15 يوليو 2011

الخ.. ميزان البوعزيزي

ميزان البوعزيزي
وفق ما جاء في رقيم باللغة المسمارية لشريعة حمورابي، فإن عقوبات السرقة كانت تختلف تبعا لمكانة المسروق منه! من المدهش أن كفة السيدة العدالة معصوبة العينين كانت تقصد بذلك الحفاظ على استقرار التمايز الطبقي. لذلك لم يكن لأي سارق فطن أن يقترب من علية القوم ووجهائه، لأن عقوبته وقتئذ تتضاعف! النص القانوني المعتمد كان يقول: «إن سرق أحد ماشية أو ضأنا أو خنزيرا أو ماعزا وكانت تعود للإله أو البلاط فإن عليه أن يعيد ما سرق ثلاثين ضعفا، وإن كانت تعود لرجل حر من رجال الملك فعلى اللص أن يدفع عشرة أضعافها، فإن لم يكن عند اللص ما يدفعه توجب قتله» خوفا من إعادة ما قيمته ثلاثين ضعفا، صار العوام والفقراء هدفا سهلا للصوص، يبدو أن الأصل القانوني «المائل» نُسي مع الزمن، ولم يبق لنا سوى فكرة استسهال السطو على الأموال العامة، وخرق القانون، وإدمان التجاوزات، حتى صرنا نحقق شهرة لا نحسد عليها في فن الالتفاف على القوانين، وعدم التقيد بأي نظام انضباطي، كلما كان ذلك ممكنا، على عكس الدول التي تعزز سيادتها وحضارتها بأولوية تطبيق القانون مهما كانت الشخصية الاعتبارية، إلى حد أن محافظ لندن طالب أوباما بمبلغ مخالفة مرورية حررت لموكبه الرسمي! تؤكد الثورات البشرية عبر التاريخ أن تصاعد الشعور بالظلم هو بذرتها الأولى، وحين يصل الفساد إلى مؤسسة القضاء، ويضيع الحق أمام الباطل يبدأ الانهيار. ومازال ماثلا أمام أعيننا مشهد رماد البوعزيزي الذي أشعل غضبة شعوب كان كل الظن أنها لن تغضب!

الخ.. خطب يخطب خطاباً

خطب يخطب خطاباً
لن يعرف نشوة المنصة إلا أولئك الذين جربوها، واستمتعوا بالتصفيق الذي يعتبر في معظم ثقافات العالم مكوناً أساسياً ملازماً للخطبة التي تكاد تقتصر على جمل متتابعة ووقفات مطولة للتصفيق. وفي عوالم سياسة البلاد العربية ارتفعت أهمية التصفيق حتى طغت على المساحة الزمنية لكلام الخطيب، بغض النظر فيما لو كان خطاباً مخيباً للآمال، أو أنه لم يحقق المواقف المطلوبة، فالتصفيق مهمة بحد ذاته!

ليس مهماً أن نعرف مقدار التصفيق الذي رافق أول خطاب في التاريخ، أو إن كان أرسطو قد جعله شرطاً حيوياً في كتابه الشهير(فن الخطابة)، فالمتابعة العملية لخطابات معاصرة تتناقلها وكالات الأنباء من ألفها إلى يائها كافية ووافية. إذ تحتاج الخطبة الناجحة عدا فقرة التصفيق طبعاً إلى الفصاحة و البلاغة و الايضاح و المباشرة و التفسير وما يقابله من التلميح، بل وقد تتطلب القيام بحركات استعراضية في سبيل الوصول إلى أكبر قدر من التأثير، كما فعل سعد الحريري حين خلع سترته، و لم ينج بعدها من التعليقات التي لم ينافسه عليها سوى الرئيس معمر القذافي، فهو ما زال يحظى بالحظ الأوفر من التعقيبات على خطبه المرتجلة.
لا تراعي الخطب المطولة قدرتنا على الانصات، و قد سجل فيدل كاسترو رقماً قياسياً في خطبة له ألقاها أمام شعبه الكوبي استغرقت مدة تزيد على الثماني ساعات متواصلة. على نقيضها تماماً تعتبر خطبة عميد الأدب العربي د. طه حسين عام 1950 هي الأكثر اختصاراً في التاريخ المصري إذ قال حين عين وزيراً للمعارف "عدنا فعدتم" . يخص الايجاز مناسبات التنحي، و تكاد خطبها تكون معدومة في تاريخنا السياسي،مع ذلك فإن الذاكرة مازالت تحتفظ بخطاب جمال عبد الناصر، وبعد كذا ونيف من السنوات أعلن حسني مبارك تنحيه في كلمات مقتضبة، فيما رحل زين العابدين بن علي دون تلويحة وداع.. ولاعتبارات كثيرة مازالت الخطبة التي تنازل فيها الملك ادوارد الثامن عن عرشه ليفوز بحب مسز سمبسون قادرة على مداعبة أحلام ثلاث أرباع فتياتنا الرومانسيات الطامحات بحب مماثل، أما أحلام الشعوب فتبقى مؤجلة و معلقة بانتظار خطاب (محب) على ذلك المستوى من العطاء، لم يحدث بعد.!

الخ.. اسئلة مبتورة

أسئلة مبتورة




كيف أميز بين الشعر والنثر، و أعلن رأياً نقدياً في رواية كان من المفروض أن أقرأها، و هاجس الانفلات الأمني و الطائفية و المد الديني و الانشقاق العسكري تتناقلها القنوات الفضائية التي لا يصمت بثها لا ليلاً ولا نهاراً!
كيف أفسر موقف أدونيس، أنا التي لم أفهمه يوماً، و لا ثابت نستند عليه و لا متحول يتضح في الأفق!
كيف أميز الكوميديا الإلهية لدانتي وسط جحيم يومي من أدعياء يقررون بأنهم ناطقون رسميون بأسماء الآخرين!
كيف أشرح (النيرفانا)، و الحقيقة المطلقة في الذات و الوعي تكاد تقتصر على خطاب الإلغاء؛ فمن ليس معك هو ضدك بالضرورة!
 كيف أناقش نظرية الجمال عند أفلاطون أو نظرية المنطق لكانط، و في بالي صور أطفال لم يخرجوا بعد من حديقة طفولتهم يعذبون و يموتون و تقطع أعضاءهم.!
 كيف أنتقد كفة العدالة المائلة في شريعة حمورابي التي تجعل العقوبة أكثر حزماً حين يكون المعتدى عليه من الأشراف، و هناك من يميز بين شهيد وشهيد!
كيف أكتب عن لوعة الحب و أقرأ أبيات غزل ابن زيدون في ولادة، و الخوف من الموت بسبب أو من غير سبب يملأ شوارع بلادي!
كيف أستعرض المدرسة الرومانسية منذ روسو و حتى اليوم و الغد غامض غامض و السماء ملبدة بالغيم و الوهم و الهواجس!
كيف أطرح موضوع النفاق الأدبي و تأثيره على جوهر الإبداع في الوقت الذي ينصب فيه اللاجئون السوريون خيامهم في الأراضي التركية طلباً للأمان!
كيف أطمئن على صحة مظفر النواب و عن تساؤلاته [يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟ هل أنت بقية داحس والغبراء؟] و في فمي السؤال نفسه!
كيف أستقرئ مستقبل الأدب، و المستقبل على كف عفريت!
كيف أدافع عن حضوري إذا ما نظرت في المرآة و لم أرني، أو إذا حميت نفسي في برج عاجي و أنا أعرف أن السقوط منه يدِّك العنق و يقصِّم الظهر؛ ظهري وعنقي..!