حين تضيق بطرقاتك المحددة سلفاًً، واكتشافاتك الساذجة للمناطق التي حولك، حين تمل مقهاك وروادها اليوميين، والمشاوير المعتادة الأخرى، وحين يصبح لأصدقائك وجهاً واحداً مكرراً، ومنطقا متوقعاً كلما تبادلتم الحديث.. حين يفوح الملل من كل شيء حولك، وتطل نافذة الصباح على الرتابة تكبر رغبتك في أن تسافر، فتقلب مجلات السياحة، وتستشير المسافرين قبلك لاختيار مكان افتراضي تذهب إليه..
تغادر؛ حالما تحزم أمرك، مستخدما وسيلة نقل مريحة، فتجلس كما أنت الآن، مثبتاً في كرسيك الضيق بحزام أمان يكاد يقطع وسطك، تطيع كطفل صغير كل تعليمات المضيفات، تتناول شاكراً وجبة مغلفة بورق ألمنيوم، وتستسلم بوداعة إلى ربان الطائرة الذي يحلق بك بين الغيوم حتى تصل..!
لا يتساوى البشر- لحسن الحظ- في رغباتهم، فأساس مايجمعك مع الآخرين أنك مختلف عنهم ، هناك فئة لا تحب السفر، وتصر ما أمكنها على تثبيت أقدامها في المكان نفسه، خاضعة لمبدأ الجاذبية الأرضية، دون رغبة بالتزحزح قيد أنملة عن الحيز الجغرافي المقسوم لها في الحياة.. البعض من هؤلاء لم يغادر قريته أو مدينته، ولا يعرف عن البلاد الأخرى إلا مما نقلته له كتب الجغرافيا وخرائطها، فالتغيير يزعجه، والاكتشاف أمر لم يسمع به من قبل، كما أن "الملل" فكرة لاتطرأ على باله.. وعلى النقيض من هؤلاء ، هناك أناس يتوقون لرؤية طلوع الشمس من كل بقعة على وجه الأرض، مادام ذلك بالامكان..!
تغادر؛ حالما تحزم أمرك، مستخدما وسيلة نقل مريحة، فتجلس كما أنت الآن، مثبتاً في كرسيك الضيق بحزام أمان يكاد يقطع وسطك، تطيع كطفل صغير كل تعليمات المضيفات، تتناول شاكراً وجبة مغلفة بورق ألمنيوم، وتستسلم بوداعة إلى ربان الطائرة الذي يحلق بك بين الغيوم حتى تصل..!
لا يتساوى البشر- لحسن الحظ- في رغباتهم، فأساس مايجمعك مع الآخرين أنك مختلف عنهم ، هناك فئة لا تحب السفر، وتصر ما أمكنها على تثبيت أقدامها في المكان نفسه، خاضعة لمبدأ الجاذبية الأرضية، دون رغبة بالتزحزح قيد أنملة عن الحيز الجغرافي المقسوم لها في الحياة.. البعض من هؤلاء لم يغادر قريته أو مدينته، ولا يعرف عن البلاد الأخرى إلا مما نقلته له كتب الجغرافيا وخرائطها، فالتغيير يزعجه، والاكتشاف أمر لم يسمع به من قبل، كما أن "الملل" فكرة لاتطرأ على باله.. وعلى النقيض من هؤلاء ، هناك أناس يتوقون لرؤية طلوع الشمس من كل بقعة على وجه الأرض، مادام ذلك بالامكان..!
تنادينا الأماكن
للسفر فوائد كثيرة كالاطلاع والتغيير والمتعة والرفقة والمعرفة واكتساب الخبرة وتقبل الآخر، لاتقتصر أسباب السفر على مجرد الرغبة في رحلات خاطفة تخادع بها ملل الأيام، لتعثر على أشجار لاتعرف نوعها، وتكتشف شوارع لم تطئها، وتتعرف على غرباء يحملون أسماء سيصعب عليك فيما بعد تذكرها. فلقد كانت مغامرة التنقل وحب الاكتشاف وراء اكتشاف كولومبو لأرض سميت فيما بعد أمريكا، ولا أظنه فكر وهو يشد حبال سفينته مغبة الضياع دائخاً في المياه الزرقاء.. وهناك من يسعى وراء الحرية أو وهمها حين تضيق الأوطان بأبنائها، فيضطرون إلى الرحيل، يختارون تحمل عناء الشوق المباغت بين الحين والحين، على احتمال الاختناق اليومي في تفاصيل الحياة.. كما أن السفر تلبية لنداء العاطفة سبب نتكلف لأجله مشقة التنقل لنلتقي بأحبائنا وأصدقائنا وأهلنا الذين انفجروا هنا وهناك في أرجاء الأرض الأربعة..
اتساع الرؤية
ماالجديد الموجود في مدينة مكتظة كالقاهرة قد لا تجده في زحام دمشق..؟ وما شكل أمريكا في موقعها المتغطرس البعيد هناك ..؟ وكيف هي الحياة في استراليا بصحبة الكناغر اللطيفة..؟ وهل يجهل أهل الاسكيمو معنى القمصان القطنية الصيفية..؟ وهل اختلافنا أمماً وشعوباً يعني بالتالي اختلاف أرواحنا ..؟ لماذا يتحول تراب أفريقيا إلى ألماس وحجارة كريمة فيما لاتسد الأرض السمراء نفسها جوع أهلها..؟ هل تشبه متعة التمشية تحت أضواء الشانزيليزيه متعة التمشية بالقرب من النادي العلمي عند رأس السالمية.. ؟ وهل تختلف جبال عُمان الشاهقة عن تلك التي في أبها في السعودية..؟
أسئلة الفضول أكثر من أن تنتهي، مادامت بقاع الأرض متعددة، ومختلفة جذرياً، ولكل منها مناخها، وبيئتها، وعاداتها. ولكل منطقة طابعا خاصا يترك في نفوسنا انطباعا ما.. فللأماكن أرواحها، وهي كالأشخاص تماما تحبهم دون سبب، وتكرههم دون سبب، إذ ما الذي يجعلك شغوفاً بكورنيش الاسكندرية وأنت لم تزره سوى مرة يتيمة، في الوقت الذي لم يحفر الماء المترقرق في الفرات أي معنى في ذاكرتك..؟ ولماذا تبدو حريصاً على تكرار زيارة اسطنبول، ورؤية قواربها السابحة فوق البوسفور ..؟ وهل في بيوت مدينة (سيدي بو سعيد) البيضاء وأبوابها الزرقاء مايشد انتباهك خلاف كل مدن الشرق الساحلية؟ ولماذا لم تدهشك الأهرامات على رغم سحرها الذي يصر عليه الجميع ..؟
علامات استفهام ستبقى معلقة، مادمنا لانستطيع تبرير مشاعر الألفة التي تتحكم بعلاقتنا العاطفية بالمكان، فنفاجئ أنفسنا بأننا نقصد في كل سفر وجهة بعينها، وفي الوقت الذي نظن فيه أننا نسعى لما يحرك مستنقع الاعتياد، نقع فيه من خلال التعلق والارتباط.
تحتفظ بعض الأماكن بقدرتها على الحفر عميقاً في دواخلنا، فلا تغادرنا .. تكسرنا، ولا تنكسر، وحين نبتعد عنها مجبرين أو مخيرين تبقى مقيمة بين الضلوع باعتبارها مطارحنا الأولى، حيث ولدنا وحبونا ولعبنا، ونكبر ويكبر هواها معنا بحكم هوى مقيم، وحنين ساطع، وسطوة ذاكرة تعيدني – أنا كاتبة هذه السطور- المرة تلو المرة إلى( حلب ) مدينتي الأجمل، إذ كلما أغمضت عينيّ حلمت بأني ألقي إليها قلبي، وكلما استيقظت من حلمي أيقنت بأن مابقي من قلبي بعيدا عنها قليل.. قليل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق