24 أبريل 2008

سوزان خواتمي أسيرة ضمن واقع العبودية / ريمي ميخائيل

حاولت أن أكون صادقاً مع نفسي، لذلك لم أبحث عن مقالات عنك، كي لاأتأثر بما يقوله فلان و علان و فليتان و بآراء تمسيح الجوخ أو بآراء نتف الريش.. وطالما بدأت الكتابة لك- بناء على رغبتك لمعرفة رأيي كقارئ- فلا أستطيع أن أعدك برسالة قصيرة, إذ عادة ما أبعد عني جميع الساعات أثناء الكتابة.
سأبدأ برأي عام و شامل بالنسبة لكل ما قرأت من قصصك.. بعد قراءات متكررة لكتبك الصغيرة وصفك أبي بأنك "إمرأة حرة" و وافقت أمي على هذا الوصف، أما بالنسبة لي فكنت أحاول أن أكتشف معنى هذا الوصف، و لكن لم أسلم به كواقع, فلمن تتوجهين بكتاباتك؟ لجميع القراء العرب؟ أم للأدباء العرب؟ و بكافة الأحوال أشعر و كأني أراك أسيرة... لا معنى للحرية في وسط مقيد بأبشع أنواع العبودية, و هي عبودية "الصمم و العمى". قد أوافقهما الرأي لو قالا: تحاول سوزان أن تنادي بالحرية، ومع ذلك بالنسبة لي كشاب في سوريا فلن أمتنع أبداً عن النداء بكتاباتك كواحدة من أندر محاولاتي لنشر الوعي بخصوص موضوع معين، وخاصة بعد يأسي المتكرر من "عملية نشر الوعي". لا تقلقي فلما ينتهي المديح بعد ..!
لا أعرف كيف استطعت اجباري على الاهتمام بقصصك و لكنك نجحت في نصف المهمة, و سأشرح النصف الآخر فيما بعد.
بالنسبة لعملية التصوير و الوصف في القصة التي تكتبين، فهي تجربة و نزهة و حلم و مغامرة ولعبة ورق و حفلة شواء و سكرة عرق رخيصة في نفس الوقت..! نجحت في كسر الحواجز التي تعد من المحرمات سواءً عبر المواضيع التي تطرحينها، أو عبر طريقة الكتابة، وكنت على وشك الاعتقاد بأن هذا هو درب الخلاص للأدب العربي، و كنت على وشك الإيمان بما يشبه المسعى الكافر.
نعم أنا ذَكر، و أعترف لك بأنك بجمل قصيرة و قليلة قمت بتنشيط غددي و هرموناتي غير البريئة، و استحضرت النساء من قصصك إلى أحلامي، و تركت تفاصيل أجساد عارية تجوب مخيلتي، و كم أردت النوم على صدور بعض نساء قصصك.
أستطيع القول بأن من وصف نزار قباني بأنه عرى المرأة من آخر ورقة توت، يجب أن يصفك بأنك أعدت تلك الورقة إلى مكانها الوحيد، و تركت الباقي لمصوري نساء لا يجيدون التفريق بين فن التصوير العاري و الإباحية الرخيصة.
بعض قصصك كانت تحمل بالنسبة لي مغاز ضمنية، و لا تبوح صراحة بمحتواها و هذا ما اعتبرته جزءاً من اسلوبك الخاص. كان من الممتع في بعض الأحيان - و في بعض الأحيان فقط - أن أستكشف المعاني المخبأة تحت استعارات و تشبيهات ولكن من هنا قد يبدأ النقد السلبي،
وشرح النصف الآخر الذي تكلمت عنه, فلم أفهم الغرض الحقيقي من تحويل القصص إلى تراكم لغوي وتشابيه و إطالة لمقدمات التي تصبح في بعض الأحيان كفرض أو كضريبة علي أن أدفعها للوصول إلى "الحبكة" من دون طرق الموضوع بشكل مباشر (أم أن الأدب هيك و انا يلي ما بعرف اش القصة؟) و الأمر الآخر هو أني أشعر بأن سوزان خواتمي تكتب لسوزان خواتمي
"و بس"، و لم أشعر بأني فهمت أي قصة بشكل كامل.. كان يوجد دائماً أمر ما يمنعني من فهم المعنى الحقيقي للقصص، فسرت هذا الأمر لنفسي بقلة خبرتي الأدبية، أو بأن هذا المستوى يليق بالكتاب وحدهم، و يترك أمثالي يتخبطون بخيالات و افتراضات عن المعنى الأساسي للقصة (قد تكون هذه ناحية إيجابية للبعض) أو ربما كان غرضك من هذا كله ترك الحرية للقراء بتفسير القصص وفق رغباتهم، و بناءً على تجاربهم، أو كما نقول "فهموها متل ما بدكن". و من المضحك أني كنت أختم بعض قصصك بقولي: "ايه و بعدين؟".
كثيراً ما كنت أقول: "يالله غيمت" أو "نزل الضباب و بطلنا نشوف شي" ، و هذا عندما أعود من شرودي في منتصف القصة، و تذكري بأني كنت أقرأ !!! و كأن عقلي كان يأخذ قسطاً من الراحة من "كتر الحكي" مثل محاضرات الجامعة، أو كأنه يرفض القراءة عندما يحس بأن نسبة الكلام المعقد زادت عن الحد المسموح به، و من هذا أستمد تعبير "سكرة عرق رخيصة" تنتهي بالإقياء و ربما بصداع في اليوم التالي..! لم أفهم الانتقال من القمة إلى القعر! و لم أفهم التناقض في مستويات شد الانتباه، فلم أستطع أن أقول بأن سوزان خواتمي نفسها هي التي كتبت كل القصص.
أشعر بأن العملية تشبه كتابة مذكرات لا أكثر, مذكرات لتجارب خاصة ستعودين إليها عندما يتقدم بك العمر، مع العلم بأني كنت أعرف أنك لم تعيشي أو حتى تسمعي بـ90% من هذه التجارب، بل كانت محاولات فاشلة لاقتباس شخصيات و أفكار و طريقة حياة الأفراد و المجتمعات في القصص..
و لكن الحق يقال بأن الـ 10% الباقية كانت تصويراً ممتازاً ، و استطعت أن تلعبي فيها دور أقسى الرجال، على سبيل المثال قصة ( صور منسية) والتي كانت تتحدث عن رجل ينتظر في مطعم صديقا له ويتخيل النساء عبر وجه امرأة تقابله، كان تصويراً مؤلماً لقلوب نسائية محطمة و لنساء يحتجن إلى عناق طويل لتكفيف الدموع في عيونهن، أذكر أيضاً قصة (أصابع بطاطا تحترق) و (إمرأة لا تبكي)... ولعل أجمل جملة كتبتها هي "أسقطتُ يدي في يده وسحبتها بعد دهر, سريعاً" من قصة "زهر البرتقال" ، و ربما كانت هذه القصة هي أجمل ما قرأت من كتاباتك، و كم تمنيت أن تكون بقية القصص بمثل هذا الشغف ....
بكلمات أخرى أريد أن أقول أن تلك الـ 90% تذكرني بسياسة الاستيعاب الجامعي و طرق التعليم في سوريا التي تعتمد على الكم لا على النوع، أو بكتابة موضوع تعبير كوظيفة لطالب بالصف الخامس أو السادس عن عيد الجلاء أو عن عيد الشجرة!! ربما لم أكن دقيقا عندما قلت "نصف المهمة".
تخنتا ما هيك؟ ايه لسا في حكي .. آخر ماقرأت لك قصة "لم يكن لمازن شاربان" في الحقيقة أكثر ما أعجبني في القصة هو عنوانها !!! بالمقارنة مع تتمتها !! و بالنسة لي كان يمكن تلخيص القصة بـ 10 أسطر و "بيمشي الحال" (يعني كلنا منعرف الشغلات المنيحة بالموبايل !!!!!!)
مع أن القصة قد تحدث فأمثال البطل موجودون حولنا لكن وصفه على أنه بدون شوارب (مانو رجال) كان مضحكاً على الرغم من قدم هذا التشبيه.
تركيب القصة كان كالتركيبة المعتادة: لمحة صغيرة عن الموضوع و وصف وصف وصف, ثم قفزرة بالذكريات لأحداث قديمة، ومن ثم الدخول من جديد في القصة، و في النهاية الختام بجملة حارقة! قد يتغير هذا في فروق بسيطة بين قصة وأخرى لكن التركيبة نفسها.. !

ريمي ميخائيل: مهندس سوري، وقارئ رائع ، ومشروع كاتب ناجح

ليست هناك تعليقات: