30 يناير 2010

عن الذي ضيّع المفاتيح ( خلف علي الخلف)

لا أريد أن أدوس أيَّ نملة؛



كما لم أشتق للمجدرة أبداً؛


ولم أتذكر أحداً من أسلافي.






أمشي على شاطئ الاسكندرية؛ فوق الحائط الذي جعلوه مصدّاً للأمواج؛ تلك التي تأتي من أماكن بعيدة لتنتحر هنا






أنظر بحرصٍ للأيام التي سقطت من عابرين


لإلفة تركها صديقان جاءا من أماكن بعيدة -لايهم ذكرها في النص-






اتفحص حبّاً جففته الشمس


أتعثر به في أكثر من مكان


جلس فيه رجل وامرأة -هل ذلك ضروري؟-






أشعر دائما أن شيئا ما سقط مني






أنفصلُ عني. -وهي لعبة غير إرادية أمارسها قسراً- أرقب حياتي. أقرأها كمن يقرأ سيرة روائية لشخص ما






في أحيانٍ أخرى


أجلس -وأنا أمشي- في السينما


كمشاهد وحيد


لفيلم عن حياته






رغم أن الممثل يشبهني تماما


لكن شعوراً مبهماً بأني رأيت هذا الشخص من قبل


لم ينتابني


ولم أتوهم أبداً أني التقيته صدفة ذات يوم






اتابع حياةً غائمة كرسم انطباعي


ذكرياتٍ ممحية


أياماً لم تترك أثراً


شخوصاً أعرفهم ولا يعرفونني


ينظرون ببرود شديد إلي كمتطفل يصغي إلى حوار حميمي بين اثنين -أو حتى أكثر-






عندما أصل البيت


اترك ذاك الذي انفصل عني


خارجاً


لا أشعر بذنب أو تأنيب ضمير






افتش عن الحياة التي حلمنا بها


وأعلم أنها ضاعت منذ زمن


لا أعرف متى


ليس لدي أمل بالعثور عليها


ولم يعد اليأس يعني لي أي شيء أيضاً






وهكذا يستمر الفيلم


لأن كاتباً كالموت لم يستدل إليّّ


وليس لدي رغبة بالذهاب إليه بنفسي






23 يناير 2010

زواج الحكاية واللغة لإنجاب نص الحياة: عن فسيفساء امرأة ( خلف علي الخلف)



تتابع القاصة سوزان خواتمي في مجموعتها القصصية (فسيفساء امرأة ) الصادرة حديثا عن اتحاد الكتاب العرب مشروعها القصصي الذي بدأ بـمجموعة ( ذاكرة من ورق- دار سعاد الصباح 1999) ثم ( كل شيء عن الحب – دار سعاد الصباح 2001 ) لتظل مخلصة في هذه المجموعة لإسلوبها الذي خطته وهو الإخلاص للحكاية . إلا أنه إخلاص لا يتجاهل أن " القصة نظام لغوي " بشكل رئيس، هذا النظام الذي تعيه جيداً القاصة لتبني قصة تشكل من هيكل الحكاية جسداً تكسوه عبر اللغة ولا ترتهن في هذا الى نموذج معياري معد سلفاً أو متراكم ذهنياً بل أن الميزة الأساسية التي يمكن ملاحظتها بسهولة في هذه المجموعة وفي قصصها الأخرى هي كسر النموذج والإشغال على أن تشكل البنية السردية للنص نموذجه الخاص الذي يستعيره من نفسه معتمداً بشكل رئيس على النظام اللغوي الذي تبنيه أثناء السرد




اللغة: مدخل رئيس لفضاء المجموعة



يمكن لنا أن نلاحظ أن قصص المجموعة تحتفي باللغة لابوصفها أداة للسرد بل بوصفها المُشكل الأساسي للجماليات التي يقترحها النص فهي تصيغ الجملة بعناية تشبه الاشتغال بالإبرة على مساحةٍ ِللنقش وإذ تشكل الجملة الوحدة الأخيرة (الأساسية : الصغرى) في النص كما يرى "بارت" فإن الوعي بهذا في نصوص المجموعة شكل مفتاحاً لتجانس المقترح الأسلوبي للخطاب الكلي للمجموعة إذ أن الاهتمام الواعي والقصدي في تركيب الجملة التي عبرها يتشكل جسد النص هو من الخصائص البارزة في هذه المجموعة ويمكن أن نلاحظ أن صياغة الأسلوب السردي داخل النصوص (القصص) والذي اعتمد على آليات معينة لتركيب الجملة لغوياً قدم نفسه من خلال :



• تكثيف السرد دون الإخلال ببنية الحكاية



ويتأتى ذلك من قدرة عالية على الوصف وكذلك التقاط التعابير النفسية للشخوص وصياغتها بأقل قدر ممكن من الجمل ليس فقط كي لا تقع اللغة في الترهل السردي بل لأداء وظيفة أخرى أيضاً هي تكثيف زمن السرد دون قطعه بانتقالات مفصولة ( استغرق الاستجواب الليل بطوله .. وحين غمر ضوء النهار صفحة السماء ...) ص 29 وتستخدم النقاط بشكل وظيفي محدد في كل صفحات المجموعة عندما يراد اختصار السرد وتحويله إلى مضمر يمكن أن يرفوه القارئ ذهنياً وكأن كل هذا المضمر مكتوباً في النص ويحدث هذا التكثيف حتى في حالة " الفلاش باك " ( من نقطة الصفر ابتدأنا : بيت متواضع .. رزمة أوراق بيضاء .. دستة أقلام رصاصية مبرية جيداً .. وطموح بحجم السماء ..

خفية عن الآخرين شدني من ذراعي إلى المحكمة ...) ص37



• تركيب الجملة المستعين بالشعر



لاينحو النص (القصصي ) هنا نحو الشعر بل أن النصوص بالكلية تتجنب هذا سواء كان ذلك بقصديه أم نتاج الإخلاص لهيكل الحكاية ولا يوجد ما يمكن تسميته شعرية السرد هنا إلا أن النص يستعير ممكنات الجملة الشعرية ويوظفها سردياً لخلق جملة ليست شعرية إلا بقدر ما هي حكائية، وهذا الخلق للتوازن البنائي للجملة يؤدي إلى عدم خروجها عن وظيفتها الأساسية في خلق التراكم السردي والمضي نحو إكمال بنية النص بشكله المحدد له، إذ لا يمكن أن نلحظ في كل المجموعة استطراداً تستدعيه اللغة عبر فيوضات الشعر بل نلحظ جملة مركبة شعرياً لكنها ليست شعر لكنها تعتمد على خصيصة خلق الفجوة الشعرية بالجمع بين مفردتين أو تعبيرين لا ترتبطان برابط ظاهري على الأقل، وكذلك إيراد تراكيب تخلق صورة إيحائية أكثر منها واقعية، وهذه الجمل كثيرة وتشكل أحد سمات اللغة التي صيغت بها النصوص (خرج الزمن من مواعيده المؤجلة ) ص27 (لملم باقي جسده على نفسه )ص29(هوى صافعاً اندهاشها )ص33 (جالت عيناه المكان ببطء شديد ثم حطتا علي ...) ص34 (في صوته رطوبة وندى )ص37 (استباحت الفوضى أشيائي ) ص36 (أنا وحيرتي استلقينا فوق فراش الخيبة.. ) ص 38 (أسعدني جرس ضحكتها )ص52(يضربان الكرة بالأرض لترتفع كالأحلام عالياً ) ص81(ما بين عالمينا برزخ من حكايات فاشلة وحارس)ص91 (كنت مشعثة الذهن )ص106



• استخدام الجمل القصيرة والمفردة الجملة



في إطار سعي النصوص نحو التوتر المستمر في لغتها فإنها تلجأ الى كل ما يمكن أن يساهم في هذا ليس فقط عبر صياغة الجمل القصيرة (والإسمية كسمة غالبة ) التي تتكون من مفردتين ( خشخشة أساورها ..برد عظامه .. دفئ حضنها .. )ص 32 بل تمضي نحو نحت ما يمكن أن نطلق عليه المفردة الجملة من مثل " تناومي" أو " تستحي" " أتمطى" "أدغم" والتي إضافة لمحافظتها على التوتر السياقي للسرد فإنها تساعد المتلقي على تشكيل دقة التقاط الحالة المراد التعبير عنها عبر استنفاد واستنفار الطاقة الدلالية المكتنزة للمفردة أو الجملة القصيرة ليس لخلق جماليات تركيبية معنية بذاتها، بل عبر تلخيص هذه الجمل للحالة النفسية وتقديم المستوى النفسي للشخوص غالبا بشكله المشحون ، المتوتر عبر لغة تنسج فضاء دلالتها داخل هذا الفضاء النفسي(كان مبتسماً، وكانت متعبة )ص83 ( انتفاضة بدن .. تورد طفيف .. إيماءة تدعوه )ص 92



• إعادة صياغة جملة الموروث الشعبي وتفصيحها



وهي في هذا ترتكز على ذاكرة لا يمكن تسميتها بذاكرة فردية بل هي ذاكرة اجتماعية إذ يمرر النص الكثير من المقولات المستقرة في الخطاب الجمعي الشفوي عبر إدماجها في السياق السردي للنص ليس بشكل اكسساوري كمي بل بشكل وظيفي في الغالب، إذ تأتي هذه الجمل وفق منطق الشخوص بوصفهم متكلمين أو موصوفين من قبل الراوي داخل النص وذلك لنسج خصوصية لهم متسقة ومندمجة مع فضائهم النفسي والمعرفي ولتساهم بشكل أساسي في وظيفة التكثيف لأنها تُبنى في منطقة كامنة لدى المتلقي يكفي الإشارة إليها لاستحضار فضاءها الإيحائي الدلالي دون الحاجة لمزيد من السرد التوضيحي وإذ تأتي هذه الجمل وفق منطق الشخوص فإنها كذلك تساهم في رسمهم وبناء الصورة التي يشكلها النص في ذهن المتلقي مستفيدة من طاقة (اللغة) الشعبية في خلق مناخ حكائي تكوّن جمعياً عبر جزء كبير منه من هذه المقولات التي هي حكاية مكثفة بأحد تعبيراتها لكن هذا الاستلهام لموروث الجملة الشعبية لا يحضر نيئاً (في الغالب ) كما هو بل يحضر مشغولاً عليه لغوياً ودلاليا أيضاً إذ تخضع هذه الجمل في المخبر اللغوي للنص الى إعادة تركيب وصياغة لإدماجها في نص فصيح خال من العامية حتى في حواراته وعبر هذه الصياغة تضخ في هذه الجمل مفردات جديدة لتقوم بوظيفتين – فصحنة المقولة وإعادة شحنها بمكتنز دلالي ينحو باتجاه تركيب الجملة الشعرية غالباً (لست سوى أم ستخلف حبة قلبها وراءها وتمضي )ص10 (طار برج لا يملك غيره من رأسه )ص 58( عصفور الغفلة: عنوان قصة ) ص80 (مشغولا بإطفاء الشمعة ولعن العتمة ) ص90 ( فالبكاء لم يمنحها إلا وجع القلب ونهنهة الصدر ) ص100 (قلبي طبل أجوف )ص105 (لساناً يحصد سمعتها )ص118 (أحب سماع شقشقة ضحكاتهن ) ص120 إلا انه رغم كل هذا هناك بعض الجمل التي تحضر كما هي لكن يتم دمجها في السياق العام (العين بصيرة واليد قصيرة ) ص31 (إذن من طين وأخرى من عجين )ص92(معدته التي كانت تطحن الزلط) 107



السخرية: فضاء تحركه اللغة



لا يمكن تصنيف نصوص المجموعة بانتمائها للأدب الساخر كتقسيم إجرائي محدد الملامح إلا أن هذه النصوص لا تخلو من الحس الساخر الذي يأتي من منظور إدماجي للحياة داخل كل نص إذ أن الحياة ليست مقسمة الى ماهو ساخر وماهو جاد وما هو ... وهكذا تتشكل السخرية في نصوص المجموعة، وهي هنا ليست وحدة معزولة عن كلية النص بل إنها تقوم بدور مهم على المستوى السردي الوظيفي إذ أن القصة بحسب بارت (لا تصنع قط إلا من الوظائف فكل شيء يحمل دلالته على مستويات مختلفة ) إذ أنها تقوم بخلق فضاء التلقي المتابع، أي شد ولفت انتباه المتلقي لإعادة فتح مداركه كلية وهو يتلقى النص، وكذلك تقوم بدور الإضاءة الخاطفة للحالة أو الشخص في نص قصير لتشكيل معرفة محيطة للمتلقي سواء بالشخصية أو الحالة، ويمكن ملاحظة ثلاثة مستويات من السخرية داخل نصوص المجموعة



• سخرية الجملة المفردة داخل قصة

وترد هذه الجملة ليس بشكل فجائي أو إقحامي بل أنها نتاج الوظيفية المشغولة بعناية لكل جملة، وهذه الجملة هي جملة مواربة عادة تحمل مستويين من الدلالة الأول هو خلق حالة إيحائية اكبر من حجم الجملة السردي (كمياً ) لأنها عادة جملة قافزة لاستند إلى المستقر الذهني للمتلقي بل أنها مصنوعة خصيصا لسياقها السردي ويمكن تشبيهها بغمزه عين .. والمستوى الثاني هو تشكيل الفضاء النفسي المحيط (بالحالة) وقيادة المتلقي نحو إكمال عناصر الإضاءة التي تنمو مع تقدم النص في السرد وهذه الجملة تكون منتمية بشكل كلي الى سياق الخطاب العام الذي يقدمه النص (يتمدد زوجي ...وإلى جانبه يرقد كرشه الكبير )ص13 (أيقنت بأن الآباء خلقوا خصيصاً كي يخيبوا رجاءات أبنائهم )ص24(يكمل : كل شيء إلا إرجاع رجل هارب إلى حضن امرأته )ص38(شاتما أباها وجدها ،وكل من كان له فضل وجودها أمامه ) (ستون عاماً ! واووووو إنه عمر يبعث على التثاؤب (...) وغرور شبابه يقتلني كمداً )ص109(يعبر عدد قليل من الناس ممر المشاة تباعاً مثل سرب البط، كأنهم خلطة بهارات في أكلة "برياني ")ص121(تشايكوفسكي اللعين لم يجد مكاناً يكسر فيه بندقه سوى رأسها ) ص133



• سخرية موقف كامل داخل قصة

المستوى الثاني من السخرية داخل نصوص المجموعة هو السخرية التي ينسجها موقف كامل ليس بالضرورة أن تكون جملته ساخرة لكنه ينزع نحو تعبير كلي للموقف يقود الى نسج صلة بهوية (الحالة / الشخص ) وبناء هوية له تستقر في ذهن المتلقي وهو يكمل قراءة النص ( تهوى الأدب،وتقرأ للكثير من الكتاب الذين لا تحضرها أسماؤهم .. رغم أن آخر " كتاب " تصفحته مجلة قديمة تنشر أخبار الفنانين وتملأ صفحاتها بألوان فضائحهم حين كانت تنتظر دورها في غرفة طبيب يعالجها .) ص71(جاء وقت الحب .. نزعت عن ساقيَّ الجوارب البيضاء، ورميت في القمامة حذائي الطبي القديم كحذاء أبي قاسم الطنبوري، وألحقت به المعطف الأبيض، أما قبعتي التي أثبتها عند منتصف شعري، فتركتها قارباً ورقياً يسبح في البركة الراكدة أمام المستوصف )ص102



• سخرية قصة كاملة

وهنا يكون النص بكليته محاولة لنسج مضمون ساخر من قضية تبدو ( أو هي في الواقع كذلك ) عادية لكن هنا تقوم القصة على إدماج الجملة المركبة بشكل ساخر إضافة للموقف الساخر في نسق سردي عام يعتمد أيضاً على المفارقات والأحداث والية تركيب هذه الأحداث بشكل ساخر وأفضل تعبير لهذا هي قصة (قوسا خصري النحيل )ص111 التي يتحدث مضمونها عن اللباس المدرسي الموحد ومحاولات طالبة التميز عن ( سرب غربان في موسم عزاء ) الذي تبدو فيه الطالبات، إضافة الى قصة ( أريد العالم وأكتفي بالشوكولا ) التي فشلت الى حد كبير في أن تشكل مضمون كلي ساخر متماسك كالقصة السابقة



الشخوص : بناء الهوية والإحاطة بالتفاصيل



إذ أسلفنا في البدء أن قصص المجموعة تخلص للحكاية فإن هذا يستدعي أنها ذات شخوص فاعلين داخل النص ولا تميل الى الاستطراد السردي مفتقر الفاعل المتحرك. فالشخوص في هذه المجموعة ركن أساسي يسند اللغة لتشكل نظامها الإرسالي من خلالهم ومن ثم تشكيل الخطاب الكلي للنص وإذ تتعدد صيغة السرد في قصص المجموعة من (الأنا ) الى ضمير الغائب (هو) الى تدخل الراوي المحايد في النص الذي يكشف أبعاد الشخصيات ويوضحها مستخدما جملاً محايدة غير شخصية أو مستخدماً حيل تقنية لهذا الكشف كسند الخطاب بمفردة من مثل (قالوا ) التي تموه مصدر الخطاب دون أن يكون الراوي هو مرجعه .. وقد اعتمدت النصوص في مجملها على الإضاءة التدريجية الخافتة للشخوص وفي أغلب الأحيان لا ترتسم هوية كاملة أو صورة محددة لشخوص النص إلا مع نهايته، هذه الإضاءة التدريجية كانت عاملاً أساسياً في بناء الشخوص وتاليا النص كونهم وحدة أساسية في تشكيله، والنص لا يحيط بشكل كلي بهؤلاء الشخوص بل يقدمهم كما تقدمهم الحياة في مكان وزمان معين، فلا يعرف الراوي عن شخوصه أكثر مما يعرفون هم ولا يقوم بإضافات منه إلا بقدر ما تقدم الشخصية هي نفسها في زمن النص، وقد كان منطوقهم اللغوي والنفسي ملائماً كلياً لطبيعة شخصياتهم وبنيتها وظروفها ومهنهم ومستواهم المعرفي وهي لهذا تستحضر تفاصيل هامشية من المهن التي تعمل بها الشخصيات لتكون رافداً أساسياً لمعمار الشخصية، بالإضافة الى ذلك فهم يتحركون في الفضاء الملازم لاشتغالهم الوظيفي / المهني حتى في الحيز النفسي ففي (الملفوف الساخن) التي يكون بطلها سائق شاحنة لا تنسى أن تذكر سماعه لام كلثوم أثناء سفره وفي (فسيفساء امرأة) عندما تتحدث الممرضة عن عملها الذي تتقنه ولا تحبه تذكر(كنت أمنح سراباً من الطمأنينة الكاذبة للنفوس الوجلة والأجساد المتألمة ..) وهذا لا يدخل في أطار التفصيل الخارجي بل أنه تفصيل داخلي/نفسي، أما في (كأني اعرفها) فإن طالب طب الأسنان عندما يصف فتاة تربطه بها علاقة فأنه يقول (إنها في أوائل العشرينات ليست فائقة الحسن... أجد أن أسنانها تحتاج الى جهاز تقويم، فكها متقدم،والإطباق غير كامل)ص119 أما في (جدار ونافذة) التي بطلها مصور فوتوغرافي يتم تمرير جملة كـ (..يسخر من محاولاته اليائسة في التقاط صورة لبراعم تتفتح ) ص48 لتضيء حيز من العالم الداخلي /الخارجي لهذه الشخصية وفي (كتابة بالأحمر الرديء ) فإن القصة عندما تتحدث عن فنان تشكيلي تورد هذه الجملة (حدد بقعة الضوء من بؤرة نظره الشخصية،رضي عنها، منحها خلودها بشخبطة سوريالية هي توقيعه غير المفهوم مثل باقي تفاصيل رسوماته الكارثية، مساحات لونية متداخلة يرهق بها أذهاننا...)ص125 أما في (على رؤوس الأصابع ) وكاتساق مع البيئة الاجتماعية للشخوص فإن القصة تجاهلت أسماء الشخوص وذكرتهم بصفاتهم (البنت اللعوب أحبت صبي الفران... قالوا )ص86



النهايات: لحظة لإعادة خلق النص



الحديث عن النهايات في قصص سوزان خواتمي بشكل عام (وليس فقط هذه المجموعة) يدور في منطقة غنية لكنها مكشوفة بأية حال، وما اعنيه إنها لا تحتاج لأي جهد (نقدي ) لإبرازها بل إنها تشكل احد أهم عناصر الأسلوب السردي الذي تعمل عليه .. وتأخذ النهاية في أي نص سردي أهمية بالغة من كونها هي نهاية الامتداد العمودي للنص وتالياً نهاية الوحدات المتلازمة للجمل التي تتآلف لتشكل البناء السردي له وتكتسب النهاية في أي نص أهميتها بأنها لحظة إتمام الخطاب (كعلامات مدونة ) وبالتالي إتمام معنى الرسالة المراد إيصالها من خلاله ولا تتأتى ميزة النهايات في قصص المجموعة من الانحراف الذي تحدثه (أو تتمه) خارج توقعات المتلقي لان هذه يجب أن تكون ميزة عامة لأي نص (وخصوصاً القصصي ) وإلا فقد أحد أهم مبرراته السردية إذ أن النص الخاضع للتوقع هو نص غير جدير بالروي بل ما تشكله من إضاءة كلية كاشفة لكل النص إذ أن غالبية قصص المجموعة ترتبك بشكل كلي وتكون غير قادرة على تشكيل رسالتها في حال حذف السطر الأخير أو الجملة الأخيرة أو الفقرة الأخيرة من أي منها إذ يظل النص ينمو عموديا وأفقيا حتى آخر جملة فيه وهذا يتشكل من العناية بالجملة من الناحية الوظيفية /السردية لتشكيل البنية الكلية للنص وتكون النهاية عادة احد أهم هذه الجمل الأساسية ويمكن تقسيم النهايات إجرائيا في هذه المجموعة الى :



• نهاية دائرية

وهي النهاية التي تعود بنا الى فاتحة النص بقراءة ذهنية سريعة كي تصل الرسالة التي يرغب النص بإيصالها وهي ترتبط عادة بفاتحة النص وتعيد تأكيده لتفسر هذه البداية وتكتمل دائرة المعنى التي تتشكل رويدا رويدا من خلال السرد الواقع بين البداية والنهاية. لكن هذه النهاية التفسيرية تنسج سببية خاصة مع البداية والشخوص والخطاب الذي يشكله السرد لتشكل حلا لـ لغز المشهد الكلي الذي يقدمه النص دونما قسر للمسار السردي كي يخترع خاتمة ما . ويمكن أن نلحظ هذا في (حين ضحكت أخيراً ) ص52 التي تبدأ بجملة (" لم اعرفه ورب الكعبة لم اعرفه " ) لتنتهي بـ ( هل كان أباك المتحدث ؟ لم اعرفه ورب الكعبة لم اعرفه . غشيتها نوبة ضحك فيما براعم ثوبها الصيفي تتفتق وتنشر في البيت عبيرها ) وتأتي الجملة الأخيرة في النص كي تفسر عدم معرفتها لصوت طليقها في الهاتف وهي المقولة التي بني عليها النص كما يمكن أن نلحظ هذا النموذج من النهايات في (طرق الدهشة ) (على رؤوس الأصابع ) (عشر خيبات لمولود جديد ) (كأني أعرفها ) التي تأتي نهايتها لا لتعود الى فاتحة النص بل الى عنوان النص نفسه



• نهاية مفتوحة بعد أن تنجز منطقة القول

وتحاول النهايات وفق هذا التصنيف أن تترك النص مفتوحاً على مسارات متعددة من التأويل لكن هذا التأويل لايدور في منطقة عمياء بل انه منفتح على تشكيل دلالات هي مايشكلها المتلقي بعد أن يكون النص قد قدم له العديد من الإشارات المفتاحية التي تقود الى إشراكه في صناعة الرسالة التي يتوخى النص إيصالها وهي هنا لا تحاول تشكيل لغزاً ما بقدر ما تحاول تكثيف انفعال التلقي المسند بالمتن السردي للنص، وكذلك هنا تشكل إغواء من نوع آخر لإعادة قراءة القصة سواء ذهنيا أو فعلياً للتركيز على الإشارات المفتاحية المبثوثة في النص التي تقود الى هذه النهاية وتضيئها بنفس الوقت ويمكن أن يمثل هذه النهايات قصص كـ (الملفوف الساخن ) (بعض مخلفات العاطفة )(جدار ونافذة ) (عصفور الغفلة ) (فسحة قصيرة لقدميها )



• نهاية مكتملة لبداية مفتوحة

النهاية هنا تختم النص لتأتي وتنهي حركية التتابع السردي لتشكل النهاية نقطة إشباع قصوى سواء للمتلقي أو للتنامي السردي فتكون النهاية هنا واجبة كتكريس للمستوى الأعلى من الانفعال الذي يشكله السرد وتأتي هذه النهايات المكتملة لتتواشج مع بدايات مفتوحة إذ يبدأ النص من نقطة ما مفتوحة على ما يسبقها ويسير النص على عمل تحويلات متناغمة مع هذه البداية للإتمام العكسي ويتم الاعتماد في هذه الحال على المنولوج الداخلي أو آلية التذكر، إذ أن وظيفة السرد هنا وكذلك النهاية هو الإيغال في تفسير منطقة القول السابقة لبداية النص وهو ما يمكن أن يشكل عكسا لمجرى السرد إذ انه ينمو بشكل عكسي تبدأ (افتراضاً ) مع النهاية لتأول منطقة لم يذكرها السرد هي ما قبل البداية كما في (أحدنا كان يرتعش ) (القارب )(زهر البرتقال) (فانتازيا الحب )(فسيفساء امرأة ) (كتابة بالأحمر الرديء )



المقولات : حمولات المضامين والأفكار



تتميز المجموعة بخفوت نبرتها بشكل عام وإن ان الاشتغال على المعنى واضحا في كل النصوص إلا انه المعنى الخال من الوظيفية المباشرة، فلا ترطن غالب النصوص بمقولات تعليمية مما يجعلنا نسميه المعنى \ الرسالة. وإذ يحيل هذا التعبير الى الحيادية لأن لكل نص رسالته فإن القصص هنا في غالبيتها تمرر عبر المعنى مقولتها(أو مقولاتها) ولا يصاغ المعنى وفقا للمقولة بل أن المقولة (أو الفكرة) تكون محمولة بشكل كلي على السرد في جمل تكون (أحيانا) ليست من الجمل الأساسية بل من الجمل الرابطة أو الوسيطة وتمرر نصوص المجموعة مقولاتها بهدوء شديد وتنحو في كثير من المواضع لمناقشة الجملة المجتمعية(أو الاجتماعية) المستقرة أو حتى هزها عبر المعنى (الرسالة) النهائي للنص أو عبر جمل وسيطة (أو أساسية أحياناً) في المتن السردي ففي (كتابة بالأحمر الرديء) التي تتشكل رسالتها السردية عبر تداعيات رجل تركته زوجته لأنه لم يشـأ أن ينجب، ينجح النص في جعل المتلقي يدين التعلق الاجتماعي بفكرة الذرية، مهما كانت الظروف المحيطة بها عبر نهاية مفاجئة وموجعة له إذ تكون النهاية بجملة ترد على لسانه (... وبذاك الصدر الذي يتسع لسرطان يحفر مسالكه ..

هل كان علي أن أبوح لكِ بضعفي حتى تصدقي أني على طريقتي الخاصة أحبك؟.) لتهز هذه الجملة الثابت الاجتماعي المستقر. وكذلك حدث هذا عن الإنجاب في (عشر خيبات لمولود جديد ) التي هي منولوج داخلي لامرأة تخضع لعملية زرع بويضة مُخصبة ليشكل النص أيضاً تعاطفاً مع معاناة تلك المرأة وعدم فرحنا/ فرحها بهذا الجنين الذي يأتي بعد معاناة طويلة كانت مضطرة فيها أن(تتمددين فيها أمام مجموعة من الأطباء على اختلاف أسمائهم دون خجل أو كبرياء تصرحين بأدق أمورك السرية)ص77 وتمرر من خلال هذا القصة جملاً وسيطة تخلخل بعض المستقرات فهي تتحدث عن نصائح أمها بأنها خرقاء وتكسر في هكذا جملة مستقر ثابت عند الحديث عن الأم تلك التي لا تحس بآلامها وهي تكرر هذه النصائح (إياك أن تجعلي نفسك النعجة السوداء )ص73 .وفي (على رؤوس الأصابع) وعبر سردها لعلاقة زوجين من الهامش الاجتماعي وإصابة الزوج بمرض عصبي يودي به الى مشفى الأمراض النفسية ويجعل زوجته تعمل مستخدمة في نفس المشفى (كي تكون قريبة من أنفاسه ) وتخضع للاستغلال الجسدي من (ممرض الجناح السمين ) فإن أحد أهم مقولات النص هو تجاهل هذه العلاقة وإبداء التعاطف الشعوري الأقصى مع الزوجة وعدم شعور المتلقي بأن خضوعها لهذا الاستغلال هو فعل خيانة بل أن التأويل الذي يجبرنا عليه السياق السردي:أنه فعل حب للزوج. وتحتفي النصوص أيضاً بما يمكن أن نطلق عليه إعادة صياغة الحرية الفردية دون شرط خارجي، ويتأتى هذا عبر مساءلة الشرط الخارجي المستقر نفسياً/ إجتماعياً، ويمكن ملاحظة هذا بمستويات مختلفة في (زهر البرتقال)(عصفور الغفلة)(فسحة قصيرة لقدميها)(مفترق العمر ) . ومما يثقل بعض نصوص المجموعة هو حضور أو (إحضار) الضمير ليشكل معيارا ينحو باتجاه ما هو أخلاقي (اجتماعي/شخصي) مضمر مما يكسر حيادية النص في تشكيل مقولته بل يمكن الإحساس بالتدخل من قبل الكاتب/ة ليقدم رؤاه "الأخلاقية" وإدماجها في النص كما في ( ربطة عنق) التي تدين الانتهازية وعدم النزاهة ويبدو هذا التدخل سافراً حتى عبر النهاية التي (اختارها )الكاتب/ة للقصة أو كما في (كسارة البندق) التي تتحدث عن استغلال الوظيفة العامة، ويمكن مقارنة هذين القصتين مع قصتين أخريين استطاعتا أن تشكلا إدانة من قبل المتلقي دون تدخل مباشر من قبل الكاتبة/ة كما في (كأني اعرفها ) التي تشكل إدانة للعبث (الشبابي) الذي تتعدد علاقاته النسائية ليجد أخته في نفس الموقف ورغم مشاعية هذه المقولة أخلاقياً إلا أن السرد استطاع أن يقدمها بشكل مختلف لتكون الإدانة نابعة من خصوصية البناء السردي للحالة ككل وليس كمقولة معممة وكذلك إدانة اللباس المدرسي الموحد في (قوسا خصري النحيل) دون الولوج في رطانة تقريرية سمجة.

وتنحو بعض النصوص نحو بناء مقولاتها على نحو رمزي لكنها تقدم مفاتيح للقارئ ليستطيع النفاد الى بنية النص ليشكل مقولته التي قد تختلف عن بعضها بهذه الدرجة أو تلك بين هذا المتلقي وذاك (القارب )(تقرير إخباري)(عصفور الغفلة)(نقيق الضفادع)



ملاحظات: المغيب والحاضر السلبي

إن الملاحظة الأساسية والجوهرية على نصوص المجموعة هي غياب البعد الجغرافي البيئي في معظم الأحيان سواء لبيئة السرد أو البيئة المكانية للشخوص مما يربك المتلقي في توثيق الدلالة المكانية والبعد الجغرافي، للبنية السردية للنص ككل رغم ورود بعض المفردات أو العبارات التي تحيل الى أمكنة دون غيرها فمفردة مثل "برياني" تحيل بكل تأكيد الى الخليج كونها أحد المأكولات المتداولة هناك إلا أن النص لا يقدم أكثر من هذا لتوضيح هوية المكان السردي وفي محاولة لتأويل هذا الغياب يمكن إحالته الى غياب الكاتب/ة عن مكانه الذي يشكل هويته النفسية إن هذا الغياب تشكل نفسياً بحيث لم يُعوض ببديل قادر على أن يستقر ويندمج في البنية الذهنية/النفسية التي تصاغ فيها الكتابة فالكاتب (القصصي/الروائي) تتشكل مادته مما عاش ومما استقر وجدانياً في ذاكرته قبل أن يُخضع هذا لمخبر المخيلة.وإذا كان لنا أن نتجاهل سكونية الزمن الذي تدور فيه اغلب القصة فإن ذلك يتم عبر تأويل أغلب النصوص بأنها تقوم على لحظة قص ويستحضر الزمن من خلال آلية التذكر لاستعادة مفاصل معينة من زمن الشخصية الخاص على حساب تغييب الزمن العام . كما يمكن أن نلاحظ استخدام بعض المفردات المنقرضة في الحياة كـ (البيك) وتأتي هنا من مخزون إعلامي (المسلسلات السورية) .إضافة لورود بعض الجمل التقريرية التي تحمل بعضها في طياتها حُكم قيمة(عندما نريد ..قد نستطيع)ص17(النساء كائنات غريبة بأهواء معوجة)ص50(الرجال عادة لا يشرحون وجهة نظرهم إنهم يقطبون فقط)ص77(ياللرجال! لماذا لا يطلقون العنان لانفعالاتهم)ص101.وأيضاً يمكن لنا أن نلاحظ أن البناء الرمزي بمفاتيحه المكشوفة في (تقرير إخباري) هو إحضار لضجيج الأيديلوجيا القومية والتي تثقل أي نص أينما وردت به

17 يناير 2010

انا رومانسي اذن انا موجود

ارتبط معنى الرومانسية بالنساء دون الرجال، وبجيل التلفزيون عن جيل الانترنت، وببعض المهن كالأدباء والشعراء والفنانين عن سواهم ممن يعملون في مهن أخرى، كالجزارين والقضاة وأصحاب الأطيان والأملاك، ولكني أجد أن هذا الربط يفتقر إلى الدقة، إذا ماأخذنا بعين الاعتبار استثناءات كثيرة تنقض الفرضية، ويجعلها نظرية غير دقيقة بالمرة، أو لنقل ليست صحيحة مائة بالمئة.
فعلى سبيل المثال تسجل الإحصاءات أن نسبة المنتحرين من الرجال أو أولئك الذين هددوا بسكين الانتحار، أو بـ(بندوله)، أكثر بكثير من النساء، اللاتي يفضلن الطرق السلمية للنحيب، ويفرطّن حتى الشهقة الاخيرة ببهاء بشرتهن الذي تسببه أورام القلب، بل نادراً ماتصاب المرأة بالجنون من فرط الحب، ولم يسجل التاريخ اسم مجنونة، فإن كان في ذلك عارا، ليحاسب التاريخ وليس انا، فيما سجل مجنون ليلى اسمه خالداً في تاريخ العشق والأدب كرجل ساح في رمال الضياع باحثا عن ليلاه او هارباُ منها. كما انتحر روميو لانه لم يتوخ الحقيقة وظن إثما أن جولييت المغمى عليها قد ماتت..

صحيح أن الرومانسية ارتبطت بجيل أفلام الستينات والسبعينات، وتحولت عن تجسيدها أفلام التسعينات المسوقة للتنطيط العفاريتي والمروجة لالفاظ ليس لها اي جذر لغوي معروف، لكنها لم تستطع ان تسقط نهائياً الحب كتهمة مستحبة عن جيل شبابنا ، شباب التسعينات، فهم مأخوذون حتى البله، بالوله المبثوث عبر الماسنجر والمنقول عبر ايميلات الانترنت، متسمرين في مكانهم، ومن مكانهم بإمكانهم التعبير عن عواطفهم من خلال مسجات الموبايلات، التي تسمح بإرسال الصوت والصورة والرموز التعبيرية وأغاني الساعة، كنشرة عاطفية تبث أولاً بأول ، دون أن يتكلف عناء الملاحقة بحذاء يتآكل نعله، و"اللطعة" لساعات غير محدودة امام المدرسة او امام الكلية. هذا لايشبه البتة الساعات التي استغرقها عبد الحليم في بث لواعجه في أذن حبيبته لبنى عبد العزيز في فيلم – الوسادة الخالية- شاغلاً خط الهاتف، ومربكاً معه قسم المحاسبة في شركة الاتصالات ليحصلوا منه فاتورة لن يستطيع دفعها.. الفرق بين الحبين : فاتورة الهاتف والحس العملي، .!
اما الحب كلغة مشاعر صاعقة ، لها أول ولها آخر، فهو نفسه لم يخفت وهجه، وإن تغيرت امكانياته وتعددت مستوياته، بالعكس هذه الأيام ليس من الضرورة افتعال مشاعر الحب كي يتحدث شاب إلى فتاة، فمن الطبيعي علاقات الزمالة والصداقة والاخوة والمعرفة والتحية من بعيد لبعيد، ولن يكون هناك خطر على الشرف الرفيع إلا برضى الطرفين..

الأمر نفسه يقاس على منطقة الحب التي يسطرها ادباء الحداثة، فالشاعر الغارق في الحب، وحتى يشفى سيظل يكتب عن حبيبته، مغمساً خبزه في زيتها، مشعلاً ليلها بالأمنيات، متقرباً ،متزلفاً ، مقارباً مباعداً، لكنه يحب .. وربما من دواعي حسن الحظ تخففهم من الفخامة اللغوية التي جعلت لأسماء الحب وصفاته مايتعدى الخمسين لفظاً،وجعلتنا "نحتاس" في تقليب القواميس، فمن المحبة والوله والصبابة والشغف والكلف والتتيم والعشق وغيرها...إلى تساؤل واضح: بتحبيني أم لا ..تلك هي المسألة.!
مختصرين على أحمد شوقي طريقته طويلة الانفاس :
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فسلام فموعد فلقاء

ان اختصار طريق العشاق وطرقهم حاجة ضرورية تناسب عصر السرعة، والحياة التي لايمكن أن تنتظر، لكنها لم تبخل في المقابل فقدمت بدائل مفيدة ، خاصة أن أي روح ( مش اي روح اوي) تحتاج لمنفذ تهرب منه من فجاجة الواقع، وقهر اليومي، لترتمي ولو قليلاً في حضن الحلم، والرومانسية بتحولاتها التي تنعش الفؤاد على حد تعبير شاعر مات بحسرتها.
ومازال بإمكاننا حال رغبنا ، ابتكار رومانسيتنا الخاصة، التي تتلاءم مع ظروفنا الخاصة، كأن نسعد صباحاتنا الراكضة بأغنية فيروزية، أو نتبادل الابتسامات المشرقة، أو نستمر في الاعتقاد أن الحظ الجيد من نصيبنا، أو نسامح لأننا جميعنا مخطئون، أو نربت على الجرح حتى يشفى، أو نعثر لمرة واحدة أو أكثر من مرة إن تعذر الرقم الأول، على من يشاركنا فرشاة الاسنان، ووسادة الاحلام، والرغبة في اشعال شمعة رومانسية لاتنطفئ .