خلقت التدابير المشددة للحجر المنزلي مشكلة انصبت أضرارها في نسبها الأعلى على النساء والأطفال، إذ يشهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً من حالات العنف الأسري، والتي يصعب التعامل معها في ظل انشغال إدارات الشرطة بتطبيق قوانين عدم التجول الصارمة.
منذ أن وصفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد بأنه جائحة، والعالم يقف على شفا هاوية في مواجهة وباء يحصد آلاف الأرواح، ويهدد بانهيار المنظومة الصحية، لكن يبدو أن أخطاره لم تقف عند حد الهلع من العدوى وجهود إنقاذ المصابين.
بشكل متواتر تطفو على السطح مؤشرات العجز الاقتصادي من جهة، وتصاعد العنف الأسري من جهة أخرى، فمع فرض قانون الحجر الصحي وعزل الناس لأنفسهم أوردت التقارير ارتفاعاً ملحوظاً في عدد ضحايا التعنيف.
العزل وتغيير أنماط الحياة الاجتماعية المعتادة جعلت البيت بالنسبة للمعرضات للتعنيف مكاناً غير آمن لا يخلو من الخطر، فالتواجد بين الجدران وخلف الأبواب المغلقة أدى إلى تفاقم الخلافات الزوجية وتوتر العلاقات العائلية، وتسبب في ظهور حالات عنف أسري تصدرت عناوين الأخبار.
العنف في زمن كورونا
تجاوز التعنيف في بعض الأحيان حدود الإهانة أو الضرب، ففي منطقة التل التابعة لمدينة طرابلس اللبنانية توفيت يوم 7 نيسان 2020 الطفلة السورية مهى التي تبلغ من العمر خمس سنوات، نتيجة تعرضها للضرب المبرح من قبل والدها وزوجته، نقلت على أثرها إلى المستشفى الإسلامي وفارقت الحياة، ومازالت التحقيقات جارية حول الجريمة.
كما عرضت الأردنية إيمان الخطيب في بث مباشر عبر صفحتها على موقع الفيس بوك تشكو تعرضها للتعنيف من قبل أخيها ووالدتها، إلى أن عملت إحدى الجمعيات على نقلها إلى أحد مراكز الإيواء مع ابنها.
وفي محافظة النجف في العراق أقدمت الشابة ملاك الزبيدي على حرق نفسها جراء ما تتعرض له من قبل زوجها وأهله، كمنعها من إكمال دراستها ومن زيارة أهلها، بل كان زوجها وأخيه يقومان بضربها باستخدام "الكابلات". سكبت ملاك البنزين على نفسها في محاولة للتهديد، فما كان من زوجها إلا أن قدم لها "الولاعة". لم ينقلها أحد إلى المستشفى خوفاً من الاستجواب والمساءلة، وخلال ثلاثة أيام كانوا يصبون الماء على جسدها للتخفيف من حدة الحروق، إلى أن تدهورت حالتها الصحية ونقلت إلى المستشفى وتوفيت هناك.
أمثلة لوقائع مؤسفة تحدث حولنا. قتل وضرب وتعنيف وتنمر إضافة إلى حالات طرد الزوجات من بيوتهن حيث لا مكان يلجأن إليه بسبب ابتعادهن عن الأهل، واستحالة السفر، أما الحالات غير المعلنة، فهي أكثر بكثير من تلك التي يتم الكشف عنها، لأن أغلب ضحايا العنف يلتزمن الصمت إما بسبب الخوف أو العجز أو خشية الفضيحة.
الحقيقة لا يقتصر العنف على الإيذاء الجسدي إذ تتعرض النساء إلى الإيذاء النفسي بتحويلهن إلى مادة للسخرية، أو للتنفيس عن الغضب، وهذا يوضح نظرة المجتمع القاصرة والمهينة للمرأة.
الأمم المتحدة تطالب بحماية النساء
تضاعفت نسب العنف المنزلي وازدادت مخاوف النساء المعنفات وعذابهن اليومي، حيث شهدت لبنان زيادة قدرت بنسبة 100%، وفي فرنسا ازدادت الشكاوى بنسبة 32% خلال أسبوع، تكررت الظاهرة في معظم الدول الأجنبية والعربية على حد سواء. ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إطلاق نداء عالمي لحماية النساء في المنازل إثر ما سماه "الطفرة العالمّية المروّعة في العنف المنزلي" محفزاً المجتمع الدولي على التحرك وإيجاد الحلول المناسبة.
ومن جهتها قالت روث غلين رئيسة التحالف الوطني ضد العنف المنزلي في الولايات المتحدة: "في هذا الوقت بالتحديد، مع كوفيد-19، المنزل قد يكون صعباً جداً بالنسبة لضحايا العنف الأسري والناجين، لأن المعتدين يستطيعون استغلال الوضع للتحكم بشكل أكبر في ضحاياهم".
وأضافت غلين: "العزل يسمح للمعتدين بمزيد من التكتيكات التي يمكنهم استخدامها للحفاظ على سيطرتهم وتقييد حركة الضحية وحتى حرمانها من الوصول إلى هاتف وجهاز كمبيوتر أو مغادرة المنزل".
تلبية لتلك التحذيرات تم في تونس تفعيل قانون 58 الذي يجبر المعتدي على إخلاء المنزل لصالح الزوجة المعنفة وأولادها، ووفرت الكثير من الدول وبينها لبنان خطوطاً مجانية للتبليغ عن العنف وتقديم الخدمات النفسية والقانونية، كما خصصت بلدية بروكسل في بلجيكا فندقاً لإقامة ضحايا العنف الأسري بعد تزايد أعدادهن، ودعت منظمات نسوية إلى تعتيم الصور الشخصية كحملة تضامن على شبكات التواصل الاجتماعية لرفض العنف ضد المرأة.
من المؤسف عدم وجود أية نسب أو دراسات تخص النساء المعنفات في سوريا، ويبقى السؤال في ظل دولة لم تعترف بالأرقام الحقيقية للإصابات بفايروس كورونا، ترى هل زادت حالات العنف خلال هذه الفترة؟ وهل من وسائل للإبلاغ عنها واتخاذ التدابير اللازمة، أم علينا أن نقف عاجزين/ ات بانتظار أن نسمع عن ضحايا منسيات؟ ونحن كنسويات هل يمكننا اتخاذ أية اجراءات مفيدة وإن عن بعد؟
نظرية البالون
ماالذي يحدث إذا ما نفختَ بالوناً أكثر مما يحتمل... سينفجر في وجهك بالتأكيد. تقودنا الدراسات إلى عدة عوامل أسهمت في تحويل حوادث العنف المنزلي إلى ظاهرة تشغل المنظمات والجمعيات المختصة، فالتحذير من الخروج من المنزل وتقييد حركة التنقل ومنع السفر والابتعاد عن الأهل وتوقف الدوام الوظيفي وعدم مقابلة الأصدقاء جعل المعنفات سجينات بيوتهن، بحيث يتعذر في كثير من الحالات الوصول إلى أية وسيلة اتصال تنجدهن على الفور... كما أن السكوت والتستر يوفران فرصاً للمزيد من الاعتداء، فصفعة المرة الأولى قد تؤدي إلى كسر الفك في المرات التالية، وإلى ما هو أشد وأخطر وأكثر إيذاءً لاحقاً...
وربما يجدر بنا كأمهات وآباء العمل على التوجيه التربوي منذ الصغر بعدم التهاون مع الميول العدوانية، ومنع استخدام الضرب مهما يكن السبب، وغرس احترام وتقدير المرأة باعتبارها كائن لا يقل أهمية عن الرجل، أما حالياً فيبقى السبب الرئيس لتصاعد العنف غياب القوانين الصارمة والمجرّمة والآنية لحماية كل من المرأة والطفل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق