ألفة قديمة تربط المثقف مع المقهى، كفضاء مكاني يعكس أفكاره وحضوره، ويشغل حيزاً من جدوله اليومي، فنجيب محفوظ كان ينتقل بين مقاهي القاهرة ضمن مواعيد معروفة، وكان مقهى الفيشاوي ومقهى الريش أثيرين لديه، بل ان مقهى الريش الذي تعود عراقته كما تعلن اللافتة المعلقة على بابه الى مئة عام مضت، مازال يزهو بصور رواده من عظماء وفنانين وأدباء صنعوا حضوره في الذاكرة وتاريخ المكان.. سجالات المقاهي وشجاراتها وما يدور بين جدرانها تكتسب مع الوقت أهمية خاصة، كطرائف وحوادث ومواقف يتناقلها روادها.. لكن على قدر معرفتي لم تستطع مقاهي العولمة مثل ستار بكس وسكند كب بكل ما تتيحه من خلطات قهوة جديدة ومرغوبة أن تستقطب قلوب المثقفين، التي مازالت تميل إلى مقاهيها الأكثر شعبية وجاذبية، والمنتشرة هنا وهناك في عواصم ومدن البلاد العربية.
في الكويت لا تبدو فكرة مقهى المثقفين واضحة المعالم، بحيث يشهر مكان بعينه كمركز فاعل ومؤثر في المشهد الثقافي، إذ تطغى فكرة الديوانيات التي تبدو أكثر حضوراً في الحراك السياسي عنها في تعاطي الشأن الثقافي. فيما لا تتعدى قضايا المثقفين وأحوالهم حدود ديوانية رابطة الأدباء، والتي تبنى مجلسها الجديد فكرة تحديثه وانشاء مقهى ثقافي مزود بمكتبة مقروءة ومسموعة ومرئية، يلتقي فيه المهتمون بالشأن الأدبي والثقافي والفكري.
فيما عدا ذلك، وقبل استئناف نشاط ملتقى الثلاثاء، الذي استقطب حضورا مميزاً، اعتاد بعض الشبان من شعراء وصحافيين، عقد مجلسهم في مقهى في منطقة الفروانية، وبطبيعة الحال المكان لا يرحب بالحضور النسائي..
اضافة إلى ملتقى مجموعة «أوراق» الشهرية أيضاً وقبل سنوات مع افتتاح مكتبة فيرجن ظننت أنه المكان المناسب لمقهى يتيح الى جانب القهوة وجبة دسمة من الكتب مع خدمة الانترنت، لكن سرعان ما تقلصت مساحة المكتبة لحساب اعتبارات تسويقية أخرى، ليطغى الجانب التجاري على المكان. هكذا تبدو العزلة سمة سائدة بين مثقفي الكويت على قلتهم، الأمر الذي لم تستطع المحاضرات والندوات كسره الا بشكل عابر وغير مستمر، بالطبع لن ننكر المزاجية كسلوكية تخص الأدباء والشعراء عموماً، والتي يجب ألا تتنافى مع الحاجة إلى حرارة المعيش الاجتماعي والاحتكاك بالجماعة، واكتساب خبرات الجدل والنقاش والاختلاف..
وهنا لابد من التنويه إلى أن الموضوع الذي أثارته الزميلة أفراح الهندال حول ملتقى الثلاثاء بما له وما عليه، كان فرصة لتحريك الساكن.. أيضاً هناك الحساسية التي تبدو دائما طافية على السطح، بحيث صارت تسبغ لونا سلوكيا غير متعاون، واقصائي، وكلاهما أي المزاجية والحساسية لا تصبان في مصلحة عجلة الثقافة التي تبدو متعثرة وهامدة وتتأثر بأي سبب حتى لو كان موسم الصيف الذي يشل البرامج الثقافية المشلولة اصلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق