19 أبريل 2008

انتخاب أمير للتفاهة: (أبو ظبي ) واغتيال الشعر العربي

لقد قام بعض المتسابقون بشراء رسائل SMS
مقابل حسومات معينة!! وفي بلدة مثل سراقب ( السورية ) حدث انقسام بين عوائلها!
لعلَّ أسهل ما يمكن أن نبدأ به لتناول ظاهرة كمسابقة ( أمير الشعراء) المأسوف على شبابه، شهادة الشاعر العراقي المنكوب بحصيلة SMS التي كان قوامها صفر، يعني – كلِّش ماكو- إذ قال لافظ فوه ( الـSMS لا تصنع شاعراً)!! قالها الشاعر العراقي بلوعة وكاد أن يبكي على الجائزة التي تجاوزته وتركته في غبار القوافل. ولا أذكر اسمه هنا، لأنهم- أي الشعراء المشاركون - قليلو التمايزات، حيث يبدون مثل كتيبة في الجيش الصيني. لكن الصدفة سمحت لنكرة مثلي أن يعرف اسم بعض هؤلاء الأعلام لاحقا، معرفة شخصية. في مدينة أبو ظبي، في البلاد التي رأى البعض أنها تقدم نموذجا عربيا يحاول دخول المستقبل بما اتيح لها من امكانات واسعة، إذ أنَّ نموذجاً كدولة الإمارات يمكن أن يُخرج المال العربي من وظيفته التقليدية وأن يضعه في خدمة تنمية حقيقية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية، وكي لا نظلم الناس يمكننا أن نشير إلى نجاحات يشهد لها، حققتها تجربة الإمارات في مجالات مختلفة على أنَّ تحليلاً بسيطاً وساذجا يساق هنا قد يبرئ أهل البلد من التهمة ليلصقها بالقائمين على هذا البرنامج! إذ تقول الحكمة المبثوثة مثلاً ( جدي يلعب بعقل تيس)!! وأهم ما تميز به برنامج أمير الشعراء هو إخراجه الرديء والذي جاء ( من غير نفس ) على ما يبدو، ناهيك عن ضحالة الفكرة وسماجتها وانخفاض الأداء الذي امتاز به العمل، إذ ربما لو كان للصومال فضائية لخجلت من نفسها على ضعف أمكاناتها المحتملة، أن تطلع على الجمهور ببرنامج كهذا. أن تنذر قناة أبو ظبي نفسها للتحول إلى مؤسسة إنتاج شعري من الدرجة الخامسة على أحسن تقدير إذا ما تناولنا الآليات التي تم ترتيب المسألة وفقها ومجمل التجارب التي تهافتت لتحظى بلقبٍ أجوف لا يملك من يمنحه أدنى الشروط التي تؤهله ليضعه على رؤوس شعراء بانوا كمرتزقة في جيش من العالم الثالث، تكمن موهبتهم في الاحتيال على بسطاء الشارع ( العامة )، وما أسهل أن يتحالف المواطن العربي ضد نفسه حين يتعلق الأمر بشريطٍ متحرك يذكر اسم المرسل ويعيد إلى الذاكرة مسابقة سوبر ستار الغناء التي تعتبر وكما أشار الشاعر أمجد ناصر أهم من سوبر ستار الشعر العربي !!.... أن تنذر قناة ( أبو ظبي ) نفسها لذلك فهذا يعني أن المحطة مفلسة، وأنَّ برنامج يحتفي بالرقص الشرقي كان سيعود عليها بنفع أكثر مما جلبه لها عضاريط الشعر المعاصر. فقد بدت قناة أبو ظبي أنها تكرس الانحطاط عبر نقَّاد لا نعرف مرجعياتهم ولا إسهاماتهم، و عبر شعراء صنعتهم مسابقاتٍ لصحف صفراء أو حمراء، وعبر مراكز الثقافة الشمولية، وكذلك عبر فنانين لا يذكر لهم باع في الشعر سوى ترديد بعض الابيات في ادوار تاريخية، إذ ربما تلبسهم الدور واعتقدوا أنهم هم من قال هذه الابيات، بل قد يبلغ بهم الشطط متمثلين أحد أدوار الخلفاء: يا غلام أعط هذا الشاعر ألف ألف دينار ، ذلك يعني أن أبو ظبي ( القناة ) تساهم في خلق ردَّة ثقافية. وقد كان حريَّاً بغسان مسعود أن يحفظ سمعته كفنان (عالمي) ويترفع عن هذا الدور البائس، لكنها عين بني آدم على ما يبدو لا تشبع إلاَّ من التراب وما أكثره في المسلسلات التاريخية! وقد يتلبس هذا الدور غسان مسعود الى ما بعد المسابقة ويبدد ما يجنيه من أجر على ادواره في عطائه للشعراء أذ قد تستمر معه الحالة ( اللهم عافينا ) وما أن يسمع أحداً يردد بيتا من الشعر إلا ويخرج من جيبه صرة من الدراهم ويلقيها له: خذ ياشاعر العرب...إنها الردَّة التي تنذر بمزيد من الخواء، الردَّة التي وصلت إلى فنَِّ طالما تهافت عليه المتهافتون إلاَّ أنَّه ظل بمنأى عن هذا الشكل السافر من التشويه، لقد قام بعض المتسابقون بشراء رسائل SMS مقابل حسومات معينة!! وفي بلدة مثل سراقب ( السورية ) حدث انقسام بين عوائلها! إذ تبنت إحدى العائلات ( شاعر الحب ) وردت عائلة منافسة بعد اجتماع ليلي دعي اليه كبار القوم بتبني الشاعر اليمني مؤكدين أن أصل قبيلتهم من اليمن... وهنا يحضرنا المثل الشعبي الذي أستحي من ذكره صراحةً لكني سأكتفي بالإلماح إلى صيغة المبارزة والمنافسة المحمومة ومن الذي يكسب من تنافس الآخرين... إذا تحامرت الـ.. إلى آخر الحكمة. إن 90% من مشجِّعي أمير الحب مثلاًلم يقرؤا شعراً لأحد بما في ذلك ما قاله الاستاذ المعري! وأميرهم المحتمل الذي يدعمون! والذي بدوره لم يقرأ أكثر من أعماله التي تتكاثر كالجراد مكرِّرةً نفسها ورموزها التي تحولت إلى أيقونات بائدة. كما أن أكثرهم ثقافة لا يستطيع أن يأتي بأسماء ثلاثة شعراء معاصرين لأميرهم الشاعر.. أتحدث عنه كنموذج أعرفه وأعيش تفاصيل نجاحاته التي بدأت مع مسابقة سعاد الصباح التي فتحت الباب أمام أجيال شعرية ساهمت في تكريس الضَّحالة في وقت كانت الحداثة الشعرية تتلمس لها طريقاً إلى ثقافتنا ليأتي أهل المال ساحبين البساط من تحت حراك محتمل ليعيدوا مفهوم الارتزاق المبتذل إلى الشعر والشعراء وقد وجدوا بشعراء من عيار " نص كم " ما يعينهم على ذلك، دأبهم سرقة تصفيق الجمهور و رصيد هواتفهم لاحقاً. رغم ذلك فإن شاعراً وضيعاً يطرح نفسه كعلماني بارز في أوساط المثقفين سيكسب لاحقاً جائزة في مديح النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلَّم، ثم سيحتكر الحب في مسابقة هزيلة كمسابقة أمير الشعراء معتقداً أنه نزار قباني جديد ومراهناً بالتأكيد على جمهور من الدرجة الخامسة سيطربه أي كلام موزون ومقفى، وكأننا لم نعد نستحي، شعراء وجمهور ومانحو جوائز !.إنهم شعراء نصف كم، جلسوا مطولاً بين أيدي المزيِّنين ليصنعوا لهم تسريحات تليق بهذا اللقب الأجوف، وربطوا ربطات أعناقهم بعقد كان من الأفضل توفيرها، حيث يكفيهم ما في أنفسهم من عقد وأمراض لم يستطيعوا أن يحفظوها بعيداً عن ذائقة جمهور يتداعى وشاشات تتلقف الأمراض. كم أتمنى لو أن هذا الكلام جاء على لسان غيري، حيث أنني متهم بأني أكتب الشعر، لكني ولحسن الحظ لست من أهل سباقات الهجن ولا مصارعة الديكة أو الثيران، أنا بني آدم يتحسس الشعر الهادئ والجميل، ذلك الذي ينحت بعيداً عن ضوضاء الفضائيات المبتذلة وصرخات الشعراء المتلهفين للدراهم والشهرة المصنَّعة، إنَّ الحق يقال: ( غاب القط، فالعب يا فار) . أين جمهور الشعر العربي؟ ، أين أهل مصر لينجدوا أميرهم الذي حاز هذا اللقب دون ما فضائيات ودون ما انحطاط ؟. أيضاً أين شعراؤنا وصحافتنا ومؤسسات ثقافتنا؟ إذاً: الشعر العربي كما الحياء أيضاً في ذمة الله، شكراً لقناة أبو ظبي، شكراً لشعرائنا الأمراء.
الشاعر السوري ابراهيم قعدوني

ليست هناك تعليقات: