05 سبتمبر 2020

الحالة السورية… حبر على ورق

 حددت الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ العام 2014 المنتصف من شهر تموز كيوم عالمي لمهارات الشباب، ووضعت تبعاً لذلك خطة مستدامة تمتد إلى العام 2030 تهدف إلى رسم خطط وآليات مناسبة في الدول النامية لتكتسب الشابات/الشباب من عمر 15_24 المهارات والخبرات اللازمة للتمكين والمنافسة في سوق العمل.

هكذا تتوالى علينا الأيام الدولية والمناسبات العالمية ضمن ظروف تنحدر بنا نحو الأسوأ، فأجندة الاحتفالات التي تسلط الضوء على جوانب هامة من حياة الإنسانية، تضعنا أمام تحديات تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فالخطط المرسومة نظرياً والمساعدات التي تقترحها أو تقدمها الجهات الدولية والإنسانية لفئة الشباب سواء في التعليم أو في إتاحة فرص العمل تكاد تكون بلا أثر أمام كارثة انسانية تتفاقم مع استمرار الحرب السورية التي وللأسف ما من جهة جادة تعمل على وقفها.  

إن الطفلة/ الطفل الذي دخل المدرسة عند قيام الثورة عام 2011 يفترض أنه صار شاباً اليوم ويدخل عتبة التعليم الجامعي في حال كان محظوظاً، إلا أن الأمر ليس على تلك السوية من المثالية، فوفق تقديرات اليونيسيف الصادرة لعام 2019 “نصف الأطفال السوريين بين سن خمسة و17 عامًا بلا تعليم، أي أن هناك 2.1 مليون طفل بالداخل وسبعمئة ألف طفل لاجئ بدول الجوار محرومين من التعليم، كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرب من المدارس أو عدم تلقيهم التعليم”.

مع تهاوي بنية المجتمع السوري بكافة قطاعاته وأحدها الجانب التعليمي تصبح النظرة نحو المستقبل بالغة القتامة، إذ تتفشى الأمية بسبب التهجير وحركة النزوح والفقر وتدمير المدارس والمنشآت التعليمية، ففي شهر شباط الماضي قتل 9 أطفال وثلاثة مدرسين في هجوم استهدف 15 مدرسة في إدلب، ولم تكن المرة الأولى وليست الأخيرة للأسف.

نظرة إلى الماضي

في عودة سريعة إلى تاريخ التعليم في سوريا، نعرف أن المناهج التعليمية استهدفت حشو  أدمغة الطلاب منذ المرحلة الأساسية بأدبيات حزب البعث، وانحصر التعليم بالتلقين والحفظ ونسب النجاح، كما ظهرت المعاهد الخاصة التي تنافس المدارس وتحقق مرابح هائلة تحت أنظار الدولة ومباركة وزارة التربية، إذ يلتحق الطلبة بتلك المعاهد للحصول على شهادة الثانوية العامة مستغنين عن الالتزام بالتسلسل المدرسي والانتقالي الطبيعي في سنوات المرحلة الثانوية، ويكاد يكون الأمر مشابهاً في مرحلة التعليم الجامعي بعد إفراغ الجامعات من مهماتها العلمية وتفشي الرشاوى للنجاح في المواد، ما جعل جامعة دمشق اليوم تحتل المركز 3785 على مستوى العالم في التقييم.

الواقع اليوم

حالة الفوضى العارمة والعنف والسلاح ومناطق فرض القوى طرحت أساليب جديدة لفرض مناهج تعليمية مختلفة تبعاً لجهة السيطرة، ففي مناطق النظام وقع وزير التعليم الايراني محسن حاجي ميرزائي وثيقة تفاهم تقضي بتعديل المناهج السورية وطباعتها في إيران، وستكون اللغة الفارسية اختيارية في الثانوية العامة، كما عقدت وزارة التربية السورية اتفاقاً مع نظيرتها الروسية لإدخال اللغة الروسية للصفوف الاعدادية، وسيتم افتتاح كليات اللغة الروسية في جامعتي اللاذقية وحمص.

أما في مناطق سيطرة المعارضة فقد عدلت المناهج لتتبع وزارة التربية التركية في شمال سوريا، وفي إدلب تدخلت الحكومة المؤقتة في المناهج السورية إلى أن سيطرت الحكومة التابعة لتحرير الشام وفرضت منهاجها الخاص، في حين تضمنت المناهج في مناطق سيطرة الادارة الذاتية شمال شرقي سوريا أهداف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، وأضيفت مادة علوم المجتمع والحياة، وقسمت المدارس إلى ثلاث لغات الكردية والعربية والسريانية.

لا تقف صورة المخرجات التعليمية عند هذا الحد، بل تتعداها إلى عدم اعتراف كل منطقة بشهادات المناطق الأخرى، ليأتي وباء كوفيد 19 هذا العام ويلقي ظلاله غير الاعتيادية  بقرار إغلاق المدارس، وفي هذه الحالة المفترض أن تتوفر امكانيات التعليم عن بعد لإمداد التلاميذ بالمعلومات الأساسية للعام الدراسي الحالي، ولكن ما تحقق في العديد من الدول المتقدمة يصعب تطبيقه وفق الظروف الراهنة داخل سوريا سواء من ناحية توفر خدمات الاتصال أو استعداد الكادر التعليمي لتطبيق هذا الشكل من الدروس، ما أدى إلى حالة عطالة، ولأول مرة في تاريخ البشرية ينتقل الطلبة من صفوفهم دون خوض امتحانات تقدير المستوى، وتحول التراجع في المستوى التعليمي إلى مناسبة للنجاح الاتوماتيكي والتلقائي، فبفضل جائحة الكورونا… الكل ناجح!.

حبر على ورق

الصورة المؤسفة للوضع التعليمي في الداخل السوري يترافق مع العبء الاقتصادي، إذ تشير بعض التقديرات إلى تجاوز نسبة البطالة في سوريا الـ 50 بالمئة من قوة العمل بسبب تراجع قيمة الليرة السورية وارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث يعاني الشباب من عدم وجود فرص للعمل من جهة، وعدم القدرة على السفر والعمل في الخارج من جهة ثانية. وبحسب احصائيات الأمم المتحدة يعيش 83% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وقد رفعت جائحة كورونا من نسبة البطالة بسبب شلل العديد من القطاعات والخدمات لتزداد المصاعب التي تواجه فئة الشباب، ووفق منظمة العمل الدولية فإن “فئتي الشباب والنساء مهددتان بالبطالة بنسبة أكبر بسبب ضعف الحماية والحقوق الاجتماعية، وبسبب زيادة النساء بنسب كبيرة في الوظائف متدنية الأجر وفي القطاعات المتضررة.” هكذا يتضح بأن الانكماش الاقتصادي وما ترتب عليه أشد وأقسى على الشابات اللواتي اندفعن إلى سوق العمل بسبب الحاجة وفقدان المعيل إلا أنهن عرضة للفصل أو لتخفيض الراتب، حيث تقدر نسبة البطالة بين النساء بعد الجائحة بخمسة أضعاف عنها بين الرجال.

أمام واقع الحالة السورية تصبح النقاط التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره حول الشباب والسلام والأمن قبل ثلاثة أشهر، وتتلخص بمواجهة التحديات والاستثمار في قدرات الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ليست أكثر من حبر على ورق.

*المصدر: موقع الحركية السياسية النسوية السورية

قطار

 رنَّ المنبه معلناً بداية أخرى لدوامته. وكعادته مدَّ يده وضغط الزر.  بجَفنٍ واحدٍ مفتوحٍ وآخرَ مغلقٍ ألقى على الساعةِ نظرةً نَعْسى. كانت العقاربُ تشيرُ إلى الثانية عشرة وعشر دقائق..!

تنبهتْ أعصابُه الخدِرةُ، استيقظَ ذِهنُه متحولاً دفعةً واحدةً من الخمول إلى الصحو. هل سرقه النوم وفوّت الباص الذي يحشر جسده فيه محاطاً بعشرات الركاب متأرجحاً كالبهلوان حتى يصل مركز عمله.

فتح عينيه على اتساعهما، وجال ببصره مستطلعاً ما حوله؛ ظلال غريبة كانت تنعكس فوق جدران تقشر طلاؤها، لم يستطع التكهن بالوقت. تلمس فراغ الفراش في جهته اليمنى. 

ألم تنم بعد..! أم أنها كعادتها هربت من شخيره ونامت بجانب ناصر ابنها المدلل..!

سأل نفسه، وغرق في تخميناته.

لم يحدث أن استيقظ متأخراً، كما لم يحدث قط أن نهض قبل موعده. أما استعانته بالمنبه فليست إلا عادة مزمنة تتحكم به.

زميلته في العمل سمر.. سهى.. ثريا، أو شيءٌ من هذا القبيل- الحقيقة أنه لا يتذكر اسمها- تستغرب دقته وانضباطه بمواعيد الحضور والانصراف. حاولت الإثناء عليه ومجاملته برِقّة ذكرته بالسحالي، قالت: كأنك ساعة بغ بن. أهنئك.. تحضر دائماً قبل الجميع.. لم تتأخر مرة واحدة.

أجاب متهكماً، منهياً محاولاتها التي يسيء الظن بها: ليس حباً بالعمل.

انفرجت شفتاها المثقلتان بأحمر شفاه داكن، دون أن تفهم تماماً ما يقصده.

بقيّ متجهماً.

متى تجد زميلته الملونة الوقت لتضع كل هذه الزينة.؟ رموشها المثقلة بالكحل وأقراطها الكبيرة، شفتاها بشكل خاص ترعبانه. النساء مكانهن البيت، لماذا يزاحمن الرجال فرص العمل، ويتبرجن كأنهن في محل لبيع الدمى!.

بعض السلاحف تعيش مئة عام، الحوت يعيش أطول من ذلك، لكن هناك نوع من أنواع الفراشات لا يتجاوز عمرها 24 ساعة، يا للخفة .! ليته كان فراشة.

بانتظار محطته الأخيرة يمضي قطار عُمُرِه مُلتزماً بالسِكّة، وبذاك الصفير المدوي في رأسه. يعمل محاسباً في أحد البنوك يراجع حسابات الأثرياء ويحسدهم دون طائل، ثم يستلم في فترة بعد الظهر نوبته في قيادة سيارة أجرة. وما بين أوجاع ظهره وعملين يستهلكانه، يُأمن حاجيات بيت لا تنتهي طلباته.

التوقف أمنية لا يطالها. كان عليه أن يعيش انكساراته كاملاً، يتذكر قبل أن يغفو صفعات أبيه ليعلمه الأدب، ضربات عصا أستاذه ليحفظ دروسه، السجن في الزنزانة الانفرادية أثناء خدمة الجيش الالزامية ليتعلم حب الوطن والطاعة العمياء.

حين بلغ الثلاثين لم يعد يفرح ولا يحزن، طرأت عليه تبدلات واضحة، كان قد استسلم لقدره، زاد وزنه و تخلت عنه فتاة قلبه. ارتبط بزوجة متجاوزاً عبء الوقوع في الحب، أنجب ثلاثة أطفال صبياً وابنتين يصفعهم ليعلمهم الأدب والامتثال، أما زوجه فتعودت تجهمه في وجهها، دون أن تعرف بأنه يهرب منها ومن عالمه إلى جنة يبتدعها لنفسه ليعيش في كوخ بنوافذ حمراء، يطل على غابة شاسعة برفقة جميلة لا تشبه زوجته المملة ولا تشبه حبيبته الخائنة، لا يذهب إلى وظيفة بالكاد تفي متطلبات بيته، ولا يضطر إلى أن يجوب شوارع خانقة، ولا يعكر صفو يومه أحمر شفاه زميلته السحلية، أما أسوأ ما في ذلك الحلم، فهو  اضطراره لإسكات صوت المنبه والعودة الاضطرارية إلى دوامته، ففي الأحلام فقط كل شيء ساحر ومبهج وحقيقي.      

رنَّ المنبه.!

لم يرن.!

يشعر بهوة عميقة في رأسه، لن يعرف إجابة لتساؤلاته إلا إذا نهض. كان يهم برفع الغطاء عنه حين دخلت زوجته بوجه متعرق شاحب وبملامح تنبئ عن كارثة.

ابتلع ريقه وسألها: خير انشالله؟

قالت بصوت جزع: انهض يا رجل، اسمع الخبر يبث في كل مكان.

هب واقفاً وقد أصابته عدوى القلق. بحث عن قناة الإذاعة المحلية. تردد صوت موسيقا غريبة انقطعت فجأة ليعود صوت المذيع:

“نكرر.. السادة المستمعين يؤسفنا أن الشمس ولسبب غير معروف لم تشرق، ما استدعى إعلان حالة الطوارئ. وحرصاً منا على سلامة المواطنين ننصحهم بالبقاء في منازلهم، حتى يتم تحديد الجهة المسؤولة عن هذا الخلل الكوني. ولمعرفة معلومات أكثر يمكنكم متابعة برنامجنا التالي الذي نستضيف فيه نخبة من المبصّرين والفلكيين والباحثين والمحللين.” غمرته غِبطة لم يستطع منعها. تنفس الصعداء. رجع إلى فراشه، سوَّى الوسادة تحت رأسه، سحبّ الغطاءَ حتى حدود ابتسامته، واستسلم إلى النوم .

من المجموعة القصصية : امنحني 9 كلمات

إن كنتِ بخير… فلا يعني أنهن جميعاً بخير

 تردد س.ر بثقة: المرأة نالت من حقوقها أكثر مما تستحق. ذلك الاعتقاد الذي يصل اليقين عند الكثير من النساء يجعلهن واثقات بأن المرأة في وضعها الحالي تنعم بما لا تحلم به مثيلتها الأوروبية والأميركية حتى باقي أصقاع الأرض، فهي زوجة محصنة، وابنة مدللة، وأم مقدسة، وأخت لها حظوتها في البيت.

تقيس س.ر أوضاع النساء من منظور النعيم الخاص الذي تعيشه، فهي شخصياً لم تتعرض للتعنيف، ولم يسبق لها أن وقفت في ردهات محاكم الأحوال الشخصية، كما أن إمكانياتها المادية الميسورة جعلتها بعيدة عن تصور المصاعب التي تتعرض لها المرأة العاملة، وليست قوانين إجازة الأمومة إلا مثالاً. امتيازاتها الخاصة تحفزها لمهاجمة المنظمات النسوية والحقوقية، فترفض المطالب المحقة بالمشاركة السياسية، وبالتعديلات الدستورية لتشمل حقوقها فيما يخص منح الجنسية، والحضانة، والطلاق التعسفي بل وتعتبرها سباحة ضد التيار… فما الذي نريده أكثر مما هو موجود…!

إلا أن رأي س.ر القطعي انتهى بغتة بعد اعتقال ابنتها في سوريا. بدت شاحبة صامتة، وقد فقدت الكثير من منطقها السابق، إذ لم يكن الاعتقال هو الكارثة الوحيدة التي ألمت بالعائلة، فزوج ابنتها باشر إلى إجراءات الطلاق، ورغم أنه لا يعرف خبراً عن مكان زوجته، ولا موعداً لإطلاق سراحها إلا أنه يبرر موقفه: ما الذي يؤكد لي أنها لم تتعرض للاغتصاب؟

وقوف المرأة ضد نفسها

اخترت قصة س.ر من بين قصص ربما تكون أشد قتامة توضح بدلالاتها على مدى الإجحاف الذي تتعرض له المرأة في المجتمع، وتُظهر رأي شريحة لا يستهان بها من نسائنا اللواتي يعتقدن بأننا الأفضل حالاً بين قطبي الأرض، بسبب نصيبهن من حسن الطالع فقط!.

إن إلقاء نظرة أكثر شمولاً وتعمقاً، وربما مجرد وقوع حادثة لم تكن بالحسبان تجعلنا ندرك أننا نعيش في مجتمع تسوده أعراف ذكورية على درجة قاسية من التمييز، ونحن هنا لا نواجه فقط نوازع الرجال وآرائهم في قيمة المرأة، سواء كانت زوجة أو ابنة أو زميلة عمل أو معتقلة في سجون الأسد، بل نواجه أيضاً تبني النساء لتلك الأعراف، وحقنها في أوردة أبنائهن وبناتهن فيبخسن دور المرأة، وينكرن عليها حقوقها بما يضمن تربية أجيال تتعايش مع الظلم الاجتماعي، وعدم تساوي الحقوق والواجبات سواء في القانون أو في سبل الحياة المجتمعية.  

لذلك تصطدم جهود التغيير بموقف ملتبس لوقوف المرأة ضد نفسها، واستسلامها لتقاليد وقوانين تنكل بها، وقد انتشر منذ مدة فيديو لتجمع نسائي في مدينة الخليل الفلسطينية يعترضن على تطبيق اتفاقية سيداو [اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة] التي تطالب بالقضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة، واعتبرن أن شعارات تحرير المرأة وتمكينها، والمطالبة بحقوقها ضمن شرطي العدل والمساواة ليست سوى صورة غير لائقة لدعم الغرب المستعمر، وخطراً على الأحكام الشرعية، كما اعتبرن بعض بنود الاتفاقية ما هو إلا تسهيل للحرام ضمن ذريعة حقوق الإنسان والجمعيات النسوية القانونية وواجهة للعلمانية والفوضى الأخلاقية والانهيار الأسري… وقد صدر عن ذلك الاجتماع النسائي بياناً رافضاً من تسعة بنود!.

المشاركة الفعالة

على الرغم من أن المرأة في الثورات عموماً وفي الثورة السورية على وجه الخصوص وقفت مواقف مشرّفة، وشاركت في المظاهرات، وتعرضت للاعتقال والتعذيب والتهجير ما يجعلها شريكاً موازياً للرجل، ولكنها مازالت تُواجه بقائمة من التحفظات حين تطالب بحقوقها في التعديلات الدستورية، وبالكاد تستطيع التواجد ضمن نسبة الكوتا المفروضة في القوائم الانتخابية لتجاوز فراغ المشهد السياسي من الوجوه النسائية، بل ويصبح الحديث عن وضع المرأة مؤجلاً وغير لازم وغير مدرج ضمن الأولويات، فما السبل التي تؤدي إلى التغير العميق في الأفكار والتصورات المسبقة في مواجهة المخزون الإرثي والتقليدي والعقائدي لكيان المرأة التي تشكل نصف المجتمع؟ 

يقول المفكر الفرنسي غوستاف لو بون “في مرحلة التحول والتبدل هناك عاملان أساسيان يشكلان الأساس الجذري للتحول، الأول تدمير العقائد الدينية والسياسية والاجتماعية، والثاني خلق شروط جديدة كلياً بالنسبة للوجود والفكر”.

الإرث التاريخي

ِفي محاولة لفهم تواطئ المرأة ضد مصالحها، وتقبلها لتنميط صورتها تحت وصاية الرجل إلى درجة اعتزازها بمظاهر قهرها علينا البحث في إرثها التاريخي الذي صنع منها كائناً مستلباً يحتال على الواقع، فيبتكر وسائل دفاعية غير مباشرة تحصنه من خلال التأقلم مع الوضع الراهن، وتبريره، والحفاظ عليه.

إن الخوف من الرفض والإقصاء المجتمعي ودفع الضريبة المتوقعة من الخروج عن الملة أو القبيلة أو العائلة يسيطر على ذهنية المرأة… يجعلها أكثر رضوخاً للطبيعة الأبوية والقوانين المتحكمة في مصير النساء. إذ تبقى ثلاثية أحكام الدين وأعراف المجتمع وسيطرة الرجل مخاوف كامنة لا تستطيع مواجهتها بل تدفعها لتقديم الأعذار عن جملة الاعتداءات التي تتعرض لها، فتدافع عن كونها في مرتبة أدنى، وترفض التوصيات والقوانين المقترحة للتمكين والمساواة، مفضلّة لعب دور الضحية المحصنة بعجزها وضعفها عن خوض غمار التمرد والمواجهة. إن الطبيعة الإنسانية تتغير ببطء وإلى أن يأتي التحول الواعي ستكتفي المرأة بنصيبها من التضامن والتعاطف الذي يتعلق في بعض الحالات بحسن الطالع فقط.

يقول إيرك فروم في كتابه الخوف من الحرية “التحرر من العوائق الخارجية لا يغني عن التحرر من الزواجر الداخلية التي كثيراً ما تكون أبهظ من سابقتها“.

*مقال نشر في موقع الحركة السياسية النسوية