تشغلنا أحداث الثورات السلمية غير المتوقعة من المحيط إلى الخليج، و يجيء عنصر المفاجأة فيها؛ أولا كونها تحولات شكلت قطيعة مع كل ما سبقها، و خرجت عن سياق التوقع، فما كان لأحد أن يتخيل نهاية حتمية للاستبداد على هذا الشكل وتلك السرعة. و تالياً لأن المثقف لم يكن عنصراً فاعلاً، بل على العكس كان مغيباً كما لو أنه سقط من اعتبارات ماضية كانت تحمّله عبء التغيير.
كثيرة هي المقالات التي انتقدت الشخصية المثقفة المحالة إلى المعاش، وفي أحد المواقع الالكترونية قرأت مقالا بعنوان (عاد الوعي للشعوب العربية فهل يعود للمثقفين العرب؟) يعري المقال أسماء كثيرة سقطت في وحل الادعاء، وكانت تعتبر نفسها تنويرية. ناهيكم عن شريحة كبيرة من المثقفين- أشد بؤساً- لونوا أقلامهم بما ينساب المرحلة، فبدوا مهرجين في مواقفهم المتبدلة من النقيض إلى النقيض.
موقف المثقف الأخلاقي لا يقل أهمية عن نصه الذي تتأتى قيمته من التميز والجرأة في الطرح، وهو أمر يصعب تطبيقه دائماً، ليس فقط بسبب الرقيب الذي يسرب الحقيقة التي يريدها بالطريقة التي يريدها، بل أيضاً لحسابات خاصة تردعنا بوعي أو بغيره، ربما تكون أسرية أو اجتماعية أو دينية. وهذا ما أتخم المشهد الثقافي بأنصاف المواضيع وأنصاف الأفكار وأنصاف الطروحات.
لهذا السبب، وربما هناك أسباب أخرى لست في وارد إحصاءها، سقط رأي المثقف من حسبان الشارع العام، وقوطع جماهيرياً، ولم يعد مستغرباً أن يكتفي الأدباء والشعراء والمحاضرين بأصدقائهم وأقاربهم كحضور. خاصة وأن ما تطرحه المنصات لا يخرج في العموم عن الضحالة وتكرار ما سمعناه عوض المرة مرات. حدث في أمسية شعرية لأحدهم يتضمن نصه الشعري عبارة (خمر شفتيها) فإذ به يقاطع التتابع ليتعوذ بالله، ثم يتابع القراءة.! هل نتحدث هنا عن عدم اقتناع الكاتب بما كتبه شخصياً، أم عن غياب الجرأة، إن كان فيما قاله أي جرأة! لكن يبدو أن الخروج عن السياق تهور لا تحمد عقباه. ولاأدري لماذا علينا جميعاً أن نكون متشابهين حد الخلط، رغم أن تضاد الأفكار أيا تكن توجهاتها أمر مشروع في مجتمعات تطمح للتقدم، وثباتها بالإجماع ليس دليل لحمة وطنية، وتماهي في النسيج الاجتماعي، كما تدّعي الشعارات الطنانة، بل هي دليل إعاقة ذهنية.
في مناخ لا يضمن حق الاختلاف بالرأي، أجد نفسي أهلل سعيدة بكل قلم ونص وعمل إبداعي لا ترشح الخشية من بين سطوره، فمقال د. ابتهال الخطيب "كسر لا يجبر" على سبيل المثال من هذا النوع، إذ تتحدث فيه عن مشكلة البدون دون محاباة أو مواربة. كذلك العرض المسرحي "دار الفلك" للمخرج سليمان البسام، فالعمل لا يتكئ على الاستسهال وإمساك العصا من المنتصف، بل يقدم فكرته بجرأة يحسد عليها، منتقداً الخطاب الديني الأصولي الذي يقصي المرأة ويهمشها.
و أتساءل؛ هل يمكن للتغيير بعصاه السحرية التي أصابت الآلاف المؤلفة فأخرجتهم عن صمتهم الطويل أن تصيب المثقفين، فيتداركون مواقفهم، ويسترجعون الثقة، وما انقطع بينهم وبين نبض الشارع اليومي؟
سوزان خواتمي
كثيرة هي المقالات التي انتقدت الشخصية المثقفة المحالة إلى المعاش، وفي أحد المواقع الالكترونية قرأت مقالا بعنوان (عاد الوعي للشعوب العربية فهل يعود للمثقفين العرب؟) يعري المقال أسماء كثيرة سقطت في وحل الادعاء، وكانت تعتبر نفسها تنويرية. ناهيكم عن شريحة كبيرة من المثقفين- أشد بؤساً- لونوا أقلامهم بما ينساب المرحلة، فبدوا مهرجين في مواقفهم المتبدلة من النقيض إلى النقيض.
موقف المثقف الأخلاقي لا يقل أهمية عن نصه الذي تتأتى قيمته من التميز والجرأة في الطرح، وهو أمر يصعب تطبيقه دائماً، ليس فقط بسبب الرقيب الذي يسرب الحقيقة التي يريدها بالطريقة التي يريدها، بل أيضاً لحسابات خاصة تردعنا بوعي أو بغيره، ربما تكون أسرية أو اجتماعية أو دينية. وهذا ما أتخم المشهد الثقافي بأنصاف المواضيع وأنصاف الأفكار وأنصاف الطروحات.
لهذا السبب، وربما هناك أسباب أخرى لست في وارد إحصاءها، سقط رأي المثقف من حسبان الشارع العام، وقوطع جماهيرياً، ولم يعد مستغرباً أن يكتفي الأدباء والشعراء والمحاضرين بأصدقائهم وأقاربهم كحضور. خاصة وأن ما تطرحه المنصات لا يخرج في العموم عن الضحالة وتكرار ما سمعناه عوض المرة مرات. حدث في أمسية شعرية لأحدهم يتضمن نصه الشعري عبارة (خمر شفتيها) فإذ به يقاطع التتابع ليتعوذ بالله، ثم يتابع القراءة.! هل نتحدث هنا عن عدم اقتناع الكاتب بما كتبه شخصياً، أم عن غياب الجرأة، إن كان فيما قاله أي جرأة! لكن يبدو أن الخروج عن السياق تهور لا تحمد عقباه. ولاأدري لماذا علينا جميعاً أن نكون متشابهين حد الخلط، رغم أن تضاد الأفكار أيا تكن توجهاتها أمر مشروع في مجتمعات تطمح للتقدم، وثباتها بالإجماع ليس دليل لحمة وطنية، وتماهي في النسيج الاجتماعي، كما تدّعي الشعارات الطنانة، بل هي دليل إعاقة ذهنية.
في مناخ لا يضمن حق الاختلاف بالرأي، أجد نفسي أهلل سعيدة بكل قلم ونص وعمل إبداعي لا ترشح الخشية من بين سطوره، فمقال د. ابتهال الخطيب "كسر لا يجبر" على سبيل المثال من هذا النوع، إذ تتحدث فيه عن مشكلة البدون دون محاباة أو مواربة. كذلك العرض المسرحي "دار الفلك" للمخرج سليمان البسام، فالعمل لا يتكئ على الاستسهال وإمساك العصا من المنتصف، بل يقدم فكرته بجرأة يحسد عليها، منتقداً الخطاب الديني الأصولي الذي يقصي المرأة ويهمشها.
و أتساءل؛ هل يمكن للتغيير بعصاه السحرية التي أصابت الآلاف المؤلفة فأخرجتهم عن صمتهم الطويل أن تصيب المثقفين، فيتداركون مواقفهم، ويسترجعون الثقة، وما انقطع بينهم وبين نبض الشارع اليومي؟
سوزان خواتمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق