31 أكتوبر 2007

ياله من وطن!

كتب يقول " المحبة وطن"، ولم يقل الوطن محبة، من يومها وأنا أفكر بأوطان غادرناها، وتلك التي غادرتنا، بأوطان لها طعم الخبز، وأخرى لها طعم الحلم، أوطان ليست لنا رغبنا بها، وأوطان أحببناها فخذلتنا، وأوطان أحبتنا ولم نكن أولادها الطيبين، أوطان رحيمة كقلب أم، وأوطان عابسة على الدوام، كأن قدرها أن تكون أرض السواد. الأوطان توقعات غير محسوبة لإفتراضات لاتتحقق غالباً.
فإن كان الوطن أهزوجة للمناسبات الرسمية والسعيدة، فالتاريخ حافل بمطبات لاعلاقة لها بالسعادة، يدعونها الحروب، التي ما إن تنتهي حتى يعرف طرفاها أنها كانت مجرد "سوء تفاهم" ستحله كونداليزا رايس. وإن كان الوطن رقعة أرض، فما معنى الجهات الأخرى تلك التي قطعوها أو وصلوها أو استغنوا عنها، فنكون هنا مرة، ونصبح مرة هناك. وإن كان الوطن محض شعور ففي القلب نفق صغير تهرب المشاعر منه..
فهل هو حاجة، أم فكرة فاضلة عن الحب؟. يبدو فيما يبدو أن لاشيء أكثر مخاتلة من معنى الوطن.. الوطن زمن طويل، لا نحتفظ بالوطن كصورة تذكارية نضعها داخل إطار، ثم ننساه.. إنه ذاكرة نحضر فيها ونُخلص لها، دون سؤال ولامساءلة، لأن عصفوراً غرد نافضاً ريشه دون أن يخاف .. ولأن عيني التقيتا بعينيه فظننت أني أعرفه، لكنه مضى، ولم يلتفت، ومع ذلك لم أنسه.. ولأن مدام (بيزر) تركض وفي يدها ملعقة وراء الطفلة المسلمة التي كنتها، فتطعمني ثم تعيدني إلى أمي، فقد أنجزت بنجاح مهمة تغذيتي.. ولأنه الاعتراف بأن الضحك والبكاء تساويا حين حاولت أن أتذكر أكثر ولم أفلح.. لذلك فإن أختي مثلاً، والتي تقطن على الضفة الأخرى من المجهول، تردد أشواقها بصوتٍ عال، ربما لأنها تريد لأولادها أن لا ينسوا..
فإن كان مسقط الرأس، يعني المكان الذي ولدتَ به، وشرشت به جذور آبائك هو الوطن، فما معنى أن يسجى جسد سركون بولص كاملاً برأسه وقدميه في كاليفورنيا وهو من حبانية كركوك؟. ومامعنى أن يموت عبد الرحمن منيف في دمشق، ويتسلى الأشقياء بنبش قبره؟. ومامعنى أن تحلم سعدية المفرح بوطن بحجم بيت شعر؟.
"قال ممدوح عدوان رحمه الله: " يا بلادي التي علمتني البكاء
مقال نشر في جريدة النهار الكويتية

ليست هناك تعليقات: