08 أبريل 2008

الرجل كائن لايمكن ارضاءه

يصر التاريخ، أكثر مني، على أن يعود بإشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة إلى جذرها الأصلي، أي؛ إلى آدم وحواء، فمنذ أن خرجا من الجنة، ونقاشهما المحتدم مازال مستمراً.. يحمِّل الرجلُ المرأة كل تبعات الحياة وقسوتها، فيضطهدها، متهماً إياها أنها كانت السبب في طرده من الجنة..! فيما ترفع المرأة كتفيها، وحاجبيها، وأحياناً أي شيء في متناول يدها، لتعترض بسخط على الكائن الذي يقف أمامها حائراً؛ بين أن يبقى طفلها كما تريده، وبين أن يصبح الرجل عسير الأخلاق صعب المراس الذي يريد. الحيرة أيضاً إرث علاقات لم تنضج بعد، مكتوبة- قبل أن تُخترع الكتابة- على جدران الكهف، لرجل يمسك هراوة ثقيلة في يد، وفي اليد الأخرى يسحب امرأة من شعرها دون أن يبدو عليه العناء.. وقتها لم تكن قد وجدت بعد المحاكم الشرعية، ولا منظمات حقوق الإنسان، مع أن كلاهما بلا فائدة، لكنه الرمز التسلطي المحفور في عمق الزمن لخطاب القوة، كل المطلوب إذن عضلات مفتولة. انتقل ذلك الرمز بقدرة قادر من الكهف إلى إعلان تلفزيوني عن شامبو لتقوية الشعر، لقد استخدموا تلك الفكرة مع بعض التغيرات الطفيفة، تتعلق بشعر المرأة الطويل اللامع، وابتسامتها الغامرة..! إنها ثقافة الصورة، وماتحفره في وعينا من معان لا أظنها تخفى على أحد..المرويات أيضاً، بما تشمله من نصوص إبداعية، وسير شعبية، وخرافات، وملاحم وحكم، وأمثال متوارثة ومنقولة، تشكل ذاكرتنا الوجدانية، عظيم إذن، فهل زال الالتباس..؟ وهل ساد الفهم العام الذي يجعل العالم يتناسل فيخلف الصبيان والبنات، فيما هو يتأرجح من فرط السعادة..؟ كل شيء يبدأ بالحب، فما أسهل أن يخترق سهم كيوبيد قلبين، ويربطهما بالعشق، إذ لابديل لوجود الرجل في حياة المرأة ، لذلك فهي تردد في أمثالها "ظل راجل ولاظل حيطة"، في الوقت نفسه، أو ربما باندفاع أكبر، يقع الرجل في الحب مرة و مرات.. الوقوع في الحب نقطة يتفق حولها الطرفان، ويختلفان في الطريقة، ففي مقابل إذعان الرجل المطلق لهواه، تحبذ المرأة أن تمارس حيل الغنج والدلال قبل أن تستسلم . إسلوبان مختلفان لهدف واحد، لطالما كان الأمر كذلك، وقد تورط الأدب مع تلك القضية الشائكة، فلاتكاد تخلو رواية ولا قصة ولا قصيدة من الخوض في أسرار كائنين، إن لم يلتقيا، لم تعمر الأرض، ولم تقم حياة.. الحكاية الأطول روتها شهرزاد، استمرت ألف ليلة وليلة، وهي تحكي، لتنقذ عنقها من سيف مسرور المتربص، بقصص لم تكن بريئة تماماً، بل كانت حيلاً تقول بها ماتريد لمولاها شهريار؛ سريع الغضب، بالغ النزق، قليل الاطمئنان، كطريقة التفاف ذكية مازالت المرأة تمارسها لتتخلص من أكثر المواقف ضيقاً ، أي أنها ضرورية" لوقت الزنقة"إنه علم المناورة، تكتيك حربي مشروع الاستخدام، أمام مجتمعات مازالت تمارس سطوتها الذكورية بما تملكه من حقوق اجتماعية وقانونية وشرعية.. وسيعترض الرجل لأن المرأة بهذه الأساليب، ماكرة، وذات دهاء، أما هو، فسيد الاستقامة والوضوح.بعض الحكايات تناقض قصة الاستقامة والوضوح تلك، فرواية (شجرة اللبلاب) لعبد الحليم عبد الله، أشهرت إصبع التحذير، وفضحت زيف رجل لايقبل بامرأة تمنحه نفسها حتى لو كان الحب ثالثهما.. لهذا ذبلت شجرة اللبلاب بين النافذتين، ودفعت المرأة وحدها ثمن عارها، لأن شرف المرأة أغلى كثيراً من شرف الرجل، ولايلزمه إلا عود ثقاب (لتوليعه).. ومع ذلك كلما تزحلقت إحداهن، أقسمت أنها لم تقرأ تلك الرواية، وأنها لم تعلم عن حادثة مشابهة حدثت قبلها وستحدث بعدها حتى مالانهاية. المرأة الكاتبة لم تعبر عن اضطهاد المرأة أكثر مما فعل الرجل، لكنها جعلته موضوعها المفضل والمستمر في (زنٍ) متواصل، بينما يتناول الرجل هذا الواقع في جزئية من كتابه أو روايته..في رواية (حكايتي شرح يطول) تهمد البطلة بعد أن تاريخ من الشراسة ورفض الواقع، وتخلص إلى التوبة والندم، أما في (مريم الحكايا) لعلوية صبح، فالرجل وحده يصنع مصير المرأة.. بينما تستمر نوال السعداوي في تعنيف الواقع ومناصبته العداء، في سخط مستمر. لكن العالم يتغير بشكل طفيف، متأثراً بظروف خارجية، وبضغط الواقع الذي لم يعد يأبه كثيراً لصورة المرأة ضعيفة، ناعمة، مستسلمة، منصاعة، ساحرة، رقيقة، ففي مسلسلات وأفلام هذه الأيام، وهي أيضاً تعكس واقعاً معاشاً، تضع البطلة يديها في خاصرتيها، وتصرخ بزوجها :" طلقني حالاً"الأمر على هذه الصورة مرعب لمجتمع لا يريد (دوشة راس)، والمشهد التمثيلي إشارة إلى سحب البساط من تحت قدمي عصر ذهبي يسمى – عصر سي السيد- والذي صنعه نجيب محفوظ؛ في نموذج أحمد عبد الجواد؛ رمز الرجولة الأبدي في الأدب العربي. شباب الجيل الجديد يمصمصون شفاههم حسرة على ذلك العصر الذي أفلت منهم ، أيام ساد مفهوم (قطع راس القط من يوم العرس).القضية واضحة، إنه نزاع أزلي على السيادة، ومواقع القوة، يقول الرجل بصوت مقنع:" السفينة التي لها ربانين تغرق" ، وتعتقد المرأة جادة، أن استلامها لحقيبة وزارة الداخلية داخل بيتها أمر محسوم، لأنها حين تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها، ولايمكن لأحد أن يُكذِّب نابليون بونابرت، خاصة إن كان هذا الأحد زوجها مثلاً.! في الغالب، تتعلق المسألة بوجهتي نظر مختلفتين، أو ببعد ثالث لم يُطرح أصلاً لأنه بقي خارج مجال الرؤية ، حينها يصبح " ماالذي تقصده أيها الرجل، أو ماالذي تقصدينه ياامرأة.." سؤالاً مشروعاً أياً كانت اللغة والصياغة، مادام التساؤل سيحل مشكلة سوء الفهم لرجل يتباهى بأنه سباق إلى كل التجارب، وبأن المرأة من خلال المسيرة التاريخية ستظل كائناً تابعاً.. ويتصرف على هذا الأساس.أو لامرأة تحلف الأيمان بأن الرجل كائن لايمكن إرضاءه.. ولا المشي أمامه، ولا حتى وراءه..!وكلها انتقادات فحسب، فمازال الرجل سقف حماية، مازالت المرأة ملهمة وحبيبة،يقول نزار قباني:في البدء كانت فاطمة وبعدها تكونت عناصر الأشياء النار والتراب والمياه والهواء وبعد عيني فاطمة اكتشف العالم سرّ الوردة السوداء .وعلى الرغم من أن الحياة ليست حلبة مصارعة، إلا أن المسافة تحقق قدراً معقولاً من الشوق، تعيد للرومانسية مجدها.. فابتعاد المرأة لا يعني شحوب صورتها بالضرورة، بل هي تصبح أجمل حين تسترجعها ذاكرة رجل عاشق.ففي رواية (الضغينة والهوى) لفواز حداد تظهر أمام بطل الرواية، وبعد سنوات طويلة، الفتاة المراهقة التي أحبها، وقد صارت امرأة مطلقة، فيقول: " بغتة ظهرتِ أو عدتِ أمامي، كنتِ حولك يتحلق الماء والجفاف والخشب المحفور والأملس والتراب الرطب والرخو بأشكال ينساح بعضها إلى بعضها متلاصقة، متعامدة ومتوازية، تشتق تناغمها ونشازها ، منك أنتِ المنتصبة كتمثال نصفي، صامت ومحير . هل تعمدتِ أن تكوني لامبالية ؟ أم كنتِ فعلا شاردة أكثر منك متسائلة، رأيتك متحفزة وبلامكياج في عز انوثتك، وكأروع ماتكون المرأة جمالاً وشحوباً . نبستُ في سري: أضعتكِ سنوات طويلة." أما غياب الرجل عن ساحة عاطفة المرأة، فهو موضوع آخر.
مقال نشر في مجلة( آدم وحوا) الكويتية
وربما في (البراق)..مابتذكر
ومنشور في الحوار المتمدن

ليست هناك تعليقات: