منذ مدة طويلة انتهت الأسئلة الشعرية حول حق قصيدة النثر في الوجود، وحول انتمائها إلى الشعر والقصيدة أو اعتبارها نوعاً فنياً جديداً يجب أن لا يطلق عليه، بحسب الفراهيديين لقب، شعر، ما دامت غير موزونة وغير مموسقة، وكان في الظن أن هذه الأسئلة انتهت نهائياً خصوصاً مع الحضور الكثيف لقصيدة النثر في المنابر العربية، صحافة ثقافية، مهرجانات ومع شهرة الكثير من شعرائها العرب! وفي سورية تحديداً تبدو هذه الأسئلة في لحظة طرحها أشبه بأسئلة مطلع القرن الماضي، لاسيما أن قصيدة النثر السورية بدأت مع أول الخمسينيات الماضية وربما قبلها، على يد محمد الماغوط والياس فاضل وآخرين.لكن أسئلة كهذه طرحت في حلب، في مهرجان قصيدة النثر الأول الذي نظمه المكتب الثقافي في الحزب الشيوعي السوري، والذي كان واضحاً فيه لنا، نحن المشاركين والمدعوين، أن ثمة قلقاً لدى منظميه من نجاح التجربة، بحيث لاقت فكرة المشروع لدى طرحها الكثير من العوائق. وكان معظمها يتمحور حول الاسئلة الآتية: هل يعكف جمهور حلب عن حضور مهرجان لقصيدة النثر؟ هل يتبنى أحد مهرجاناً لقصيدة النثر في حلب لأنه فاشل بالضرورة؟ اسم مهرجان قصيدة النثر هل يثير حفيظة شعراء التفعيلة والوزن الذين سيعتبرون أن ثمة محاولة لإقصائهم عن المشهد الشعري الحلبي؟غير أن ما حدث خلال يومي المهرجان كان مفاجئاً للمنظمين وللمعترضين ولنا ، نحن المشاركين، إذ انتقل الينا توجس المنظمين منذ أن وجهت لنا الدعوة للمشاركة عبر الشاعر عبد السلام حلوم . وكان من حسن حظ قصيدة النثر وشعرائها المشاركين أن ما من جهة ثقافية رسمية وافقت على تبني المشروع، وبالتالي كان الخيار الوحيد البديل هو منزل السيدة أم سلام عمر أرملة الشيوعي الحلبي عمر عوض. والبيت الواقع في منطقة باب الحديد يبدو كقصيدة نثر وسط عشرات القصائد العمودية، ثمة سكون غريب أحاط بنا منذ تركنا الشارع الرئيس ودخلنا في زقاق ضيق باتجاه بيت أم سلام عمر، لا صوت ولا حركة ولا شيء يدل على وجود الحياة غير بضعة أضواء خافتة تلوح من خلال نوافذ مغلقة بإحكام.
بيت عربي بغرف كثيرة وباحة كبيرة نسبياً تظللها شجيرات مختلفة الأحجام وعريشة تنتظر ضوء الشمس لتخضر أوراقها، بينما توزعت على أطراف الباحة أحواض الورد الحجرية لتحيط بالكراسي التي جهزها المنظمون لاستقبال الضيوف جمهوراً ومشاركين.
بيت عربي بغرف كثيرة وباحة كبيرة نسبياً تظللها شجيرات مختلفة الأحجام وعريشة تنتظر ضوء الشمس لتخضر أوراقها، بينما توزعت على أطراف الباحة أحواض الورد الحجرية لتحيط بالكراسي التي جهزها المنظمون لاستقبال الضيوف جمهوراً ومشاركين.
تناوب على الإلقاء خلال يومي المهرجان، ستة شعراء: عادل محمود، جولان حاجي، عارف حمزة، قيس مصطفى، محمد النجار، ندى سلامة (اليوم الأول)، وحازم العظمة، خضر الأغا، عبد السلام حلوم، محمد فؤاد، هنادي زرقا، وكاتبة هذه السطور (اليوم الثاني). أما المداخلات التي قدمت خلال اليومين فدارت كلها حول مفهوم قصيدة النثر، وحول آلية تقييم جودتها. وكان في المداخلات ما هو واضح: ما زال النقد السوري عاجزاً ومقصراً عن اللحاق بمسير قصيدة النثر السورية ، وهذا ما توضح أكثر خلال الأحاديث والنقاشات الجماعية والثنائية خارج أوقات الإلقاء، في السهرات واللقاءات الصباحية في البيت الذي أقمنا فيه، البيت الذي كان توفره أيضاً من حظ قصيدة النثر وشعرائها، بيت عائلة برو الذي فتح لنا غرفاً للحب والألفة والدفء حتى أننا تمنينا جميعاً أن لا نخرج منه إلا وقت الأمسيات، مرافقنا الدائم من العائلة كان حسين برو، مدير المهرجان، الذي استطاع أن يوحي لنا جميعاً أنه واحد منا، له في منزله ما لنا، ولنا ما له.
نقاشات كثيرة دارت خلال هذين اليومين، وفيض كبير من الحب غمرنا به العديد من الأصدقاء، هيثم الشعار مدير المكتب الثقافي في الحزب، لؤي حج بكري، غسان كجو، أمينة وعدنان هورو، مي يازجي، محمد جعفر، صخر الحاج حسين، نذير جعفر، يوسف إسماعيل، محمد أبو معتوق، فرزند عمر طبيب القلب المتورط دائماً بالكتابة والطيبة والحب، وآخرون كثر جمعنا بهم الحب وقصيدة النثر التي لا تحتاج لغير هذا الحب، والتي لا تلقي بالاً لما يقال عنها ولما تتهم به. إنها القصيدة الأكيدة الحضور والمتنوعة والمتعددة والمختلفة والتي عليها أن تبقى دائماً في طور التجريب والتطور. وكان واضحاً للجميع خلال يومي المهرجان الأول لقصيدة النثر في حلب أن هذه القصيدة متى أنجزت واكتملت نهائياً انتهت. وهذا ما يبدو بعيداً جداً نتيجة الحركة التي تتم داخلها.
رشا عمران
جريدة الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق