15 يونيو 2009

بيان: اطلاق الحملة الوطنية لالغاء مشروع قانون الطوائف والعنف والتمييز



لم يعد هناك أي شك أن أصحاب العقول المظلمة يريدون جرّ سورية إلى مستنقع إمارات الطوائف، حيث يستطيع كل من الحالمين بإمارة حرب خاصة به، وإقطاعية دينية خاصة به، وقصرا من الجواري والغلمان والذهب الرنان، أن ينصب نفسه ملك الملوك، وشيخ الشيوخ، وظل الله على الأرض!
ولم يجد هؤلاء أفضل من أن يعملوا في الظلام، تحت مسمى لجنة "سرية" تم تشكيلها بقرار من رئاسة مجلس الوزراء السورية رقم /2437/ تاريخ 7/6/2007، وأن يخرجوا علينا بما سموه "مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد"، والذي اسمه، وهدفه الحقيقي هو: "مشروع قانون تدمير الدولة الحديثة السورية، وإثارة الفتنة الطائفية، وتحقير المرأة، واغتصاب الطفلات)، عبر إلغاء مفهوم المواطنة إلغاء كليا، إحلال مفهوم "الذكر: الناكح، والأنثى: المنكوحة"، وإحلال مفهوم الطائفة (مسلم سني (مالكي، حنفي..)، وشيعي، وعلوي، ودرزي، ومسيحي (كاثوليكي، وبروتستني..)، ويهودي..) محل مفهوم المواطن والمواطنة!
ويعرف هؤلاء خير معرفة أن إقرار مثل هذا المشروع، سيعني مقدمة لتخريب سورية من الداخل الذي هو هدفهم الحقيقي، الأمر الذي يفسح المجال لتدخلات خارجية واسعة النطاق، مثلما رأينا في مناطق أخرى من العالم، وهو ما يفسح لهم المجال لتحقيق تصوراتهم المريضة للسيطرة على مجتمع ميت ليس فيه من يراهم على حقيقتهم. كما يعرفون أن ذلك سيعني شيئا واحدا: المزيد من الزوجات والأمات والعبدات لتلبية نزوعاتهم الجنسية، والمزيد من الرجال الخاضعين مسلوبي الإرادة ليعملوا ليل نهار من أجل إطعام أطفالهم، ثم يقدمون زكاتهم وتبرعاتهم كما يأمرهم دينهم ظانين أنهم إنما يساعدون الفقراء، بينما في الحقيقة تذهب هذه الأموال لتزيد من أرصدة إقطاعي الدين الموشحين بالذهب، الباذخين والمسرفين، الذين حولوا بيوتهم إلى فيلات ومزارع، وحولوا بيوت العبادة إلى قصورا فخمة ليحصدوا أكثر فأكثر عرق وشقا الناس.
إن مشروع القانون هذا يتناقض كليا مع الدستور السوري، ويتناقض مع التزامات الحكومة السورية تجاه الاتفاقيات التي وقعت عليها (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، سيداو، اتفاقية حقوق الطفل، والعديد من الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة)، كما أنه يتناقض مع مقاصد الشريعة الإسلامية (التي يدعي حالموا الإمارة زورا أنهم ينطقون باسمها)، ويتناقض مع مقاصد المسيحية واليهودية، وكافة العقائد السامية مهما كان اسمها ومصدرها.
إن مشروع القانون هذا يسمح لإقطاعيي الدين، الطامحين إلى بيع صكوك الجنة كما كان يجري في القرون السوداء الأوروبية، بتحويل المرأة السورية إلى عبدة وجارية لخدمة رغبات الذكر الجنسية والفيزيائية، وبجعلها مسلوبة الإرادة كليا، لا يمكنها فعل شيء، أي شيء، دون موافقته! كما أنه يمنح الذكر سلطة أن يتزوج عليها مرات ومرات بغض النظر عن إرادتها، ويسمح له بأن يفعل بها ما شاء طالما دفع ثمن متعته مسبقا تحت اسم "المهر". وهو ما يرفضه أي رجل يشعر برجولته، ويتعز بأسرته، ويرفض أن ينحط إلى مستوى الذكورة الحيواني الذي يريدون له أن ينحط إليه بخرافاتهم عن "فتنة النساء" و"غواياتهن" و"كيدهن" لكي يزعزعوا ثقة هؤلاء الرجال بأنفسهم ومقدراتهم وعقولهم.
وهذا المشروع يشرع العنف ضد الأطفال تحت مسمى "التأديب"، ويشرع اغتصاب الطفلات تحت مسمى "البلوغ".. ويحول الأطفال إلى "سلع" في سوق الصراع الطائفي الذي يقوده هؤلاء لمصلحة جيوبهم وسلطاتهم الدنيوية، ضاربين بعرض الحائط كل القيم السامية عن التسامح والمحبة والشراكة و... التي سعت إليها كل الأديان، قبل أن يشوهها معقدو العمامات واللحى.
إن هذا المشروع يسمح لأي كان، خاصة لهؤلاء المرضى، أن يقوموا بتطليق أي زوجين بحجة (الردة)! بل يشجعهم على رفع مثل هذه الدعاوى (الحسبة) عبر إعفاء هذه الدعاوى من أية تكاليف أو نفقات.
إن هذا المشروع، يعتبر المواطنين والمواطنات المعتقدات بديانات أخرى، غير تصور هؤلاء المرضى عن الإسلام، مجرد كائنات متدنية عليها أن تخضع للتصورات الشوفينية والعنصرية لمن وضع هذا المشروع.
وأخيرا، وليس آخرا..
إن هذا المشروع يفتح الباب أمام "حق" أية مجموعة عقائدية (مهما تناهت في الصغر والطائفية) لتطالب بقانونها الخاص!
كل هذا يعني تمزيق سورية شر تمزيق، وجعلها لقمة سائغة في يد أمراء الظلام، وكل الطامعين بهذا البلد، فهم جميعا في خندق واحد يهدف إلى تفتيت سورية وتدميرها.
ولذلك، إن هذا المشروع مرفوض كليا من كل مواطن وموطنة في سورية تمكن من الخروج من النفق المظلم لأصحاب العمائم هؤلاء الذين يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام، فيما هم يجعلون من الإسلام دينا عنصريا عنيفا لا هم له إلا تلبية رغباتهم الشاذة.
نحن نعلن رفضنا المطلق لهذا المشروع، جملة وتفصيلا، ونطالب فورا بإلغائه، دون أية محاولة التفاف واحتيال تحت اسم "تعديل". فهذا المشروع غير قابل للتعديل. وكل تعديل عليه هو مؤامرة لتمريره بعد إضافة بعض الزركشات الخادعة المضللة.
كما نرفض، جملة وتفصيلا، أية محاولة للمحاصصة الطائفية على حساب رجال ونساء وأطفال سورية.
ونعلن دعوتنا الواضحة والصريحة، إلى وجوب تكليف الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بالتعاون مع الاتحاد العام النسائي، وبمشاركة علنية ورسمية من قبل كافة الجهات الناشطة في قضايا المرأة والطفل في سورية، من أجل إعداد مشروع قانون جديد، يقوم على أساس المواطنة وحقوق الإنسان، وفقط المواطنة وحقوق الإنسان. وبحيث يكون هو، أي القانون الجديد، الحكم الوحيد للجميع، مهما كانت انتماءاتهم الدينية والعقائدية، عند أي خلاف يتعلق بالأحوال الشخصية.
وندعوكن/م، جميعا دون أي استثناء، إلى إعلاء الصوت ضد هذا المشروع الطائفي العنصري والتمييزي، وإلى فعل كل ما تستطعن/ تستطيعون فعله من أجل إلغاء هذا المشروع، وبأية وسيلة متاحة أمامكن/م، ودون الارتباط بأية خطة أو تصور مسبق ما.
إن هذه الدعوة، الصادرة عن "مرصد نساء سورية"، ليست ملكا له، ولا لأي شخص أو جهة أخرى. يمكنك اعتبارها ملكك، والتصرف بها كما ترى/ين مناسبا لخدمة إلغاء مشروع الظلام هذا، وإنقاذ بلدنا ومستقبلنا مما يحاك ضده في ظلمات لجنة سرية مشبعة بالموت.
ترجم/ي هذه الرسالة إلى كل لغات العالم، أرسلها إلى كل أصدقاءك وصديقاتك.. إلى زملائك وزميلاتك، إلى رؤسائك ومرؤوسيك في العمل.. ضعها في كل موقع انترنت، في كل جريدة وإذاعة وتلفاز.. لا تشارك اليوم في هذه الجريمة التاريخية بصمتك.. لا تسمح لمن احتله الشيطان بتدمير حياتنا ومستقبل طفلاتنا وأطفالنا.. لا تترك عقولهم المريضة تعبث بنا..
إنها مسؤوليتنا أمام بلدنا، أمام أنفسنا، أمام اعتقاداتنا، وأمام التاريخ..
وتذكر: نحن الضحايا الحقيقيون لهذه المؤامرة السرية!
نحن: رجال ونساء وأطفال سورية..
بسام القاضي
مرصد نساء سورية

14 يونيو 2009

الأماكن محاولة لاكتشاف أرواحنا

حين تضيق بطرقاتك المحددة سلفاًً، واكتشافاتك الساذجة للمناطق التي حولك، حين تمل مقهاك وروادها اليوميين، والمشاوير المعتادة الأخرى، وحين يصبح لأصدقائك وجهاً واحداً مكرراً، ومنطقا متوقعاً كلما تبادلتم الحديث.. حين يفوح الملل من كل شيء حولك، وتطل نافذة الصباح على الرتابة تكبر رغبتك في أن تسافر، فتقلب مجلات السياحة، وتستشير المسافرين قبلك لاختيار مكان افتراضي تذهب إليه..
تغادر؛ حالما تحزم أمرك، مستخدما وسيلة نقل مريحة، فتجلس كما أنت الآن، مثبتاً في كرسيك الضيق بحزام أمان يكاد يقطع وسطك، تطيع كطفل صغير كل تعليمات المضيفات، تتناول شاكراً وجبة مغلفة بورق ألمنيوم، وتستسلم بوداعة إلى ربان الطائرة الذي يحلق بك بين الغيوم حتى تصل..!
لا يتساوى البشر- لحسن الحظ- في رغباتهم، فأساس مايجمعك مع الآخرين أنك مختلف عنهم ، هناك فئة لا تحب السفر، وتصر ما أمكنها على تثبيت أقدامها في المكان نفسه، خاضعة لمبدأ الجاذبية الأرضية، دون رغبة بالتزحزح قيد أنملة عن الحيز الجغرافي المقسوم لها في الحياة.. البعض من هؤلاء لم يغادر قريته أو مدينته، ولا يعرف عن البلاد الأخرى إلا مما نقلته له كتب الجغرافيا وخرائطها، فالتغيير يزعجه، والاكتشاف أمر لم يسمع به من قبل، كما أن "الملل" فكرة لاتطرأ على باله.. وعلى النقيض من هؤلاء ، هناك أناس يتوقون لرؤية طلوع الشمس من كل بقعة على وجه الأرض، مادام ذلك بالامكان..!


تنادينا الأماكن

للسفر فوائد كثيرة كالاطلاع والتغيير والمتعة والرفقة والمعرفة واكتساب الخبرة وتقبل الآخر، لاتقتصر أسباب السفر على مجرد الرغبة في رحلات خاطفة تخادع بها ملل الأيام، لتعثر على أشجار لاتعرف نوعها، وتكتشف شوارع لم تطئها، وتتعرف على غرباء يحملون أسماء سيصعب عليك فيما بعد تذكرها. فلقد كانت مغامرة التنقل وحب الاكتشاف وراء اكتشاف كولومبو لأرض سميت فيما بعد أمريكا، ولا أظنه فكر وهو يشد حبال سفينته مغبة الضياع دائخاً في المياه الزرقاء.. وهناك من يسعى وراء الحرية أو وهمها حين تضيق الأوطان بأبنائها، فيضطرون إلى الرحيل، يختارون تحمل عناء الشوق المباغت بين الحين والحين، على احتمال الاختناق اليومي في تفاصيل الحياة.. كما أن السفر تلبية لنداء العاطفة سبب نتكلف لأجله مشقة التنقل لنلتقي بأحبائنا وأصدقائنا وأهلنا الذين انفجروا هنا وهناك في أرجاء الأرض الأربعة..

اتساع الرؤية

ماالجديد الموجود في مدينة مكتظة كالقاهرة قد لا تجده في زحام دمشق..؟ وما شكل أمريكا في موقعها المتغطرس البعيد هناك ..؟ وكيف هي الحياة في استراليا بصحبة الكناغر اللطيفة..؟ وهل يجهل أهل الاسكيمو معنى القمصان القطنية الصيفية..؟ وهل اختلافنا أمماً وشعوباً يعني بالتالي اختلاف أرواحنا ..؟ لماذا يتحول تراب أفريقيا إلى ألماس وحجارة كريمة فيما لاتسد الأرض السمراء نفسها جوع أهلها..؟ هل تشبه متعة التمشية تحت أضواء الشانزيليزيه متعة التمشية بالقرب من النادي العلمي عند رأس السالمية.. ؟ وهل تختلف جبال عُمان الشاهقة عن تلك التي في أبها في السعودية..؟
أسئلة الفضول أكثر من أن تنتهي، مادامت بقاع الأرض متعددة، ومختلفة جذرياً، ولكل منها مناخها، وبيئتها، وعاداتها. ولكل منطقة طابعا خاصا يترك في نفوسنا انطباعا ما.. فللأماكن أرواحها، وهي كالأشخاص تماما تحبهم دون سبب، وتكرههم دون سبب، إذ ما الذي يجعلك شغوفاً بكورنيش الاسكندرية وأنت لم تزره سوى مرة يتيمة، في الوقت الذي لم يحفر الماء المترقرق في الفرات أي معنى في ذاكرتك..؟ ولماذا تبدو حريصاً على تكرار زيارة اسطنبول، ورؤية قواربها السابحة فوق البوسفور ..؟ وهل في بيوت مدينة (سيدي بو سعيد) البيضاء وأبوابها الزرقاء مايشد انتباهك خلاف كل مدن الشرق الساحلية؟ ولماذا لم تدهشك الأهرامات على رغم سحرها الذي يصر عليه الجميع ..؟
علامات استفهام ستبقى معلقة، مادمنا لانستطيع تبرير مشاعر الألفة التي تتحكم بعلاقتنا العاطفية بالمكان، فنفاجئ أنفسنا بأننا نقصد في كل سفر وجهة بعينها، وفي الوقت الذي نظن فيه أننا نسعى لما يحرك مستنقع الاعتياد، نقع فيه من خلال التعلق والارتباط.
تحتفظ بعض الأماكن بقدرتها على الحفر عميقاً في دواخلنا، فلا تغادرنا .. تكسرنا، ولا تنكسر، وحين نبتعد عنها مجبرين أو مخيرين تبقى مقيمة بين الضلوع باعتبارها مطارحنا الأولى، حيث ولدنا وحبونا ولعبنا، ونكبر ويكبر هواها معنا بحكم هوى مقيم، وحنين ساطع، وسطوة ذاكرة تعيدني – أنا كاتبة هذه السطور- المرة تلو المرة إلى( حلب ) مدينتي الأجمل، إذ كلما أغمضت عينيّ حلمت بأني ألقي إليها قلبي، وكلما استيقظت من حلمي أيقنت بأن مابقي من قلبي بعيدا عنها قليل.. قليل .

نص للشاعر أنسي الحاج

I
فَتَحتُهما عليك. لن أموت وهما مُغمضتان.
II
اللّيل على لسانك شمس.
III
طلبتُ أنْ يذهبوا ويأتوا بالوقت، فذهب المجوس
ورجعوا وقالوا:
سيمحو ليلَ الشتاء ليل الصيف. سيمحو دمع الشتاء
دمع الصيف. سيطير عصفور حزين من القفص ليعود
إلى القفص عصفور حزين.
IV
التائه الصغير استقرّ عند باب عروسه، فقتله
الحُرّاس على العَتَبَة.
V
تُشرقين أبكر من أصيل الطفولة.
VI
مُتكبّرة كلوعة محروقة.
VII
رَبَطتُ لحبيبتي بين السنين. ربطت على مفارق
الخجل. أبحرتُ كجاسوس تحت الماء. لم يَرَني
خفير. لم يكشف طويّتي بصّار. لم تشعرُ حتى
حبيبتي.
وصلتُ إلى شاطئها فتضايقتْ. وإذ وَزنتْ كلامي
رقَّت. ولما قلت أُريدها، جَفلتْ. أسرعتْ خلف الروابي
نزلتْ تحت الروابي.
ربطتُ لها بين الشُّهُب والشّيَم. وكُلّ مَكْمن كان
مُحْكماً وأمامه سياج.
لكنّ حبيبتي أطلقت كبرياءها. أطلقت من
كبريائها ذئباً على وجهي.
غابَ وجهي.