" لم أعرفه ورب الكعبة لم أعرفه " ..
تغشاها نوبة ضحك ، يتحول وجهها قرمزياً ، وشيء من اللعاب يلمع على جانبي فمها ، يهتز جسدها ، فتحاول ما أمكنها السيطرة على رعشة يدها ، حذرة كي لا ينسكب الشاي الساخن فوق زهور ثوبها البيتي .
أرمقها من بين أهدابي .
الحمد لله انقشع ضباب الحزن ، وأقبل صيف اللامبالاة .
نظرة خاطفة إلى إشراقة عينيها أكدتا لي أنها لا تفتعل لتطمئنني .
أسعدني جرس ضحكها ، وشحم خاصرتها المترجرجة.
كانت تتثنى مع صليل انفجاراتها المقهقهة . تفتح فمها على اتساعه فتبان أضراسها والضواحك . تنتقل لي العدوى ، فنكركر معاً .. وتدمع عيوننا .
هي قصة أسوأ ما فيها أنها تتكرر .
نافذة البيت الغربية جلبت إلينا فتنة لم يقاومها قلبه الهرم ، صدق ارتعاش الأهداب ، وفتل شاربيه مطلقاً دون رحمة نظراته الشبقة .
لم تكن علاقة عابرة كتلك التي ما إن تبدأ حتى تنتهي ، ففي أبي كل مقومات الضحية المفترس .
كان جيبه مليئاً ، ووهم رجولته متضخماً . بمكر مكشوف ردت له الابتسامة المتصيدة بأجرأ منها .
أمي الطيبة جرته من أمام النافذة وحذرته : ستمرض .
لكن شهوة الربيع أفقدته صوابه .
لم يكترث .. ظل في مكانه يراقب رعشاتها من خلال ستارة خفر واضطراب ، ثم ظهر لها ضعيفاًً مسلوب الفؤاد .
ما إن أشارت له حتى عبر إليها متسللاً من خلف ظهورنا ، وفرد صدره عارياً ، لم يستح من شعيرات بيضاء تعتلي طيات بطنه الثلاث ، أعطاها ما كان من حقنا .
صبية النافذة تغاضت عن كروية جسده ، ومنحته نعمة التلمظ بقوامها الممشوق ، ورمانتي صدرها المكشوف .
كان .. وكنا معه مسيرين نحو قضاء يجعل منه رجلاً سعيداً ، ومني وثلاثة أخوة وأمي مجرد ضحايا .
غاب أبي عن البيت ، فقد وقع بين كلابّتي شبابها المحكمة .
تورم جفنا أمي المسكينة . أمسكت منديلها ، وأدارت ظهرها تستذكر بين غبش الرؤية عمرها معه .
احتكمت لأديم الأرض ولدقات قلبه البليدة ، لكنه كان في المكان الأقصى بعيداً عن إرادتها حيث لا تطاله ذراعاها المهدودتان .
تجاوز كل الاعتبارات ، وصار ينام في بيته الثاني .
بقعة داكنة في بؤبؤ عينها الذابلة جعلتني قلقاً . ألاحقها بحنان ابن بار .
كان قلبي يغور في صدري حين أسمع نحيبها الليلي وهي وحيدة في فراشها .
سألتني ذات صباح وقد فتك بلبها الحزن : هل يضايقك أن أطلقه ؟.
كنت حانقاً .. أتأرجح على حافة الكره ، وكان ضغطها المضطرب يضطرني لاستدعاء الطبيب الليلي المناوب ...
لن نفقد الأم أيضاً . قلت لها : هذا من حقك .
تم الطلاق بيسر شديد .. كلمة جاهزة على طرف لسانه سرعان ما نطقها ، كمن يتخلص من زفرة .
لم تكلفه أكثر مما يفعله النطق بكلمة أخرى .. رخيصة .. حاسمة .. سريعة ، دون تمتمة وبلا تردد .
أطفأ عقب لفافة تبغه . وقع الورقة وانتهى كل ما كان .. ما أرخص العشرة !.
" غياب الأجساد أكثر قسوة من حضورها الكاذب "
هذا ما قالته ، وهي تبتسم لانتصارها المهزوم .
صرير سريرها في الليل جعلني أشاركها الأرق .
لزمنا القليل من الوقت .. القليل من التقشف .. القليل من التماسك ، وكل ما يلزم للاعتياد .
كأن شيئاً لم يكن ... سار المركب دون ربان بإصرار غريق ، و قدرة إلهية لا تنسى الضعفاء .
هذا المساء كنا على عادتنا نحتسي الشاي الساخن ونتحدث كالأصدقاء .
تغلغلت أصابعها بين خصلات شعري وسألتني
" متى سأخطبها لك ؟ "
تعرف أني غارق حتى أذنيّ في حب زميلة لي .
تداعبني بتعليقات تسعدني ، تدغدغ أشواقي ، فأبوح لها بما يحدث بيننا لنتقاسم موضوعنا الساخن .
رن الهاتف كانت الأقرب إليه ، ردت عليه وناولتني السماعة : شخص يطلبك .
من الطرف الآخر جاءني صوت أبي يريدني لأمر طارئ .
بلحظات مقتضبة كما هي العلاقة بيننا أنهيت المحادثة الهاتفية ، ثم سألتها مستغرباً :
- لماذا تتحاشين ذكر اسمه ؟
اتسعت عيناها : من ؟
- أبي !
ضحكت ..
- هل كان أباك المتحدث ؟ لم أعرفه ورب الكعبة لم أعرفه .
تغشاها نوبة ضحك ، يتحول وجهها قرمزياً ، وشيء من اللعاب يلمع على جانبي فمها ، يهتز جسدها ، فتحاول ما أمكنها السيطرة على رعشة يدها ، حذرة كي لا ينسكب الشاي الساخن فوق زهور ثوبها البيتي .
أرمقها من بين أهدابي .
الحمد لله انقشع ضباب الحزن ، وأقبل صيف اللامبالاة .
نظرة خاطفة إلى إشراقة عينيها أكدتا لي أنها لا تفتعل لتطمئنني .
أسعدني جرس ضحكها ، وشحم خاصرتها المترجرجة.
كانت تتثنى مع صليل انفجاراتها المقهقهة . تفتح فمها على اتساعه فتبان أضراسها والضواحك . تنتقل لي العدوى ، فنكركر معاً .. وتدمع عيوننا .
هي قصة أسوأ ما فيها أنها تتكرر .
نافذة البيت الغربية جلبت إلينا فتنة لم يقاومها قلبه الهرم ، صدق ارتعاش الأهداب ، وفتل شاربيه مطلقاً دون رحمة نظراته الشبقة .
لم تكن علاقة عابرة كتلك التي ما إن تبدأ حتى تنتهي ، ففي أبي كل مقومات الضحية المفترس .
كان جيبه مليئاً ، ووهم رجولته متضخماً . بمكر مكشوف ردت له الابتسامة المتصيدة بأجرأ منها .
أمي الطيبة جرته من أمام النافذة وحذرته : ستمرض .
لكن شهوة الربيع أفقدته صوابه .
لم يكترث .. ظل في مكانه يراقب رعشاتها من خلال ستارة خفر واضطراب ، ثم ظهر لها ضعيفاًً مسلوب الفؤاد .
ما إن أشارت له حتى عبر إليها متسللاً من خلف ظهورنا ، وفرد صدره عارياً ، لم يستح من شعيرات بيضاء تعتلي طيات بطنه الثلاث ، أعطاها ما كان من حقنا .
صبية النافذة تغاضت عن كروية جسده ، ومنحته نعمة التلمظ بقوامها الممشوق ، ورمانتي صدرها المكشوف .
كان .. وكنا معه مسيرين نحو قضاء يجعل منه رجلاً سعيداً ، ومني وثلاثة أخوة وأمي مجرد ضحايا .
غاب أبي عن البيت ، فقد وقع بين كلابّتي شبابها المحكمة .
تورم جفنا أمي المسكينة . أمسكت منديلها ، وأدارت ظهرها تستذكر بين غبش الرؤية عمرها معه .
احتكمت لأديم الأرض ولدقات قلبه البليدة ، لكنه كان في المكان الأقصى بعيداً عن إرادتها حيث لا تطاله ذراعاها المهدودتان .
تجاوز كل الاعتبارات ، وصار ينام في بيته الثاني .
بقعة داكنة في بؤبؤ عينها الذابلة جعلتني قلقاً . ألاحقها بحنان ابن بار .
كان قلبي يغور في صدري حين أسمع نحيبها الليلي وهي وحيدة في فراشها .
سألتني ذات صباح وقد فتك بلبها الحزن : هل يضايقك أن أطلقه ؟.
كنت حانقاً .. أتأرجح على حافة الكره ، وكان ضغطها المضطرب يضطرني لاستدعاء الطبيب الليلي المناوب ...
لن نفقد الأم أيضاً . قلت لها : هذا من حقك .
تم الطلاق بيسر شديد .. كلمة جاهزة على طرف لسانه سرعان ما نطقها ، كمن يتخلص من زفرة .
لم تكلفه أكثر مما يفعله النطق بكلمة أخرى .. رخيصة .. حاسمة .. سريعة ، دون تمتمة وبلا تردد .
أطفأ عقب لفافة تبغه . وقع الورقة وانتهى كل ما كان .. ما أرخص العشرة !.
" غياب الأجساد أكثر قسوة من حضورها الكاذب "
هذا ما قالته ، وهي تبتسم لانتصارها المهزوم .
صرير سريرها في الليل جعلني أشاركها الأرق .
لزمنا القليل من الوقت .. القليل من التقشف .. القليل من التماسك ، وكل ما يلزم للاعتياد .
كأن شيئاً لم يكن ... سار المركب دون ربان بإصرار غريق ، و قدرة إلهية لا تنسى الضعفاء .
هذا المساء كنا على عادتنا نحتسي الشاي الساخن ونتحدث كالأصدقاء .
تغلغلت أصابعها بين خصلات شعري وسألتني
" متى سأخطبها لك ؟ "
تعرف أني غارق حتى أذنيّ في حب زميلة لي .
تداعبني بتعليقات تسعدني ، تدغدغ أشواقي ، فأبوح لها بما يحدث بيننا لنتقاسم موضوعنا الساخن .
رن الهاتف كانت الأقرب إليه ، ردت عليه وناولتني السماعة : شخص يطلبك .
من الطرف الآخر جاءني صوت أبي يريدني لأمر طارئ .
بلحظات مقتضبة كما هي العلاقة بيننا أنهيت المحادثة الهاتفية ، ثم سألتها مستغرباً :
- لماذا تتحاشين ذكر اسمه ؟
اتسعت عيناها : من ؟
- أبي !
ضحكت ..
- هل كان أباك المتحدث ؟ لم أعرفه ورب الكعبة لم أعرفه .
قصة من مجموعة " فسيفساء امرأة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق