23 أغسطس 2009

سماء لكل المدن: مجموعة ليندا حسين القصصية

"سماء واحدة لكل المدن» نصوص مفتوحة على المعاني
القاصة ليندا حسين تحتفي بالتفاصيل الصغيرة وتغوص في خبايا النفس وهواجسها



مما لاشك فيه أن العنوان كعتبة أولى يلعب دورا أساسياً في رغبتنا في تعميق المعرفة بالكتاب، خصوصا إن لم يكن القارئ قد أقام علاقة اتصالية سابقة مع الكاتب، تمنحه تصورا ما عن مستوى الكتابة.. العتبة الثانية تأتي مع الإهداء الذي يحفزنا بطريقته على تكوين انطباع ما فضولي ربما حول الجهة التي سيذهب إليها؛ بعدهما تتتالى لعبة الشد والجذب فيما نقرأه من نصوص الكتاب، وما بين سطوره، وبذلك يتحقق للكاتب/ الكاتبة النجاح من عدمه... من هذا المدخل تطل علينا القاصة السورية ليندا حسين المقيمـة في ألمانيا بمجموعتها الأولى «سماء واحدة لكل المدن»، فالعنوان ينطوي على كم من الشعر، وكم من الغموض، وكم من احتمالات التأويل، ثم تأتي التقاطة الإهداء المتميزة، بعدها تسوقنا القاصة في دهشات متتالية إلى مواضيعها التي تتناول انكسارات الحب، وهواجس الغربة، تصوغها بعبارات الألم، كما لو كانت المعاناة رديفا للإنسان وحياته، أو لعل المجموعة ليست إلا قصة واحدة، بمخرجات متنوعة، لروح تسعى إلى راحتها، ولو من خلال ثقب في السماء..! والقاصة في نصوصها المفتوحة على التجريب تحتفي بالتفاصيل الصغيرة لحالات شعورية من ألم وغربة وعجز وانكسار، وتغوص في خبايا النفس وهواجسها لتجعلنا ننساق نحو مناخاتها التي أرادتها في مجموعتها الصادرة حديثاً عن دار أزمنة- عمّان، منبئة بذلك عن موهبة تصدر نفسها بثقة منذ الإصدار الأول، الذي تضمن 12 قصة ضمن 60 صفحة من القطع المتوسط.. إطلالة محسومةجاء الإهداء إلى « على الأرجح « .. و « ربما» وكأنه احتفال بالـ (لا يقين) الذي سيؤرجحنا بقلقه في أغلب قصص المجموعة، قلق تتغير مفرداته، وتتباين سلوكياته، ليصبح نتاجا للحب المهزوم، وللحظة الانكسار والغربة والمعاناة التي يعاني منها الانسان المأزوم، وهو شعور لايضع قدميه على الأرض، ولا ينحاز إلى المتوقع، إنه: «ربما.. وعلى الأرجح..» وإذا كان كارل يونغ يرى أن «الفن ليس تعبيرا فرديا، بل هو تعبير جمعي، وبالتحديد هو تعبير عن المخزون اللاشعوري للذات الجماعية، ما يعني أن دلالة النتاج الفني ينبغي أن تلتمس في رغبات الجماعة ولاشعورها، لا في رغبات الذات الفردية..» ويضيف يونغ أن «العمل الفني يشبه الحلم» ومن ثم فرغم ما قد يبدو في هذا العمل من وضوح وبساطة فهو تماما كالحلم حتى عندما يكون واضحا فإن لغته إشارية رمزية، ولذا يجب الاحتراس من كل محاولة لتبسيط العمل الفني وإنجاز فهم تعليلي له, ولعل في هاتين الإشارتين ما يقود القارئ إلى فهم وتفهم (حالة) نصوص ليندا حسين التي تنفتح على أجواء أوسع وأكثر رحابة من معانيها المباشرة، ولاتتقيد في سردها بمقدمة وحدث وخاتمة.. وإذا كان كل نص يجبر القارئ على مقاربة معينة يفرضها سياقه؛ فإن هذه المجموعة تفرض مقاربة تتحدد بتناول كل قصة على حدة لنطل على مضامينها باختصار في مواضيع النصوص:سماء واحدة لكل المدن القصة الأولى والتي حملت المجموعة عنوانها، تتطرق إلى فكرة التأقلم مع ما يستجد تبعاً لظروفنا، فنكون أمام خيارين، إما المجاراة لتستمر الحياة، أو أن نبقى في العزلة سجناء الماضي.. المكان ليس دمشق بحد ذاتها كمدينة، بل هي الالفة مع المكان والحلول المناسبة لصنعها.رائحة دمشقهنا تسترسل الذات الراوية في مونولوجها الداخلي، فرائحة دمشق تختلط برائحة الحب والأرق والكتابة (الرجل الوحيد الذي سأحبه للنهاية)، ويتوزع الحدث ضمن مقاطع منفصلة، تستخدم فيها القاصة آليات سردية مختلفة، بما فيها الحوار والاستذكار، القطع والوصل، فنعايش برد تلك الشابة (البطلة)، وتعبها وغربتها ودوارها، وحبيبها الهارب، ودمشق وموظف الأمن في تلك البلاد الباردة، والذي للمفارقة يشاركها حواسها الشاردة، فهو أيضا محض غريب، وكل ما يبقى وعود بنزف دائم..أونوالقصة/ المشهد وتحدث أثناء لعبة ورق، ومع احتمالات الربح والخسارة، هناك وطأة الانتظار، والأفكار الشاردة بتوقع مكالمة لا تأتي، خليط من المشاعر وتناقضاتها لتحتوي كل شيء: الشوق والغيرة والعتب والتذكر والتخيل .. وكلها رهينة لعبة حظ أو رنين اتصال ..!أول طقوس الحنينكأننا أمام بجماليون، والسؤال المحير: هل الوهم أبقى من الحقيقة، وهل كان على المرأة أن تبقى داخل اللوحة كي «لاتموت غداً» ..؟وهذه القصة تنسج علاقة خاصة مع المتلقي تبعا لحمولاته الذهنية، إنها لا تترك مسافة للحياد لمن يحمل ذاكرة مشابهة، وستقوده الى «حب» هذا النص؛ الذي ربط بمهارة بين «عبارة الحلاج» التي تبقى، وبين الحب الذي ما ان يولد حتى يكتب أول حرف في نهايته... ما خلفه الرجل الذي كان حبيبيتتكرر في المجموعة فكرة الحب كقضية خاسرة، يقيض لها أن تنتهي « كحكايا لا تكتمل». في هذه القصة يظهر الحبيب/ هو « سالم» الذي يبدو من اختيار اسمه معافى مقابل /هي» الأرملة»، والموت في هذه القصة لا يعني واقعة بيولوجية بقدر ما يتعلق بغياب الحبيب، وإن أية محاولة لاحقة لاستمرار الحياة ليست إلا محض وهم. ويقود هذا النص الى تفسير ذاتي للموت عبر تخصيصه وجعله شأنا يتعلق بالطريقة التي ينظر فيها كل منا إلى الموت..كل هذا الغبارهنا يحضر الرجل بصفاته، فـ سالم (مرة أخرى) لا يملك سوى «يدين يضعهما في جيبي بنطلونه الجينز وعينين تصلانه بهذا العالم» ، وهي « انثى تعج بالنحل» وكلاهما مسمر في مكانه، في محاولة لكتابة سيناريو فيلم يعيدان به خلق العالم من جديد، لكن الغبار يحيط كل شيء، والنحل يكف عن الدوران، فأزمنة الحكايا المدهشة ليست إلا كذبة أخرى..يحدث في العتمةالعنوان يستحضر ما يحدث في الخفاء، فيه اشارات مبطنة لخطاب ايروتيكي ، فهناك حالة لايتم الافصاح عنها تستدعي أجواء العتمة والانغلاق والوحدة على رغم أنها «الظهيرة» التي تنقضي ما بين قطع الخيط وانفراط خرزاته التي تشبه ضربة سكين تمزق الجلد، ومابين الخوف والشعور بالندم، ومن ثم اعادة الكرة.أقدام حافيةفي رمزية ساخرة، وعبارات فطنة ترصد هذه القصة اسكافيا حافي القدمين، وهو المالك الوحيد للحقيقة، يرى العالم من ثقب جورب، و يقرر أن الحذاء الوطني هو وحدة قياس الأمور كلها، ولكنه يختفي مطالباً الجميع برمي أحذيتهم وشراء أخرى جديدة، فالاصلاح ما عاد مجدياً !..علي رطلقصة ساخرة أخرى، توحي بأجواء قصص تشيخوف، وتصور النجومية التي حلت بعلي رطل الفلاح البسيط جراء لحظة واحدة ظهر بها على شاشة التلفزيون، يتحول بعدها إلى نجم ساطع، يتابعه الجيران والمعارف ويفخرون به، حتى صارت المسافة إلى بيته هي مقياس المسافة في الحارة.. الكراسي قصة تعتمد الرمزية في إسقاطها السياسي حول التمسك بالسلطة، وإقصاء الآخر.الرجل السيئ في لوحة الموزاييك.قصة تفلسف الفارق بين الحقيقة والوهم، والنظرة إلى الأشياء، لتسقط هذا على دمشق المدينة، واختلاف مشاهدها مع اختلاف مواقعنا منها، وأجد أنها قصة لم توفق حقاً في الوصول إلى معناها، على الأقل بالنسبة لي كقارئة.أوسع من نافذتيفي التقاط ذكي لتفاصيل تبدو غير مهمة توصلنا القاصة عبر تراكيب مفعمة بالإحساس إلى فكرة تسرب الملل إلى الحب، والاستمرار في التظاهر بأننا بخير، وبأن شيئاً لم يحدث.في الخاتمةلا يمكن تجاهل الأسلوب كأحد خصوصيات الكاتبة، فالذات الراوية تستخدم ضمير المتكلم غالباً، وقد تفوق اهتمام الكاتبة بعنصر اللغة على غيره من عناصر السرد الأخرى، ما جعل اللغة وبالتالي الاسلوب سمة تميز المجموعة..سماء واحدة لكل المدن، مجموعة من القصص تبحث عن قارئ فطن ليكملها.. قصص قدر لراويتها أن تضعها أمامنا كمواضيع تتفتح معانيها بعد كل قراءة على لغز جديد يحتاج إلى برهة إضافية من الوقت، كي نصوغ أفكارنا الخاصة حيالها.. إنها قصص غير محسومة، ولكنها بالتأكيد بارعة الذكاء.
سوزان خواتمي

04 أغسطس 2009

هذا بكائي/ وضحى المسجن

لم يعلمه أحدٌ أن يكون أنيقاً
يجيء إذا ما دعت حاجةً ما ضروريةً للبكاء
وليس له أبوان عطوفان يعنيهما أن يهىء أحلامه للموسيقى
و أحزانه لابتكار مزيدٍ من الشِعر
يتيمٌ كزهرةِ دوار شمسٍ
يشاكسني لوتجاهلته وذهبتُ إلى النوم
يرواغ حزني بأكواب قهوته
لأسند رأسي على كتفيه ..
و أبكي .
وأنا أحبّ
وكلما أحببتُ أبكي
داخلي مكسور
مثلُ قصيدةٍ
أعني حنيني شاردٌ
موبوء..
ملتبسٌ
يفيض على حدود الحُبّ
شحاذٌ ..
ذكيٌ مرةً
وغبي مراتٍ
يمد يديه للطيف الـ يمر بضفتي حلم
يليلٍ تائه
لظلِ
لذكرى
لحبٍ ميتٍ
مسكين ..
ليس له فكاكٌ من خرافاتي
تورّمَ جفنه بالدمع
أوقد لي أصابع شمعه ومضيت
ليس يدلني أحدٌ
عميتُ
لفرط ما أحببتُ حباً طيباً / أعمى...
عميتُ.

03 أغسطس 2009

كان ينقصنا حاضر: محمود درويش

لنذهب كما نحن : سيدة حرة
وصديقا وفيا ، لنذهب معا
في طريقين مختلفين
لنذهب كما نحن
متحدين ومنفصلين ، ولا شيء
يوجعنا لا طلاق الحمام
ولا البرد بين اليدين
ولا الريح حول الكنيسة توجعنا ...
لم يكن كافيا ما تفتح
من شجر اللوز
فابتسمي يزهر اللوز أكثر
بين فراشات
غمازتين . وعما قليل يكون لنا
حاضر آخر إن نظرت وراءك
لن تبصري غير منفى
وراءك : غرفة نومك ،
صفصافة الساحة ،
النهر خلف مباني الزجاج ،
ومقهى مواعيدنا ...
كلها ، كلها تستعد لتصبح منفى ،
إذا فلنكن طيبين ! لنذهب
كما نحن : إنسانة حرة
وصديقا وفيا لناياتها ،
لم يكن عمرنا كافيا لنشيخ معا
ونسير إلى السينما متعبين
ونشهد خاتمة الحرب بين أثينا وجاراتها
ونرى حفلة السلم ما بين روما وقرطاج عما قليل .
فعما قليل ستنتقل الطير من زمن نحو آخر ،
هل كان هذا الطريق هباء على شكل معنى ،
وسار بنا سفرا عابرا بين أسطورتين فلا بد منه ،
ولا بد منا غريبا يرى نفسه في مرايا غريبته ؟
" لا، ليس هذا طريقي إلى جسدي "
لا حلول ثقافية لهموم وجودية "
أينما كنت كانت سمائي حقيقية "
من أنا لأعيد لك الشمس
والقمر السابقين
فلنكن طيبين ...
لنذهب ، كما نحن : عاشقة حرة
وشاعرها .
لم يكن كافيا ما تساقط من ثلج كانون أول ،
فابتسمي يندف الثلج قطنا على صلوات المسيحي ،
عما قليل نعود إلى غدنا ،
خلفنا ،
حيث كنا هناك صغيرين في أول الحب ،
نلعب قصة روميو وجولييت
كي نتعلم معجم شكسبير ...
طار الفراش من النوم مثل سراب
سلام سريع يكللنا نجمتين
ويقتلنا في الصراع على الاسم ما بين نافذتين
لنذهب ،إذا ولنكن طيبين لنذهب ،
كما نحن : إنسانة حرة وصديقا وفيا ،
لنذهب كما نحن .
جئنا مع الريح من بابل
ونسير إلى بابل ...
لم يكن سفري كافيا
ليصير الصنوبر في أثري لفظة
لمديح المكان الجنوبي
نحن هنا طيبون .
شمالية ريحنا ،
والأغاني جنوبية
هل أنا أنت أخرى وأنت أنا آخر ؟
" ليس هذا طريقي إلى أرض حريتي
ليس هذا طريقي إلى جسدي وأنا ،
لن أكون "أنا"
مرتين
وقد حل أمس محل غدي
وانقسمت إلى آمرأتين
فلا أنا شرقية ولا أنا غربية ،
ولا أنا زيتونة ظللت آيتين
لنذهب ، إذا .
" لا حلول جماعية لهواجس شخصية
لم يكن كافيا أن نكون معا
لنكون معا ...
كان ينقصنا حاضر
لنرى أين نحن. لنذهب كما نحن ،
إنسانة حرة
وصديقا قديما
لنذهب معا في طريقين مختلفين
لنذهب معا ،
ولنكن طيبين ....