28 أكتوبر 2009

ستبقى القبل خرساء







لا تؤمن بنسوية الأدب وتصدر روايتها بعد قرن
سوزان خواتمي: ستبقى القبل خرساء

حوار: محمد هشام المغربي
جريدة القبس

منذ أن اقترفت الكتابة ذنباً شهياً كانت بدايتها، تلك الصبية الحلبية، أن فازت عام 1993 بجائزة سعاد الصباح عن «رسالة إلى شهيد»، و عام 2002 حصلت على جائزة البتاني في الرقة للقصة القصيرة. والحكايات نهر يسيل.

• أسميت مدونتك «شبابيك الغربة»، صفي لنا المشهد من شباك غربتك؟
ـــ من مدونتي أطل على نفسي المشتتة في المكان، إنها حالة من التعبير الحر، أو طريقة آمنة للقفز في الهواء، أقتل بها حالة الانتظار الحادة حين يعصف الحنين.. هي شبابيك لتواصل متبادل: أشخبط ، أحكي ، ألعب، أبكي ، وأحتفظ بحالات قلقي داخل ذاكرة الشبكة العنكبوتية ،مثل لقطات فوتوغرافية لغربتي .. المدونة بشكل عام حالة فريدة من الحرية، بعيداً عن أي سلطة.

• هل حقا قلت. «كل شيء عن الحب»؟
ـــ ما من عاقل يستطيع أن يقول كل شيء عن أي شيء، إلا المدّعي..! أحاول أن أحيط بملامح الحب، فما بين لحظتي الولادة والموت هناك فرصة لأن يعيش بنا الحب ونعيشه، وأقصد هنا فهمي للحب كطاقة على العطاء، وفي قصة «كل شيء عن الحب» التي تحمل المجموعة اسمها، أعبر عن أقصى حالات الحب، كما أرصدها من وجهة نظري، والحقيقة أني تعمدت اختيار هذا العنوان الملتبس المغري جداً والمنفر جداً، وقد صحّ توقعي، فالبعض اشترى الكتاب لأنه أراد أن يعرف كل شيء عن الحب ، والبعض امتنع عن شرائه للسبب المعاكس، فهناك من ينظر إلى الحب باعتباره عيباً، فكيف إن كان كل شيء عنه!
• يقال إن هذا العصر عصر الرواية ــ طبعا في مقابل الشعر ــ فما موقع القصة القصيرة في نظرك؟
ـــ بالنسبة إليّ ككائن يتعلق بالأشياء والأشخاص والأماكن، تعلقت بهذا الفن الجميل، فالعشرة بيننا طويلة وتمتد إلى أربع مجموعات قصصية.. القصة القصيرة لماحة، سريعة الإيقاع، مختزلة في المشاعر، عميقة في التأثير، وأيضاً متعددة الدلالات على رغم قصرها بما لايتعدى القليل من الصفحات ، وهو أمر حيوي لمن يهوى التلميح عن التصريح، والمواربة عن اليقين، ليستطيع أن يصل إلى معناه الخاص كقارئ .. إضافة إلى أنها تناسب إيقاع الحياة السريع، ليس بالنسبة إلى القارئ (المستعجل) فحسب، بل إلى الكاتب أيضاً، وأعترف بأني منذ سنة كاملة مضت أدرجت فكرة كتابة الرواية ضمن برامجي المستقبلية، ويبدو أن سنيناً أخرى ستمضي قبل أن تتحول إلى أوراق جاهزة للنشر، وعلى هذا الأساس، تخيل ــ على سبيل المثال ــ كم سأحتاج من العمر لأنشر روايتين أو أكثر قليلاً..!

• كيف ترين المشهد السردي في الكويت بمستوييه الروائي والقصصي خصوصا في ظل ظهور الجيل الجديد؟
ــ أنا من أشد المعجبات بالجيل الجديد الذي ظهر أخيرا ضمن المشهد الثقافي الكويتي، إنه جيل متميز وواع، وإن كنت آخذ عليه بعض الانتقادات والملاحظات، متمنية عليه أن لايضيق الخناق على أنفاسه، وينفتح على كل التجارب، ويوسع نطاق المنافسة الإيجابية، فلا يكتفي بإنجازه الداخلي الضيق.. ولا يحول المنافسة الشريفة إلى عداء لايفيد أحداً.. وأخيراً ألا يقتله الغرور فكلنا يعرف أنه مقبرة العظماء..

• هل القصاصة أو الروائية الكويتية تؤدي دورها والتزامها تجاه قضاياها الخاصة في نظرك؟
ــ لا أظن أن الكاتبة ــ الأنثى في أي مكان من عالمنا العربي استطاعت أن تعبر عن نفسها بالحرية المرجوة، إما تحرجاً من المواضيع المطروحة أو تخوفاً من النتائج. الكتابة وعلى الرغم من أنها شكل من أشكال التعبير عن الذات ، فهي لا تنفصل عن التأثر بالسلوك الاجتماعي والثقافي العام، وتخضع لاحتكامات مرحلتها وثقافة زمانها، مايجعلها جزءا من القضايا الجمعية العامة.. ونجد التمايز واضحاً حين نقارن الكتابات الشابة بالكتابات السابقة من خلال المواضيع المطروحة وجرأة الآراء والمناخ العام المغاير بكل تأكيد.. فحيثما كانت الكتابة فإنها تعبير عن قضية ورأي.

• في ظاهرة شبابية نلاحظ ميل الأعم لكثرة الإصدارات، ما رأيك في ذلك؟
ـــ الاندفاع الذي يقترن بمرحلة الشباب يجعلهم راضين عن قدراتهم الكتابية بما يكفي لدفعها إلى النشر، إضافة إلى عامل الوفرة المادية، لكن من جهة أخرى أنا لاأرى ضرراً من سعي أي من الكتاب الشباب المتحمس للنشر، ففي النهاية هذا يعني اصراره والتزامه في اختيار هذا الطريق، وكلنا يعلم أن المنافع لم تعد مغرية، ولم تعد الكتابة تأخذ حقها من الشهرة إلا ما قل، وفي النهاية تبقى النتيجة في مرحلة مابعد النشر، وهي المعيار الحقيقي لجدوى كل تلك الكتابات..
• تكتبين عن المرأة ، فما موقفك من نسوية الأدب؟
ـــ المصطلح بصيغته الحالية يفترض أن هناك جوهراً محدداً ومفروضاً يميز بينها وبين كتابة الرجل، وهي فكرة غير منطقية، إذ يتحقق الابداع ضمن سياقاته وسماته ومكوناته التي ترتكن إلى اللغة والمخيلة والتنوع وغيرها.. ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسمة الجنسانية للكاتب، وكون الكتابة صادرة عن امرأة لايعني بالضرورة اشتراطات ذهنية مسبقة، كما أنها لاتحدد مجالات معينة للكتابة، وهي لاتتجه إلى القارئة الأنثى بالضرورة، كما هي الحال في ما ينتج تحت مسمى أدب الأطفال على سبيل المثال.

• إلى متى ستظل «القبل خرساء»؟
ـــ مامن موعد معين، لكنه ليس قريباً بالتأكيد، مادام المسكوت عنه يتزايد مع التزايد المستمر لهوس القمع والمحاكمات الفكرية. وفي الوقت الحالي يرتهن الكاتب مرغماً إلى حسابات تخضع لمنطق السلطوية، ولأن حرية أي كاتب أو كاتبة مازالت حرية منقوصة فلا مجال أمامه أو أمامها سوى اعتماد اسلوب التورية والتلميح لا التصريح، مما يجعل الحركة الادبية مقيدة ومشروطة بحدود التابوهات الثلاثة المعروفة.

• في قصصك لا نلمس ظهورا للمحكية والدارجة، فهل هذه مجرد مصادفة أم موقف؟
ــ في العموم الحوارات قليلة في قصصي، أعاني من مشكلة شعوري بأن المكان ضمن القصة القصيرة لايتسع للاعتماد على أكثر من تكنيك كتابي، الحوارات ان لم تكن لغاية في حد ذاتها فهي عبء على القصة، ولا اعتراض عندي على استخدام اللغة المحكية الدارجة بدرجتها العليا، تلك التي هي مابين الفصحى والعامية، كي أضمن وصول المعنى للقارئ أيا كانت جغرافية مكانه..

• بناء الحبكة يتسم بالطول في معظم قصصك، فأين أنت من الاختزال ولغة اللقطة في القصة؟
ـــ لا أوافقك في هذا، فأنا لجوجة في الكتابة، أحيانا تجرني اللغة التي أستهويها، وأجاهدها ، فأنجح حيناًً وأفشل حيناً، وفيما عدا الجملة اللغوية فأنا أسعى إلى هدفي لأني ــ كما أسلفت ــ لجوجة بطبعي، وينعكس هذا على كتاباتي وعلى اسلوب حياتي..

• في عناوين قصصك تميلين إلى صيغة مكررة وهي المضاف والمضاف إليه، ألا تولين تنوع صيغ العنوان أهمية لديك؟
ـــ يتعبني اختيار عناوين قصصي أكثر من كتابة القصة بأكملها، أتخوف من العنوان كونه العتبة الأولى للنص، وغالبا ما أترك قصتي دون مسمى وقتاً طويلاً، وأؤجلها حتى لحظة النشر الأخيرة.. لكني أعترف أني لست بارعة في هذه المسألة.

• ما رأيك في تجربة القصة القصيرة جدا وهل فكرت في خوضها، خصوصا في ظل ريادة السرد السوري في هذا المجال؟
ـــ لست من المتحمسات لهذا النوع الكتابي الذي نشأ في سوريا كتجارب أولى جديدة ومستجدة على الانواع الأدبية، أشعر أنه فن بخيل جداً، ويكاد لايعلق بي شيء من اللقطة ــ القصة، وهو رأيي الشخصي على أي حال.

• ما هو جديدك؟
ـــ رواية ستصدر قريبا بعد قرن من الزمن.. ربما!.

اصداراتها
1. ذاكرة من ورق - إصدار دار سعاد الصباح، عام 1999
2. كل شيء عن الحب - إصدار دار سعاد الصباح، عام 2001
3. فسيفساء امرأة - إصدار اتحاد الكتاب العرب، عام 2004.
4. قبلة خرساء - صوت يصعد شجر الحكاية - إصدار دار قدمس، عام 2007.

لاامانع الخوض في الجسد









القاصّة سوزان خواتمي:
لا أمانع الخوض في الجسد حين تتطلّب القصة ذلك
حوار ادم يوسف


جريدة الجريدة الكويتية

أصدرت القاصة السورية سوزان خواتمي أربع مجموعات قصصية، أبرزها «قبلة خرساء»، الكتاب الذي حظي بإشادة صحافية وقراءات متعددة. في حديثها إلى «الجريدة» توضح خواتمي أن الخوض في الجسد أمر لا يعيب الكتابة إذا كان في سياقه القصصي السليم بعيداً عن الإثارة، موضحة أنها تعيش حنيناً جارفاً إلى المكان الأول في حياتها (مدينة حلب) متتبعة ملامح الوجوه وانفعالات الإنسان في أي بقعة أخرى تقصدها من العالم.

نلت جائزة سعاد الصباح عام 1993، ماذا أحدثت في نفسك؟

منعطف بعينه، بغض النظر عن الظروف الأخرى المحيطة، قادر على أن يحول أسلوب حياتك ومصيرك. بالتأكيد أثّرت جائزة سعاد الصباح فيّ بشكل مباشر وإيجابي، إضافة إلى البهجة التي أدخلتها إلى قلبي. فللجائزة دعمها المعنوي، ما جعلني أحدد هدفاً لم يكن واضحاً أمامي سابقاً. الإبداع رمال متحركة، بلا يقين، خصوصاً حين تأتي عن طريق الهواية، من غير أي تأكيد معرفي. تحصيلي الجامعي هو العلوم الطبيعية، وإن لم أكمل مشواري فيها، وتبقى الدراسة العلمية مجالاً بعيداً عن الكتابة، وجائزة الصباح حددت يقيني كي أبدأ المشوار.

«قبلة خرساء» كتابك الأبرز ضمن مجموعاتك القصصية، هل ثمة ظروف معينة واكبت كتابة قصصه؟

ستضحك إن عرفت أن التعجل كان الظرف الذي أحاط بالنشر. عندما سمعت عن إعلان «دار قدمس»، وعلى رغم أنني لم أكن قد أنتهيت تماماً من المجموعة، رأيتها فرصة سانحة للنشر، خصوصاً أنني لا أملك الحماسة ولا الخبرة ولا الرغبة في الخوض في مسألة النشر الخاص... وفعلاً تخليت عن طريقتي السلحفاتية في الكتابة، بعد الإضافة والمراجعة والحذف، وأعددت مخطط المجموعة، وتم اختيارها ضمن سلسلة صدرت لكاتبات من العالم.

كان لاهتمام مدير الدار زياد منى ودقته الكثير من الفضل كي تخرج المجموعة بالشكل الأمثل طباعياً، وإن عانيت في ما بعد من مشكلة التوزيع، فمجموعتي المطبوعة في دمشق لم تصل إلى حلب... تخيل!

أشاد بعض النقاد بتقنيات الكتابة لديك، خصوصاً بالنسبة إلى الخاتمة التي تأتي مفاجأة وغير متوقعة، هل تحددين آلية معينة للسرد القصصي قبل البدء بالكتابة.

ما من خطة مسبقة تحكم لحظة الكتابة لأن السياقات تحظى بأمزجتها، والقصة لا تبدأ عندي وتنتهي في جلسة واحدة. التغيير يجعلني أصل إلى منطقة مختلفة عما بدأت، لا سيما في ما يتعلّق بالخاتمة المفاجئة، ربما كي أضلل القارئ، وأبعده عن شروطه المسبقة. إن استطعت التقاط لحظة الدهشة، لن أتاخر، والخاتمة غير المتوقعة تكون سبباً في إعادة القراءة، وملاحظة التفاصيل التي لم يتم الانتباه إليها ربما لأن الحياة بمجملها تحكمها الصدف غير المتوقعة.

يحوي «قبلة خرساء» شخصيات نسائية، بعضها مكسور الجناح، وبعضها قوي بأنوثته وإغوائه، لماذا المرأة تحديداً؟

لا أتهرب من تعاطفي المستمر مع قضايا النساء، شئت أم أبيت أنا ككاتبة أكثر فهماً لطبيعة المرأة، لانفعالاتها وتناقضاتها، للضغوط التي تعايشها، لأنماط تفكيرها، وشخصيتها. المرأة كائن أكثر تعقيداً من الرجل، وهي حاضرة في قصصي لأنني ما زلت على قناعة بأن مجتمعاتنا لم تنصفها، فغبن كبير يقع عليها، يقننها ضمن إطارات محددة أقل بكثير مما تستحق. أحب للحياة أن تكون عادلة مع إناثها، لذا لا أفعل شيئاً سوى أنني أكتب المرأة بخيرها وشرها.

تسترسلين في وصف المكان، الأزقة الملتوية، الباعة المتجولون، وزحام الشارع، هل هو الحنين إلى حلب مسقط رأسك؟

نعم، جداً. أملك عطباً في قلبي اسمه الحنين، إلى درجة أنني لم استطع بناء ذاكرة مكانية غنية في مكان آخر مثل حلب. حتى في الدول التي زرتها وأحببتها، تركز التقاطاتي البصرية على الناس والانفعالات، وتهمل تماماً جغرافية المكان وتفاصيله. الحنين حالة شجن تتشبث بي لتسحبني عنوة إلى توصيف مدينتي الأجمل، حتى بعد أن شاخت، وفقدت الكثير من فتنتها وبهائها.

هل أثر عملك في الصحافة على عملك الابداعي، خصوصاً أنك انضممت إلى هذا العالم منذ فترة قصيرة؟

نعم أثر بشكل كبير، خصوصاً أن العمل الصحافي لا يتحدد بمواعيد منتظمة. الكتابة الخاصة أيضاً مزاجية، ويصعب علي برمجتها. منجزي الإبداعي لم يكن غزيراً في الأصل، لكن «يا محلاه» مقارنة بحجم ما أكتبه اليوم! تضطرني المهنة إلى إعطاء الكتابة الصحافية الأولوية على حساب تأجيل فكرة رائعة تجول في مخيلتي، التي غالباً ما تتبخر أو تفتر حماستي تجاهها، على رغم ذلك أجد الصحافة المهنة الأكثر التصاقاً باهتماماتي الأدبية، وإن لم أحبها بعد.

هل تفكرين بالانتقال إلى الكتابة الروائية؟

نعم، كثيراً. أعمل على مشروع رواية راهناً، ربما هي تجربة استثنائية في الكتابة المشتركة مع أحد الأصدقاء. طبعاً ثمة مشاكل وعوائق كثيرة، إن لم تغلبنا، سأكون سعيدة بأن يرى هذا العمل النور قريبًا، إضافة إلى رواية قصيرة، آمل أن أنجز شيئاً منها خلال إجازتي المقبلة. قد يبدو غريباً أن أخبرك أن أغلب قراءاتي، وأنا قارئة نهمة جداً، يأتي في مجال الرواية، أكثر من أي نمط كتابي آخر.

«الحق يقال، لم يأخذني عنوة، سألني ما رأيك؟.. فسكت. بعدها تتالت الأمور، كما لو أنها تحدث لغيري». هل المقطع المشار باب للحكاية عبر الجسد؟

بطلة «قبلة خرساء» المأخوذ منها هذا المقطع، لا تشعر بجسدها، إلى درجة أنك تتعاطف معها حتى وهي تستثمره. على كل لا أمانع الخوض في هذا المجال حين تتطلب القصة ذلك.. فالجسد إحدى أكثر المناطق التباساً، وفي الوقت نفسه أعترض من حيث المبدأ على الخوض في هذه المنطقة لأجل لفت نظر الإعلام، وبغية الانتشار. الكتابة اختياري الأحب، وأرفض التعامل معها بمحدودية الإثارة كهدف بحد ذاته.

إلى أي حد يمكننا توظيف الجسد في الكتابة القصصية؟

التوظيف الجيد لآليات القصة يصنع قصة متميزة، سواء اعتمدت في موضوعها على الجسد أم على غيره. ثمة مشكلة تخصنا كمجتمع شرقي، ينوء تحت ثقل أعرافه وتقاليده ومفاهيمه، إذ نرى أن الجسد منطقة ألغام خطرة. لست جريئة إلى درجة تجاوز كل شيء، وقلب الطاولة، وهي «على فكرة» ليست ميزة، ولا ادعاء أخلاقي من أي نوع، على العكس تماماً. لكنني لا أعجز عن ابتكار إسلوب خاص على مستوى اللغة والموضوع والصورة، مستوى لا يخدش ولا يصدم، وفي الوقت نفسه لا يتجاهل أبداً هذا الجانب الجسدي من ذواتنا...

06 أكتوبر 2009

مسلسل زمن العار.. دراما واقعية تحكي هوية المجتمع ووجدانه



ت
حظى المسلسلات السورية بنسبة متزايدة من المتابعة، خاصة بعد ان تخلصت من عقدة البطولة المطلقة، والشخصية التي (خرطها الخراط وقلب مات)، وحين نضيف إلى ذلك الخبرة، التقنيات الحديثة، ورفع سقف حجم الإنتاج، نصل إلى عدد لابأس به من أعمال متكاملة ومميزة أو قريبة من ذلك. لا تستخف بعقلية المشاهد،. ولا تملأ ساعات التلفزة ببث غث. ونسقط من حسبة الأعمال هذه التي تتسول فكرة الحارة الشامية، ومسلسلات الخلطة السحرية في التباهي بأكبر عدد من الجميلات. أحد المسلسلات الجادة والتي تستحق المتابعة في هذا الموسم الرمضاني بحيث لايفوتك مشهد ولو قصير هو (زمن العار) الذي يقدم من خلال شبكة علاقات اجتماعية بين عائلتين،قصة بثينة الفتاة التي تسيرها أقدارها فتفني سنوات عمرها، على حساب تحصيلها العلمي، لتقوم على خدمة امها واسرتها. بثينة تقع في غواية جميل زوج صديقتها، وتؤدي علاقة زواجها السري به إلى حمل، لكن كشف هذه الفضيحة أمام عائلتها، يضطرها إلى الهرب، فمفهوم العار جراء مافعلته هو الامر الوحيد المتفق عليه، والذي يستوجب الانتقام، أما الرشوة والكذب، والخيانة، والفساد، وكل الممارسات السلبية التي يمارسها من حولها، فهي لاتشكل مفهوماً لعار مخجل..!

فكرة العار الجماعي

المسلسل يسعى إلى الخروج من مفهوم العار الضيق والمحدود بشرف المرأة المرتبط بمفهوم عود الكبريت، والذي يغفل كل الحرائق الاخلاقية الاخرى، موضحاً تلك التناقضات المؤذية، فأخو بثينة موظف مرتشٍ ومع ذلك هو يسعى لغسل شرف أخته!. كما يطرح المسلسل فكرة الفساد الذي يتعلق بالظروف الاقتصادية المتدنية، وماطرأ على مجتمعاتنا من انخفاض مستوى العلاقات الانسانية وتفشي الانانية والمصالح الشخصية على حساب أي شيء آخر. إن اختلال التقسيم الطبقي للمجتمع السوري، وزوال الطبقة الوسطى التي كان يشكلها في العادة الموظفون على حساب وسائل الثراء الفاحش والفقر المدقع، وتنامي المناطق السكنية العشوائية كل ذلك أدى إلى اختلال القيم المتعارف عليها في جيل اتكالي.. رافض للقيم..لامبال.. يقدم مصلحته على الاعتبارات الاخرى.. هذه الواقعية السوداء لم تخل من بعض الشخصيات التي تحاول الحفاظ على شرطها الانساني، لكنها تبدو منهكة، وضعيفة، وليست ذات تأثير مجد.

سلافة معمار أداء يحسب لها

لابد من الإشادة بالممثلة سلافة معمار التي برعت في أداء دورها، وكأن الكاميرا تكتشفها من جديد، كفتاة مأزومة ومحاصرة، وتحسب لها عدا طاقتها في التمثيل المقنع، ظهورها بحسب ما تقتضيه الشخصية بدون مكياج ( وهذا أمر صار نادراً بين ممثلات لن يتمكن اي مشهد من تخريب تسريحة شعرهن أو تشويه حمرة شفاههن). سلافة معمار كانت تبكي وتصرخ وتعاني وتنظف دون أن يعنيها إلا صدقية مقنعة وصلت بها إلى اقصى حالات الجمال المطلوب من ممثلة درامية بمستوى عال من الموهبة والفنية. يتخلل الخط الدرامي الاساس في المسلسل شخصيات أخرى تحاول التعايش لكنها تبدو عاجزة قليلة الحيلة، في مواجهة أزمات وظروف تتضخم مثل كرة ثلج، والتي تجعل من الحياة نقمة لانعمة، كبائع الكتب المستعملة على ارصفة دمشق ويقوم بالدور الممثل بسام كوسا بالاقتدار والتميز الذين عرف بها.

دراما الواقع تحكي هوية المجتمع ووجدانه، فتبدو ساحرة بتأثيرها على المتابع الذي يتفاعل مع مشاهد تحاكي عوالمه، صحيح انها توجع القلب وقد تفرطه، وصحيح انها لا تقدم حلولاً، لكن هذا النبش بكل تلك الحساسية يكشف الزيف، وهذا اضعف الايمان.

عمل متكامل

زمن العار سيناريو مشترك بين الكاتبين حسين سامي يوسف ونجيب نصير، وقد تعرض كما تناقلت الصحف إلى نقد حول عنوانه الفج، عن ذلك يقول حسين سامي يوسف في حوار له مع جريدة الراية: «ربما صار لزاماً علينا وبعد كل القهر الذي نعيشه أن نطرح أفكارنا بشكل مباشر وصريح، فكيفما تلفتنا حولنا رأينا العارمحيطاً بنا، وهكذا وصلنا إلى وضع هذا العنوان. كانت لدينا عناوين أخرى مثل (المدينة الفاضلة) لكن هذا العنوان المقلوب هو أيضاً مباشر ولا يمت بصلة للعار الذي نتحدث عنه فاستقررنا على عنوان «العار» ثم أضافت الشركة المنتجة كلمة «زمن» العنوان شيء مهم في العمل ويعطي المتلقي فكرة عن العمل، لكن الأهم هو العمل ذاته ومضمون المادة المقدمة فيه». زمن العار من اخراج رشا شربتجي ابنة هشام شربتجي والتي تميزت بتوجهها المناصر لقضايا النساء، وسبق لها أن اخرجت عددا من الاعمال اللافتة مثل مسلسل «غزلان في غابة الذئاب»، و«يوم ممطر اخر»، كما خاضت غمار تجربة مصرية عندما أخرجت مسلسل «شرف فتح الباب».. وترى أن الامتياز الأساس للعمل يكمن في انطوائه على «قليل من الأحداث وكثير من الأحاسيس، كثير من الألم». يعزز ذلك الحوار المتمكن كي يصل بنا كمشاهدين إلى أقصى حالات التأثر والانتباه.

يشارك في مسلسل العار الذي يتم عرضه على عدة قنوات تلفزيونية نخبة من النجوم السوريين منهم الفنانون بسام كوسا، تيم حسن، سلافة معمار، مكسيم خليل، خالد تاجا، منى واصف، نضال سيجري، سمر سامي، ثناء دبسي، سليم صبري، ديمة بياعة، كندا حنا، قمر خلف وآخرون. والمسلسل من إنتاج شركة «عاج للإنتاج والتوزيع الفني».

في الدراما التلفزيونية: تصحو الممثلات من النوم بماكياجهن كاملاً





لا أحد يدري على وجه الدقة كيف أصبح شهر رمضان شهر تكدس المسلسلات، وبرامج المنوعات، وبرامج الترفيه والكاميرا الخفية، وبرامج الدعاة الجدد والقدامى.. أيّاً كان ذوقك التلفزيوي أو «المسلسلاتي» أراهن بأنك ستجد ضالتك، وباعتبارك صائماً عزيزي الصائم، فقبل الإفطار لن تدقق في الجودة، أما بعد الإفطار فستسترخي قليلاً ولن تدقق في الجودة أيضاً، ولا في الأخطاء والعثرات، فـ «جماعة» الدراما يعرفون ذلك؛ فلذلك هم أيضاً لا يدققون في أعمالهم كثيراً، ويراهنون على أن الأمور ستمر بسلام مع الأعزاء المشاهدين الصائمين؛ لذلك تجد أن كما هائلا من «الدرامات» يحشر بحلقاته الثلاثين طوال الشهر الفضيل، مستخدمين كل صيغ فن الارضاء، والإخفاء، والتضليل، لشد الجماهير إلى متابعة مُحكمة، وبالتالي شد (جماهير) الاعلانات التي تصل في رمضان إلى اعلى أسعارها، تبعا لوقت البث ولضخامة المسلسل وعدد المتابعين المتوقعين.. لا يمنع كل هذا بالطبع من وجود نصوص بارعة بجانب «أختها» المتدهورة، ولا يمنع من وجود اداء راق بجانب الآخر المبتذل، هناك أيضاً تصوير ناجح وثانٍ مما يمكن أن يسمى (هات الكاميرا والحقني) ومع تعدد المستويات وتنوع القنوات وخلطة المسلسلات الدرامية بكل اطيافها وجنسياتها، ولاننا من الجماهير المتابعة تابعنا ومالم نتابعه استمعنا الى تعليقات حوله، فعرفت كما عرفت غالب النساء من المحيط الى الخليج أن موضة هذه السنة هي احمر الشفاه بلون داكن وقانٍ.. هذه المعلومة الاستراتيجية في عالم التجميل وضحتها تماماً شفاه معظم ممثلات هذا الموسم الرمضاني، لاحظوا كاريس بشار وغادة عبد الرزاق و...

كان الملفت للنظر حقاً اهتمام الممثلات جميعهن تقريبا برسم الماكياج كاملا على وجوههن سواء كان ذلك من متطلبات الشخصية أم لا.. لم تستطع الا القلائل منهن المجازفة بسمعتهن الحسنة ضمن شروط الجمال القاسية على الشاشة، وشروط الاداء الدرامي الذي لن يتهاون مع من لن تحتفظ بصورتها صبية او متصابية، فبدَون يشبهن نسخة مقلدة من السيدة باربي بعد أن كبرت وشاخت.. بالطبع العمر ليس عيباً لكن الجهل به أمر مؤرق لنا فقط، في الطرف الاخر من العالم تتعامل النجمات مع الواقع ببساطة وتكتب لهن ادوار في منتهى الروعة .. أما عندنا فحتى الجميلات لايقفن امام الكاميرا دقيقة واحدة وهن بلا ماكياج، الممثلة السورية قمر خلف في مسلسل (طريق النحل) تمثل دور فلاحة في ضيعة، تعاني من موت زوجها ومن ضغوط الحياة، والبؤس، وتلال من المشاكل، لكنها لم تنس في اي من اللقطات حمرة شفتيها ولا حواجبها المزججة، ولا كحلها البليغ.. في مقطع مبالغ فيه ايضاً للفنانة صباح الجزائري ظهرت بحجاب الصلاة تزعق وهي تؤكد انها ستخرج الفرنسيين، لكنها كانت بكامل تبرجها، بكحل واضح وشفاه مرسومة، على الرغم من أن الحوادث تقع في الاربعينيات من القرن الماضي، وقد تغاضى المخرج والمنتج والمصور عن ذلك.. في مسلسل (صبايا) تظهر كمشة من صبايا الدراما السورية بنسخ مكررة عن بعضهن البعض، وماكياج لاينقص ولا يبهت ليلا أو نهارا.. صاحيات أو نائمات.. غاضبات أو سعيدات..!

بالطبع السيرة ستكون اوسع واشد وضوحا في المسلسلات الخليجية؛ أحدها (هوامير الصحراء) بفاتنته ميساء المغربي التي جعلت من الدراما معرضا شخصيا للملابس والحلي والماكياج .. وهذا مباح مادام المسلسل يتحدث عن الاثرياء.. لكن المقطع الذي يستفز الاعصاب كان مشهدا لها وهي في البيت بثوب سهرة وحذاء (كشخة) يزيد عن 15 سم، وحين تنهض غاضبة ومحتدة، تتراقص فوق حذائها فتحسب انها ستقع من فوقه.. «الله جميل يحب الجمال» هذا صحيح، اما المبالغة فهي امر آخر يحتاج الى نقد. والخروج عن « صورة» الشخصية في العمل الى الصورة التي تحبها الممثلة لنفسها ، يجعلنا نقول اننا نشاهد أعمالاً لمخرجين آخر زمن.. ولا عتب على الممثلات..!