25 أكتوبر 2008

حريتي: بقوة الريموت كونترول

 من محاسن الصدف نيلي لشهادة الثانوية العامة في زمن سبق عصر القنوات الفضائيات، والأطباق اللاقطة، وأجهزة الاستقبال(الرسيفر)، وإلا كان مستقبلي ضاع..حتما!
فعلى رغم شح برامج ،تلك الأيام ، وقلتها وقتها، إلا أني كنت مصدرا يوميا لشكوى الست الوالدة، فأنا ابنتها التي تتابع برامج التلفزيون السوري من العلم إلى العلم، أي من لحظة بثه الاولى إلى لحظة بثه الاخيرة، والتي تبدأ وتنتهي بعلمنا يلوح في الهواء الطلق.. كنت مدمنة متابعة لكل مايبثه الاعلام ، كان نصيبنا من البرامج مقنن و أعجف، يادوب مسلسل عربي إسبوعي وحيد ننتظر حلقاته في توقيت ثابت في يوم معين، فإذا تصاد
ف حدث وطني أومناسبة قومية احتفالية – لاسمح الله- منعنا ذلك من متابعتنا الإسبوعية، لنصبح عرضة لنسيان الأحداث والممثلين وموضوع المسلسل..
أما قدس الأقداس بالنسبة لي وقتها، فكان مسلسلاً أجنبياً اسمه – الجذور – مأخوذ عن رواية شهيرة لأليكس هيلي، ولسوء حظ أمي ، فقد استمر بأجزاءه المتتالية طوال شهور المدرسة ، وامتحاناتها..!
بالطبع هذا ليس كل شيء ، فكنت أشاهد برنامجا يتيما يبث أغان أجنبية بحسب ما يطلبه الجمهورمن منى كردي- لمن يذكرها - .. وإلى جانب _ تلك التحبيشة- حصتنا الأوفر من أغان لكمشة من مطربين ومطربات نعرف عنهم كل شيء، لقلة عددهم آنذاك.
وتبث الأغنية بنسخة تسجيلية نقلاً عن حفل على المسرح، أو مصورة داخل ستديو، فيتسمر المغني/ المغنية بين أعمدة الديكور الكرتونية ، وأرضية مشمعة تعكس أضواء وألواناً وظلا، كأنها شجرة عيد الميلاد، وغالباً ماترمى بين اقدام المغنية كمية من البالونات ، التي يبدو أنها كانت الارخص والأكثر بهجة لعيون المخرجين ..
أما الأغنية شعبية، فلا بد أن يصحبها فريق الدبكة ، ليقدم أفضل ماعنده من حركات خبط الأقدام على الأرض وهز الأكتاف وتطاير الشعر(كانت موضة الشعر الطويل)..
على كل ، لم نكن نرى الامر بهذه الطريقة، بل الحقيقة أن استمناعنا كان طفولياً، ومازلت اذكر متابعة المسرحيات في سهرة الخميس، والافلام العربي المليئة بالبوس والرقص في سهرة الجمعة..
وحين ينتهي البث يظهر على الشاشة تموجات ضوئية و وتشششش..
في الأعياد والعطلات كانوا يزيدون ساعات البث، فتبدأ برامج الجمعة عصراً، وأستطيع أن أؤكد أن القائمين على البث كانوا يعتبرونها عطية ومنّة تستاهل الحمد والشكر..
اختلف الحال كثيراً هذه الأيام، فأكثر من 325 قناة في انتظارك على الشاشة، بل وهناك الكثير من القنوات تستعد للانطلاق على اختلاف توجهاتها ورسالتها، في بث يستمر ل 24 ساعة فقط،، هذا الوضع بدأته قناة الـ mbc وكانت الفضائية الأولى الخاصة، التي كسرت احتكار الإرسال المحلي الواحد .
ومن وقتها ومستويات القنوات تختلف من ناحية الشكل و المضمون وأهدافها المباشرة وغير المباشرة، وينحصر اعتراض الأغلب منا على الكم الهائل من قنوات ( فرفش تعش تنتعش)، بأغانيها التي تكاد لاتفرق فيها بين صوت المغنية السرير ومؤخرا أصابع أقدامها، ورغم ايماني بأن ( الله جميل يحب الجمال) لكن شعوري المتقزز بأنهم يعودون بنا الى عصر الجواري والنخاسة، يفسد علي المتعة!..

فما هي حقيقة تزايد الاستثمار السعودي في المجال الإعلامي التعويضي ..؟ هل هي لمجرد الأرباح المجزية، ومن باب - اللهم زد وبارك- أم أنها الموجة التي يركبها الجميع..والتي لاتعني الا أن يزداد الغني غنى والجاهل جهلا والفقير حسرة..!
لايقتصر الربح المادي المباشر على الاعلانات التجارية وماتضخه رسائل ال sms
القصيرة ..وقد كان لأحدهم موقفاً صارماً وحاسماً لوقف هذه المهزلة – كما يسميها- إذ وضع شريطا لاصقا أسفل جهاز تلفزيونه ليحجب عن عينيه الشريط المتحرك ..وبالطبع لم يتوقع وقتها أن يصبح الشريط الأفقي اثنان ثم يضاف ثالث عمودي على طول الشاشة .. لا أعرف تماماً، لكن من المؤكد أنه كف عن إيجاد الحلول..!

وكي لا نبدو متخوفين من كل جديد سيقضي بالضرورة على أصالتنا، أو مقتنعين بنظرية المؤامرة التي تستهدفنا كشعوب، فإن للفضائيات توجهات أخرى، لا تقتصر على الجانب الترفيهي المذموم، فهناك قنوات تعليمية وسياسية واجتماعية ورياضية واقتصادية وتثقيفية.. إضافة إلى قنوات تخصصية تقدم مجالاً وأغلبها ليس مجانياً مثل ديسكفري والعقارية،وقناة المسافر وقناة الأطفال و..و..!

مما لاشك فيه أن الوفرة والتنوع فتحت أبواب التنافس الذي يحسن سوية مايعرض ، خاصة وأن المشاهد شخص صعب الإرضاء بما يملك من اختيارات كثيرة.

ولنعترف بأن هذه الفضائيات نوعت أدوات المعرفة عند المشاهد العربي، ومنحته أفقاً أوسع في الاختيار الحر.. ويستطيع أي منا بضغطة زر واحدة على جهاز التحكم ( الريموت كونترول ) أن يختار مايناسب ميوله وتوجهه بكامل إرادته الواعية، أما الأطفال والناشئة ، فهم رهان المستقبل، والتوعية والتوجيه ووضع خيارات بديلة كفيل بأن ينتج جيلاً أكثر اطلاعاً وتميزاًً

وأرجوك يامشاهد التلفزيون من المحيط الى الخليج، حين تبدأ بالتأفف والتذمر ومن ثمن الاعتراض، أن تتذكر أيام الوجبة – التي ما في غيرها- عبر قناة إلزامية مفروضة ، تجبرك على مالديها : نشرة اخبارية واحدة، وقت للغناء، تسلية غصب عن أهلك، ثقافة مفروضة، منوعات الزامية...

وكل ذلك ،بغض النظر عن ما يحيط بنا من عوالم أخرى..

ليست هناك تعليقات: