سوزان خواتمي
اخترع أديسون المصباح الكهربائي، واخترع زاكرياس جانسن الميكروسكوب، أما ماكينة الخياطة فاخترعها بارتليمي تيموني، حتى المظلة فقد اخترعها صمويل فوكس وفق ما تورده الويكيبيديا. أما محاولاتي لمعرفة الشخص الذي يعود له فضل اختراع حقيبة السفر، بشكلها الحالي فقد باءت بالفشل.
خلال تاريخ الانسانية اضطر الانسان للنزوح في هجرات ارتبطت بالأوبئة أو بالحروب الاستعمارية، أو الدينية أو بالكوارث الطبيعية، وكان عليه أن يحمل متاعه التي يحتاجها؛ مما خف حمله وغلا ثمنه في صناديق خشبية كبيرة، تتأرجح فوق الدواب. ومع تقدم وسائل النقل، لم يعد الرحيل يقتصر على حالات الفرار الجماعي، بل تحول إلى رغبة شخصية ترتبط بمفهوم السياحة والترفيه، أو بالسعي وراء فرصة عمل، وصارت المشاوير عبر السماء لا تحتاج الى أكثر من حقيبة بحجم معين ووزن معقول وجواز سفر قوي يسمح بتأشيرة دخول لاستقبالك في بلاد الله الواسعة.
تجربتي الأولى مع السفر خارج حدود بلادي كانت باتجاه ألمانيا، ركبت الطيارة للمرة الأولى، ولكني كنت في سن لم يتسن لي فيها أن أرتب حقيبتي وأفكر ملياً بما سأحتاجه وما لا أحتاجه، وتلك مهمة للعلم ليست بالسهلة.! تتالت بعدها الرحلات جواً وبراً وما عادت في ذهني ذاكرة تسعها، وتحوّل سفري المكوكي من الكويت إلى سوريا الى معاناة حقيقية، فالاستعداد لرحلة عائلية تستمر شهور الاجازة، والتفكير بما يلزم وما لا يلزم كان مرهقاً. عاهدت نفسي وتحت وطأة الشوق والرغبة بانتهاء الغربة التي أكلت العمر قضمة قضمة، على أني حين أعود وأستقر لن أقتني حقيبة سفر.. سيكفيني بقجة قماشية للسفرات القصيرة. يصفني صديق من باب الذم: بأني طفلة ساذجة، تدفعني عواطفي الآنية. وأظنه لم يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فحين قلت ما قلت كان حنين العودة يسيطر على تلافيف دماغي.
اليوم وكلما نظرت الى حقيبة سفر، فكرت بقيمة محتوياتها، الأشياء الضرورية والخاصة التي يحتاجها كل من غادر بيته ومدينته قسراً أو خوفاً أو هرباً. مدفوعاً برغبة وحيدة أن يعيش.. مجرد أن يعيش.
ماذا حمل السوري الهارب من القصف والموت معه ليقيم في بلاد الجوار..! وماذا حمل ذاك الذي لجأ إلى رحمة المهربين ليركب البحر في زورق مطاطي ويدخل أوروبا متسللاً، لأن جواز سفره ليس قوياً ولا يسمح إلا بهذه الطريقة..! وماذا حمل ذاك الذي مشى على قدميه عابراً الغابات والفيافي والحدود والأسلاك شائكة..! هل اتسعت حقيبته لألبوم صور عائلية، أو أثاث نفيس ورثه عن أجداده، أو قطعة أثرية تروق له، أو هدية الحب الأول، أو كتاب مفضل، أو دفتر مذكرات كتبها مراهقاً أو.. أو..؟
لا حاجة فعلية لمعرفة اسم من اخترع حقيبة السفر، بعد أن استبدلها السوري الهارب إلى الشتات بكيس نايلون وشريط لاصق متين يحوي في داخله: هاتفه النقال وأوراقه التي يعتقد أنها مهمة، ومبلغاً من المال اقترضه غالباً، وسترة نجاة، وربما علبة دواء وزجاجة ماء، وجواز سفر (آيل للانقراض) ترفضه كل بلاد العالم ولا يصلح إلا للغرق!.
خلال تاريخ الانسانية اضطر الانسان للنزوح في هجرات ارتبطت بالأوبئة أو بالحروب الاستعمارية، أو الدينية أو بالكوارث الطبيعية، وكان عليه أن يحمل متاعه التي يحتاجها؛ مما خف حمله وغلا ثمنه في صناديق خشبية كبيرة، تتأرجح فوق الدواب. ومع تقدم وسائل النقل، لم يعد الرحيل يقتصر على حالات الفرار الجماعي، بل تحول إلى رغبة شخصية ترتبط بمفهوم السياحة والترفيه، أو بالسعي وراء فرصة عمل، وصارت المشاوير عبر السماء لا تحتاج الى أكثر من حقيبة بحجم معين ووزن معقول وجواز سفر قوي يسمح بتأشيرة دخول لاستقبالك في بلاد الله الواسعة.
تجربتي الأولى مع السفر خارج حدود بلادي كانت باتجاه ألمانيا، ركبت الطيارة للمرة الأولى، ولكني كنت في سن لم يتسن لي فيها أن أرتب حقيبتي وأفكر ملياً بما سأحتاجه وما لا أحتاجه، وتلك مهمة للعلم ليست بالسهلة.! تتالت بعدها الرحلات جواً وبراً وما عادت في ذهني ذاكرة تسعها، وتحوّل سفري المكوكي من الكويت إلى سوريا الى معاناة حقيقية، فالاستعداد لرحلة عائلية تستمر شهور الاجازة، والتفكير بما يلزم وما لا يلزم كان مرهقاً. عاهدت نفسي وتحت وطأة الشوق والرغبة بانتهاء الغربة التي أكلت العمر قضمة قضمة، على أني حين أعود وأستقر لن أقتني حقيبة سفر.. سيكفيني بقجة قماشية للسفرات القصيرة. يصفني صديق من باب الذم: بأني طفلة ساذجة، تدفعني عواطفي الآنية. وأظنه لم يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فحين قلت ما قلت كان حنين العودة يسيطر على تلافيف دماغي.
اليوم وكلما نظرت الى حقيبة سفر، فكرت بقيمة محتوياتها، الأشياء الضرورية والخاصة التي يحتاجها كل من غادر بيته ومدينته قسراً أو خوفاً أو هرباً. مدفوعاً برغبة وحيدة أن يعيش.. مجرد أن يعيش.
ماذا حمل السوري الهارب من القصف والموت معه ليقيم في بلاد الجوار..! وماذا حمل ذاك الذي لجأ إلى رحمة المهربين ليركب البحر في زورق مطاطي ويدخل أوروبا متسللاً، لأن جواز سفره ليس قوياً ولا يسمح إلا بهذه الطريقة..! وماذا حمل ذاك الذي مشى على قدميه عابراً الغابات والفيافي والحدود والأسلاك شائكة..! هل اتسعت حقيبته لألبوم صور عائلية، أو أثاث نفيس ورثه عن أجداده، أو قطعة أثرية تروق له، أو هدية الحب الأول، أو كتاب مفضل، أو دفتر مذكرات كتبها مراهقاً أو.. أو..؟
لا حاجة فعلية لمعرفة اسم من اخترع حقيبة السفر، بعد أن استبدلها السوري الهارب إلى الشتات بكيس نايلون وشريط لاصق متين يحوي في داخله: هاتفه النقال وأوراقه التي يعتقد أنها مهمة، ومبلغاً من المال اقترضه غالباً، وسترة نجاة، وربما علبة دواء وزجاجة ماء، وجواز سفر (آيل للانقراض) ترفضه كل بلاد العالم ولا يصلح إلا للغرق!.
نشر المقال في جريدة القبس الكويتية
وفي موقع الرافد الالكتروني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق