06 أكتوبر 2009

مسلسل زمن العار.. دراما واقعية تحكي هوية المجتمع ووجدانه



ت
حظى المسلسلات السورية بنسبة متزايدة من المتابعة، خاصة بعد ان تخلصت من عقدة البطولة المطلقة، والشخصية التي (خرطها الخراط وقلب مات)، وحين نضيف إلى ذلك الخبرة، التقنيات الحديثة، ورفع سقف حجم الإنتاج، نصل إلى عدد لابأس به من أعمال متكاملة ومميزة أو قريبة من ذلك. لا تستخف بعقلية المشاهد،. ولا تملأ ساعات التلفزة ببث غث. ونسقط من حسبة الأعمال هذه التي تتسول فكرة الحارة الشامية، ومسلسلات الخلطة السحرية في التباهي بأكبر عدد من الجميلات. أحد المسلسلات الجادة والتي تستحق المتابعة في هذا الموسم الرمضاني بحيث لايفوتك مشهد ولو قصير هو (زمن العار) الذي يقدم من خلال شبكة علاقات اجتماعية بين عائلتين،قصة بثينة الفتاة التي تسيرها أقدارها فتفني سنوات عمرها، على حساب تحصيلها العلمي، لتقوم على خدمة امها واسرتها. بثينة تقع في غواية جميل زوج صديقتها، وتؤدي علاقة زواجها السري به إلى حمل، لكن كشف هذه الفضيحة أمام عائلتها، يضطرها إلى الهرب، فمفهوم العار جراء مافعلته هو الامر الوحيد المتفق عليه، والذي يستوجب الانتقام، أما الرشوة والكذب، والخيانة، والفساد، وكل الممارسات السلبية التي يمارسها من حولها، فهي لاتشكل مفهوماً لعار مخجل..!

فكرة العار الجماعي

المسلسل يسعى إلى الخروج من مفهوم العار الضيق والمحدود بشرف المرأة المرتبط بمفهوم عود الكبريت، والذي يغفل كل الحرائق الاخلاقية الاخرى، موضحاً تلك التناقضات المؤذية، فأخو بثينة موظف مرتشٍ ومع ذلك هو يسعى لغسل شرف أخته!. كما يطرح المسلسل فكرة الفساد الذي يتعلق بالظروف الاقتصادية المتدنية، وماطرأ على مجتمعاتنا من انخفاض مستوى العلاقات الانسانية وتفشي الانانية والمصالح الشخصية على حساب أي شيء آخر. إن اختلال التقسيم الطبقي للمجتمع السوري، وزوال الطبقة الوسطى التي كان يشكلها في العادة الموظفون على حساب وسائل الثراء الفاحش والفقر المدقع، وتنامي المناطق السكنية العشوائية كل ذلك أدى إلى اختلال القيم المتعارف عليها في جيل اتكالي.. رافض للقيم..لامبال.. يقدم مصلحته على الاعتبارات الاخرى.. هذه الواقعية السوداء لم تخل من بعض الشخصيات التي تحاول الحفاظ على شرطها الانساني، لكنها تبدو منهكة، وضعيفة، وليست ذات تأثير مجد.

سلافة معمار أداء يحسب لها

لابد من الإشادة بالممثلة سلافة معمار التي برعت في أداء دورها، وكأن الكاميرا تكتشفها من جديد، كفتاة مأزومة ومحاصرة، وتحسب لها عدا طاقتها في التمثيل المقنع، ظهورها بحسب ما تقتضيه الشخصية بدون مكياج ( وهذا أمر صار نادراً بين ممثلات لن يتمكن اي مشهد من تخريب تسريحة شعرهن أو تشويه حمرة شفاههن). سلافة معمار كانت تبكي وتصرخ وتعاني وتنظف دون أن يعنيها إلا صدقية مقنعة وصلت بها إلى اقصى حالات الجمال المطلوب من ممثلة درامية بمستوى عال من الموهبة والفنية. يتخلل الخط الدرامي الاساس في المسلسل شخصيات أخرى تحاول التعايش لكنها تبدو عاجزة قليلة الحيلة، في مواجهة أزمات وظروف تتضخم مثل كرة ثلج، والتي تجعل من الحياة نقمة لانعمة، كبائع الكتب المستعملة على ارصفة دمشق ويقوم بالدور الممثل بسام كوسا بالاقتدار والتميز الذين عرف بها.

دراما الواقع تحكي هوية المجتمع ووجدانه، فتبدو ساحرة بتأثيرها على المتابع الذي يتفاعل مع مشاهد تحاكي عوالمه، صحيح انها توجع القلب وقد تفرطه، وصحيح انها لا تقدم حلولاً، لكن هذا النبش بكل تلك الحساسية يكشف الزيف، وهذا اضعف الايمان.

عمل متكامل

زمن العار سيناريو مشترك بين الكاتبين حسين سامي يوسف ونجيب نصير، وقد تعرض كما تناقلت الصحف إلى نقد حول عنوانه الفج، عن ذلك يقول حسين سامي يوسف في حوار له مع جريدة الراية: «ربما صار لزاماً علينا وبعد كل القهر الذي نعيشه أن نطرح أفكارنا بشكل مباشر وصريح، فكيفما تلفتنا حولنا رأينا العارمحيطاً بنا، وهكذا وصلنا إلى وضع هذا العنوان. كانت لدينا عناوين أخرى مثل (المدينة الفاضلة) لكن هذا العنوان المقلوب هو أيضاً مباشر ولا يمت بصلة للعار الذي نتحدث عنه فاستقررنا على عنوان «العار» ثم أضافت الشركة المنتجة كلمة «زمن» العنوان شيء مهم في العمل ويعطي المتلقي فكرة عن العمل، لكن الأهم هو العمل ذاته ومضمون المادة المقدمة فيه». زمن العار من اخراج رشا شربتجي ابنة هشام شربتجي والتي تميزت بتوجهها المناصر لقضايا النساء، وسبق لها أن اخرجت عددا من الاعمال اللافتة مثل مسلسل «غزلان في غابة الذئاب»، و«يوم ممطر اخر»، كما خاضت غمار تجربة مصرية عندما أخرجت مسلسل «شرف فتح الباب».. وترى أن الامتياز الأساس للعمل يكمن في انطوائه على «قليل من الأحداث وكثير من الأحاسيس، كثير من الألم». يعزز ذلك الحوار المتمكن كي يصل بنا كمشاهدين إلى أقصى حالات التأثر والانتباه.

يشارك في مسلسل العار الذي يتم عرضه على عدة قنوات تلفزيونية نخبة من النجوم السوريين منهم الفنانون بسام كوسا، تيم حسن، سلافة معمار، مكسيم خليل، خالد تاجا، منى واصف، نضال سيجري، سمر سامي، ثناء دبسي، سليم صبري، ديمة بياعة، كندا حنا، قمر خلف وآخرون. والمسلسل من إنتاج شركة «عاج للإنتاج والتوزيع الفني».

ليست هناك تعليقات: