20 أبريل 2019

وجبة زيت وزعتر

لماذا قرأت رواية هاروكي موراكامي (نعاس) للمرة الثانية..؟ ربما لأني نسيت أحداثها تماماً، وهذا بحد ذاته ليس سبباً طالما أن النسيان عادتي الطبيعية. إذن السبب الحقيقي أنها لا تتجاوز المئة صفحة، وهذا شيء مشجع ورائع.. تستحق الكتب التي لا ترهقنا التقدير.. الكتب التي تستعجل الخاتمة قبل أن نصاب بالملل.. رواية النعاس أحدها.  
الرواية بسيطة بساطة صندويشة زيت وزعتر، وهي عن امرأة تمارس طقوس يومها الاعتيادية بشكل روتيني، وبلا تذمر. تعتني بابنها الوحيد، وزوجها اللطيف، وتعد وجبات الطعام، وتذهب للسباحة والتسوق، وتنتظر عودتهما.. حياة الأسرة السعيدة في ظاهرها تستمر إلى أن تصاب بالأرق، وما عادت تنام.. سبعة عشر يوماً متوالية لم تغمض عينيها. صارت تقضي ليلها في القراءة، بدأت رواية  آنا كارنينا التي تحتفظ بها بين كتبها، ونسيت احداثها (مثلي تماماً) . وحين انتهت منها في تلك الليالي الطويلة عادت لتقرأها من جديد.. قرأتها ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرة تكتشف عبقرية تولستوي في أجزاء وفصول لم تنبه لها. تجربة اليقظة الدائمة فكرة لا تخطر على البال، فالنوم موت صغير، أو [دفعة على الحساب من رصيد الموت، لكن ... ماذا لو كان الموت مختلفاً تماماً عن النوم، ظلمات يقظة تمتد إلى مالانهاية .. لم لا يكون بقاء أزلياً في حالة يقظة معتمة...!]  
تحولت حالة الاستيقاظ حين يكون زوجها وولدها نائمين فرصة للتفكير في ذاتها وحاجاتها وحياتها...
وتماماً كما أن الزيت والزعتر وجبة لذيذة، كذلك رواية موراكامي الذي تتصدر أعماله قوائم الأفضل مبيعاً، ومن كتبه الممتازة كافكا على الشاطئ.

04 أبريل 2019

رواية”صعاليك هيرابوليس” .. شهادة حيّة عن حياة غير عادلة

بين عناصر الشرطة الثورية وسجون الأسد عاش صعاليك هيرابوليس.
ربما.. وحتى أمد بعيد سيصعب على السوريين أيا كان موقعهم الجغرافي، أو توجههم السياسي والانتمائي، كتابة نصوص خارج موضوع المقتلة السورية بكافة أبعادها، والتي جاءت نتيجة ثورة على الطغيان والاستبداد لتتخذ بعد ذلك مسارات شتى. لهذا علينا أن نتوقع الكثير من الإصدارات حولها. ضمن هذا الاطار كتب محمد سعيد روايته الأولى” صعاليك هيرابوليس” الصادرة عن منشورات دار نوفل.  يأخذنا تسلسل الأحداث إلى توثيق جانب من معاناة مجتمع كل جريرته أنه أراد تحويل أحلامه بالحرية والديمقراطية والكرامة إلى واقع، ولكن.. تأتي الانتكاسات بما لا تشتهي السفن. “ففي هذا المكان الضيق حتى الصراخ سيجردونك منه، أنت هنا لا شيء. مجرد جسد صالح للتعذيب بكل الوسائل التي أنتجتها مخيلة الجلادين عبر العصور”
 ولست هنا بصدد حرق متعة قراءة الرواية التي تجعل من الحب الحسي رديفاً موازياً للموت. الكثير من الجنس ربما أكثر مما تحتاج لقراءته بالفعل، إلا أن القوتين المتجاذبتين تضادان وتتعاكسان لتشكلا العمود الفقري الذي تستند إليه الأحداث، فأمام قسوة القتل والتعذيب والعنف والطغاة الصغار والكبار منهم هناك ماريا التي تظهر كحورية أجمل من أن تكون حقيقة.
” اشتقت إلى رائحتك وابتسامتك التي كانت تسند هذا العالم البائس… هذا العالم يصبح بيتاً موحشاً ومهجوراً عندما تكفين عن الابتسام، لذا أرجوك ألا تكفي.”
الشخصيات والأماكن والأحداث كما يخبرنا الكاتب في الصفحة الأولى واقعية جداً وأي تشابه  هو بمحض الصدفة. يا للصدفة في واقع مدينة منبج (هيرابوليس) الصغيرة الدافئة، والتي تلوذ بمزار الشيخ عقيل المنبجي من جهة، وتتكئ من جهة أخرى على خيم القرباط. أبطال الرواية كما هو الواقع السوري متعددي الملل. أطياف فسيفسائية من معتقدات وانتماءات وسويات ثقافية يتلمسون بأصابع مرتجفة ربيع الثورة، ولكل منهم دوافعه حتى جمعة الحماماتي الذي قرر حمل البندقية، وسعى بأعين مفتوحة إلى موته، كذلك عروة الشاب الذي كان شاهداً على النهاية المفجعة لأبيه المعتقل في سجن صيدنايا وأخته المنتحرة، فحمل إرث الغضب، والراوي العليم الذي يكتب الشعر ويقرأ الكتب ويشاهد الأفلام. ” إن كل لحظة تمر من حياتنا يمكنها أن تكون الأخيرة، لهذا نحن نعيشها بكامل الشغف والجنون”  ولكن الثورة تحولت إلى كفاح مسلح، وانبثقت الكتائب المقاتلة التي تسيطر حيناً وتفر أحياناً، وخلال فترة أقل من حلم دفعوا الثمن غالياً، حملوا أقدراهم على أكتافهم، وتغيرت  مسارات حياتهم العقيمة إما بالهجرة أو بالسجن والتعذيب أو بالموت، أليس الوضع على هذا النحو للسورين جميعاً أيا كانت مدنهم وشتاتهم وحيواتهم ..!
ضمن 57 فصلاً ، و220 صفحة تبدل زمن السرد الرشيق في تعاقبات تقود القارئ حتى نهاية شتاء 2018 ليجتاز عتبات الأمل باتجاه انتكاسات الثورة وأمراء الدين المسلحين الذين يهدمون مزار الشيخ عقيل ويعدمون الدرويش دالي، فالطغيان يستمر وإن اختلف اسمه.

01 أبريل 2019

يازينب

كان حضوركِ كافياً 
تحرسين أيامي، وتحمين من حسن الظن رأسي
كان حضورك كافياً 
تحصِّنين بصوتك المطعم بالكستناء قلبي
تركتني لمزاعم الغد .. بين قتل وقاتلين 
أرعى أقمار الخوف، وما جال في الذهن
أغمضتِ على نومك الطويل، ثم ابتسمت فقد امتلأ بالحليب ثدياك، وتبرعم في جسدك الربيع 
طيبةٌ أنت، لا تحتملين البرد، وأولياء العتمة شهود الزور
كيف استرسلت في رقاد الرخام ..؟
كنت تحبين سترات الصوف، وأصابعي تفرك ارتعاش كفيك
هل افتح لك نافذة على كل هذا العويل ؟
فمازلنا 
ومازالت الزوجات تقرعن أزواجهن.. والأزواج يراوغون الصراخ بمتاريس الهيبة
ومازال الأطفال بين يدي الله سعاة بريد
كيف تركت مفاتيح بيتك للصوص ؟
الغرباء عند بابك ينتظرون
وأنا أنتظر
ومدفأتك المطفأة تنتظر 
يازينب.. لمن تركتِ صلاة الفجر، وسعال رئتيك، وحبوبك المسكنة ؟
هل كان عليك حقاً أن تتركيني لأمضي في اللغو، وتنهين الكلام ؟
هل كان عليك حقاً أن تخادعي الحياة وموتاها، لتنسجي من صوف وقتك سترة أبدية..!