03 يونيو 2025

سوزان خواتمي: رفع مستوى الوعي العام حول قضايا المرأة .. مسؤولية من؟

 


صار متوقعاً انتقاد المنظمات النسوية ومهاجمة الفكر النسوي، بل وكثيراً ما يتم محاكمته ومطالبته بتوضيح هويته وإثبات قدرته على التواجد في الحيز العام، باعتباره -حسب اعتقادهم- تقليدٌ لنظريات غربية تشجع النساء على الخروج من عباءة التقاليد والأعراف، ليتجرأن على المطالبة بحقوق ليس من المحمود المطالبة بها، فالموانع التي تأسست تاريخياً بمفاهيم ذكورية عميقة استحكمت لتُفصّل على مقاسات تلائم أو لا تلائم النساء.  

 لتغيير المفاهيم السائدة، وتحقيق العدالة والمساواة لشريحة النساء التي تشكل نصف المجتمع، تبذل المنظمات النسوية والمبادرات والتجمعات الداعمة والمناصرة لقضايا  المرأة جهوداً لا يستهان به لإحراز تقدماً في مجالات تأهيل النساء لمراكز صنع القرار، ومناهضة قضايا التحرش، وإلغاء بنود التمييز في الدساتير والقوانين، وتجريم العنف الأسري، والحد من ظاهرة تزويج الصغيرات، وغيرها من القضايا الشائكة.   

رغم أحقية تلك المطالبات سوى أنها لم تصل بعد لأن تصبح جزءاً من وعي القاعدة الشعبية الأوسع، وهذا ما يدعو إلى التفكير بوسائل قادرة على الانتشار والوصول إلى شرائح الناس بكل أطيافهم تساهم في تغيير المفاهيم السائدة.. تلك مهمة الاعلام.  

 الرأي العام..

لا يقتصر دور السينما والتلفزيون على هدف الاستمتاع والمتعة البصرية، فهو في ذات الوقت قادر على أداء دور المحرض في توجيه الرأي العام، والتسويق لأنساق فكرية بعينها، وغرس المبادئ والقيم، الأمر الذي جعله “موجهاً” من قبل الأنظمة الحاكمة المسيطرة على قطاع الإنتاج والبث لنشر ما يناسبها من إيديولوجيات وسياسات، فوسائل الاتصال هي التي توجه اهتمام الجهور نحو قضايا بعينها، وهي التي تطرح الموضوعات عليه، وهي التي تقترح ما ينبغي أن يفكر فيه.

يتضح ذلك عندما تبالغ وسائل الاعلام في تقديم مواضيع وقضايا ترسخ وجهة نظرها.

في بحث يحمل عنوان ” دور وسائل الاعلام في صناعة الصورة الذهنية” يوضح د. عبد القادر علال :

 [إن الكيفية التي يتصرف بها الإنسان تعتمد على “الصورة الذهنية” وهو مصطلح أطلقه لأول مرة والتر ليمان ويصلح أساساً لتفسير الكثير من عمليات التأثير التي تعمل بها وسائل الاعلام، وتستهدف بشكل رئيس ذهن الإنسان، ويعتبر التأثير في الاعلام والاتصال هو ثمرة أداء توجه الرسالة نحو المتلقي، وتغيير أو ترسيخ أو زرع أفكار وصور وفق الهدف المعد مسبقاً ، وهو الدور الذي تؤديه وسائل الاعلام لتشكيل صور ذهنية عن المواضيع والقضايا لدى المتلقي، لذلك فإن أي تغيير يصيب الصورة الذهنية يتبعه بالضرورة تغيير في السلوك.] *

ما الذي ينطبع في أذهاننا، فيما نتابعه عبر البرامج التلفزيونية؟  

قضايا المرأة..

رغم تحولات أوضاع المرأة في الآونة الأخيرة، ومشاركتها بأدوار فاعلة في ثورات الربيع العربي، وشجاعتها المشهودة في مواجهة أوضاع اللجوء والهجرة وضنك العيش، إلا أن تداول قضاياها في الدراما والبرامج العربية مازالت ضبابية ومتحاملة باستثناء أعمال قليلة هدفت إلى معالجة حقوق المرأة، وحاولت إحداث تغيير حقيقي في المنظومة المجتمعية، كما في مسلسلات مثل “قلم حمرة، زمن العار، ظل امرأة، فاتن أمل حربي” ، وفي أفلام مثل  ” أريد حلاً، هلأ لوين، كفر ناحوم، عفواً أيها القانون”، وأيضاً الأفلام الوثائقية التي عرضت دور النساء في الحرب، وإن كانت أقل مشاهدة.

تلك الأعمال بما طرحته من قضايا إشكالية أثارت ردود فعل متباينة، وأدت في بعض الأحيان الى التغيير على المستوى القانوني والإصلاحي، فقد تحرك البرلمان المصري مؤخراً لمناقشة قانون الولاية على الأطفال بعد عرض مسلسل “تحت الوصاية” .

لكن… الدراما بإنتاجها الأوسع مازالت تحصر المرأة بأدوار الضحية.. اللعوب.. الانتهازية.. المعنَفة.. المستسلمة.. القاصرة عن اتخاذ القرارات السليمة، أما تشيئها كسلعة تسويقية فحدث ولا حرج.

كما تعمد السينما التجارية إلى تقديم مشاهد التحرش باعتبارها محاكاة لإرث ذكوري، وطريقة للفكاهة والتندر، الأمر الذي لا يمكن فهمه إلا بأنه أحد أشكال التحريض على التحرش، فحالة الايهام التي تخلقها المشاهد البصرية تدفع المراهقين والمراهقات إلى تقليدها، وترسخ عند المتابعين والمتابعات المفاهيم المغلوطة.  

 تستطيع الدراما أن ترفع مستوى الوعي العام وأن تخفضه وتشله أيضاً، ويعود قرار ذلك إلى توجه الجهات المنتجة، وإلى دور الجهات الرقابية عندما تتعامى عما يعرض من قضايا مسيئة ومهينة للنساء.!  

إلى أن تتكافل الجهود باتجاه تغيير واقع المرأة، ويهتم أصحاب القرار بالدور التوعوي للدراما، يصبح تغيير الثقافة مجتمعية التي أسس لها الفكر الذكوري أمراً ممكناً.

* مجلة المواقف للبحوث والدراسات في المجتمعات والتاريخ

اللوبي النسوي السوري

سوزان خواتمي: الإنسان الإله.. طموح علمي لنوع بشري محسّن بيولوجياً

 


بشكل يومي نلمس القفزات المعرفية والثورة التكنولوجية وفرص الذكاء الاصطناعي التي أدت إلى تغييرات في نهج الحياة، فهي أكثر رخاء مقارنة بالماضي، فالتطور التكنولوجي السريع وهيمنة التقنيات فرضت منحى حداثياً على تفاصيل حياتنا ما كنا لنتخيلها قبل عقدين من اليوم، مثل الإمكانيات المتطورة للهواتف الذكية، والاكتشافات المذهلة على مستوى الطب والصحة، آخرها اختبار الدم الذي ينبئ بالنوبة القلبية قبل عشر سنوات من حدوثها، واللقاحات والأطراف الصناعية التي يتحكم الدماغ بحركتها، وما توصل إليه علماء الفضاء، وغيرها الكثير في باقي المجالات..

وعادة ما نتساءل ماذا بعد!

كثير من الكتب ناقشت الاتجاهات المستقبلية للبشرية منها المستقبل المتطرف، وفي 100 عام: كبار الاقتصاديين يتوقعون المستقبل، وفيزياء المستقبل وغيرها…

تتشارك العناوين السابقة بذات الموضوع مع كتاب (الانسان الإله – تاريخ وجيز للمستقبل) للمؤرخ يوفال نوح هراري الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، والحاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة أكسفورد، وعلى الدكتوراه الفخرية من الجامعة الحرة في بروكسل، وعلى جائزة بولنسكي للإبداع والأصالة، كما اختارته مجلة مياغازين ليترير الفرنسية ليكون ضمن قائمة أكثر المفكرين تأثيراً في العالم.

في مقدمة الكتاب المترجم إلى العديد من اللغات يشرح هراري سيطرة الذكاء الاصطناعي وتأثيراته، والسباق العالمي في مجالات الكمبيوتر والإنترنت وتكنولوجيا النانو والهندسة البيولوجية وجمع البيانات التي ستنتج شكلاً جديداً من الاستعمار هو الاستعمار البياناتي.

وبعد ذلك الاستهلال، يعود بنا الكاتب في عرض بانورامي للمنجز البشري بدءاً من ظهور الانسان في أفريقيا قبل 233 ألف سنة وتشكل الوعي وتطويع الطبيعة وقوانين المجموعات، مروراً بالثورة الزراعية واكتشاف الكتابة إلى الثورة الصناعية وحتى التاريخ الحديث قبل 500 سنة، وعندما يصل إلى تاريخنا المعاصر وسيطرة العقل يعرض علينا تنبؤاته نحو المستقبل بناء على سياقات العلم فيقول:

” قد.. تؤدي التطورات الى استبدال أنفسنا بآليات مهندسة بيولوجياً تجعل منا أناس مختلفين عما نحن عليه الآن” ويقول: ” قد.. تكون حقبة جديدة نحو امبراطورية عالمية بثقافة واحدة ومزايا بشرية متطورة.”

يبني هراري استقراءاته بناء على الإنجازات الناجحة وتحسن ظروف الإنسان بعد القضاء على مخاوفه الأولى (المجاعات والأوبئة والحروب) ما جعل العلم أكثر طموحاً لتحقيق المزيد من الرغبات البشرية كقهر الشيخوخة ورفع نسبة السعادة، وتحويل الإنسان إلى إله يتسم بقدرات بدنية وعقلية محسّنة.

من يدري ربما يكون هراري محقاً في تنبؤاته التي يحاول إثبات صحتها بناء على التسلسل التاريخي ومنجزات العلم.!

ألوهية البشر

إعادة هندسة وتطوير عقول البشر بحسب هراري هي نظرية تحتمل الصواب والخطأ كما يعترف بنفسه، لكن ترجيح نظريته بربطنا بالتكنولوجيا لا يعطينا تصورات أكيدة لما سيكون عليه الانسان المطوّر جينياً، أو كيف تتصرف الكائنات ذات العقول الأكثر ذكاء.؟

بعض أفلام الخيال العلمي طرحت تلك المسألة، فقدمت السينما عام 2014 فيلم (لوسي) الذي يحكي عما يمكن أن يحدث فيما لو ارتفعت قدرة عمل الدماغ البشري إلى حده الأقصى، وهو ما تعرضت له البطلة سكاريت جوهانسون، وتحولت إلى امرأة خارقة كلية المعرفة كاملة الذكاء تتحكم بخلاياها وتملك ذاكرة تعود إلى لحظة ولادة الكون، امرأة قادرة على اختراق طبقات الجلد بنظر ثاقب يرى كل العمليات الحيوية داخل الجسم وبالتالي هي قادرة على تشخيص الأمراض ولا تشعر بالألم أو بالجوع أو الحزن، ولا بالسعادة..

ربما تكون حالة البطلة أقرب مثال لنبوءة ألوهية البشر !

  ماذا يريد الناس؟

يعتبر أرسطو أن السعادة هي الغاية القصوى لوجود الكائن البشري باعتبارها الخير الأسمى، فيما يرى هراري أن الإنسان الحديث لم يصبح أكثر سعادة مقارنة بأسلافه، فالنزعة نحو الاستهلاك والرخاء والرعاية الصحية والسلام لم تؤد إلى البهجة المنشودة، ولم تنقص حالات الانتحار.

لعل ظهور الانسان الخارق الذي يتحكم بنظامه الكيميائي الحيوي -لو كان ممكناً -سيكون قادراً ذاتياً على رفع مستوى سعادته وقهر المرض والعجز. كما أن تصورات هراري حول السلوك البشري وفق محددات الهرمونات والتشابكات العصبية والجينات، تعني أن نصبح نموذجاً يقارب الآلة، وسيعاني ذلك النوع من البشر من مشاكل مستجدة تحتاج إلى حلول.

تحفظات:

يبني الكاتب تصوراته عن القرن الحادي والعشرين بناء على أساسين  

الأول: سبب تغيير الحقب التاريخية هي الأفكار.

والثاني: العلم والتكنولوجيا يشكلان مصير الإنسان.

ما يجعلني أتساءل عن الأثر الأخلاقي، وبالتالي عن وجودنا الإنساني وتصوراتنا وأفكارنا ضمن مجتمعاتنا القابلة ليس فقط للذوبان، بل وللتعرض للإيذاء من خلال إرادات وإدارات تتحكم بمصير العالم، فسيرورة الحياة مازالت مليئة بالأخطاء، والتهديد بالسلاح النووي قائمٌ، والبلدان النامية تعاني الجوع والفاقة، وهناك أجيال من الأطفال محرومة من التعليم، كما أن بعض الأمراض التي انقرضت عادت للظهور.!

الجدير ذكره أن الانتقادات طالت الكتاب كونه يفتقر إلى المرجعيةالعلمية والتوثيق الأكاديمي، ووفق بعض المقالات تلك النظريات لا تخلو من الخيال والتناقض.

لكن.. سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الكاتب، سوى أن سياق الكتاب هو رحلة ممتعة لاستعادة أحداث الماضي بما احتواه من معلومات عن السلوك البشري، وتطور اللغة، وتكوين الأديان، ونمو الامبراطوريات، وعالم المال، والاقتصاد العالمي، والثورات والحروب وسلوك الحيوانات ومفهوم السعادة والثورة المعرفية.

*الكتاب من 413 صفحة صادر عام 2021 عن مشروع كلمة للترجمة/ أبو ظبي. *ترجمه للعربية حمد سنان الغيثي، صالح علي الفلاحي  

رابطة الكتاب السوريين


سوزان خواتمي: يرى من خلال الوجوه.. رواية فلسفية تتخفى وراء حبكة بوليسية

 يبدو أن فكرة فلسفة الحياة ومجاهل الكون والنزعات البشرية هي المواضيع المفضلة التي تدور في فلكها روايات الفرنسي ايريك ايمانويل شميت. كانت أول معرفتي به كقارئة من خلال روايته “السيد ابراهيم وأزهار القرآن“، وتعالج فكرة التشدد الديني، وضرورة التعايش من خلال علاقة تنشأ بين رجل مسلم وطفل يهودي.

تالياً قرأت له رواية “ليلة النار” كتبها بعد رحلته الشخصية إلى الصحراء الجزائرية، فبطل العمل يتوه عن أصدقائه، ويقضي ليلته متجمداً من البرد، يفكر بالحدود الفاصلة بين الموت والحياة،  وبالقوة الإلهية التي تدير الكون.

تتكرر الثيمة في عمله “يرى من خلال الوجوه ” الصادر عن دار مسكيلياني عام 2019، حيث يختار مدينة شارلوروا مسرحاً لأحداث متلاحقة ضمن حبكة بوليسية مشوقة.

 منذ بداية الرواية يظهر أوغسطين الصحفي المتدرب الذي تقوده الصدفة لأن يكون شاهداً على عملية انتحارية يذهب ضحيتها الأبرياء، ينقلُ على إثرها إلى المشفى مع المصابين، لتبدأ المغامرة وتتبدل مجريات حياته، حيث يطلب منه مدير جريدته الانتهازي بيغارد تزويده بتفاصيل ما شاهده في اللحظات الأخيرة قبل الانفجار، لنشرها وزيادة مبيعات الجريدة، ولكن يبدو أن تطورات السعي وراء كشف ملابسات الحادثة ليست بالأمر السهل، فما جرى أمام أنظار أوغسطين له أكثر من تفسير، كما أن الحقيقة لها أكثر من وجه.

أوغسطين الشاب اليتيم الذي عاش في دور الرعاية، بشخصيته المهمشة والمركبة بين السذاجة والانسانية يملك موهبة رؤية الموتى، وعندما يختار مبنى مهجوراً لينام فيه، يعثر على حاسوب الإرهابي القاتل حسين بدوي، ليجد نفسه ملاحقاً من الشرطة التي تشك بإفادته، فما الذي يستطيع فعله أمام الورطات والمطبات التي تحدث له، فهو أضعف من أن يكون لنفسه رأياً، ولكنه أيضاً محور كل الآراء.

أفكار طغت على الأحداث والتقنيات

شخصيات الرواية الرئيسية تدفع الحدث المركزي، وتحافظ على مساراتها حتى النهاية، وهي : أم كلثوم زميل/ة العمل.. المحقق المتجهم الساعي وراء المجرمين.. القاضية المتفهمة التي تظهر وتختفي بشكل مفاجئ.. الشقيق الصغير للإرهابي المهووس بتكرار فعلة أخيه.. إضافة إلى شخصية الروائي إيمانويل شميت، إذ يجري أوغسطين معه لقاء صحفياً، لكن علاقتهما تتطور، لتتخذ شكل المعلم الحكيم والتلميذ المطيع المستمع إلى أفكاره الصوفية وعلاقته بكتبه وكلابه وملاحظاته عن الحياة، فشميت المحاط بمجموعة من الموتى من الكتاب العظماء مثل ديدرو موليير بوذا يستغل شغف أوغسطين بالمعرفة، فيدفعه إلى تجربة روحانية. حواراتهما المطولة تشغل فصول عدة تكفي لعرض آرائه. أورد منها هذه الاقتباسات، فعن علاقة الأديان بالعنف يقول:

” لقد قُتل البشر باسم جميع الديانات حتى الروحانيات الشرقية بررت الحروب، فالبوذية رغم طابعها السلمي تم التلويح بها خلال حمامات الدم التي شهدتها بورما وسيرلانكا”

وفي تحليله لأسباب التطرف، يقول:

” ثمة رابط بين الجهل والعنف يبدو لي العنف عملاً يائساً للهروب من انعدام اليقين، أولئك الذين يقومون بأعمال عنيفة يريدون أن يكونوا على حق وألا يقع تكذيبهم, إنهم يرغبون في الهروب من الأسئلة.”

لا أريد كشف الأحداث أو قطع المتعة عن من يرغب قراءة رواية تكمن أهميتها في  جدالاتها، فالتفجير الانتحاري ضمن حبكة قائمة على الحوارات ليست إلا وسيلة لطرح الأسئلة، ولعرض أكثر من مفهوم، والحصول على أكثر من وجهة نظر، وسواء اتفقنا أو اختلفنا معها، إلا أن الكاتب شميت المتخصص بالفلسفة، والدارس للأديان الذي يعتبر الإسلام دين الحكمة، استفاد من تخصصه وسعى بذكاء لتحدي آراء القارئ الخاصة، وحثه على منهجية التفكير، فهو يهاجم الأديان ويدافع عنها في آن، وبدل أن يكتب بحثاً عن مقارنة الأديان، والكتب السماوية بدءً من العهد القديم ووصولاً للقرآن الكريم، نشر رواية جذابة لا تخلو من مفاهيم الإرادة الحرة للإنسان، ومصدر الشر، والقدرية، والتطرف.

الكتاب الجيد هو الكتاب المحفز رغم وفرة الأفكار وتشعبها ولغة الأستذة التلقينية، ورغم مهاجمة البعض لمحتوى الرواية لأن فصلاً منها يقوم على حوار مع الله سبحانه، لكن حرية التعبير المصانة في الغرب مازالت تتيح لنا كتباً قابلة للنقاش والانتقاد لو شئنا، فقد حرضتني رواية “يرى من خلال الوجوه” بعد إنتهائي منها على استرجاع الحكاية، وإعادة قراءة أجزاء منها، وأنا نادراً ماأفعل ذلك.

#نعيش_لنقرأ

*إشراق

*موقع رابطة الكتاب السوريين


"رُبْعُ وَقْت" سوزان خواتمي.. أرواحٌ محاصرةٌ وعصافيرُ مُؤَجَّلَة... قراءة للشاعر نزار غالب فليحان


 "ربع وقت" حكاية نائلة ونسيج حكايات متصلة أخرى، منها ما ترك أثراً مباشراً على الحكاية الأم، ومنها ما جاء ليكمل المشهد العام لبيئَتَيْ النص المحلية، حيث تعيش نائلة والعامة الأكثر اتساعاً حيث يعيش الوطن. سوزان خواتمي


حكاية لعبت فيها الروائية دور الراوي تاركة مساحات من النص لحوارات بين شخوص العمل لم تكن على حساب السرد، بل أكملت وظيفته نحو تكوين لوحة أكثر وضوحاً وواقعية، سيما وأنّ لغة الحوار تلك كانت متناغمة مع المستوى الثقافي للشخصيات، كما عززت الكاتبة النص بأفكار وخواطر بعض الشخصيات بين حين وآخر، أفكار وخواطر عكست سرائرهم وطباعهم في محاولة لإعطائهم حرية التعبير عن ذواتهم وتمكينهم من رسم ملامح شخصياتهم لجعلهم أكثر قرباً من القارئ وأكثر بعداً عن ممارسة الراوية ذاتها عليهم، أما لغة النص فقد أتت بسيطة غير متكلفة، كما بساطة شخوص العمل ومراوحتهم اجتماعياً وطبقياً وثقافياً بين القاع والوسط، حيث أَدَمَةُ المجتمع التي يعوَّلُ عليها في كل حراك باتجاه التغيير.


في الحكاية التي تقارب الواقع، كان لا بد من زنزانة تقضي على جموح نائلة، على حريتها التي لم يثنها ظرف عن ممارستها إلى أن اصطدمت بجدار السلطة، حين ظنت أن بإمكانها أن تعبر عن رأيها أو أن تفضح ممارسات فاسدة في ركن من أركان الدولة، بالطبع ليست الزنزانة ضرورة وليست ممارسة الحرية جرماً إلا في ظل سلطة قمعية، لذلك كان على نائلة -شأنها شأن شعب بلادها- أن تدرك أنّ الأرض التي تقف عليها ليست صلبة كفاية حمايتها من بطش السلطة، لكنها أصرّت، لتدفع ثمن إصرارها عشرة أشهر وعشرة أيام قيد الاعتقال.


انعكست أهواء نائلة في أربع سقطات على أقل تقدير، زيجات ثلاث فاشلة هي أقرب في الحقيقة إلى تجارب غير محسوبة العواقب، وابنة وحيدة قطعت حبل الود مع أمها وأمومة مشروخة تعترف نائلة بها دون تردد ولا مواربة ولا وجل، واعتقال أعقبته غرغرينا في قدمها وخَلَّفَ حطام روح.


عاشت نائلة لِذاتِها ما استطاعت، وعاش محيطها في فضاء رغباتها وعنفوانها، عدا ابنتها "جوانا" التي أدركت أنّ أمومة أمها ناقصة بعد أن تخلّت عنها لزوجها الأول "بكر"، الذي ظلّ يحبّ نائلة حتى بعد أن تزوج من ابنة عمه، في حين تلقت صفعتين من "علي"، زوجها الثاني، بعد أن أدركت أن زواجها منه كان خياراً مخيباً لآمالها حين أهملها، ما دعاها لتركه فكانت صفعتها الأولى، وتالياً بعد أن رفض مساعدتها في تأمين رشوة إطلاق سراحها من المعتقل، لتتعزز خيباتها في "سليم"، زوجها الثالث، الذي حارب ليخرجها من المعتقل كي تلد له ابناً يحمل اسمه في ظلّ إصرارها على الإجهاض ليس فقط لأنّهما اتفقا قبل الزواج على عدم الإنجاب، بل لأنها أيضاً متصالحة مع أنها ليست أماً كما يجب.


لكن نائلة انتصرت في النهاية في ثلاث، حين ظفرت بعد إطلاق سراحها بلهفة ابنتها "جوانا" حَدَّ قرار الأخيرة بأنها ستسافر مع أمها، "جوانا" التي لم تكن تطيق سلوك أمها ولا حديثها حتى إنّ "سليم" كاد يوقن أنّ "جوانا" هي من حررت التقرير الأمني بنائلة، كما انتصرت بوفاء "بكر" زوجها الأول، الذي دفع كامل الرشوة لتحريرها، وانتصرت بممارسة حريتها في مناخ لا مكان فيها لبصيص أمل.


"ربع وقت" نَصٌّ يؤسس من ناحية لمخاض الحرية العسير على عتبات بلاد ستغمرها الدماء فيما بعد، كما يؤسس من ناحية ثانية لاجتراح الأمل من عتمة زنزانة باردة، كانت نائلة تمر بسلامياتها على مفاتيح البيانو التي رسمتها بثينة على جدار الزنزانة، وعند كل مرور كانت بثينة تطلق نغمةً لتُعَلِّمَ نائلة العزف، الزنزانة التي كانت تحاصر تلك الأرواح في الواقع صارت عُشّاً لعصافير مؤجلة في الرواية.

ليفانت نيوز

رواية الجهل الايروتيكا الصادمة / ميلان كونديرا


 صديق سابق ربما لا يملك ميزة إلا أنه دلني على كاتب عظيم هو ميلان كونديرا. اكتشاف لا يتكرر بسهولة.

كتب كونديرا في العموم ليست سهلة، ف" الرواية بالنسبة له ليست مجرد احداث، بل هي بعد فكري واستجواب تأملي لما يدور في الخفاء"
أعدت في اليومين السابقين قراءة (الجهل) روايته التي تدخل في عمق الأسئلة الوجودية، تكشف عبر مشاهد منفصلة ومتصلة، أزمة ايلينا التي هاجرت الى فرنسا، ورغم الحنين سوى أنها تتخوف من العودة، عشرون عاماً من الغربة أسست خلالها حياة موازية. هل هذا كل شيء!؟ لا بالطبع، تتحدث رواية الجهل عن عوليس والعودة الى أثيكا، عن حلم جماعي وكوابيس الخوف، عن ايلينا التي تدرك بعد قرار عودتها الى التشيك (وطنها) بأنها كانت تظن أيام غربتها في فرنسا منتهى التعاسة لتتيقن أنها كانت سعيدة بوحدتها، و أن ما تركته خلفها بعد ان غادرت التشيك لم يعد جزءاً منها، انقطاع الذاكرة المشتركة يشكل عبئاً على الصداقات القديمة، لم يسألها أحد كيف كانت أيامك السابقة..! فالغرباء لا يطرحون الأسئلة.
صحيح أن الصفحات الأخيرة من الرواية تحتوي على ايروتيكا صادمة، ولكنها لا تشكل إلا القليل مقارنة بالصدمات الفكرية التي تقصدها الكاتب حول مفهوم الوطن، القمع، براءة المشاعر وكذبها، روعة ما لا تعيشه، قسوة ما تعيشه، اليقينيات الخادعة...
في النهاية:
ان كان انتباهك مشتتاً لا تقرأ " الجهل"
ان كنت تبحث عن حبكة وسرد للأحداث لا تقرأ " الجهل"
ان كنت غير مستعد لتفهم ارباكات النفس البشرية لا تقرأ " الجهل "
ان كنت مكتئباً لا تقرأ " الجهل"