18 يناير 2012

من وطيس المعركة.. هذا الخبر

أعلنت بلدية روما عن معركة حامية الوطيس، تدور بينها وبين «العلكة»..! نعم العلكة مطاطية القوام، التي تلوكها الأفواه، ثم تلفظها على مسافة قصيرة أو بعيدة المدى تبعاً لمهارة الهدّاف..! حدث ذلك بعد أن أتلفت أعصاب بلدية روما أعداد علك هائلة ترمى على جنبات الطرقات والأرصفة، والتي بلغ عددها حسب آخر إحصائية- يعلم الله كيف يحصونها - 15 ألف علكة يومياً، و5.54 ملايين علكة سنوياً. وبحسب الخبر، يقوم متطوعون، بدافع من ضميرهم وحده، بمهمة إزالة العلك اليومية التي تلوث المكان، لأن تركها لقوى الطبيعة كي تفتتها يستغرق خمس سنوات. أما تكلفة عملية التنظيف الشاملة تلك فتقدر بـ 5.5 ملايين يورو فقط لاغير!



لأن الشيء بالشيء يذكر، فإن خبر معارك روما «الوطيسة»، ذكرتني بالرقم الفلكي الذي يقوم بانتاجه «علاكو» الكلام، من محللين سياسيين ومحاورين وناطقين وخبراء استراتيجيين، أيا تكن تسميتهم، فأنا أعني، أولئك الذين يدّعون - من دون أي خبرة أو عمق - امتلاك الحقيقة كاملة غير منقوصة، ومن ثم تصديرها إلينا بكم هائل من كلمات وتعابير بلاغية، وادعاءات وتصورات يتم تفصيلها بحسب المقاس المطلوب، رغم أن لغة التحليل السياسي يجب أن تبتعد عن المبالغات والأمثلة الكثيرة، واللغة العاطفية والمزاودات


نتيجة لهجمة وباء سياسية، أصابت العالم في هذا الزمن المطحون - رغم أنفه - بالأحداث، تزايد الإقبال على مهنة المحلل السياسي، التي لم تعد تحتاج إلى أكثر من ربطة عنق، وحنجرة قوية (بعضهم لا يملكها أيضاً) وقابلية «علك» بديهية. التساهل المهني، وارتفاع عدد الفضائيات، وانخفاض أسعار ربطات العنق، عوامل أفرزت أعداداً من المعلكين السياسيين، لا يشق لمنطقهم غبار. يطلعون علينا بأفكار مثيرة ترفع حرارة الجو، في بورصة البرامج السياسية الحوارية، الأمر الذي يعتبر مقبولاً عموماً، ومثيراً للجدل والضجر، فكي تكون في قلب الحدث، لا بد من أن تستمع إلى الرأي والرأي الآخر. لكن المصيبة حين يتكرر ظهور المحلل بربطة العنق ذاتها، ليناقض ما قاله قبل فترة، دون أدنى حرج، فيكون هو الرأي، وبعد فترة هو الرأي الآخر!


وهذا تحديداً ما يدعى «علاك مصدي»، تحرض عليه أجواء السياسة المحقونة، وتطلبه المكنة الإعلامية بفضائياتها وبرامجها المتناسخة، لتبثه عبر الأقمار الاصطناعية. ستحتاج الطبيعة إلى مليار سنة ضوئية لتهضم من تلقاء نفسها الكذب والمبالغات، وتكشف عن المصالح التي تقف وراء هذا التحليل البهلواني، أو ذاك الذي يتشقلب ليدوس في بطن المنطق، إن كان ثمة منطق على الاطلاق!


لا بأس سنعاني، فما من مدافع حقيقي عن الحقيقة، وما من متطوعين لتعقب وإزالة كل ذلك «العلك المصدي» أو أياً من أنواعه الأخرى. على العكس، بضاعة الكلام النافقة تلك، تجد من يصفق ويهلل لها، بما يزيد الطين بلة، ويضر بمستقبل البيئة. حتى ان العلك بدأ بالفعل يؤثر في كمية الاكسجين في الجو. ألا تشعرون بالاختناق؟!

هناك 5 تعليقات:

وضحى المسجّن يقول...

بارع جداً ..

وردة وضوء

غير معرف يقول...

وضحى.. يطمئنني وجودك :)

اسماعيل آل رجب يقول...

الحمد لله ان القليل من العرب من يستعمل (العلكة)،لأنّي أتصوّر لو استعملها العرب على نطاق واسع فإنها ستتراكم بعضها فوق بعض لانعدام من يقوم بإزالتها..استاذتي العزيزة كلام في الهواء خير من علكة لزجة على الارض.
تحياتي لشخصك المحبوب مع تمنياتي لك بالموفقية.

القاص العراقي
صدى الخالدي

سوزان خواتمي يقول...

تحياتي استاذ صدى.. رأيي بالعرب محرج لاقصى درجة ومازلنا في الهاوية . تحياتي

سوزان خواتمي يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.