لماذا قرأت رواية هاروكي موراكامي (نعاس) للمرة الثانية..؟ ربما لأني
نسيت أحداثها تماماً، وهذا بحد ذاته ليس سبباً طالما أن النسيان عادتي الطبيعية.
إذن السبب الحقيقي أنها لا تتجاوز المئة صفحة، وهذا شيء مشجع ورائع.. تستحق الكتب
التي لا ترهقنا التقدير.. الكتب التي تستعجل الخاتمة قبل أن نصاب بالملل.. رواية
النعاس أحدها.
الرواية بسيطة بساطة صندويشة زيت وزعتر، وهي عن امرأة تمارس طقوس
يومها الاعتيادية بشكل روتيني، وبلا تذمر. تعتني بابنها الوحيد، وزوجها اللطيف، وتعد وجبات
الطعام، وتذهب للسباحة والتسوق، وتنتظر عودتهما.. حياة الأسرة السعيدة في ظاهرها
تستمر إلى أن تصاب بالأرق، وما عادت تنام.. سبعة عشر يوماً متوالية لم تغمض عينيها.
صارت تقضي ليلها في القراءة، بدأت رواية آنا كارنينا التي تحتفظ بها بين كتبها، ونسيت
احداثها (مثلي تماماً) . وحين انتهت منها في تلك الليالي الطويلة عادت لتقرأها من
جديد.. قرأتها ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرة تكتشف عبقرية تولستوي في أجزاء وفصول
لم تنبه لها. تجربة اليقظة الدائمة فكرة لا تخطر على البال، فالنوم موت صغير، أو [دفعة على الحساب من رصيد الموت، لكن ... ماذا لو كان الموت مختلفاً تماماً عن
النوم، ظلمات يقظة تمتد إلى مالانهاية .. لم لا يكون بقاء أزلياً في حالة يقظة
معتمة...!]
تحولت حالة الاستيقاظ حين يكون زوجها وولدها نائمين فرصة للتفكير في
ذاتها وحاجاتها وحياتها...
وتماماً كما أن الزيت والزعتر وجبة لذيذة، كذلك
رواية موراكامي الذي تتصدر أعماله قوائم الأفضل مبيعاً، ومن كتبه الممتازة كافكا
على الشاطئ.