اجرى الحوار الصحفي محمد الحمامصي من القاهرة:
تتميز تجربة القاصة والكاتبة السورية سوزان خواتمي بقدرتها علي التقاط الأحاسيس وملابساتها بحس لغوي عال وقدرة سردية شفافة، موضوعاتها جزء من نسيج الحياة الإنسانية بكل ما تشهده اليوم من تقلبات وتناقضات، من مجموعاتها القصصية " ذاكرة من ورق "، " كل شيء عن الحب "، " فسيفساء امرأة "، وساهمت بإعداد مجموعة من التقارير الثقافية عن عمل ونشاط العديد من المؤسسات الثقافية نشرت في مجلد "المسح الثقافي لدولة الكويت خلال نصف قرن"، وتنشر في العديد من المجلات والصحف الكويتية والسورية، وحازت علي عدد من الجوائز كجائزة سعاد الصباح في القصة القصيرة.
** لو نتحدث قليلاً عن بدايات تجربتك الكتابية وظروف ولادة وتطور هذه التجربة، فماذا تقولين؟
**صحيح أن عادة القراءة لازمت طفولتي كهواية محببة تستغرق غالب وقتي، سوى أن الكتابة لم تكن يوماً في مخططاتي، لكن فوزي بمسابقة دار سعاد الصباح الأدبية عام 1993 كان سبباً في تحولي من مجرد قارئة لديها دفتر "تخربش" عليه، إلى قارئة/ كاتبة إن جاز التعبير، عملت بعدها ما بوسعي بهدوء ودون استعجال حتى أصدرت مجموعتي الأولى – ذاكرة من ورق – عام 1999. صحيح أن عادة القراءة لازمت طفولتي كهواية محببة، لكن فيما بعد شعرت بإمكانية جديدة لم تكن واضحة تماماً، رغم اعتقادي أنها كانت موجودة منذ الأزل في داخلي، اليوم أشعر أن حاجتي للكتابة لا تقل أبداً عن حاجتي للقراءة.
** ماهي الظروف والمؤثرات التي تعتقدين أنها أثرت في ظهور تجربتك الكتابية؟
** أعتبر أن مكتبة أبي كانت محرضاً غير مباشر لاهتمامي بالكتاب، فمنذ طفولتي وأنا محاطة بالروايات والمجلات والدوريات والصحف ما جعلني أرتبط بالقراءة، وهذا مااعتبره تفتح دهشتي الأولى، كما اعتقد أنه كان هناك دور مؤثر في دفعي نحو نحو كتابة القصة لأستاذي خالد قطمة، ولا أنكر الدور المشجع لعائلتي خصوصا في خطواتي الأولى. بعدها وقبلها بالطبع هناك متابعتي للساحة الأدبية والاستماع إلى كل وجهات النظر الانطباعية والنقدية وتلك التي أسمعها من قارئ أو صديق، الكتابة كم تراكمي من الخبرة ويعرف هذا كل من يمارسها، وسأظل أتعلم..
** ماهي المحطات الرئيسية في تجربتك والمراحل التي قطعتها حتى الآن؟
** لاأدري أين وصلت الان، ولكني بلا شك اجتزت الخطوات المتعثرة الأولى، وفترة القلق حول قيمة ماأكتب، بغض النظر عن موقع تجربتي سأظل متمسكة بمبدأي الذي يربط الكتابة الابداعية بالهواية والهوى، فالابداع لايمكن توظيفه ولا تأطيره، أشعر بأن الكتابة المقنعة هي تلك الحرة الصادقة، ولابأس إن بقيت دون يقين قاطع، حصيلة نتاجي من القصة القصيرة أربع مجموعات، كل منها على حدى كانت أقصى امكانياتي وقت نشرها. فيما بعد تتشكل لدي مسافة واعية مما كتبته وأصبح منشوراً وعندما أراجعه أجد أنه كان من الممكن أن يخرج بشكل أفضل. وأرى أن هذا دافع أساسي لنطور خبراتنا الكتابية.
** ماهي صورة المرأة في رؤيتك الكتابية والحياتية ومدي تفاعل هذه الرؤيا مع واقع المرأة؟
** بالطبع حتى ولو كنت ضد تجنيس الكتابة، لكني إمرأة وبالتالي أجد نفسي اكثر انفعالية حين يقترب ما اكتبه من عالم المرأة، أستطيع التعبير بحميمية، وبحد أدنى من الجهد، وحين تكون شخصية ما في قصتي أتعايش بالكامل مع آرائها وانفعاليتها واشكالياتها وتناقضاتها و أخطائها. وفي العموم أملك قناعة تامة بأن جزءاً كبيراً من تخلفنا يعود إلى الحيز الضيق المتاح للمرأة، وقلة الثقة بامكانياتها، وسيتغير هذا الواقع فيما لو اعطيت الفرصة كاملة ليس في اختياراتها فقط بل في طقوس التربية الأولى وتأهيلها منذ الصغر كي تكون واعية إلى دورها واثقة من أهميتها في هذه الحياة.
** يرى البعض أن القصة القصيرة هي مران لكتابة الروية أين أنت من هذا، وهل استطاعت القصة القصيرة احتواء كل ما يعتمل داخلك وما يحيط بك؟
** قد لا أتفق مع هذا القول وربما أجد أن كتابة قصة قصيرة مستوفية لشروطها الابداعية، لا يقل جهداً عن كتابة رواية. إلا أن هذا لا ينفي أن لدي مشروعي الروائي الذي مازال في (كمبيوتري الشخصي)، أحلم بإتمامه، وأحاول إيجاد الوقت للتفرغ لها وانهاء مخطوطها الأولي، ومن ثم تركه فترة وأخذ مسافة لقراءته سواء مني أو من آخرين لأرى قيما إذا كانت هذه التجربة تستحق النشر، فأنا شكاكة وفي كل عمل جديد أحس أني ابدأ من الصفر. حتى في الأخذ باراء من أثق بقدرتهم القرائية ونزاهتهم أيضاً. لست متأكدة أن الكتابة الروائية ستنسيني حبي للقصة القصيرة، لكني متأكدة من اتساع الحيز الذي تتيحه الرواية، والمتعة في التورط بأجوائها المتعددة...
** تجنح لغتك إلي الرومانسية أحيانا لماذا؟
** ربما أختلف قليلاً مع هذا الاستنتاج، لأني أعتقد أن " لغتي" فيها ميل شعري وهذا مختلف بالطبع عم سميته الرومانسية، ورغم أني لا أميل الى الانشاء الرومانسي بل وأحياناً أحاول التخلص من أسر اللغة، لكنها محاولات قد تفشل، إلا أن شخصيتي أميل الى الرمانسية، وربما يتسرب هذا في لغتي التي أعبر من خلالها عن أناي كـ سوزان، في النهاية لابأس من محاولة تجميل هذا العالم الغارق في عنفه ورداءته ولو عبر لغة رومانسية لن تضر أحداً.
** هل ترين أن المبدعة العربية استطاعت تجاوز معوقات الابداع؟
** إذا كان الامر يخص المبدعة بصفتها كاتبة فقط فالامر لازال بعيداً لدينا الكثير الكثير من المعوفات، أما إذا كان المقصود من السؤال بصفتها كاتبة أنثى فأعتقد اقتربت من مساواة الكاتب الرجل في معاناته مع فارق طفيف، هو وجود بعض الأفكار المسبقة التي تحاصر حريتها، والتي يمكن تجاهلها باعتبارها بقايا إرث التخلف، و لم تعد تلك الأفكار في معظم البلدان العربية تشكل عموم النظرة الاجتماعية، ويمكن التعامل معها على أساس أنها اختلاف في وجهة النظر.. هناك متسع مناسب وكاف لكي تكتب المرأة وتنشر وتؤكد وجودها، وتعبر عن هذا الوجود بالطريقة التي تحبذها، بل أن البعض يعتبر أن المجال المتاح للمرأة المبدعة – حالياً - صار أكبر بكثير مما هو متاح للرجل المبدع.
** هل حصلت أعمال المبدعة العربية علي حقها من النقد أم لا تزال تعاني التجاهل؟
** الأعمال الابداعية بأقلام نسائية لم تعد تعاني التجاهل اطلاقاً، بل المشكلة الجديدة صارت تكمن في مصداقية النقد الموجه لها، وحياديته بدون اعتبارات خاصة، وبدون أن يتداخل مع نظرة مسبقة سواء تلك التي تصنع للكاتبة جناحين فتمنحها حق الطيران من غير وجه حق، أو تلك التي تشكك بقيمة ما تكتبه المرأة، وتضعه في خانة ادنى من نظيرها عند الرجل، فتنتقد من هذا المنطلق غير العادل..وهي مشكلة حقيقية، تجعلنا في حيرة بين طرفي نقيض، لكن الأبرز والذي أصبح ظاهرة ملفتة هو الترويج لكتابة المرأة دون مسوغات ابداعية يسندها النص الذي تكتبه
** ماذا عن مشروعاتك الابداعية القادمة؟
**عندي مشروعي الروائي الذي أريد له أن يتم (على خير)، فللرواية وقعها الذي لم تشغله بعد القصة القصيرة، إضافة إلى كم لابأس به من النصوص النثرية التي تحتاج إلى أن تأخذ حقها في النشر والمتابعة، فالصحافة رغم متعتها صارت تأخذ الكثير من وقتي، وأنا بطبيعتي السلحفاتية بطيئة وانتاجي قليل، أتمنى أن لاتغير الظروف مزاجيتي، لأبقى على علاقتي الهادئة والرصينة مع الكتابة، بعيداً عن صراعاتها وأوهامها..
نشر الحوار في ايلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق