29 ديسمبر 2008

الحوار الحضاري بالشباشب والصحون

لا أدري لماذا كَثُر الحديث عن حوار الحضارات في منطقتنا، مادمنا كشعوب ودول معافين تماما من آفات التطرف الايديولوجي، والعنجهية الفكرية، والاستبداد بالرأي، ولا داعي لإيراد الأمثلة فهذا الأمر يظهر جلياً وواضحاً في كل الحالات المحتملة لاختلاف وجهات النظر، ابتداء من الحوار الحضاري الذي يُبسط على النطاق الأسري بين الأزواج ومع الأولاد، فلا يسمعه الجيران، ولا تستخدم فيه الأسلحة البيضاء من شباشب وصحون.. أو في العمل حيث لكل زميل الحق في إبداء الرأي والاعتراض بأريحية، ومن ثم القبول بالأريحية نفسها، أو في البرامج التلفزيونية الحوارية إذ تتقاذف الأطراف المتنازعة وجهات النظر على طريقة لعبة التنس (الأكابرلية)، فلا ضرورة لشد الشعر ولا لرفع الصوت، أو في الندوات الثقافية حيث يكون الحضور خليطاً من تعددية فكرية لافتة، فالسلفيون يهرعون الى سماع الفكر الليبرالي، والعكس صحيح..!الحقيقة استغرب الاشاعة التشهيرية التي تحيطنا بأننا أمة (خدوهم بالصوت لا يغلبوكم) فالحوار بيننا وبين الآخر، يتسم بالهدوء والرزانة والموضوعية والإصغاء المهذب، دون عداءات مسبقة، ولا إجابات تهكمية، ولا أحكام تكفيرية، ولا تشنيعية، ولا تعجيزية، فما اصطلح على تسميته العقل العربي يؤدي مهماته على الوجه الأكمل، من حيث تقليب الأفكار والتعمق بمسوغاتها، وشرعية التساؤل، والتشكيك، في مناخ ربيعي من الحرية، يسعى ويهدف إلى إنتاج معرفي ثقافي، وهذا ما يجعله (أي العقل ما غيره) عضواً لا يضمر من قلة الاستعمال، ولا يصاب بالعطب، فالعقل ملكة استدلال، وهو في حالة الانغلاق - وهذه حالة نادرة اسمع عنها، ولم أصدفها أبداً - يعتد بصوابه ويقينه، ولذلك مازلت في حيرة من جملة المفكر محمد أركون في محاضرته التي ألقاها أخيراً في احتفالية (التنوير ارث المستقبل) حول وضع مجتمعاتنا التي تعاني مما أسماه (طغيان الجهل المؤسس)، فمامعنى الطغيان؟ ومامعنى الجهل؟ ومامعنى مؤسس؟

03 ديسمبر 2008

جوز الست:غمز ولمز اجتماعي



لايتجاوز النمو العضلي عند المرأة ثلثي النمو العضلي عند الرجل، ولاعتبارات كثيرة عوضت المرأة ضعفها البدني ببدائل أخرى، لتختار نوع قوتها من بين أحد الحكم الرائجة، التي تفترض قوة المرأة في جمالها أو في دموعها أو في حنانها أو في صمتها..!
وبشكل عام هناك إجماع كامل حول إعلاء قيمة الأنوثة في شخصية المرأة، فالرجال شيبا وشبانا يفضلون الفتاة الرقيقة الناعمة، وفي الوقت الذي يسطر فيها الكتاب والشعراء كلمات ولّه تتغنى بكحل العيون وقوس الحاجب ونحول الخصر المياس، وكل ماتعكسه المرآة من فتنة، فإن أحدا لم يشر إلى تميز المرأة بفرادة شخصيتها وقوتها، بل على العكس، ويبدو أن المرأة أدركت مبكرا البضائع الرائجة في سوق الزواج، فاختارت أسهل الطرق بالأزياء والتزين والتطيب والشد والنفخ، إذ يتخوف الرجال من فكرة الارتباط بمن ينافسه ويتعامل معه ندا لند، معتبرا أن صاحبة الشخصية القوية امرأة تخلت عن أنوثتها، وهو يفضل فتاة ترضيه وترضى بسيطرته، إن لم يكن من باب نزعة التملك، بل أيضا كي لايتعرض لتعليقات الغمز واللمز حين يقال عنه( جوز الست)..!
الانوثة تكسب
الحقيقة أن إرثا كبيرا من الأفكار الجائرة حددت كينونة المرأة، وباتت من المسلمات حتى بالنسبة للمرأة نفسها، فحدود قناعتها بقدراتها لاتذهب أبعد من حضورها كأم حنون وزوجة مطيعة وحبيبة دافئة..
والمستغرب أن ميزان القيم الأخلاقية ليس واحداً بين الذكر والأنثى، فالخصال التي تتباهى بها المرأة، تعتبر من المساوئ بالنسبة للرجل، ولايرجع الأمر لعامل الفطرة والطبيعة بقدر مايعود إلى النظرة العامة في الثقافة العربية، فتمدح المرأة لحيائها حتى لو وصل حد التلعثم، فيما يذم الرجل الذي يستحي، فللذكورة واعتباراتها قيما مختلفة في سلم الرجولة: كالحرية والغيرة والقوة والجسارة والعلم والسيطرة والنبل .. وهي اختلافات حددها المجتمع منذ فترة طويلة ومازالت الأمور عند ثوابتها..!
إن ضعف المرأة ناتج عن تاريخ طويل من التحجيم والاستهانة، تحمله المرأة على كتفيها ، ليس من قبل العامة فحسب، فحتى الفلاسفة والشعراء كارسطو و بودلير لم يخفوا عداءهم لها معتبرين أنها كارثة كونية، وكان يمكن للأرض أن تدور بشكل أفضل من دونها، وقد استخف توفيق الحكيم بذلك الكائن، فكان يسخر منها في مقالاته وقصصه، كذلك فعل عباس محمود العقاد الذي لم يستطع تخيل المرأة في سوية معادلة للرجل واعتبر أن مطالبها بالتحرر ليست أكثر من ورطة لم تخلق له ولم يخلق لها، وهو القائل: " إن خير ما في النساء ساعة ضحك".
سجن الأدب المرأة مثل باقي تجليات الحياة داخل قوالب جاهزة وحتمية، وتعامل معها كأسطورة وجسدها في الخير المطلق او الشر المطلق، فهي إما أماً وأرضاً وعرضاًً أو شيطاناً ومكرا وخديعة.. وجعلها تدفع ثمن ثورتها أو رفضها أو خروجها عما حُدد لها من مهمات وصفات ومكانة، بل غالبا ماصور الروائيون المرأة القوية كأقرب ماتكون إلى شمشون الجبار، فهي تفتقر إلى الجمال، عانس، موتورة، تزعق وتفتعل المشاكل، و(تطفش) العفاريت، وقد انتقلت هذه الصورة الكاريكاتيرية من صفحات الروايات إلى شاشة السينما والتلفاز، حتى تكرست في الأذهان.
وعلى الرغم من صعوبات الحياة التي تحتاج إلى رفيقة درب تتحمل المسؤولية، فإن الشباب يتصرفون بازدواجية تجعلهم ينجذبون إلى المرأة ذات الشخصية القوية والمركز المهني والعلمي المتميز، ويتزوجون من أخرى لها( فم يأكل وليس لها فم يحكي)، مفضلين أسلوب ذبح القط من يوم العرس، متمسكين بمبدأ القوامة التي يتم تفسيرها على أنها امتلاك الحق في السيطرة والعناد والكلمة التي لا تصير اثنتين، مما جعل الفتيات يتقن سياسة المكر ، فيلبسن القناع المطلوب للإيقاع بالشاب المرغوب.. إذ تستطيع المرأة كسب جولاتها النهائية باستخدام سلاحي الغنج والأنوثة..
قضية استبداد
لم يكن مستغرباً ولع الكثير من الرجال ومتابعتهم لمسلسل – باب الحارة- الذي أعاد أمجاد سي السيد، الآمر الناهي، و رد الاعتبار لمكانة الشاربين حيث يحط الصقر، وصوّر – بخبث- روعة الحياة مع امرأة مطيعة ترتجف رعباً من زوجها، ولا تقوى على معارضته..
الحارة التي تعتز بجنس الرجال وتتباهى بهم، أثارت مشاعر الحنين إلى تلك الأيام الخوالي، ماجعل البعض يفكر بتأسيس جمعيات ( حقوق الرجل ) لاسترجاع ما فقده من حواء التي
– تفرعنت- بعد أن تمت مساواة الجنسين، وامتلكت حقوقها في التعليم والعمل، لكن الحرية أفقدتها توزانها، فلم يعد همها الأول صيانة بيتها ورعاية أولادها، ما أدى إلى زيادة حالات الطلاق، وتطاول ( الست) على زوجها بالضرب والتأديب، أو خلعه ورميه خارج البيت..!
وهي مزايا كانت تخص الرجل وحده، فيضرب ويطلق ويهجر ويتزوج مثنى وثلاث، ومع ذلك فالحياة وقتها كانت تمر برداً وسلاماً، باعتبار أن ضرب الحبيب( زي اكل الزبيب)، أما ضرب الحبيبة فليس له طعم الزبيب..!