سوزان خواتمي
يبدو أن قوة “داعش” تكمن في استخدامها لطاقية الاخفاء، التي تجعلها غير مرئية أثناء دخولها وسيطرتها على المناطق، أو في خروجها الآمن دون أن يتعرض لها أحد.! وخلال سنوات قليلة صارت تلك الدولة المزعومة مصدر رعب وقلق لنصف الكرة الأرضية رغم كل الجهود (المزعومة أيضاً) للقضاء عليها .
من دعّم “داعش” ومن استفاد من ظهورها، ومن قوّاها وسلّحها ومولّها، ومن أطلقَ لها العنان وسمحَ بتواجدها وتمددها؟.
سياسة كتم الأنفاس
في نيسان 2013 خرج أبو محمد العدناني، ليعلن ولادة الدولة الاسلامية، في وقتها اعتبرتُ ذلك مزحة ثقيلة.. هل يُعقل أن تتحول سوريا إلى أرض خصبة تنبت التطرف وتسمح به.!
ولكن الواقع أكد لي أنها ليست مزحة، فقد سيطرت داعش على الرقة، وارتفعت رايات سوداء استنكرها البعض، وقبِّل البعض بها على اعتبار أن داعش ترفض النظام وبالتالي هم شركاء هّم، ما حوّل المزحة إلى كابوس يضاف إلى كوابيس السوريين الراغبين بدولة ديمقراطية مدنية.
فرضت داعش تطرفها على كل منطقة دخلتها، حرّمت التدخين، أجبرت الرجال على اطلاق اللحى، وقادتهم بالقوة لأداء الصلاة، وفرضت عليهم عدم المغادرة أو السفر لأي سبب كان، واستهدفت الأقليات وهجرتهم من مناطقهم. تضررت مصالح الناس وقُيدت حرياتهم واجبروا على ادعاء الايمان،
لكن المتضرر الأكبر من قوانين داعش وتطرفها هن النساء-الحيطة المايلة- اللواتي عوملن كما لو كن جواري، عرضتهن للخطف والاستعباد والاغتصاب والتعذيب، وفُرضت عليهن حجاباً شرعياً يحولهن إلى خيمة من السواد، وسمحت بزواج الصغيرات، وحجّمت التعليم وحددته بعمر معين، قتلتهن دون محاكمة على أرصفة الشوارع بتهمة الشرف ، وطبقت عليهن عقوبات اخترعتها أذهان مريضة؛ إذ رميت امرأة في الرقة في قفص مليء بالجماجم، كونها لم تلتزم باللباس الشرعي، واستخدمت العضاضة لقرص ثدي امرأة كانت ترضع طفلها، (العضاضة هي آلة تعذيب نحاسية كانت تستخدم في القرن الخامس عشر ميلادي) .
ممارسات داعش الوحشية لسبب ما، كانت علنية، فتلك الجماعة لم تتوان عن عرضها موثقة بفيديوهات، جعلت الناس تنفر من الاسلام وتخافه، حتى أصبحت المقارنة حين تُعقد بين النظام وبينهم تذهب إلى صالح النظام، باعتباره أهون الشرين. وربما هذا بالضبط أحد النتائج المطلوبة من داعش.!
كلما انسحبت داعش من منطقة وفق اتفاقات، احتفل الناس بزوال الغم، وهذا رد فعل طبيعي. لكنه يعيد لي السؤال ليقفز في رأسي؛ كيف استمرت داعش بالتباهي بقوتها، وكيف وجدت الحاضنة الاجتماعية والبيئة الملائمة لذلك!
لا يُنبت البقلة إلا الحقلة
يصعب حصر عدد مقاتلي داعش في سوريا، فالأرقام التقريبية تقول بأنهم 60 ألفاً، 45 ألفاً منهم غير سوريين، مع وجود نسبة ضئيلة من النساء بينهم. وهذا العدد سيزداد بعد خروجهم من الموصل وتوجههم الى الأراضي السورية. أيضاً يصعب التكهن -اعتماداً على المحللين السياسيين أنفسهم بالسبب- الذي يجعل القضاء على داعش بطيئاً على هذا النحو وغير قاطع. لكن هناك مثل شعبي يقول “لا ينبت البقلة إلا الحقلة”.. إن ظهور هذا العدد (45 ألفاً) من الفكر المتطرف الدموي الإقصائي، ومريديهم من السوريين لا يمكن أن ينجح ويستمر إلا في دولة فشلت في خلق هوية وطنية، وخلقت المبررات لتبنّي الفكر الطائفي والمذهبي، فالعنف لا يولد إلا العنف، ومن عانى من التسلط وتعرض للتعذيب، سيستخدم الاسلوب ذاته، ويصبح جلاداً حين تسنح الظروف. هذا إلى جانب فشل الواقع في تحقيق العدالة الدنيوية، فازدواج المعايير ليس على مستوى النظام، بل على مستوى المجتمع الدولي، ما جعل الشباب يبحثون عن إنتماء أكبر يؤكد هويتهم، وقد استغلت قيادات تلك المجموعات المتطرفة كل ما سبق من أسباب، لتؤجج التوتر الطائفي وتدعمته بالنص الديني والقرآن، فظهر بيننا شباب يفجرون أنفسهم ويقطعون الرؤوس ويحرّمون ويفتون وينضون تحت لواء ايديولوجية سلفية جهادية متشددة. شباب فقدوا الإيمان بالوطن وبحقوق الانسان وبالقوى الغربية العالمية، فوجدوا في داعش الملاذ والخلاص، ووجدت داعش فيهم البيئة الملائمة والحاضنة الاجتماعية .
#داعش #سوريا #التطرف
نشر المقال في موقع الرائد الالكتروني