26 سبتمبر 2007

من يعثر على وجهي

ما كنتَ بحاجة لمن يرفع العصابة عن عينيك
فقد كان الطريق مستقيماً
وكان من الممكن - دون كثير عناء- أن تمشيه ما بقي لك من أنفاس..
ما الذي جعلكَ لجوجاً، ومغامراً، وقادراً على مواجهة الخسارة؟..
من ضخ الدم في شرايين أصابعك لتتحسس ضلعك الناقص
فتشرعه للغيم ولمجاهل المسير؟..
تلهث أنفاسك بين شهقة الحياة وزفير الموت
مرصودٌ لغواية بحجم الحياة،
لألم كوخز حثيث وعين تذرفها دمعاً بعضاً من سيرة الرحيل..
مشفوعٌ بخريطة الاتجاه عكساً.
ماعادت العتمة شفيعةَ الظلال في كونٍ يحتفل بالضوء انغماساً في اللحظة..
وما عاد الأمس شفيعَ البقاء لأنه صنو قبر دون غطاء..
مرآةٌ عكست النيران تأججاً، وروحٌ طافحة بما يستجلب اللعنة، وأي هراء..!
عتبات القدسية
زحفهم إذ يثرثرون
كان عليك أن تصمت، وتبقي عينيك مغمضتين بقوة
ليقتنعوا بأنك لم تخلع العباءة،
وأن المسارات لمّا تتلوى.
وغاب عنكَ عنكَ بالذات- أنك لم تعد أعمى،
ولن تكون مبصراً.. أي هراء..!
تنفلتُ من صمتكَ .. تستجدي هواءه..
تباغتك قوقعةٌ لا تبقي منك غير المخاط..
هل كنت مهيضاً .. ملتبساً.. متفائلاً؟!
قدماك، والأرض التي تميد،
وأشرعتك في الغيم، كل هذا البهاء ثمناً يفيض في وجدك،
يضخ في قلبك دوالي السُّكر..
تداعى مثل بطل دونكيشوتي....
لستَ معتوهاً..
بل مفتوناً بجهة الشوق شرقاً
حيثما تجيء
.

20 سبتمبر 2007

جهة الزرقة: السقوط عالياً

مثل دهشة تبحث عن جملة أليفة، تتمطى أكثر مما يجب، متناسية نواهي الحذر، وتنبيهات الجدة الطيبة.
تتعلق بالشقاوة، ترّطب بالندى أهدابها.
في العزلة تظن نفسها وردة، تهرّب بين ضلوعها حلماً أزلياً، وتنسى البكاء، تنسى السقوط ..
لا تدفعني من كتفي أيها الشقي.
أعدك أن أسقط جداً حالما تهتف الهاوية باسمي، أسميه قدر الطيران هبوطاً، يسميه الآخرون الموت..
حتف من كوم عظام لا تستقيم يفسر الرقاد .
كنا مجرد حجرين لنار أضرمتها الصدفة، لا أستطيع وحدي أن أحقق الخسارات احتراقاً.
في وجه يشبه الهذيان ألقاك..
هل ترضى بنصيبك من الجمر، لنشم معاً رائحة الشياط كابتهال مقدس أو محاولة ذكية للاختناق.؟
قدمان تخطوان /كنتُ وحدي.. أربع أقدام تخطو/ صرنا معاً..
ثم الكثير من الخطوات لهرولة مجنونة تمتزج بلهفة الأنهار حين تختار تدفقها.
منزلقين إلى المجهول..
لست أسمعك فعلاً !.
ما إن أفك رباط حذائي حتى أطير.. الأشجار سأم مقيم وأنا النزِّقة.. أفتح أبواب المجهول. الاكتشاف لحظة عصية من يباركها.؟
أرجوحتي هذا العالم.. أحتاج القليل من السخرية والكثير من العناد..
وأنا في العلو الشاهق أطوح قدمي.. من هناك أنظر في الاتجاهات جميعاً/ نحوك..
وداعاً يا حذراً بلا فائدة .. مادام الموت وعداً مخبوءاً في جعبة الحياة.

سطر مضيء
أنت وحدك، لم يسهر عليك أحد ولم تعرف حظوة
الدموع، سقطتَ كما يسقط الرجل الميت.
لن يحفظ ذاكرتك أي رخام.
ست أقدام من الأرض هي كل مجدك القاتم
بورخيس
نشرت في النهار الكويتية 19-9-2007

12 سبتمبر 2007

جهة الزرقة:طعم الزبد

والزرقة جهة أيضاً،
حالما تسمح السماء أو ترضى..
فإذا ما اكتظت الأماكن، وضاق الزمن بما رحب، طرقتُ المعنى، لأكتب ما وعيتُ من الحكايا..
كزهرة تركتها عاشقة على أطراف حلم كي لا تفنى.
.الأرق يمكن اقتسامه، كما يمكن للقلوب الشقية أن تتروض.ويل الذي يقول دون أن يحشو فمه بالتردد..
ويل الذي يكتب بألوان القزح، فيتحول إلى غيمة، أو إلى سطر يهزأ بالألم، وفي خاصرته تلك السكين..
ألملم بعضي على بعضي، أغوص في النوايا، وفيما يصوغه الحب من قلائد،
فأفطن لتلك الأرواح التي هامت وهانت..
والكلام كثير..لن أغضب إلا قليلاً.. أعدكم بالبحث حتى الإنهاك عن الدرر المكنونة.. لندندنها معاً..
أنا وأنتم.. ماذا..؟! بالطبع أنا أتحدث إليكم..!
أتحدث عن شهية الرغيف .. عن زوبعة مرت.. عن صوت لم نتعرف عليه اسمه الأمل.. عن قمر يقضم حلواه كل ليلة وينسى أن يبدد العتمة..عن مفقود أو مولود، عن ذنوب مغفورة وأبدان طاهرة تعصى على الإنحناء.الأشياء التي نعرف أسماءَها لا نخطئها.
سأعتمد على ذاكرتكم إذن. تعودت أن أعاند السنين، وأن أضحك كتمارين رياضية تبقيني طفلة.. المشهد مشغول بإبرة ودأب،
عن شخصي بالتحديد،
فلا علاقة لي بالأماني الصغيرة التي ترتع في حياة أحدهم.
إن شئتم سيذوب حديثي في قهوتكم التي ترتشفون؛ أنا الغريبة التي تواصل أنفاسها، وتلتصق بزجاج النوافذ،
لأن الزرقة تتقن الغناء؛ تطلق مواويلها؛ كلمات حب بطعم الزبد.
زيارتي خاطفة، وشرفاتنا الصغيرة وجوهٌ تطل..
ليس شعراً -ديروا بالكم - بل فيئاً أزرقَ أًصافح به أعينكم هذا الصباح..
فهل أدركتم ماأعني؟
سطر مضيء:
الليلة أستطيع كتابة الأبيات الأشدّ حزناً.
أحببتها،
وهي أيضاً أحبّتني أحياناً.
وخلال ليالٍ كهذه احتضنتها بين ذراعيّ.
قبّلتها مرّة بعد مرّة،
سماء بلا نهاية.
(نيرودا)
جريدة النهار الكويتية12/9/2007

11 سبتمبر 2007

جهة الزرقة: خفة النص

كنت أتابع حلقة من – بقعة ضوء - أحد المسلسلات السورية التي عرضت رمضان الفائت، ورغم أن الحلقة قديمة، إلا أني تابعت حركة الكاميرا بنفس حماسة المشاهدة الأولى، فاللقطات البصرية سحرتني بواقعيتها وبما نقلته من تفاصيل مبهرة في إقناعها، وفي نهاية الحلقة حمدت الله أن الدراما خرجت من حقبة التصنع التي كانت فيها أهداب الممثلة تكاد تصطدم بعدسة الكاميرا، فيما هي تتمطى متثائبة بشعر مصفف وأحمر شفاه قان.!
ولاأدري فعلا كيف كنا نتقبل تلك النوعية من المشاهد..! الواقعية أكثر تأثيراً والتصاقاً بالوجدان، لإنها تنقل حالات تشبهنا تماماً .. فنتعاطف معها حد التماهي.. وقتها تصل الرسالة المرجوة من المشهد المصور، لأنها مقنعة، وهو ماأدعوه أضعف الإيمان..
الأمر ينطبق ليس على المسلسلات والتمثيل فحسب، بل ينسحب على حالات الكتابة السردية، إذ أن المبدعين أولئك الذين يكتبون بسلاسة دون حذق الصياغة التي تربك علاقتنا ، و حين أتحدث عن هيمنة النص على القارئ أثناء القراءة فهذا يعني ارتباطه به بشكل أو بآخر ، هذا يحدث فقط عندما نتعاطف مع المادة، والتعاطف يتأتى في درجة انفعالنا مع المادة/ النص، وسلاسته.
لايعني هذا أني أقلل من أهمية الجمال اللغوي في الخطاب السردي، طالما أن الجمال أيضاً لايعني التكلف، كما لايعني استعراض العضلات اللغوية في النحت والصياغة على حساب الحدث، وعلى سبيل المثال في رواية لصديق أقدره، نغص عليّ دون رحمة متابعتي حين استخدم مفردة – جلمود وهي -للذي لايعرفها -تعني الحجر الكبير، فكان بطله يستند إلى جلمود ويفكر في حال دنياه ، مما أفقدني طاقتي على الاقتناع بأن الرجل في ورطة نفسية حقاً..
إن الكاتب سواء أراد أن ينقل واقعاً سحرياً(خليط بين الواقع والفانتزيا) أو غرائبياً فمن المستحب أن يتخفف من الحمولة الزائدة اللغوية كي يحتفظ النص بخفته
نشر في جريدة النهار الكويتية بتاريخ 9/9/2007

01 سبتمبر 2007

مسجات حب

حين تغضب أختي فإنها ترفع حاجباً، وتنزل آخر، أما ابنتها فما أن يتعكر مزاجها حتى تتسع حدقتيها باستنكار واضح..
فالعين نافذة تشرع نفسها على الروح مباشرة، لتفضح مايعتمر داخلها من أحاسيس. ومازلت شخصياًً أؤمن بأن العيون أكثر قدرة على تبادل الشفرات النفسية التي تجعلني أميل أو لا أميل لهذا أو لذاك من الناس دون أن أعرف عنه شيئاً.. ولم تترك اللغة العربية في العين شاردة ولاواردة إلا ووضعت لها مسمى خاصاً، بحسب صفتها فهناك العين الحوراء(اتساع سواد العين كالظباء) والوطفاء (طويلة الهدب) والكحلاء( الجفن الداكن كأن به كحلاً) والدعجاء(شديدة السواد)،فأن ترميك عاشقة بلحظها هذا يعني أنها تنظر إليك بآخر عينها.
وقد أقر بجمال العين الشعراء والعشاق والحكماء وربما الساسة مؤخراً.. بل لم تستطع أياً من أنواع الجمال الأخرى أن تزاحم ماللعين من وضع خاص ومميز بما حباها الله من سلطة وسلطان.. حتى أن الطرف الذي به حور – على حد قول شاعرنا – يصبح خطراً أكيداً يجعل الناظر إليه يخر قتيلاًً.. وقد تكفلت الأبيات الشعرية بوصف العين ومعالم حُسنها، فأفاضت وأبدعت، كذلك تعهدت مستحضرات التجميل من ماسكرا وكحل وعدسات ملونة وأهداب اصطناعية بتوضيح معالم فتنة العين وإظهاره.
ولا تنحصر مخاطر العين عند حدود جمالها الفاتك فحسب، فالعيون تشِّف عما يعتمر في دواخلك من مناوشات، وما يضيق به صدرك أو يتسع .. فالعين تبرق وتلمع عند الفرح، وتكمد وتخبو حين النكد، و تنكسر نهائياً أمام المصيبة أو المحنة، أما إن داهمها العشق، فلابد للعين من أن تفضح العاشق، فهي تصفو وترق كلما طافت بملامح الحبيب،.ويبدو أن حاسة النظر سبباً مباشراً للوقوع في الحب حسب ما قال أحدهم:
إن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر
ويبدو أن هذه الطريقة القديمة – أي تبادل نظرات الحب - كانت رائجة قبل موضة رسائل الـ sms
التي
يستخدمها
بعض الشباب في محاولات غزلية فاضحة، توفرعليهم الوقت والجهد، والأدهى حين يتناقلونها علانية على الشريط المتحرك في التلفاز، فيفسدون عليّ متعة متابعة أغنية بمزاج طيب..فأنظر إلى الشاشة وأنا أرفع حاجباً وأنزل آخر كما تفعل أختي
.
مقال نشر في القبس الكويتية.