إلى مكانها الوحيد، و تركت الباقي لمصوري نساء لا يجيدون التفريق بين فن التصوير العاري و الإباحية الرخيصة.
بعض قصصك كانت تحمل بالنسبة لي مغاز ضمنية، و لا تبوح صراحة بمحتواها و هذا ما اعتبرته جزءاً من اسلوبك الخاص. كان من الممتع في بعض الأحيان - و في بعض الأحيان فقط - أن أستكشف المعاني المخبأة تحت استعارات و تشبيهات ولكن من هنا قد يبدأ النقد السلبي،
وشرح النصف الآخر الذي تكلمت عنه, فلم أفهم الغرض الحقيقي من تحويل القصص إلى تراكم لغوي وتشابيه و إطالة لمقدمات التي تصبح في بعض الأحيان كفرض أو كضريبة علي أن أدفعها للوصول إلى "الحبكة" من دون طرق الموضوع بشكل مباشر (أم أن الأدب هيك و انا يلي ما بعرف اش القصة؟) و الأمر الآخر هو أني أشعر بأن سوزان خواتمي تكتب لسوزان خواتمي
"و بس"، و لم أشعر بأني فهمت أي قصة بشكل كامل.. كان يوجد دائماً أمر ما يمنعني من فهم المعنى الحقيقي للقصص، فسرت هذا الأمر لنفسي بقلة خبرتي الأدبية، أو بأن هذا المستوى يليق بالكتاب وحدهم، و يترك أمثالي يتخبطون بخيالات و افتراضات عن المعنى الأساسي للقصة (قد تكون هذه ناحية إيجابية للبعض) أو ربما كان غرضك من هذا كله ترك الحرية للقراء بتفسير القصص وفق رغباتهم، و بناءً على تجاربهم، أو كما نقول "فهموها متل ما بدكن". و من المضحك أني كنت أختم بعض قصصك بقولي: "ايه و بعدين؟".
كثيراً ما كنت أقول: "يالله غيمت" أو "نزل الضباب و بطلنا نشوف شي" ، و هذا عندما أعود من شرودي في منتصف القصة، و تذكري بأني كنت أقرأ !!! و كأن عقلي كان يأخذ قسطاً من الراحة من "كتر الحكي" مثل محاضرات الجامعة، أو كأنه يرفض القراءة عندما يحس بأن نسبة الكلام المعقد زادت عن الحد المسموح به، و من هذا أستمد تعبير "سكرة عرق رخيصة" تنتهي بالإقياء و ربما بصداع في اليوم التالي..! لم أفهم الانتقال من القمة إلى القعر! و لم أفهم التناقض في مستويات شد الانتباه، فلم أستطع أن أقول بأن سوزان خواتمي نفسها هي التي كتبت كل القصص.
أشعر بأن العملية تشبه كتابة مذكرات لا أكثر, مذكرات لتجارب خاصة ستعودين إليها عندما يتقدم بك العمر، مع العلم بأني كنت أعرف أنك لم تعيشي أو حتى تسمعي بـ90% من هذه التجارب، بل كانت محاولات فاشلة لاقتباس شخصيات و أفكار و طريقة حياة الأفراد و المجتمعات في القصص..
و لكن الحق يقال بأن الـ 10% الباقية كانت تصويراً ممتازاً ، و استطعت أن تلعبي فيها دور أقسى الرجال، على سبيل المثال قصة ( صور منسية) والتي كانت تتحدث عن رجل ينتظر في مطعم صديقا له ويتخيل النساء عبر وجه امرأة تقابله، كان تصويراً مؤلماً لقلوب نسائية محطمة و لنساء يحتجن إلى عناق طويل لتكفيف الدموع في عيونهن، أذكر أيضاً قصة (أصابع بطاطا تحترق) و (إمرأة لا تبكي)... ولعل أجمل جملة كتبتها هي "أسقطتُ يدي في يده وسحبتها بعد دهر, سريعاً" من قصة "زهر البرتقال" ، و ربما كانت هذه القصة هي أجمل ما قرأت من كتاباتك، و كم تمنيت أن تكون بقية القصص بمثل هذا الشغف ....
بكلمات أخرى أريد أن أقول أن تلك الـ 90% تذكرني بسياسة الاستيعاب الجامعي و طرق التعليم في سوريا التي تعتمد على الكم لا على النوع، أو بكتابة موضوع تعبير كوظيفة لطالب بالصف الخامس أو السادس عن عيد الجلاء أو عن عيد الشجرة!! ربما لم أكن دقيقا عندما قلت "نصف المهمة".
تخنتا ما هيك؟ ايه لسا في حكي .. آخر ماقرأت لك قصة "لم يكن لمازن شاربان" في الحقيقة أكثر ما أعجبني في القصة هو عنوانها !!! بالمقارنة مع تتمتها !! و بالنسة لي كان يمكن تلخيص القصة بـ 10 أسطر و "بيمشي الحال" (يعني كلنا منعرف الشغلات المنيحة بالموبايل !!!!!!)
مع أن القصة قد تحدث فأمثال البطل موجودون حولنا لكن وصفه على أنه بدون شوارب (مانو رجال) كان مضحكاً على الرغم من قدم هذا التشبيه.
تركيب القصة كان كالتركيبة المعتادة: لمحة صغيرة عن الموضوع و وصف وصف وصف, ثم قفزرة بالذكريات لأحداث قديمة، ومن ثم الدخول من جديد في القصة، و في النهاية الختام بجملة حارقة! قد يتغير هذا في فروق بسيطة بين قصة وأخرى لكن التركيبة نفسها.. !

ريمي ميخائيل: مهندس سوري، وقارئ رائع ، ومشروع كاتب ناجح
صورة مسروقة من موقع الأوان

23 أبريل 2008

في رثاء البلد .. وأمي/ مرح البقاعي

لا تمطرِ الآنَ أيها السَفَرُ المعطَّرُ بالكآبة
سقطَ منكباكَ في انكسارِ المرايا، ولم تهادِنِ الروحُ العريضة
راحلٌ أنتَ في اندلاعِ الهجيرة..
قاتمٌ أنتَ في انحناءِ البلادْ
البلادُ.. البلادُ.. البلادْ
لا أرصفةُ التسكُّعِ تمشطُ ضفتَكَ العالية
ولا واجهاتُ التجارة تستقبلُ جرحَكَ العاري
رحلَ المضيءُ في تواترِ المسافة
وانكمشَ الطريقُ من انقلابِ المواسمْ
عراةٌ نحنُ من رشرشاتِ الطفولة
شائعونَ نحن في قتلِنا اليوميّ
هكذا نشبُّ على الحريقِ الجائحِ حتى النسغْ،
نرمَدُ على أبوابِ جوازِ السفرْ،
ينهشنا ضبابُ المدنِ الناتئة من جبهتِنا العريضة
البلادُ.. البلادُ.. البلادْل
م نغادرْكِ سكارى
لكنَّها الريحُ راودتِ الخامدَ منَّا فأربكتْ سريرَ أمِّنا اليابسْ!!
لم نُروِّك أيتها الأمُّ من الأخضرِ العابثْ،
فحلمُنا تقهقرْ، الشرفةُ زاغتْ، ووترُ القلبِ انقطعْ
لم نختزلْكِ من احتمالِ الموجِ، فنحنُ غرقى.. ولا قشة
لم نرفعْكِ إلى نعشكِ العالي لأنَ الغائمَ فينا عاقرٌ.. عاقرٌ.. عاقرْ
البلادُ.. البلادْ
يا حجمَ الحقيبةِ من قلبيَ الأرملْ
يا شهيقَ الأصابعِ المشبوكةِ إلى تعب الموانئ
البلادُ.. البلادْيا سِفْراً لن ترتلْهُ حنجرتي الجاحدة
يا مومساً لن ترثَهُ رفاتي العاشقْ
مرح البقاعي :شاعرة سورية مغتربة ، وإعلامية ، وناشطة في مجال حقوق الانسان
عن موقع الحوار المتمدن

22 أبريل 2008

Mortada Katozian


أمسكُ روحي كي لاتلحقك

وليس لأنكَ مَتاهتي
وليس لأنكَ طفولتي المُلحّة
وليس لأنكَ خلسة تبقى في ذاكرتي
فأنتَ توهجٌ لايأبه للغيم
وأنتَ سيرةُ مُدني الأولى
وأنتَ قسوةُ المتخَيل، رائحة الحنين
وأنتَ الذي على وشكي
وأنتَ بُراقي إلى رضا ربي
أيها الهَطولُ كترانيم البلل/ كصحو السهول/ كخلسة القبلات
تشعلُ مقاماتِ الهوى، تربكُ الضوء، تََََسري في الظلال
وتجيء مثل عطية رب
تفتحُ في كفيك بحر أمنيات
أنتَ: رهانُ الفضاءات المفتوحة، مساحاتُ الأقاصي ، بصماتُ الزمن
وأنتَ أحلامٌ لاتشيخ
ولستَ وخزةً / ولست طارئاً/ ولست شمساً لتغيب
ثمةَ خوفٍ وذاكرة
وثمةَ دمع لايرويك
وأنتَ نزوحي اليومي إليك
ياشحوبي
وحدي أغمضُ عيني لتتقطر مني
وأنتَ تلكزُ ارتحالك
لتمضي
أبتكركَ في الخفوتٍ شوقاً يلهث
وأضيعُ في انفاسك
أمسكُ روحي كي لاتلحقكَ
وتمرَ بي.. هكذا تمرُ بي
كضراعةٍ أقول: خذه وخذني
أحبكَ ..

21 أبريل 2008

" قبلة خرساء " لسوزان خواتمي ترث وتتخطى: راسم المدهون




قصص الكاتبة السورية سوزان خواتمي الجديدة "قبلة خرساء" (منشورات دار قدمس – دمشق)، حكايات ووقائع تشبه شهادات حيّة، يانعة وبالغة الشفافية عن عواطف وتفاصيل عاشتها الكاتبة – الراوية ورأتها بعين المخيلة فأضاءت صورتها الأخرى التي تختفي وتحتاج إلى رؤية الفن. تفارق الكاتبة أجواء قصص مجموعاتها السابقة وتقترب أكثر من ملامسة الروحي في الوقائع والحوادث ملامسة تذهب نحو قراءة الوجد بوصفه علامة وبوصلة تهدي.تكتب سوزان خواتمي قصصها بمخيلة تتكئ على الحياة الواقعية وما فيها من شواهد حيّة ولكن بعد تجريد تلك الوقائع من عاديتها ومن مألوفها الذي لا يستثير المخيلة ولا يلامس الحسّ الأدبي. فكتاباتها تشبه تجوّلا حرّا، هادئا ومفعما بالرغبة في الإستقصاء. استقصاء المشهد، واستقصاء جزئياته، وأيضا استقصاء الشغف بالحياة ذاتها، وخصوصا أن قصصها تنهل من محيط واقعي بات يقارب السوريالية ويحتاج في الضرورة إلى حدقة ترى وتعيد تفسير ما تراه بعيدا من "التفسير" المباشر والتبسيطي، وبلغة تستجيب معالجات أدبية مغايرة."قبلة خرساء" تكاد تكون قصص حياة اجتماعية. تكاد فحسب، لأنها إذ تتجوّل في الوقائع الاجتماعية فإنها تأخذ خطوطها ومساراتها لتطلق من خلالها رؤى مغايرة تحتكم إلى الفردي الذاتي بما هو مخيلة، وبما هو ذاكرة تتأمّل، تحاكم وتسرد ما حدث بطريقتها الخاصة وبكثير من متابعة البسيط ومن ملاحقة العابر الذي نراه غالبا وقد أخذ مكانه في القصة بوصفه أساسيا وله وشائجه المتينة والعميقة. ثمة ملامسة شفّافة لكل ما هو ناتئ، جارح وعميق الأسى. فخواتمي إذ تلامس تلك التخوم من أحزان النساء بالذات فإنما تفعل بكثير من الرقّة ومن الحرص على الارتفاع بالأسى إلى مكانة أعلى لا تستهدف "المحاكمة" قدر استهدافها الكشف بلغة ذات ظلال، لغة تتحد بالمشهد القصصي وتستجيبه."أقلّب أوراقهم مثل شمس تتلصّص"، تعتني بحكاية شبه تقليدية، لكن المفارقة لا تكمن في الحكاية ذاتها بل في المسار الذي تأخذه ويقارب الرؤية أكثر منها وقائع حياتية حقيقية. ثمة موشور بالغ الشفافية للحياة من خلال فتاة ومن خلال الواقع المحيط، الجارح والمفعم بعوامل الذبول والخيبة. موشور نرى خلاله أحزان المرأة وأحزان الرجل: "لم يبق مني سوى بعض الرائحة العالقة على الجدران المتقاربة، المهندس الذي رسم مخطط هذه الدار لا يعرف كم تحتاج الأحلام الى مساحة، وإلا لما تجرّأ على كل هذه المستطيلات التي تشبه بحجمها زنزانات السجون، ولولا النوافذ التي تطل علينا لجاء الاختناق بأسرع مما فعل لاحقا".تقدّم هذه القصّة حالات إنسانية متقابلة يعصف خلالها الأسى بالمرأة كما بالرجل، فيما تقف القسوة على هيئة الوصاية التي تستبدّ بالجميع وتحاول إجبارهم على البقاء في قامة أصغر. هي قصة تلامس رمزية خاصّة أقرب الى الواقعية وتقف على مسافة من الرمزية التقليدية بما هي تجريد. والكاتبة تمنح بعدا آخر للحدث القصصي فتجعله قابلا للوقوف كرمز له ظلاله وأبعاده كما له جماليات حضوره على هذا النحو. هنا يمكن الإشارة الى أجواء القصة ومناخاتها وخصوصا الى السردية العالية السبك والتي تأخذ صيغة تتنقّل بين السردية والوصفية في توازن يمنح الجملة القصصية رشاقة وخفة تعلوان بها الى جماليات وتشويق.ثمّة انتباه خاص الى عوالم الحب "الموؤود" بما هو حيوات يدهمها الموت في منتصفها ويترك ضحاياها يسقطون في النهايات المعتمة للحرمان. سوزان خواتمي تذهب نحو تلك العوالم برشاقة وتتنقل في شعابها برؤى أنثى وحدقتيها المفتوحتين على اتساعهما. في قصة "نعي فاضلة" تأخذنا الكاتبة نحو عالم الموت ولكن هذه المرّة بصورة مقلوبة تجعلنا نتفرّج كيف يمكن الموت أن يكون بداية لحياة أخرى تتأسّس على موت الآخرين. شيء من فانتازيا حزينة، جارحة وواقعية وذات صلة عميقة بالنفس البشرية حين تعصف بها الأهواء والنزوات وتخلخلها الرغبات. قصة عاصفة، مشحونة بالتوتر، تدفعنا الى أسئلة تتناسل وتتركنا في حمّى البحث عن اجاباتها.عالم سوزان خواتمي القصصي في "قبلة خرساء" يتثاقل بين الواقعية بأجوائها ومناخاتها بل ومفرداتها وبين الحلمية بظلالها وتخومها اللامحدودة وضبابية أشيائها، وهو تثاقل تمتزج فيه تجريدية الفكرة بالحدث في حركيته كما بالمخيلة وخطوطها وألوانها. هي توليفة ولكن دون فواصل مرئية أو تخوم ملحوظة. فالقصة دوما تؤلف ذلك كله وتحتويه وتجعله شيئا جديدا مختلفا وذا ملامح مغايرة.أعتقد أن "قبلة خرساء" هي انجاز سوزان خواتمي القصصي الأهم، الأكثر نضجا والأقرب الى ملامسة عالمي القصة والشعر على حد سواء. فهذه الكاتبة الموهوبة التي تكتب الشعر والقصة معا، نجدها هنا تزجّ قصتها في أجواء تقارب الشعر ولكن دون أن تنزلق في ارتكابه داخل القصة، وهي ميزة تحسب للكاتبة وقصصها.كاتبة من جيل القصة السورية الجديدة، الذي ورث سعيد حورانية وزكريا تامر وعبد الله عبد، فاستفاد من عوالمهم ولكنه غادرها على عجل كي يؤسس عالمه الخاص وفضاءاته الخاصة وخصوصا تلك التي تستجيب وقائع الحياة الجديدة وما فيها من شجن وأحزان.

راسم المدهون : ناقد وكاتب سوري

نشرت في جريدة النهار اللبنانية 18/4/ 2008

20 أبريل 2008

اسحلوهم... اعدموهم... سفروهم

وزير الداخلية فكر في طريقة لخفض عمليات التسلل من الإشارة الحمراء... فاصدر قراراً بإبعاد الوافد الذي يتجاوز الإشارة الحمراء...وشخصيا اعتقد ان الوزير «يدلع» الوافدين بهذه الطريقة، فماذا يعني أن «نبعد» الوافد فقط، مع انه اجتاز إشارتنا الحمراء العزيزة على قلوبنا... ولو كنت وزيرا للداخلية، لضربت بيد من حديد، على كل وافد تسول له نفسه مخالفة قوانيننا، فتجاوز القانون حق للمواطن فقط، وأصدرت القرار التالي: بعد مشاورة الأهل والأقرباء والأصدقاء واستجابة لرغبة الجماهير قررنا ما يلي، يعاقب أي وافد يجتاز الإشارة الحمراء متعمدا أو انه ما يدري (غير متعمد) بالتالي:
1 - يبعد الوافد المتجاوز للإشارة الصفراء على حسابه الخاص، كما يسفر معه مواطنا على حسابه الخاص، على بلد المبعد نفسه!
2 - إذا كان الوافد متزوجا فانه يطلق من زوجته أولا، ثم يبعد!
-3 إذا كان الوافد مع زوجته وأولاده، فانه يطبق عليه البند الثاني، بالإضافة إلى ترسيب أبنائه في المدرسة، ومصادرة ممتلكاته العينية والأنفية والأذنية!
4 - إذا تجاوز الحمراء لان الإشارة «خربانة»، فانه يسجن ثلاث سنوات، ويصلح الإشارة على حسابه، ويبعد، لأنه استغل خراب الإشارة في النيل من سمعة المرور.
5 - إذا اجتاز الكويتي الإشارة، وكان جالسا بالقرب منه وافد، فان الوافد يبعد لأنه يعتبر محرضا على التجاوز، ويدفع دية تجاوز الحمراء!
6 - إذا كانت المخالفة كيدية أي ان الشرطي قام بمخالفته ظلما، وتظلم الوافد وتبين صحة الكيدية، فيحكم على الوافد بالإبعاد كيديا، لأنه شكك في نزاهة الداخلية وأساء إلى سمعتها!
7 - إذا ثبت ان الوافد اجتاز الحمراء متعمدا، ثم حلف أنها كانت صفراء، فيحكم عليه بقطع يده اليمنى، ورجله «اليسرى»، وإذا ما في «يسرى» ممكن ليلى علوي!
8 - الوافد الذي يجتاز لأنه خاف أن تصطدم به سيارة الكويتي القادم مسرعا من خلفه، فيحكم عليه بمصادرة سيارته وحرقها أمام عينيه، ثم يبعد مشيا على الأقدام أو سباحة!
9 - إذا الوافد لم يجتز الإشارة الحمراء فانه يبعد أيضا، لأنه سمع بقانون الابعاد، ويعاند الوزارة حتى لا يبعد!
10- الوافد الذي لا يتملك سيارة ولا إجازة ولم يجتز الإشارة الحمراء، تعطى له إجازة قيادة بعد أن يدفع رشوة بمئة وخمسين ديناراً، ويجبر على شراء له سيارة، ويجبرونه على التجاوز ثم يبعد!
جعفررجب: كاتب ساخر كويتي

مالا يدركه سوى الأطباء والمومسات

اكتشفت هذا السر أمس في تمام الساعة الرابعة فجرا, كنت أمسك بقدم مبتورة من كاحلها جراء حادث سير كان قد وصلت ضحاياه للتو. كان ابن صاحبة القدم هو الذي ناولها لي متوسلا بعينيه: أن نعيدها إلى مكانها.وضعت القدم جانبا بلا اهتمام ظاهر: لا مجال لذلك, لقد تأخرتم فالسيدة متوفاة. قل لي ما الذي يؤلمك الآن؟.- أنا لا شيء يؤلمني, إنها أمي يا دكتور ليتني كنت مكانها ولم تصب هي بسوء... الحقيقة كنا نتحدث بهدوء وكأننا نخوض حوارا عقلانيا فلسفيا من الطراز الرفيع. لكن الفرق بيننا, هو أن الشاب كان ما يزال مصدوما, فقد كان خارجا للتو من الحادث المروع, حافي القدمين, ممزق الثياب المترعة بالتراب وشظايا الزجاج. كان سليما لم يصب بسحجة واحدة, لكنه كان مذهولا بشدة تمنعه من الإحساس الحقيقي بهول الفاجعة, وكأنه يعيش حلما.أما أنا فقد كانت حالته الصحية هي الشيء الوحيد الذي يثير اهتمامي: حسنا تعال إلى السرير لأقوم بفحصك والاطمئنان عليك..وقتها نظر إلي مستغربا إلى درجة جعلتني أستغرب أنا نفسي من شدة استغرابه.. فكرت قليلا, واكتشفت السر.الجسد المريض, عزيزي القارئ, لم يعد أكثر من آلة معطوبة بالنسبة لي, أهتم بإصلاحها بينما ألقي بالآلة الأخرى التي لا أمل فيها إلى ملف الوفيات.عندما يراجعني مريض ما, لا أتذكره من ملامحه ولا من اسمه بل من الحالة المرضية التي يعانيها بتعقيداتها.هذا ما عودتني عليه مهنة الجراحة.أشق الجسد بمشرطي البراق بسلاسة وروعة من أسفل القص وحتى أعلى العانة دون أن يرف لي جفن, في نفس الوقت الذي أشارك به أصدقائي الجراحين والمساعدين في حديثهم حول ألوان الزهر وأنواع العطور وآخر صيحات الموضة, فيما يرمي أحدهم بقطعة لحم أو شحم زائدة إلى طشت المهملات.كلا نحن لسنا قساة إلى هذا الحد ولا سفاحين, لكن هذا ما تعودنا عليه.الجلود المسلوخة والأطراف المتهتكة والأمعاء المطلة خارجا عبر طبقات الجلد, لا تعنينا. ما يعنينا حقيقة هو قياس ضغط الدم وعدد نبضات القلب وغيرها من الأرقام التافهة. هكذا تعودنا.المومس أيضا, لا يعنيها طول قامة الزبون ولا لون عينيه ولا تسريحة شعره, ما يعنيها هو الأرقام أيضا بمستواها الدلالي الوحيد: النقود المدفوعة.نحن الأطباء لن نأبه لك عندما يكون نبض قلبك وضغط دمك يساوي الصفر, وكذلك المومس لن تفعل عندما تساوي نقودك الصفر, وهي أيضا لن تتذكر وجهك ولا اسمك ولا رائحتك إن عدت إليها, بل فقط مقدار ما دفعته لها سابقا هذا إن كنت أصلا قد دفعت مبلغا متميزا.أنت لست سوى جسد نتعامل معه رقميا, وهذه هي أدنى وأسخف المراحل التي قد نمر بها جميعا. إنها أقصى حالات العبثية والإحساس بانعدام القيمة الإنسانية, وأكثرها مثارا للسخرية.يسألونك عن الروح!!.. الروح كما أعرفها الآن هي ليست ذلك الشيء الغامض واللامرئي بالنسبة لي , وليست ذلك السر الذي يخرج منك ويصعد إلى السماء السابعة لحظة موتك. إنها ذلك الأثير الذي يستنشقه منك الآخرون في وحدة الزمن بما ينتج عنه من انعكاسات شعورية وعاطفية من هؤلاء نحوك. روحك باختصار هي كيفية إحساسي بك, ومقدار فهمي لك, وما تمثله أنت بالنسبة لي.بدأت أعي هذا في اللحظة التي اضطجع فيها والدي على طاولة العمليات. كنت خائفا جدا ونادما جدا على النصيحة التي أسديتها له بضرورة إجراء العملية. تذكرت لحظتها أن التخدير عمليا هو عبارة عن نصف موت صنعي يجرى للشخص, حيث يتم تثبيط عملية التنفس وتغييب كامل للمدركات العقلية والشعورية, ووضع المريض على أجهزة لا تعطيه سوى الحد الأدنى من الحياة. تذكرت وقتها كل مخاطر التخدير, وأكثر ما سيطر على خيالي هو رقم ضئيل جدا يمثل نسبة حدوث عدم الصحو الأبدي. أحببت والدي كثيرا وقتها, وغفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أردت أن أبكي, وأن أصرخ, وأن أطرد الجميع من مسرح العمليات, وأن أنهضه وأخرج به حالا, وأن... لولا أن أنقذتني طبيبة التخدير من حالتي, بأن قامت بطردي أنا بالذات من الغرفة, مذكرة إياي بأنه يمنع على الطبيب حضور عملية تخص أحدا يخصه... شكرا لك يا دكتورة زهور.فهمت وقتها لماذا يشاجرنا أحيانا بعض مرافقي المرضى, ولماذا يغضبون منا عندما يفهمون خطأَ انتظارنا لشيء ما على أنه تقاعس, ولماذا يلحّون علينا بإعطاء المسكنات لمريضهم عند أقل تأوه يطلقه. أنا أغدقت على والدي المسكنات ببذخ المترفين أيها الأعزاء حالما بدأ يصحو من المخدر ويشعر بالألم, استعملتها جميعا من الديكلوفيناك وحتى البتيدين (مورفين) في أقل من ساعتين. أتعلمون لماذا؟ لسبب بسيط: أنني لم أكن أتعامل مع جسده وقتها, بل مع روحه, مع أثيره الذي ما انفككت أستنشقه منذ ثمانية وعشرين عاما.في البدايات.. لم أكن أحتمل رؤية ميت, ولم أكن أحتمل الوقوف في مسرح العمليات لأكثر من خمس دقائق, كنت أتقيأ لمجرد انتشار روائح الدم والقيح والبراز من بطن المريض, ما لم أخرج خارجا في الحال.لم أستطع كتابة سطر واحد من الشعر لمدة سنة كاملة وكنت عاجزا عن الحب.أما الآن فقد بدأت بالتشابه مع أغلبية الجراحين: قويت شخصيتي كثيرا, وازدادت بذاءة لساني كثيرا, فيما أصبحت أكثر ميلا لملاطفة النساء وأكثر جرأة في الإقدام عليهن. أصبحت أكثر ولعا بالشعر والنبيذ والورد والشموع... الخ. وكأغلبهم أكثر ميلا للأشياء اللطيفة والرومانسية ربما كتعويض لا واع عن القسوة التي نمتهنها.الأهم من ذلك كله أنني أصبحت أكثر استخفافا بالموت وبقيمة الجسد, حالة الموت أصبحت روتينا حياتيا أعيشه يوميا, والجسد لم يعد أكثر من جلد وعضلات وشرايين وأعصاب .... وأرقام.المومسات مع الوقت يصبحن أيضا أكثر قوة في الشخصية وأسلط لسانا وبنفس الوقت أكثر هشاشة داخلية وأشد رومانسية, لكنهن يبقين ما في الداخل للداخل وما في الخارج للخارج. هن خارج المهنة, كما أعرف, أقل ميلا لملاطفة الرجال وأقل ولعا بالشعر والنبيذ والورد, لأن هذه الأشياء هي الأكثر مصادفة لهن أثناء عملهن بالرغم من كونها سطحية أو زائفة. لكنهن بالمقابل يصبحن أيضا أكثر استخفافا بالموت وأكثر إدراكا للا قيمة الجسد..الأطباء ينحازون أيضا أحيانا لمرضى دون آخرين, إنحيازا عاطفيا وليس دوائيا بالطبع. هنالك مرضى يستطيعون أن يخرجونا من إطار التعامل مع أجسادهم ويقودوننا إلى مناطق تابعة لنفوذ أرواحهم. يحصل هذا لي أحيانا مع بعض الأطفال الصغار ومع المسنين الذين أحس بإهمال ذويهم, ومع بعض المرضى الذين ينشأ بيني وبينهم حوار إنساني وتعارف يتجاوز معرفة شكاوى الجسد إلى مساس أرواحهم, وبصراحة مع بعض الفتيات الساحرات أيضا.لا أدري هنا إذا كان المومسات أيضا ينحزن لبعض الرجال دون آخرين, لكنني أعتقد أنهن أقل إحساسا بذلك لأن رجالهم غالبا من نمط واحد ومن شخصيات متقاربة, قصصهم متشابهة وأكاذيبهم متشابهة, وهم بأية حال ليسو مضطرين للصدق كما هو الحال مع الأطباء, ولذلك يبقى أثير أرواحهم حبيس دواخلهم, بينما ترفع المومس ساقيها وتمارس حرفتها ميكانيكيا, مطلقة خيول أفكارها المجنحة إلى فضاءات لا تمت إلى أرضها بصلة.الطب والبغاء هما المهنتان الأكثر إنسانية في ظاهرهما والأكثر بعدا عنها في جوهرهما. الطب يفرج ألام الجسد العضوية, والجنس يفرج آلامه الليبيدوية. لكن ما تجهله هو أنك لست سوى رقم عابر بين أرقام عابرة, الحقيقة لا أحد يأبه لك, ولا أحد يحسك, وأهم ما في الأمر: لا أحد يحبك.الحب أو اللاحب.. تلك هي المسألة.عندما تضاجع زوجتك التي لا تحبك فأنت لم تضاجعها قط. أما عندما تضاجع هي رجلا آخر على سرير خيالها, فهذه هي المضاجعة الخالصة المخلِصة المخلّصة, وهذه هي الخيانة الحقيقية.سمعت مؤخرا عن مخرج لأفلام البورنو متزوج من واحدة من نجمات ذلك الحقل. هو واحد من القلائل في هذا العالم الذين يؤمنون أن الخيانة ليست خيانة الجسد. إنه يعرف تمام المعرفة أن الجسد هو لا شيء.. لا شيء على الإطلاق. إننا متحابان أنا وزوجتي, يقول المخرج, ووفيان لبعضنا البعض أيضا, يضيف, بالرغم من أنها تضاجع الآخرين يوميا أمام عينيه, فلا يكون منه سوى أن يأمرها برفع صوتها أعلى أو تقبيب مؤخرتها أكثر, إنها لا تقدم لهم سوى جسد محض لا قيمة له, فيما تقدم له هو جسدها على طبق من روح.. هذا ما يؤمن به.وأنت عزيزتي القارئة إذا علمت أن زوجك يضاجع أخرى أو أخريات, فأرجوك أن تبحثي أولا وقبل أية ردة فعل, عن أثير روحه, فإن كان مايزال على فراشك فتأكدي أن جسده عائد إليك لابد سالما غير منقوص, وليس على مساماته منهن غير الهبـــاء.لا أقول هذا لأبرر للرجال خياناتهم, ولا أدعو النساء إلى الاستمرار مع أزواج لا يحببنهم, ولكن لعلمي المتواضع أن الرجال هم الأكثر ميلا لتجريب الأخريات بسبب عيونهم التي كثيرا ما تسقطهم سهوا في شباك الغواية, فيما النساء هن الأكثر ميلا للاستمرار مع أزواج لا يحببنهم على أن يهجرنهم. وهاتان الحالتان في المحصلة لا تقلان عن بعضهما تفاهة وإنكارا للذات ومساسا جارحا بالحب.ذاك هو الجسد بتعريفه الرقمي, وتلك هي الخيانة بتعريفها الأثيري.مالا يدركه سوى الأطباء والمومسات, وإن أنكروه
تمام تلاوي
شاعر سوري

فن


19 أبريل 2008

سلطانة وأربعة أزواج

فتشت كثيراً عن حكمة اقتران الرجل بعدد من النساء، حكمة أن ينام مع واحدة، أن يأكل عند أخرى، أن يعود لينام مع ثالثة...لكنني لم أجد الإجابة.حيرني كثيرا أمر قبول المرأة بدور الزوجة الرقم واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة .في طفولتي ومراهقتي كثيرا ما طرحت على زوجة خالي سؤالي القديم: لماذا تلزمين الصمت إزاء زواج خالي بامرأة أخرى؟لم تتغير إجابتها على مدى سنين طويلة، كانت دوماً تضحك على سؤالي الطفولي بنظرها وتقول: ما بيدي حيلة .أعداد أخرى سألتها السؤال ذاته. وأتتني أجوبة النسوة متماثلة، غالبيتها تصب في خانة ( ما باليد حيلة)قلت لجارتنا (ولماذا ما بيدك حيلة)قالت لي وهي المصابة بالتهاب الأعصاب جراء صدمة التعدد: هذا هو حقه السماوي..
- وهل تبيح السماء أن يبكي الإنسان؟ أن تحرق قلوب النساء؟ إن السماء عادلة.- هذه هي سنة الله في خلقه .. احنا تحت وهم فوق، احنا حريم وهم رجال. المهم لنا الآخرة.واحدة فقط أجابتني إجابة لم أفهمها وقتها، قالت لي : كل شيء له أوانه.هي أمي.أزعجتها كثيرا، قد أكون جرحتها أكثر وأنا أسألها: كيف تبررين وقوفك صامتة وأنت تعلمين أن أبي يجرحك بالخفاء وبالعلن. وأنت المتعلمة المثقفة؟قالت: كل شيء له أوانه. المرأة أقوى من أن تغضب.- لكن ذلك هو الضعف بعينه، هكذا أنظر أنا للأمور. كيف تصمت المرأة وترى في ذلك الصمت مدداً للقوة والطاقة ؟ هل توهم نفسها بأن هناك يوما سيأتي ليعتذر لها الخائن؟ ليكفر عن خطئه؟ ليطلب صفحها؟ لتنتقم منه؟ ما هذا الأوان الذي لم يأت بعد؟وجاءت فضيحة الرئيس السابق بل كلينتون مع مونيكا لوينسكي لتزيد حيرتي لأمرين:أولهما أن كشفت لي تلك الفضيحة حجم الفارق الإنساني بيننا وبين الغرب.. فتصفيق شرقنا لخيانة رجاله ومباهاته بعدد الزوجات والعشيقات في المجتمع كرمز لفحولة أبنائه وعطائهم، يقابله محاولة الغرب عزل رئيسه المتزوج حين فضح أمر خيانته. أما الأمر الآخر فهو صمت تلك السيدة الغربية الذي جعلني أحتار بأمر المرأة، أو أني لم أنضج، مازلت أصغر من أن أفهمها، كانت ردة فعلها أقوى من أن أفهمها.- هذه المرأة جنت بالفعل، الضعيفة تدافع عن زوجها الذي يدينه الجميع بالخيانة المهنية والزوجية. ولا تزال حين الحديث عنه تشير إليه بـ (سيدي الرئيس). لأجل ماذا؟ لأجل لقب زوجة الرئيس ؟ اليوم وبعد سنوات عدة أشاهد هيلاري وهي تترشح للرئاسة، أمنيتي أن تفوز لتأتي وتتولى حكم عربنا الذين يرفضون ولاية المرأة.صار شيء في داخلي يرى في تقدم هيلاري تفسيرا لإجابة أمي، لصمت هيلاري قبل سنوات، لسكوت زوجة خالي وجارتي وكل النساء اللواتي حسبتهن يوماً ضعيفات. لولا صمت هيلاري أيام الفضيحة ما وصلت اليوم لهذا الإنجاز التاريخي. هذا هو الأوان، تعيشه هيلاري، وتلك هي القوة الأنثوية إذاً، إنها مبادئ لعبة سياسية غريبة تلك التي تحكم علاقة المرأة بالرجل. هو يحسب أنه يحرك الكون بعضلاته، يرسم لوحات لنسائه، يبعث لهن أِشعاراً وغزلاً، قبل أن ينهال عليهن ضربا. وهي تخطط، بارعة هي بالتخطيط، هي تملك الحنكة، وتحيك بها خيوط المستقبل . الضعيفة إذاً كانت هي الأذكى.لكن نجاح هيلاري لم يجبني عن تساؤل قديم.إذا تخلت المرأة عن كل شيء لأجل خيانة رجل والخيانة هنا تشمل الزواج المتعدد الذي هو برأيي أقسى أنواع التمييز ضد المرأة، فهل يعني هذا أنها امرأة ضعيفة ؟ وإذا كانت هيلاري تملك فرصاً بيئية دفعتها لالتزام الصمت، فماذا تملك نساؤنا الحزينات من فرص تشجعهن على التزام الصمت أمام غدر رجل مزواج؟كنت أجوب في الحريم بقصر توبكابي في اسطنبول، دخلت مجلس السلطان الذي كان يسهر فيه مع زوجاته وأبنائه وأعداد جواريه اللامنتهية.. عدت أدراجي قبل أن أكمل بقية القصر الكبير الذي كان يرتع به السلطان تاركاً فراغا قليلاً للحريم مقارنة بمساحة الأرض الشاسعة.في مجلس السلطان كانت الزوجات يجلسن في منطقة مخصصة لهن يشهدن الجواري وهن يرقصن ويتغنجن للزوج الأوحد.تصنيف النسوة كان يميز السيدات الزوجات عن الجواري الراقصات. لكن المجموعة كلها كانت قافلة من العبدات.عدت للسؤال ذاته: لماذا قبلت نساء الحريم بذلك المنطق المنحط وبتلك الإهانة البطريركية ؟ لم أستغرب الحريم العثماني كثيراً، فقد كنت يوماً أعيش ابنة داخل الحريم، ولا أعتقد أن المرأة في بعض الدول العربية تقدمت مقارنة بعهد العثمانيين، فقافلة العبودية تزيد امتلاء يوماً بعد الآخر. أفهم الآن أن قافلة العبودية تملك من الخوف أو من المصالح ما هو أقوى من حريتها.خرجت من القصر العثماني مع استنتاج مهم وهو أن صمت المرأة صمت تاريخي قديم.
***
وفي النهاية، سئمت من الاستمرار بالسؤال عن سلبية المرأة أمام تمييز الرجل عنها، وبدلا عن ذلك صرت أحلم بحياة أكثر عدالة، يوم أكون أنا أيضاً سلطانة، ويحيط بي عشرات العبيد والأزواج. ذلك يرقص وآخر يصفق وثالث يتمنى نظرة مني. كثير ما جاءتني انتقادات ذكورية حادة لأني أطالب بإلغاء تعدد الزوجات، كما سبق وألغينا الرق رغم أن الإسلام لم يحرم الرق. وانتقادات أكثر حدة كلما تساءلت عن أسباب منع النساء من التعدد. أذكر مدرسة الفقه التي وقفت تنظر لي كالخارجة عن الدين وأنا أسأل عن التعدد للمرة الأولىفي حياتي : إذا كان التعدد له تلك المحاسن التي ذكرتيها فلماذا لا يسمح لي بالتعدد؟حين كبرت ولم أجد إجابة مقنعة لحق الرجل في أن يتدلل وسط الزوجات، صرت أبحث عن إجابة مقنعة لحرماني من ذلك الدلال.
- اسمحوا لي بالتعدد، إن كنتم تستمتعون به حقاً.
- من العهر أن تصرحي بذلك، وكأنك تصرحين برغبتك في النوم مع رجال عدة.
- ولماذا لا يخجل الرجل من التصريح بتلك الرغبة؟
- المرأة لا تملك تلك القدرة على الجمع من الناحية البيولوجية والفسيولوجية؟
-من قال ذلك؟ بدليل المرأة التي تخون زوجها وبائعة الهوى.. كلهن يمارسن الجنس عشرات المرات مع عشرات الرجال .
- ماذا عن نسب الأبناء ؟
- يحدده حمض الـ DNA .
- هل سنقوم بتحليل حمض كل مولود يأتي إلى الدنيا؟
- ربما من المفيد ان نقوم بتحليل الحمض النووي لجميع مواليد شرقنا العربي.إذا أردتم الاستمرار في الظلم، فليطبق على الجميع. تعلمون، أشعر بسعادة طفيفة وأنا أشاهد الحنق والسخط على محيا أي رجل أناقش معه مثل هذا الموضوع، في الوقت الذي يستنكر هو أن تمنعه زوجته من تكرار الزواج، معتبراً قبولها وصمتها من مسلمات الحياة ومن أقل واجبات الزوجة نحو زوجها.قلت أخيرا لمحدثي:
- لماذا أنت غاضب؟ هل تشعر بالألم؟ بمرارة الخيانة؟ هل أحسست الآن بما تمر به ملايين النساء باسم الدين، وباسم «الجيش الإسلامي» الذي تعتبر زيادة عدده أحد واجبات النساء المقدسة ؟
***
لست أجد سببا يمنع الناشطات في الخليج من إعلان رفضهن للتعدد، في الوقت الذي تنحصر مطالبة بعضهن داخل إطار الحقوق التي يسمح لهن السياسي فقط بالمطالبة بها .لو أن السياسي في السعودية على سبيل المثال لم يفتح المجال أمام المطالبة بقيادة السيارات ، فهل كانت إحداهن لتجرؤ وتعلن رأيها في القيادة ؟لقد تم منع تعدد الزوجات في تونس والنتيجة هي نقصان نسب الطلاق.وفي منطقتنا يبلغ التعدد ذروته وعلى جميع الأشكال والمستويات: لدينا المسيار والمتعة والمصياف، ونسب الطلاق في ارتفاع مذهل. وتحليل ذلك طبيعي فالقاعدة الإنسانية تقول رجل واحد لكل امرأة وامرأة واحدة لكل رجل، الإنسانية تقول ان التعدد مرتبط بالطلاق لأن كثيرا من السيدات سيرفضن البقاء مع أزواجهن الذين خانوا قدسية الارتباط باسم التعدد وزيادة أعداد الأمة التي لا وجود لها سوى في أحلام كتب التاريخ.التعدد يعني زيادة أعداد الإخوة الأعداء...التعدد يعني زيادة نسبة الكره بين السيدات. فالمرأة تكره ضرتها وتغار منها.هكذا تمت زراعة بذور الحقد والكراهية بدلا عن بذور المحبة بين أفراد المجتمع...وفي النهاية ارتفع الحقد وزادت الكراهية حتى غدونا مجتمعا متهالكا نكره أنفسنا وننصب لها الفخاخ، طبيعي إذاً كرهنا للغير وتحاملنا على الغير ودعوتنا عليه بالموت، فهكذا نشأنا وكذلك عشنا. القاعدة الإنسانية العالمية تقول رجل واحد وامرأة واحدة... لذلك ترونهما في الغرب يسيران وقد بلغا من العمر سنا متقدمة، ممسكين بأيدي بعضهما، حاملين معاً ذكريات طويلة وماض عريق وتاريخ حافل بحلو الحياة ومرارتها. يبدآن سياحتهما فيتنقلان بين البلدان، أراقبهما أينما أراهما، أراقبهما بغبطة، يرتديان ملابس أنيقة، وبهدوء ينظران لبعضهما ولمن حولهما. ماذا يحكيان يا ترى؟ ماذا يتبادلان عبر تلك النظرات الطويلة؟ أهو شيء أعلم أني لم أتعلمه أبداً في بيئتي؟ لا أستطيع منع عيني من اختلاس النظر، فتلك مشاعر فياضة يندر وجودها في قاموس كبار السن هنا.أما عن قاعدتنا المحلية... فلم يحدث قط أن رأيت رجلا متقدما يسير مع زوجته المتقدمة في السن، هذا الشيء غير موجود في ثقافتنا، إن عملية الفصل والعزل تتم في منتصف العمر تقريبا، ليبدأ السلطان الكهل بالبحث عن شابة في سن أحفاده. سيجدها وسيشتريها، الطرقات العربية مليئة بهن، سيجدها. طفلة في السادسة عشرة أو عشرينية، يعرضها نخاس بثمن بخس. وسيقبض الأب الثمن وتستلم الأم المهر، وتدفع العروس عمرها لأجل بنكنوت.حين ترمى عشرينية بأحضان ثمانيني، فهل نطمح بمجتمع أكثر ترهلاً بعدها؟ أما الزوجة المغلوب على أمرها فتقعد كما زوجات السلطان. تنتظر يوما تحلق به في سماء القوة، ترقب أبناءها، ثمرتها، و تصبر نفسها قائلة (الخير في عيالي) و (لي الآخرة ).وأسأل نفسي : أهكذا تنتهي قصة زواج؟ زوج مراهق وزوجة صامتة ؟ ماذا عن الماضي الذي جمعهما؟ أين قصصهما؟ ضحكاتهما؟ هفواتهما ونزواتهما؟ أين صور التقطاها معا؟ كلها انتهت!كلها أحرقت!ويقولون تلك أوامر...
***
ستمطر السماء يوماً مطرا أسود، سيتبعه برق معتم، ستختصر السماء يوماً كل آهات وتنهدات الكسيرات.
نادين البدير إعلامية وكاتبة سعودية
مقال نشر في الراي الكويتية يوم 19-4-2008

انتخاب أمير للتفاهة: (أبو ظبي ) واغتيال الشعر العربي

لقد قام بعض المتسابقون بشراء رسائل SMS
مقابل حسومات معينة!! وفي بلدة مثل سراقب ( السورية ) حدث انقسام بين عوائلها!
لعلَّ أسهل ما يمكن أن نبدأ به لتناول ظاهرة كمسابقة ( أمير الشعراء) المأسوف على شبابه، شهادة الشاعر العراقي المنكوب بحصيلة SMS التي كان قوامها صفر، يعني – كلِّش ماكو- إذ قال لافظ فوه ( الـSMS لا تصنع شاعراً)!! قالها الشاعر العراقي بلوعة وكاد أن يبكي على الجائزة التي تجاوزته وتركته في غبار القوافل. ولا أذكر اسمه هنا، لأنهم- أي الشعراء المشاركون - قليلو التمايزات، حيث يبدون مثل كتيبة في الجيش الصيني. لكن الصدفة سمحت لنكرة مثلي أن يعرف اسم بعض هؤلاء الأعلام لاحقا، معرفة شخصية. في مدينة أبو ظبي، في البلاد التي رأى البعض أنها تقدم نموذجا عربيا يحاول دخول المستقبل بما اتيح لها من امكانات واسعة، إذ أنَّ نموذجاً كدولة الإمارات يمكن أن يُخرج المال العربي من وظيفته التقليدية وأن يضعه في خدمة تنمية حقيقية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية، وكي لا نظلم الناس يمكننا أن نشير إلى نجاحات يشهد لها، حققتها تجربة الإمارات في مجالات مختلفة على أنَّ تحليلاً بسيطاً وساذجا يساق هنا قد يبرئ أهل البلد من التهمة ليلصقها بالقائمين على هذا البرنامج! إذ تقول الحكمة المبثوثة مثلاً ( جدي يلعب بعقل تيس)!! وأهم ما تميز به برنامج أمير الشعراء هو إخراجه الرديء والذي جاء ( من غير نفس ) على ما يبدو، ناهيك عن ضحالة الفكرة وسماجتها وانخفاض الأداء الذي امتاز به العمل، إذ ربما لو كان للصومال فضائية لخجلت من نفسها على ضعف أمكاناتها المحتملة، أن تطلع على الجمهور ببرنامج كهذا. أن تنذر قناة أبو ظبي نفسها للتحول إلى مؤسسة إنتاج شعري من الدرجة الخامسة على أحسن تقدير إذا ما تناولنا الآليات التي تم ترتيب المسألة وفقها ومجمل التجارب التي تهافتت لتحظى بلقبٍ أجوف لا يملك من يمنحه أدنى الشروط التي تؤهله ليضعه على رؤوس شعراء بانوا كمرتزقة في جيش من العالم الثالث، تكمن موهبتهم في الاحتيال على بسطاء الشارع ( العامة )، وما أسهل أن يتحالف المواطن العربي ضد نفسه حين يتعلق الأمر بشريطٍ متحرك يذكر اسم المرسل ويعيد إلى الذاكرة مسابقة سوبر ستار الغناء التي تعتبر وكما أشار الشاعر أمجد ناصر أهم من سوبر ستار الشعر العربي !!.... أن تنذر قناة ( أبو ظبي ) نفسها لذلك فهذا يعني أن المحطة مفلسة، وأنَّ برنامج يحتفي بالرقص الشرقي كان سيعود عليها بنفع أكثر مما جلبه لها عضاريط الشعر المعاصر. فقد بدت قناة أبو ظبي أنها تكرس الانحطاط عبر نقَّاد لا نعرف مرجعياتهم ولا إسهاماتهم، و عبر شعراء صنعتهم مسابقاتٍ لصحف صفراء أو حمراء، وعبر مراكز الثقافة الشمولية، وكذلك عبر فنانين لا يذكر لهم باع في الشعر سوى ترديد بعض الابيات في ادوار تاريخية، إذ ربما تلبسهم الدور واعتقدوا أنهم هم من قال هذه الابيات، بل قد يبلغ بهم الشطط متمثلين أحد أدوار الخلفاء: يا غلام أعط هذا الشاعر ألف ألف دينار ، ذلك يعني أن أبو ظبي ( القناة ) تساهم في خلق ردَّة ثقافية. وقد كان حريَّاً بغسان مسعود أن يحفظ سمعته كفنان (عالمي) ويترفع عن هذا الدور البائس، لكنها عين بني آدم على ما يبدو لا تشبع إلاَّ من التراب وما أكثره في المسلسلات التاريخية! وقد يتلبس هذا الدور غسان مسعود الى ما بعد المسابقة ويبدد ما يجنيه من أجر على ادواره في عطائه للشعراء أذ قد تستمر معه الحالة ( اللهم عافينا ) وما أن يسمع أحداً يردد بيتا من الشعر إلا ويخرج من جيبه صرة من الدراهم ويلقيها له: خذ ياشاعر العرب...إنها الردَّة التي تنذر بمزيد من الخواء، الردَّة التي وصلت إلى فنَِّ طالما تهافت عليه المتهافتون إلاَّ أنَّه ظل بمنأى عن هذا الشكل السافر من التشويه، لقد قام بعض المتسابقون بشراء رسائل SMS مقابل حسومات معينة!! وفي بلدة مثل سراقب ( السورية ) حدث انقسام بين عوائلها! إذ تبنت إحدى العائلات ( شاعر الحب ) وردت عائلة منافسة بعد اجتماع ليلي دعي اليه كبار القوم بتبني الشاعر اليمني مؤكدين أن أصل قبيلتهم من اليمن... وهنا يحضرنا المثل الشعبي الذي أستحي من ذكره صراحةً لكني سأكتفي بالإلماح إلى صيغة المبارزة والمنافسة المحمومة ومن الذي يكسب من تنافس الآخرين... إذا تحامرت الـ.. إلى آخر الحكمة. إن 90% من مشجِّعي أمير الحب مثلاًلم يقرؤا شعراً لأحد بما في ذلك ما قاله الاستاذ المعري! وأميرهم المحتمل الذي يدعمون! والذي بدوره لم يقرأ أكثر من أعماله التي تتكاثر كالجراد مكرِّرةً نفسها ورموزها التي تحولت إلى أيقونات بائدة. كما أن أكثرهم ثقافة لا يستطيع أن يأتي بأسماء ثلاثة شعراء معاصرين لأميرهم الشاعر.. أتحدث عنه كنموذج أعرفه وأعيش تفاصيل نجاحاته التي بدأت مع مسابقة سعاد الصباح التي فتحت الباب أمام أجيال شعرية ساهمت في تكريس الضَّحالة في وقت كانت الحداثة الشعرية تتلمس لها طريقاً إلى ثقافتنا ليأتي أهل المال ساحبين البساط من تحت حراك محتمل ليعيدوا مفهوم الارتزاق المبتذل إلى الشعر والشعراء وقد وجدوا بشعراء من عيار " نص كم " ما يعينهم على ذلك، دأبهم سرقة تصفيق الجمهور و رصيد هواتفهم لاحقاً. رغم ذلك فإن شاعراً وضيعاً يطرح نفسه كعلماني بارز في أوساط المثقفين سيكسب لاحقاً جائزة في مديح النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلَّم، ثم سيحتكر الحب في مسابقة هزيلة كمسابقة أمير الشعراء معتقداً أنه نزار قباني جديد ومراهناً بالتأكيد على جمهور من الدرجة الخامسة سيطربه أي كلام موزون ومقفى، وكأننا لم نعد نستحي، شعراء وجمهور ومانحو جوائز !.إنهم شعراء نصف كم، جلسوا مطولاً بين أيدي المزيِّنين ليصنعوا لهم تسريحات تليق بهذا اللقب الأجوف، وربطوا ربطات أعناقهم بعقد كان من الأفضل توفيرها، حيث يكفيهم ما في أنفسهم من عقد وأمراض لم يستطيعوا أن يحفظوها بعيداً عن ذائقة جمهور يتداعى وشاشات تتلقف الأمراض. كم أتمنى لو أن هذا الكلام جاء على لسان غيري، حيث أنني متهم بأني أكتب الشعر، لكني ولحسن الحظ لست من أهل سباقات الهجن ولا مصارعة الديكة أو الثيران، أنا بني آدم يتحسس الشعر الهادئ والجميل، ذلك الذي ينحت بعيداً عن ضوضاء الفضائيات المبتذلة وصرخات الشعراء المتلهفين للدراهم والشهرة المصنَّعة، إنَّ الحق يقال: ( غاب القط، فالعب يا فار) . أين جمهور الشعر العربي؟ ، أين أهل مصر لينجدوا أميرهم الذي حاز هذا اللقب دون ما فضائيات ودون ما انحطاط ؟. أيضاً أين شعراؤنا وصحافتنا ومؤسسات ثقافتنا؟ إذاً: الشعر العربي كما الحياء أيضاً في ذمة الله، شكراً لقناة أبو ظبي، شكراً لشعرائنا الأمراء.
الشاعر السوري ابراهيم قعدوني

17 أبريل 2008

نياووووووووووو


تحب القطة ان تمسح ظهرها وتفرك فروة رأسها فتلتصق بك وتتسمح بساقيك ، تسترخي مستسلمة ، تدور حولك، تشمك في حركات ودودة ولطيفة، تنتشي برضى مغمضة العينين مستمتعة باللمسات الحنون..

لكن ماأن تشعر القطة بالخطر، والخوف حتى تتحول إلى نمر صغير، تقوس ظهرها، تنشب أظافرها ، تستشرس، تنفخ أنفاسها في وجهك، وتهرب إلى أضيق منطقة لتختبئ ..

إنها حالات مفسرة، القطة بحاجة إلى الحب والاهتمام، وحين يذهب الاطمئنان تدافع عن نفسها. وكأنها لم تكن تلك الوديعة

كذلك المرأة ..!

16 أبريل 2008

الرسولة الوجه الآخر من التكوين: قراءة في نص أنسي الحاج/ مهاب نصر

يبدو أن سؤال الشعر: امكانه وفعاليته وحركة وجوده، لم يعد قادرا على استمالة الآذان، حتى كأنما قد فض الى الابد ليهبط من الثقافة الى الحياة، ولينحل في جماع الممارسات الشعرية. ولكن حركة الشعر لم تعدم غطاء تتحرك في حراسته، وكان هذا الغطاء هو فكرة "الممارسة" ذاتها، ومباشرة العمل دون توسط، "العمل" بما تتضمنا هذه الكلمة من تواضع المطلب وبساطته وحدود الانشغال. فليفرغ الشاعر الى قصيدته مطرحا وراءه الاسئلة !لكبرى، والآمال الكبرى ايضا، والاهم من ذلك نافضا يديه من "الفكرة".
لكن النقاشات التي تدور هنا او هناك ربما بمحض الصدفة تكشف عن "الوجه الآخر للتكوين ".
فلماذا يقفز النقاش فجأة من المنطوق الى امتحان المعنى؟ ومن المعنى الى امتحان الضمير؟ هكذا: الضمير! ولا يكاد يتبدد الغبار الا عن مرارة لا يعلم احد مصدرها!
من حقنا ان نتضجر لان مفاهيم مثل: الصدق. موضوعيا كان ام فنيا -، والعالم - موضوعا كان ام ذاتا كلية -، والجمال - علاقة كان ام جوهرا خالصا - واللغة - مساحة للتواصل او سجنا للاعراف - ما تزال تنجذب اليها المخاصمة في العمق رغم ما تراكم ويتراكم ارتالا من القصائد والبيانات وحتى الطرقات القوية على المناضد والمنصات التي تحلف بالمغلظات ان هذا عهد مأفون قد مضى الى غير رجعة وان هذه المفاهيم قد تم تجاوزها في سلم الجدل، وأخلت طريقها لما هو اكثر راهنية وألصق بأسئلة العصر.
ولكن يبدو ان المرور فوق هذه المفاهيم كان مرورا فوقها حقا، وليس من خلالها ولهذا لم تكتمل شرائط الجدل المذكور، بينما تتراوح القصائد بين تقعيد الثورة وتقعيرها من الداخل والى الداخل، بين "حواديت " اليوم والليلة، وبلغة تبيع التضحية في الكلام تعويضا عن الفشل في التعايش وفي الفهم، وترفع شعار العدمية دون ان تكون قادرة على تحمل مسؤولية عدميتها، على السعي بالكلمة الى نهاية الطريق.
[2] في عام 1960 صدر ديوان " لن " لانسي الحاج، وبين يديه مقدمة، تبدأ بالسؤال التالي: "هل يمكن ان يخرج من النثر قصيدة ؟" كان السؤال محددا واضحا، كان سؤالا في النوع. الا ان المقدمة لم تفرغ قط للتحليل الوصفي لطبيعة «قصيدة النثر» حدها وآفاقها وما تعد به، بل لعل هذا الشاغل كان عنصرا فقط في إطار سؤال اعم واشمل. دون مبالغة، كان سؤالا حضاريا، هكذا لم تكتف المقدمة بالتنويه بـ "الشاعر الحقيقي" فراحت تكيل التوبيخ للـ "مهللين عن جهل". شجبت «المقلدين الراكدين». وتساءلت عن "النهضة.. اي نهضة ؟". تكلمت بحرارة عن "الف عام من الضغط " وعن ضرورة "الهدم والهدم والهدم ". حتي اننا لندهش الآن امام هذه الكثرة الكاثرة من التعريفات والتحديدات والاحكام، واصابع الاتهام الموجهة هنا وهناك.
ألم تكن هذه هي حقبة الايديولوجيات القوية، والكاريزمات السياسية الساحقة ؟ الحقبة التي اندمجت فيها-حسب تعريف المقدمة نفسها-غوغائية النخبة والرعاع على السواء لتشكلا سلطة واحدة في وجه الحرية والتطور؟
لعل هذه المبررات ان تكون كافية، فقد وقع الشعر فريسة "الارهاب " وانتقل الى موقع الدفاع عن النفس. لكن الغريب ان جملة العلاقات التي تنشأ عن "حالة الدفاع عن النفس" ليست باقل مخاتلة او امراضا من التحزب الايديولوجي والوثوقية. فما كانت تمارسه السلطة من ارهاب وقمع خارجيين، كانت تمارسه ايضا (فكرة) الدفاع عن النفس مستعينة بسلطة داخلية على الضمير، مؤجلة - وفق تكتيكات استراتيجية - كل النقاط الحاسمة والاشكالات الوجودية التي تميز الفرد. نعم.. ما كان يقع في الخارج كان رجع صداه يسمع في الداخل ايضا: "لا صوت يطو فوق صوت المعركة".
لقد بدا حينئذ ان الحلم و"الجنون"، «الهستيريا» و"النرجسية" - هكذا بالحرف - هي مفاتيح الخلاص لاعمال شعرية لم تدرك آنئذ كيف انها محسوبة على تاريخيتها بالذات، مرهونة اكثر مما تتصور بطبيعة الصراع. ماذا فعل «الصراع»؟ لقد تحول بالفكرة - فكرة الايمان - الى مجرد حائط استراتيجي. هكذا اضحت الفكرة مرهونة اكثر بضرورة خارجية، انفصلت نهائيا -او كادت- عن اصحابها، واذ لم تعد ملكا لاحد، فقد فقدت جانبها الاشكالي وظهرت في النهاية كألفاظ لا تقل غموضا ولا شعوبية عن ألفاظ السلطة ذاتها. ماذا يبقى من الفكرة حينئذ الا جانبها الاستهلاكي؟ وربما مهمتها كذلك كـ "كلمة سر" او "سيم " بين أهل الصناعة ؟
[3].. على لسان "دلجوروكي" بطل "المراهق" أجرى ديستويفسكي هذه الكلمات: "متى استقر في ذهن المرء شيء ثابت، دائم، مستمر... فان هذا المرء ينفصل في الوقت ذاته عن العالم معتصما بالعزلة.. حتى ادراكاته الحسية تصبح غير صحيحة.. كانت "الفكرة" تعزيني عن العار وعن التفاهة، ولكن جميع دناءاتي كانت تحتمي تحت "الفكرة" ايضا. على ان فهم الظروف والاشياء فهما يبلغ هذا المبلغ من الاضطراب لا يمكن الا ان يضر بالفكرة نفسها.."
كانت فكرة "دلجوروكي" ان يكون "روتشيلد" وكانت فكرة انسي الحاج "الجنون": "بالجنون وحده ينتصر المتمرد ويفسح المجال لصوته كي يسمع، ينبغي ان يقف في الشارع ويشتم بصوت عال، يعلن وينبىء.. هذه البلاد، وكل البلاد متعصبة لرجعتها وجهلها، لا تقاوم الا بالجنون "... الى اي مدى عصفت هذه الفكرة بمصائر تماهت مع "روح الفكرة " ورأت الطريق امامها سهلا: الجنون، وهو لا يكاد يكلف شيئا، بيد ان الجنون "الشعبوي" الجنون "كتعبئة عامة" كان قد افرغ من محتواه الروحي الاختياري تحديدا، ليصبح جنونا بالفعل، هذيانا لا "يهدم ويهدم ويهدم" الا ذاته فقط.
أعود الى "دلجوروكي" مرة أخرى وبعد صفحات قليلة من اعترافه السابق "ما من فكرة تستطيع ان تبلغ من فتن المرء حد منعا من التوقف فجأة امام حادث محزن، والتضحية بكل ما قام به خلال سنين من العمل في سبيل الفكرة.."
[4] خمسة عشر عاما تمر ليظهر ديوان "الرسولة بشعره الطويل حتى الينابيع"، موقعا بإمضاء لعله لإ يخلو من مغزى: "مغلوبك". وبين «لن» و"مغلوبك" رحلة. ترى.. هل استوقف انسي الحاج حادث كذلك الذي ألمح اليه "دلجوروكي"؟ يبدو على اية حال انه لم يكن محزنا.. ويبقى السؤال، فالمسألة لا تتوقف عن حدود "مغلوبك" ذلك ان "الرسولة" على الرغم من غنائيته الشفيفة والمصحوبة بشهوة الحكى والاعتراف، يعيد بالفعل طرح العلاقات الجوهرية للاسئلة التي بدأنا بها عن "الصدق، والعالم، والجمال، واللغة ". وبينما يخلو العمل من مقدمات الا انه وعقب الفراغ من قراءته يدفع بالسؤال مرة اخري: من أين يأتي الشعر؟
كان من المفترض ان تدفع "موضوعات" الرسولة بالشعر الى نطاق التطرف، فهي تتناول انماطا ذات وجود مشاع غير زمني فـ "الآلهة" و "المرأة" و " العالم" و"الآخرون" - وفق منظور الفرادة الصارمة - كلها كانت تمثل من قبل الآخر في كليانيته، والذي لا حياة الا بنفيه ولا وجود الا بالتعيش على خراب وجوده. ان كلمة "الموضوع" في حد ذاتها تعد سيئة السمعة ومثيرة للحساسية لان كل ما هو موضوع يمثل عبء الخارج وسلطته. وسيظل "الموضوع" مهددا دائما طالما بقيت العلاقة على هذا النحو من توازن القوى ومن الناحية الأخرى يمكن النظر الى موضوعات الرسولة. وفق منظور قصائد اليوم والليلة - على انها ضرب من الكهانة والعرافة بعيدا عن الهموم الحقيقية.
لكن «الرسولة» يطرح مفهوما مغايرا تماما يتأسس على المجاورة والصداقة، صداقة العالم والآخرين، صداقة "الموضوع".
هل المجاورة أو الصداقة يمثلان صيغة وضيعة للتعايش ؟
صحيح أن الجنون - وهو مشروع "لن " - كان في منبته السريالي ايغالا وراء الحقيقة الام، الحقيقة الاكثر بدائية وبراءة، لكن طريق الحقيقة ليس واحدا، لان الحقائق ايضا ليست واحدة.
[5] "الرسولة"، قصة الاخطاء المتكررة واللعنة او الاثم اللذان من الممكن تلافيهما، وهو ما يحدث عند لحظة يصعب تبينها، لانها اللحظة التي تفصل بين الرغبة والحب. فالرغبة تنظر امامها الى مستقبلها، تضع نقطة في الامام يتوجه اليها القلب تحت وطأة ضرورة لا يكاد يفهمها ولكنه يحسها، وفي انطلاق الرغبة الى المستقبل يتعرف الحب الى نفسه، وتتشكل سيرورة الروح.. حتى ان الطريق يصبح هو الحقيقة، الحقيقة المحايثة للكائن ذاته.
"هذه قصة الوجه الآخر من التكوين
وجدتها وعيناي مغمضتان
فالطريق حبيبتي "
اما "الرسولة" نفسها فهي "الحادث" موضوع الرغبة والحب والافتتان الذي يدفع بالمرء الى "التضحية بكل ما قام به خلال سنين من العمل في سبيل الفكرة"، نموذج الروح المغيرة بالفعل دون ان تفطن انها تغير، والتغيير هو عطاؤها التلقائي حتى انها لتفجأ الحياة بثقتها الساذجة:
"أنت المضمونة
تغيرين الحياة دون انتباه"
من رحلته مع الرسولة يعود الراوي- او الشاعر- من الطريق ذاتها وقد فهم، يعود الينا ليحكي. يتوسل ليحكي
"اسمعوا
لا تغلقوا الابواب"
لكن، أليس الحكى - ولنتناس النبوءة والشتيمة بصوت عال - هو نكوص عن موقع "لن "؟ فالحكى لا يفترض فقط بعث التواصل والمشاركة وقسمة مخزون الفرح والحنان، اكثر من ذلك انه يفترض اساسا اصالة المحكي. اعني اصالة الموضوع حتى ليكاد الراوي أن ينحني، ويركع امام "الحكاية" مستشعرا حرج موقفه:
"هذا بحرك من مركبي الصغير"
هذا الذوبان في أصالة الموضوع لعله ان يكون الاختبار الحقيقي لاصالة الذات، وحين تطل الصداقة في النهاية فلن تكون صيغة متواضعة للتعايش، بل كطريق محفوف بالمخاطر، مخاطر السحق والاستسلام لشهوته، ومخاطر الانسحاق ايضا، فبين الموضوع واغراءاته وبين الجماعة وانظارها الملحاحة يحكي الراوي، الحكي هو جدارته، هو النقطة التي تجتمع لديها خيوط الاشياء الزمن نفسه تعاد صياغة معياريته وفق لحظة كشف دون اللجوء الى التخلص منه بالحديث عن ازاحته او التدبير لاغتياله مثلا، بل هو ينضغط، يلتهم دفعة واحدة، وتبقى فحسب بذوره العارية.
كانت لـ "كيرجورد" فكرة طريفة عن الفردية مؤداها، انه يرثي لهؤلاء الذين يخوضون «الكل»، رغبة فقط في التأكيد على فرديتهم، مشيرا الى هذه "الفردية" على انها خالية من المضمون او القيمة، لانها - وهي السابقة على الكل - لا تعني اكثر من الفرادة البيولوجية والنفسية، اما الفردية الحقيقية - في تصوره - فهي الذوبان في "الكل"، ثم تجاوز والتعالي عليه.
لكأنما هذه هي الطريق الوحيدة لتجاوز اخلاقية. ولنقل ايضا:
معيارية - الكل، باعتبارها الضرورة التي لابد من الاكتواء بها، الى ان تحين اللحظة التي تنفرد فيها الذات بأخلاقيتها ومعياريتها.
[6] هل "الرسولة" رحلة تكفير عن الصلف ؟ تراجع عن التحدي الى الاعتراف والغنائية ؟ فالرسولة غناء كله، غناه للآخر، للأقوى، والاغزر عطاء. هذا العطاء الذي كشف عن زيف التراتبية القديمة القائمة على مفهوم خاص للقوة. كانت القوة تعني ملكية أشد، واستخداما اوسع وبأبخس الشروط - وافدحها كما سنرى -. هكذا ونحن نتابع الجانب الآخر من التكوين نكتشف كيف انفصل الرجل عن المرأة بوازع الاستهلاك، انفصال عن الموضوع من اجل ضمان ملكية الى الابد.
"مالكا وحده
وبغير شبيه سيكون
وانشق عن انشاه
سحبها كمنديل وكسفها
وأبعدها، رماها ليهجم بارتياح
ليتفوق"
وكأنه لا سبيل الى تبين فاعلية الذات سوى استغلالها لموضوع تؤكد حضورها فيه تنفصل عنه لتكون ضربتها اوسع. ان عرضية الموضوع - موضوع الاستهلاك - تثبت اكثر فأكثر مفهوم الاستهلاك نفسه، كعامل مشترك وحيد، كمفهوم أجوف لا ينطوي على ري، ومن ثم يتكرر الهجوم دون ان يحقق أي غاية او اشباع. أليس من الطبيعي ان يسود الحسر العدمي اذاك كافة المستهلكين.
أراد الرجل ان يتخفف من مسؤولية الوجود - الوجود كتعايش - فأفرغ "المركب من نصف حملة" فاذا به قد افرغه من الرقة. هنا تتبدل الموازين، فما نفقده في علاقة التملك تحديدا يصير هو الاقوي، لاننا نصبح اسرى له. وهكذا تتعقد علاقتنا به وتذهب البراءة الى الابد. ها ان الانسان يقتل ويقتل
"واصلا الجبال بالجحيم
لعنته تهدر في سلالته
يقتل كبهيمة ويقتل كعاقل
يقتل كباغ ويقتل كخائف
الجبار الشقي
يطارد الموت فيقتل الحياة"
يقتل لتأمين الرقة، لضمانها في حوزته، فاذا هو يفقدها اكثر، ويطل ملتاعا بإثمه ورغبته حتى يصبح مضمون الرغبة نفسه خليطا من الحب والتأثم.
انه يطارد الرقة، ثم يطارد من اجلها شهوده، ولا يعرف انه انما يطارد الفكرة، الفكرة التي ما برحت رأسه.
[7 ] من اين تدخل الحياة ؟ ما دامت الفكرة مسيطرة ؟ هل كما اشار "دلجوروكي" المراهق: حين تقع حادثة محزنة ؟ ثمة شرط غاب عن "دلجوروكي" شرط في الكائن نفسه المستقبل للحادثة، هذا الشرط هو الغفلة: لا تدخل الحياة الا من مكان الغفلة، هذا ما قاله الراوي من البداية "وعيناي مغمضتان".
الغفلة هي البادرة الطبيعية حين ننحاز الى شخص ما، شيء ما، موضوع ما.. الانحياز نفسه لا يتحقق الا بهذه الغفلة، من هنا تسرب حياة الشخص او الشيء او الموضوع، وهنا تمتحن الذات في أرضها، وليس في ارض وسيطة تؤمن الغالب والمغلوب.
انها المخاطرة الحقيقية ان ينفتح الوجود للخارج، ولكنها مخاطرة لا تذهب هباء، لان لكل وجود أصالته التي سيتعرف اليها حتما حين تكون المخاطرة قد صفاها، وفرز انحيازاتها الحقيقي منها والمتوهم. انه ثمن الاضطراب والقلق والفجيعة أحيانا
"حبك حياتي في الاضطراب، واستقبلني في اليقين
ادخلني وخلصني
حررني من الصراع الاحمق، وسقاني خمر العرس
صفاني وابدعني"
هنا يقف الراوي، يستمح الله ان يتذكر، وما يتذكره هو خطيئته العظمي: الغفلة الحقيقية هذه المرة، غفلة الانانية والسطوة التي لا ترى في العالم الا صورتها ولا تحسب اللغة الا صوتها تتعشقه، حتى اذا ما دنت الى النبع وحركت مياهه اختفى كل شيء، انها ليست غفلة المنحاز ببراءة رغبته ونوافذها المشرعة، بل غفلة المحاذر المعتصم بكبرياء تشيخ كل يوم بأسرع مما يظن.
"كنت أخاطب الحب وبابي مقفل في وجهه
كنا اخاطبه وذراعاي تعانقان لغة"
[8] قليلا نتوقف عن لغة "الرسولة" اللغة التي ترجع اصداء التراتيل والابتهالات، بيد ان تماهيها لا يعبر عن الوظائف المألوفة في مثل هذه المواقف (الترميز - التهكم، الاسقاط..) انها لغة دينية فحسب، لدرجة تبدو معها ساذجة، سذاجة المؤمن الذي لا يعرف كيف يقول، فيقع على أكثر اللغات قداسة لعلها تنهض بعبئه الا انه على طول الطريق وبجرأة الجاهل يقول لغته هو وصوته هو.
ها نحن نعود الى الايمان، من التكاتف الاستراتيجي الى القلق الفرد، حيث المسؤولية كاملة ومتواضعة ايضا لأنها مساوية لقامة المؤمن. وفي النهاية قد تولد الحكمة لا كاستباق للخبرة او تجاوز لصيغة الذكاء العملي وتصنعا الصنعة ايضا، وانما هي الحكمة الطائشة، الملقاة عرضا مقرونة بالحكم دون تورع او حساب للمكاسب والخسارات.
صور تتابع، صور مبهرة، ولا نعلم كيف -رغم كثافتها - تنقل هذا الاحساس بالاتساع، ذلك أن ثمة حقيقة تضاء شيئا فشيئا، الحقيقة التي تجذب اليها خيط المجاز، خيط اللغة، وكلما اقتربت اللغة من صداقة موضوعها حفرت لنفسها طريقا هو محصلة مخاطرتها كلها.
" وبعد ما كان جيشي جبارا وأرضي مكسورة
صار جيشي مكسورا بصداقة الحياة، وأرضي جبارة"
............................
[9] أنسي الحاج.. من أين يأتي الشعر؟
مهاب نصر كاتب وشاعر من مصر