حددت الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ العام 2014 المنتصف من شهر تموز كيوم عالمي لمهارات الشباب، ووضعت تبعاً لذلك خطة مستدامة تمتد إلى العام 2030 تهدف إلى رسم خطط وآليات مناسبة في الدول النامية لتكتسب الشابات/الشباب من عمر 15_24 المهارات والخبرات اللازمة للتمكين والمنافسة في سوق العمل.
هكذا تتوالى علينا الأيام الدولية والمناسبات العالمية ضمن ظروف تنحدر بنا نحو الأسوأ، فأجندة الاحتفالات التي تسلط الضوء على جوانب هامة من حياة الإنسانية، تضعنا أمام تحديات تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فالخطط المرسومة نظرياً والمساعدات التي تقترحها أو تقدمها الجهات الدولية والإنسانية لفئة الشباب سواء في التعليم أو في إتاحة فرص العمل تكاد تكون بلا أثر أمام كارثة انسانية تتفاقم مع استمرار الحرب السورية التي وللأسف ما من جهة جادة تعمل على وقفها.
إن الطفلة/ الطفل الذي دخل المدرسة عند قيام الثورة عام 2011 يفترض أنه صار شاباً اليوم ويدخل عتبة التعليم الجامعي في حال كان محظوظاً، إلا أن الأمر ليس على تلك السوية من المثالية، فوفق تقديرات اليونيسيف الصادرة لعام 2019 “نصف الأطفال السوريين بين سن خمسة و17 عامًا بلا تعليم، أي أن هناك 2.1 مليون طفل بالداخل وسبعمئة ألف طفل لاجئ بدول الجوار محرومين من التعليم، كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرب من المدارس أو عدم تلقيهم التعليم”.
مع تهاوي بنية المجتمع السوري بكافة قطاعاته وأحدها الجانب التعليمي تصبح النظرة نحو المستقبل بالغة القتامة، إذ تتفشى الأمية بسبب التهجير وحركة النزوح والفقر وتدمير المدارس والمنشآت التعليمية، ففي شهر شباط الماضي قتل 9 أطفال وثلاثة مدرسين في هجوم استهدف 15 مدرسة في إدلب، ولم تكن المرة الأولى وليست الأخيرة للأسف.
نظرة إلى الماضي
في عودة سريعة إلى تاريخ التعليم في سوريا، نعرف أن المناهج التعليمية استهدفت حشو أدمغة الطلاب منذ المرحلة الأساسية بأدبيات حزب البعث، وانحصر التعليم بالتلقين والحفظ ونسب النجاح، كما ظهرت المعاهد الخاصة التي تنافس المدارس وتحقق مرابح هائلة تحت أنظار الدولة ومباركة وزارة التربية، إذ يلتحق الطلبة بتلك المعاهد للحصول على شهادة الثانوية العامة مستغنين عن الالتزام بالتسلسل المدرسي والانتقالي الطبيعي في سنوات المرحلة الثانوية، ويكاد يكون الأمر مشابهاً في مرحلة التعليم الجامعي بعد إفراغ الجامعات من مهماتها العلمية وتفشي الرشاوى للنجاح في المواد، ما جعل جامعة دمشق اليوم تحتل المركز 3785 على مستوى العالم في التقييم.
الواقع اليوم
حالة الفوضى العارمة والعنف والسلاح ومناطق فرض القوى طرحت أساليب جديدة لفرض مناهج تعليمية مختلفة تبعاً لجهة السيطرة، ففي مناطق النظام وقع وزير التعليم الايراني محسن حاجي ميرزائي وثيقة تفاهم تقضي بتعديل المناهج السورية وطباعتها في إيران، وستكون اللغة الفارسية اختيارية في الثانوية العامة، كما عقدت وزارة التربية السورية اتفاقاً مع نظيرتها الروسية لإدخال اللغة الروسية للصفوف الاعدادية، وسيتم افتتاح كليات اللغة الروسية في جامعتي اللاذقية وحمص.
أما في مناطق سيطرة المعارضة فقد عدلت المناهج لتتبع وزارة التربية التركية في شمال سوريا، وفي إدلب تدخلت الحكومة المؤقتة في المناهج السورية إلى أن سيطرت الحكومة التابعة لتحرير الشام وفرضت منهاجها الخاص، في حين تضمنت المناهج في مناطق سيطرة الادارة الذاتية شمال شرقي سوريا أهداف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، وأضيفت مادة علوم المجتمع والحياة، وقسمت المدارس إلى ثلاث لغات الكردية والعربية والسريانية.
لا تقف صورة المخرجات التعليمية عند هذا الحد، بل تتعداها إلى عدم اعتراف كل منطقة بشهادات المناطق الأخرى، ليأتي وباء كوفيد 19 هذا العام ويلقي ظلاله غير الاعتيادية بقرار إغلاق المدارس، وفي هذه الحالة المفترض أن تتوفر امكانيات التعليم عن بعد لإمداد التلاميذ بالمعلومات الأساسية للعام الدراسي الحالي، ولكن ما تحقق في العديد من الدول المتقدمة يصعب تطبيقه وفق الظروف الراهنة داخل سوريا سواء من ناحية توفر خدمات الاتصال أو استعداد الكادر التعليمي لتطبيق هذا الشكل من الدروس، ما أدى إلى حالة عطالة، ولأول مرة في تاريخ البشرية ينتقل الطلبة من صفوفهم دون خوض امتحانات تقدير المستوى، وتحول التراجع في المستوى التعليمي إلى مناسبة للنجاح الاتوماتيكي والتلقائي، فبفضل جائحة الكورونا… الكل ناجح!.
حبر على ورق
الصورة المؤسفة للوضع التعليمي في الداخل السوري يترافق مع العبء الاقتصادي، إذ تشير بعض التقديرات إلى تجاوز نسبة البطالة في سوريا الـ 50 بالمئة من قوة العمل بسبب تراجع قيمة الليرة السورية وارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث يعاني الشباب من عدم وجود فرص للعمل من جهة، وعدم القدرة على السفر والعمل في الخارج من جهة ثانية. وبحسب احصائيات الأمم المتحدة يعيش 83% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وقد رفعت جائحة كورونا من نسبة البطالة بسبب شلل العديد من القطاعات والخدمات لتزداد المصاعب التي تواجه فئة الشباب، ووفق منظمة العمل الدولية فإن “فئتي الشباب والنساء مهددتان بالبطالة بنسبة أكبر بسبب ضعف الحماية والحقوق الاجتماعية، وبسبب زيادة النساء بنسب كبيرة في الوظائف متدنية الأجر وفي القطاعات المتضررة.” هكذا يتضح بأن الانكماش الاقتصادي وما ترتب عليه أشد وأقسى على الشابات اللواتي اندفعن إلى سوق العمل بسبب الحاجة وفقدان المعيل إلا أنهن عرضة للفصل أو لتخفيض الراتب، حيث تقدر نسبة البطالة بين النساء بعد الجائحة بخمسة أضعاف عنها بين الرجال.
أمام واقع الحالة السورية تصبح النقاط التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره حول الشباب والسلام والأمن قبل ثلاثة أشهر، وتتلخص بمواجهة التحديات والاستثمار في قدرات الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ليست أكثر من حبر على ورق.
*المصدر: موقع الحركية السياسية النسوية السورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق