28 أكتوبر 2009

لاامانع الخوض في الجسد









القاصّة سوزان خواتمي:
لا أمانع الخوض في الجسد حين تتطلّب القصة ذلك
حوار ادم يوسف


جريدة الجريدة الكويتية

أصدرت القاصة السورية سوزان خواتمي أربع مجموعات قصصية، أبرزها «قبلة خرساء»، الكتاب الذي حظي بإشادة صحافية وقراءات متعددة. في حديثها إلى «الجريدة» توضح خواتمي أن الخوض في الجسد أمر لا يعيب الكتابة إذا كان في سياقه القصصي السليم بعيداً عن الإثارة، موضحة أنها تعيش حنيناً جارفاً إلى المكان الأول في حياتها (مدينة حلب) متتبعة ملامح الوجوه وانفعالات الإنسان في أي بقعة أخرى تقصدها من العالم.

نلت جائزة سعاد الصباح عام 1993، ماذا أحدثت في نفسك؟

منعطف بعينه، بغض النظر عن الظروف الأخرى المحيطة، قادر على أن يحول أسلوب حياتك ومصيرك. بالتأكيد أثّرت جائزة سعاد الصباح فيّ بشكل مباشر وإيجابي، إضافة إلى البهجة التي أدخلتها إلى قلبي. فللجائزة دعمها المعنوي، ما جعلني أحدد هدفاً لم يكن واضحاً أمامي سابقاً. الإبداع رمال متحركة، بلا يقين، خصوصاً حين تأتي عن طريق الهواية، من غير أي تأكيد معرفي. تحصيلي الجامعي هو العلوم الطبيعية، وإن لم أكمل مشواري فيها، وتبقى الدراسة العلمية مجالاً بعيداً عن الكتابة، وجائزة الصباح حددت يقيني كي أبدأ المشوار.

«قبلة خرساء» كتابك الأبرز ضمن مجموعاتك القصصية، هل ثمة ظروف معينة واكبت كتابة قصصه؟

ستضحك إن عرفت أن التعجل كان الظرف الذي أحاط بالنشر. عندما سمعت عن إعلان «دار قدمس»، وعلى رغم أنني لم أكن قد أنتهيت تماماً من المجموعة، رأيتها فرصة سانحة للنشر، خصوصاً أنني لا أملك الحماسة ولا الخبرة ولا الرغبة في الخوض في مسألة النشر الخاص... وفعلاً تخليت عن طريقتي السلحفاتية في الكتابة، بعد الإضافة والمراجعة والحذف، وأعددت مخطط المجموعة، وتم اختيارها ضمن سلسلة صدرت لكاتبات من العالم.

كان لاهتمام مدير الدار زياد منى ودقته الكثير من الفضل كي تخرج المجموعة بالشكل الأمثل طباعياً، وإن عانيت في ما بعد من مشكلة التوزيع، فمجموعتي المطبوعة في دمشق لم تصل إلى حلب... تخيل!

أشاد بعض النقاد بتقنيات الكتابة لديك، خصوصاً بالنسبة إلى الخاتمة التي تأتي مفاجأة وغير متوقعة، هل تحددين آلية معينة للسرد القصصي قبل البدء بالكتابة.

ما من خطة مسبقة تحكم لحظة الكتابة لأن السياقات تحظى بأمزجتها، والقصة لا تبدأ عندي وتنتهي في جلسة واحدة. التغيير يجعلني أصل إلى منطقة مختلفة عما بدأت، لا سيما في ما يتعلّق بالخاتمة المفاجئة، ربما كي أضلل القارئ، وأبعده عن شروطه المسبقة. إن استطعت التقاط لحظة الدهشة، لن أتاخر، والخاتمة غير المتوقعة تكون سبباً في إعادة القراءة، وملاحظة التفاصيل التي لم يتم الانتباه إليها ربما لأن الحياة بمجملها تحكمها الصدف غير المتوقعة.

يحوي «قبلة خرساء» شخصيات نسائية، بعضها مكسور الجناح، وبعضها قوي بأنوثته وإغوائه، لماذا المرأة تحديداً؟

لا أتهرب من تعاطفي المستمر مع قضايا النساء، شئت أم أبيت أنا ككاتبة أكثر فهماً لطبيعة المرأة، لانفعالاتها وتناقضاتها، للضغوط التي تعايشها، لأنماط تفكيرها، وشخصيتها. المرأة كائن أكثر تعقيداً من الرجل، وهي حاضرة في قصصي لأنني ما زلت على قناعة بأن مجتمعاتنا لم تنصفها، فغبن كبير يقع عليها، يقننها ضمن إطارات محددة أقل بكثير مما تستحق. أحب للحياة أن تكون عادلة مع إناثها، لذا لا أفعل شيئاً سوى أنني أكتب المرأة بخيرها وشرها.

تسترسلين في وصف المكان، الأزقة الملتوية، الباعة المتجولون، وزحام الشارع، هل هو الحنين إلى حلب مسقط رأسك؟

نعم، جداً. أملك عطباً في قلبي اسمه الحنين، إلى درجة أنني لم استطع بناء ذاكرة مكانية غنية في مكان آخر مثل حلب. حتى في الدول التي زرتها وأحببتها، تركز التقاطاتي البصرية على الناس والانفعالات، وتهمل تماماً جغرافية المكان وتفاصيله. الحنين حالة شجن تتشبث بي لتسحبني عنوة إلى توصيف مدينتي الأجمل، حتى بعد أن شاخت، وفقدت الكثير من فتنتها وبهائها.

هل أثر عملك في الصحافة على عملك الابداعي، خصوصاً أنك انضممت إلى هذا العالم منذ فترة قصيرة؟

نعم أثر بشكل كبير، خصوصاً أن العمل الصحافي لا يتحدد بمواعيد منتظمة. الكتابة الخاصة أيضاً مزاجية، ويصعب علي برمجتها. منجزي الإبداعي لم يكن غزيراً في الأصل، لكن «يا محلاه» مقارنة بحجم ما أكتبه اليوم! تضطرني المهنة إلى إعطاء الكتابة الصحافية الأولوية على حساب تأجيل فكرة رائعة تجول في مخيلتي، التي غالباً ما تتبخر أو تفتر حماستي تجاهها، على رغم ذلك أجد الصحافة المهنة الأكثر التصاقاً باهتماماتي الأدبية، وإن لم أحبها بعد.

هل تفكرين بالانتقال إلى الكتابة الروائية؟

نعم، كثيراً. أعمل على مشروع رواية راهناً، ربما هي تجربة استثنائية في الكتابة المشتركة مع أحد الأصدقاء. طبعاً ثمة مشاكل وعوائق كثيرة، إن لم تغلبنا، سأكون سعيدة بأن يرى هذا العمل النور قريبًا، إضافة إلى رواية قصيرة، آمل أن أنجز شيئاً منها خلال إجازتي المقبلة. قد يبدو غريباً أن أخبرك أن أغلب قراءاتي، وأنا قارئة نهمة جداً، يأتي في مجال الرواية، أكثر من أي نمط كتابي آخر.

«الحق يقال، لم يأخذني عنوة، سألني ما رأيك؟.. فسكت. بعدها تتالت الأمور، كما لو أنها تحدث لغيري». هل المقطع المشار باب للحكاية عبر الجسد؟

بطلة «قبلة خرساء» المأخوذ منها هذا المقطع، لا تشعر بجسدها، إلى درجة أنك تتعاطف معها حتى وهي تستثمره. على كل لا أمانع الخوض في هذا المجال حين تتطلب القصة ذلك.. فالجسد إحدى أكثر المناطق التباساً، وفي الوقت نفسه أعترض من حيث المبدأ على الخوض في هذه المنطقة لأجل لفت نظر الإعلام، وبغية الانتشار. الكتابة اختياري الأحب، وأرفض التعامل معها بمحدودية الإثارة كهدف بحد ذاته.

إلى أي حد يمكننا توظيف الجسد في الكتابة القصصية؟

التوظيف الجيد لآليات القصة يصنع قصة متميزة، سواء اعتمدت في موضوعها على الجسد أم على غيره. ثمة مشكلة تخصنا كمجتمع شرقي، ينوء تحت ثقل أعرافه وتقاليده ومفاهيمه، إذ نرى أن الجسد منطقة ألغام خطرة. لست جريئة إلى درجة تجاوز كل شيء، وقلب الطاولة، وهي «على فكرة» ليست ميزة، ولا ادعاء أخلاقي من أي نوع، على العكس تماماً. لكنني لا أعجز عن ابتكار إسلوب خاص على مستوى اللغة والموضوع والصورة، مستوى لا يخدش ولا يصدم، وفي الوقت نفسه لا يتجاهل أبداً هذا الجانب الجسدي من ذواتنا...

ليست هناك تعليقات: