23 مارس 2011

يوم المرأة، مناسبةٌ (مناسِبة ) للاحتجاج: سوزان خواتمي

بدا لي أنه الوقت المناسب لإبداء الرأي، ليس فقط لعدم جدوى فعالية البيانات و جمع التواقيع كما اتضح، لكن أيضاً لأن الصمت ما عاد اختياراً. إن الاحتجاج في يوم المرأة العالمي مطلوب (شرعاً)، خاصة وأن بذرته الأولى عام 1857عام كانت احتجاجية حين خرجت نساء نيويورك للاعتراض على الظروف السيئة للعاملات في صناعة النسيج، و بعد سلسلة من التنظيم والتأسيس اعتمد التاريخ كيوم للمرأة الأمريكية قبل أن يتم اقتراحه عالمياً، ليرمز إلى نضال المرأة في كل مكان.

المناسبة بحد ذاتها مناسبة ومعقولة للالحاح على؛ كل ما يمكن اعتباره مطالب عاجلة للمرأة السورية، بدءاً من أكثرها تداولاً و هو موقف القضاء من "قضايا الشرف والعنف الممارس ضد المرأة" فرغم كافة المواثيق والمعاهدات الدولية وميثاق حقوق الإنسان واتفاقية السيداو، إلا أن قضايا الشرف مازالت موضوعاً يلاك ضمن لائحة العمل الداخلية لبعض رابطات النفع العام، و حقوق الإنسان، و جمعيات المرأة، و التي لم تتجاوز حتى الآن التقارير و التوصيات والحملات التضامنية التي ترفع إلى هذه الجهة أو تلك! يبدو أنه ما من أحد يتعجل اتخاذ قرارات قاطعة، تصون حياة المرأة كاملة، فالمرسوم 37 لم يكن إلا تعديلات شكلية على قانون 548، و لم يلغ على أرض الواقع فاعليته، بل مارس ما يمكن تسميته الإبرة المسكنة، والتي تأخذ بعين الاعتبار رضا المتشددين من المؤسسة الدينية! القانون بصيغته الجديدة مازال غير رادع. و حول ذلك تتساءل الأستاذة سهام أبو سعد في بحثها العلمي الذي قدمته مؤخراً حول جرائم العنف: "المحاكم السورية درجت على إيقاع العقوبة من ستة أشهر إلى سنتين أي أن المرسوم 37 أضاف للعقوبة سنة أخرى, فهل هذا كاف ! "
بالطبع غير كاف، فنسبة ارتكاب جرائم الشرف لم تنخفض، على العكس ارتفع عددها من 38 حالة رسمية معلنة عام 2007 إلى 61 جريمة عام 2010 وقعت أغلبها في حلب و ريفها. فهل يغير ارتفاع الرقم رأي السيدة الوزيرة الشؤون الاجتماعية ديالا الحاج عارف حول خطورة تلك الجرائم وتأثيرها السلبي على مجتمعنا السوري!
الحديث عن التمييز بين المرأة و الرجل في قانون الأحوال الشخصية شرح يطول، و يظهر – بلا خجل- في أحكام الزواج والطلاق والحضانة والإرث، و حتى في قضايا الشرف والخيانة المعاكسة. وعلى الرغم من التعديلات الطفيفة التي تمت فيما يخص تعديل سن الزواج ورفع سن الحضانة إلا أنها لم تصل إلى سوية رد الاعتبار للمرأة السورية و اعتبارها مواطناً (يستحق) أن يتمتع بكامل الحقوق والواجبات أمام قانون لا يكيل بمكيالين، ما يعني - بالمناسبة- أن تكون قادرة على منح جنسيتها لأولادها في حال زواجها من غير السوري، فهذا (الحق) أيضاً، لم يبت بأمره بعد!
و لأننا نحاول أن نصحو من الغفلة، و لأن ذلك يتزامن مع عيد المرأة، و لأننا بحاجة إلى زفر كل ما في صدورنا من تساؤلات و رغبات، قدر حاجتنا إلى قرارات تصون الحقوق و تقدم حلولاً عاجلة لقائمة الإشكاليات العالقة كالأشباح، علينا أن نذكر و نتذكر سجينات الرأي - النساء مثلنا- القابعات خلف القضبان؛ كطل الملوحي، ورغدة الحسن، وتهامة معروف المضربة عن الطعام منذ فترة اعتراضًا على ظروف سجنها، فربما هو الوقت المناسب لمن يهمه الأمر من أولي الأمر كي يحوّل المناسبة العالمية إلى بهجة حقيقية تحتفل بإطلاق سراحهن و عودتهن إلى حياتهن و عائلاتهن و أولادهن.


06 مارس 2011

سقوط دور المثقف: تلوين الأقلام بما يناسب المرحلة

تشغلنا أحداث الثورات السلمية غير المتوقعة من المحيط إلى الخليج، و يجيء عنصر المفاجأة فيها؛ أولا كونها تحولات شكلت قطيعة مع كل ما سبقها، و خرجت عن سياق التوقع، فما كان لأحد أن يتخيل نهاية حتمية للاستبداد على هذا الشكل وتلك السرعة. و تالياً لأن المثقف لم يكن عنصراً فاعلاً، بل على العكس كان مغيباً كما لو أنه سقط من اعتبارات ماضية كانت تحمّله عبء التغيير.

كثيرة هي المقالات التي انتقدت الشخصية المثقفة المحالة إلى المعاش، وفي أحد المواقع الالكترونية قرأت مقالا بعنوان (عاد الوعي للشعوب العربية فهل يعود للمثقفين العرب؟) يعري المقال أسماء كثيرة سقطت في وحل الادعاء، وكانت تعتبر نفسها تنويرية. ناهيكم عن شريحة كبيرة من المثقفين- أشد بؤساً- لونوا أقلامهم بما ينساب المرحلة، فبدوا مهرجين في مواقفهم المتبدلة من النقيض إلى النقيض.
موقف المثقف الأخلاقي لا يقل أهمية عن نصه الذي تتأتى قيمته من التميز والجرأة في الطرح، وهو أمر يصعب تطبيقه دائماً، ليس فقط بسبب الرقيب الذي يسرب الحقيقة التي يريدها بالطريقة التي يريدها، بل أيضاً لحسابات خاصة تردعنا بوعي أو بغيره، ربما تكون أسرية أو اجتماعية أو دينية. وهذا ما أتخم المشهد الثقافي بأنصاف المواضيع وأنصاف الأفكار وأنصاف الطروحات.
لهذا السبب، وربما هناك أسباب أخرى لست في وارد إحصاءها، سقط رأي المثقف من حسبان الشارع العام، وقوطع جماهيرياً، ولم يعد مستغرباً أن يكتفي الأدباء والشعراء والمحاضرين بأصدقائهم وأقاربهم كحضور. خاصة وأن ما تطرحه المنصات لا يخرج في العموم عن الضحالة وتكرار ما سمعناه عوض المرة مرات. حدث في أمسية شعرية لأحدهم يتضمن نصه الشعري عبارة (خمر شفتيها) فإذ به يقاطع التتابع ليتعوذ بالله، ثم يتابع القراءة.! هل نتحدث هنا عن عدم اقتناع الكاتب بما كتبه شخصياً، أم عن غياب الجرأة، إن كان فيما قاله أي جرأة! لكن يبدو أن الخروج عن السياق تهور لا تحمد عقباه. ولاأدري لماذا علينا جميعاً أن نكون متشابهين حد الخلط، رغم أن تضاد الأفكار أيا تكن توجهاتها أمر مشروع في مجتمعات تطمح للتقدم، وثباتها بالإجماع ليس دليل لحمة وطنية، وتماهي في النسيج الاجتماعي، كما تدّعي الشعارات الطنانة، بل هي دليل إعاقة ذهنية.
في مناخ لا يضمن حق الاختلاف بالرأي، أجد نفسي أهلل سعيدة بكل قلم ونص وعمل إبداعي لا ترشح الخشية من بين سطوره، فمقال د. ابتهال الخطيب "كسر لا يجبر" على سبيل المثال من هذا النوع، إذ تتحدث فيه عن مشكلة البدون دون محاباة أو مواربة. كذلك العرض المسرحي "دار الفلك" للمخرج سليمان البسام، فالعمل لا يتكئ على الاستسهال وإمساك العصا من المنتصف، بل يقدم فكرته بجرأة يحسد عليها، منتقداً الخطاب الديني الأصولي الذي يقصي المرأة ويهمشها.
و أتساءل؛ هل يمكن للتغيير بعصاه السحرية التي أصابت الآلاف المؤلفة فأخرجتهم عن صمتهم الطويل أن تصيب المثقفين، فيتداركون مواقفهم، ويسترجعون الثقة، وما انقطع بينهم وبين نبض الشارع اليومي؟
                                                                    سوزان خواتمي