كرزاي يقرّ قانونًا يحلل اغتصاب الزوج لزوجته ويحرم عليها الخروج دون إذنه *
آه لو يكون في مقدورنا إرضاء الرغبات الأكثر تعقيدا وانحرافا لمتطرفي العالم. يسعى البعض منهم إلى امتلاك المرأة ضدا على إرادتها فيما يحاول البعض الآخر تحريم وسائل منع الحمل والواقي الذكري، وقاسمهم المشترك الشعور بالكبت في علاقتهم بالمرأة. ولئن كانت النساء تناضل في كل أنحاء العالم من أجل الحفاظ على كرامتهن وتحسين شروط عيشهن، فإن بعض الدول مثل أفغانستان تسعى إلى نصرة الرجال بواسطة سن قانون يجبر النساء على الاستسلام الجنسي لأزواجهن حتى وإن كانوا سريعي القذف أو ذوي روائح كريهة أو حتى إن كانوا لا يثيرون لديهن أية رغبة. واعتبارا لذلك، لا يكون ثمة من دواء للشعور بالقرف غير الاغتصاب.
للمتطرفين مشكلة حقيقية مع المرأة وتحديدا مع جهازها التناسلي. وسواء تعلق الأمر باليهودية أو الكاثوليكية أو الإسلام، فإن التطرف يرتعد حيال جسد المرأة و ينتابه الخوف حيال جهازها التناسلي فيتصرف بعنف من يعاني من الكبت أو الاضطرابات بسبب الجنس، وهنا أساس المشكلة. لن نفهم شيئا من دوافع المتطرفين إذا نحن لم نأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الأساسي في سيكولوجيتهم ووجودهم. ويجد كل ذلك تجسيده في ارتداء الحجاب أو البرقع أو الجلباب. ينبغي للمرأة أن تكون مختفية وغير مرئية وبعيدة عن الأنظار وعن الحياة. يقول الرجل: لا تلمس زوجتي أو ابنتي أو أختي أو أمي. ويعني ذلك بتعبير آخر: هذا الجسد ملك لي ولا يحق لأحد أن يقترب منه. يلزم للشخص أن يكون في أسوأ أحواله ما دام راغبا في الاستحواذ على جسد الآخر. ولكي يبرر هذه العقلية، فإنه يحتكم إلى الدين الذي لا يخوله هذا الحق. بيد أنه تنبغي الإشارة إلى أن الأديان لا تتوخى العدل كلية حيال المرأة.
يتخيل الطالبان على سبيل المثال عالما تتوارى داخله المرأة أو توجد لكن في وضعية احتجاز داخل منزل ودون أي حق في الخروج. لا يعني ذلك عزوفهم عن الجنس؛ إذ يحبون على العكس ذلك إلى درجة رغبتهم في امتلاكه والالتذاذ الحصري به. في هذا السياق، إذن، تأتي دلالة مشروع القانون الذي رخصه مؤخرا الرئيس الأفغاني كرزاي والذي يبيح اغتصاب الزوج لزوجته ويحرم عليها الخروج من المنزل دون إذنه. يستهدف هذا القانون النساء الشيعيات (10% من السكان)، ويعول كرزاي على هذا القانون كي يحصل على تعاطف وأصوات الشيعة في الانتخابات المقبلة. وبعد الاحتجاجات التي عبّرت عنها بعض الدول اضطر كرزاي إلى سحب مشروع قانونه. لكن الرجال سوف يستمرون في التعامل بعنف ووحشية مع المرأة في ظل أو غياب هذا القانون.
ومهما يكن، فإن هذا القانون الجدير بحقبة الجاهلية، حيث كان بعض البدويين يعمدون إلى وأد بناتهم خوفا من العار والفضيحة، يتسم بالغباء والوقاحة. ما الذي يمكن لقانون أن يفعله داخل غرفة نوم رجل وزوجته؟ ما الذي يمكن أن يأتي به إلى العلاقة الحميمة بين رجل وامرأة؟ أية لذة سوف يحصل عليها الرجل الذي سوف يشعر بنفسه قويا بفضل هذا القانون؟ لا يتعلق الأمر بغير لذة مفروضة بواسطة النص وعنف مشرع بواسطة قانون يشتمل على معنى للعدالة والواقعية مفرط في الغرابة.
تناضل النساء في أفغانستان ويتنظمن في جمعيات ويتلقين مساعدة المنظمات النسائية في عدة بلدان. غير أن تمكن رجل مثل كرزاي من توقيع مشروع هذا القانون يفضح الشيء الكثير عن شهوة السلطة التي تستبد به. كيف يمكنه الحضور أمام الغربيين الذين يتردد عليهم بانتظام وقد أشرع المجال أمام الاغتصاب في إطار الحياة الزوجية؟ إنه يرغب في أن ينظر إليه الطالبان باعتباره رجلا سياسيا يروم الاقتراب منهم. غير أن الطالبان يرغبون فيما هو أكثر من ذلك ولن يكتفوا بقانون يتعلق بالممارسة الجنسية. ذلك أنهم يرغبون في فرض الوصاية على كل المجتمع وإفساح المجال أمام وحشية تفوق ما يسعنا تخيله. هكذا، إذن، يقدم السيد كرزاي على خطوة في الاتجاه غير الصحيح وينجز تقديرا سيئا للأمور. ويعني ذلك أنه لم يفعل سوى أن عاد بمشروع قانونه الغريب خطوة إلى الوراء على الأقل حتى هذه الساعة.
المرأة التي تلتذ بالجنس سيئة الخلق وينظر إليها باعتبارها عاهرة - إلا أن بائعات الهوى لا يشعرن أبدا بالمتعة؛ ذلك أن الأمر لا يتعلق بلذة وإنما بعمل وسخرة من أجل الحصول على لقمة العيش - سوف يكون من المفيد حمل الرجال المتوجسين من هذه المتعة على قراءة بعض شهادات النساء اللاتي يروين حياتهن الجنسية. بيد أننا لن نقدم على ذلك؛ لأن الأهم يكمن في مناهضة هذه المبادرة الأفغانية التي لن يكون لها من تأثير غير جعل الأمور أكثر سوءا في هذه البلاد وتسريع عودة الطالبان إلى المشهد السياسي. ذلك أن الرهان الرئيسي في هذه المنطقة المثخنة بعدة حروب يتمثل في اختيار نموذج مجتمع ومرحلة تاريخية. ولسوء الحظ، فإنني متشائم؛ لأن الجيوش الغربية لن تتمكن من استئصال خطر الطالبان. ذلك أن السياق الجغرافي وعر والوسائل غير متكافئة والشعب مفتقر إلى اليقين فيما يهم اختياراته. ووحدهم الأفغان أنفسهم من يستطيعون القضاء على الطالبان. لكن ما دامت هذه الحرب موصولة بتجارة الأفيون وما دام المال السهل ممكنا، فإن الصراع سوف يكون قاسيا ومفتقرا إلى الوضوح.
في فيلم "حرب الأفيون" للمخرج الأفغاني صديق برمك، نشاهد صفا من النساء يرتدين البرقع ويمشين في الأفق باتجاه حقل للأفيون. وعندما يصل هذا الصف إلى الحقل يعمد الأشخاص إلى نزع البرقع لنكتشف أن الأمر لا يتعلق بغير مجموعة مسلحة من مقاتلي الطالبان جاءت لاستلام نصيبها من مبيعات هذا المخدر. وينبغي للقرويين أن يدفعوا الثمن كي يتجنبوا الموت قتلا. تلخص هذه الصورة الوضعية برمتها؛ إذ تتمحور الحرب في أفغانستان حول الأفيون والمرأة. وينبغي تأسيسا على ذلك مراقبة الاثنين، وإلا شكل ذلك نذيرا بنهاية المأساة التي استهلت بوحشية ترتكب باسم إسلام بريء منها ومن ممارساتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق