25 نوفمبر 2006

وخزات كالحياة ( خلف علي الخلف)


1



يحدث احيانا أن تتحول الحياة إلى دبوس ... تتكثف الحياة كلها إلى دبوس لينغرز فجأة في شغاف القلب ، هكذا لحظة شيء يشبه الموت



عندها لن تكفي الشهقة ولن تكفي الاآآآآآآه مهما كانت عميقة وطويلة ، ولن يكفي ارتجاف القلب وهو يتلقى هذه الغرزة ، الامر سيكون استحضارا لكل ما سلف من العمر ولكل ما هو آت دفعة واحد



يمكن لنا ان نتخيل كيف يتكثف العمر في لحظة واحدة ، تلك اللحظة التي يتماس فيها هذا الدبوس مع شغاف القلب



يحدث هذا



فلا تعرف حينها انت تركض في الحياة، ام تركض في الغيب، انت على الارض ام اصبحت سحاب



أن يكون الغياب حياتك كيف ستواجه حضور الحياة كلها دفعة واحدة ، وكيف ستشعر في هذه اللحظة ؟



يمكن القول انك لن تشعر بشيء لان هذا اكبر من قدرة احساسيسك على الادراك يمكن القول أن شعورك بهذه اللحظة يضيع , فيضيع احساسك بها, إنه أمر مؤسف أن لا تستطيع ان تشعر بشيء في تلك اللحظة.. لانك تدخل في غيبوبة مطلقة : أعني أن الحواس كلها تغيب



غير قادر على الصراخ ولا على الالم ولا .... ويأتي تشبيه الموت من منطقة اللغة لانك لم تمت ، وعليه فأنت لا تعرف احساس لحظة الموت ، ولانك تريد ان تقول ان الامر مهول، فلاتجد غير توصيف مثل الموت



كانت اللحظة رغم تعطل الحواس هاااادئة ولا ادري إن كان توصيف الهدوء يتعارض مع توصيف هذه اللحظة السابق



لكن ... القلب لم ينفجر دما



بهدوء بهدوء شديد يشبه ان تضع يدك في ماء تسلل الدبوس / الحياة واخترق الشغاف ، وهكذا لن يكون هناك جرح ولن تترك ندبة لان الدبوس ذاب في دم القلب واعيد ضخه لباقي الجسد / الايام



لا يمكن لنا ان نجد اثرا له يوما ما ولا يمكن لنا ان نتحسسه يوما ولا يمكن حتى ان نعرف اين استقر



هكذا لن يكون هذا الدبوس الا مستمرا كما تستمر الحياة ذاتها ما يمكن ان تفعله امام هذا هو ان تظل تتأمله ، خارج التوصيف / خارج اللغة / داخل الحياة





وحين نكتب هذا الدبوس نحن نكتب شيء اخر غيره ، نكتب تأملنا له على أفضل تقدير





خارج الدبوس / داخل الحياة:



احيانا تقول انه ضوء قدم من مكان لا يمكن ان يحدده حتى الله



وتستلذ بهذا التوصيف لانه ضوء اولا ولان الضوء يزيد مساحة كتابته



إن الضوء له علاقة بلحظته ، لحظة أن يخترق هذا الدبوس / الضوء شغاف القلب يحدث ان تكون المصادفة اكبر من تخيلها حتى شعرا ... يحدث



كأن يكون هذا الضوء يخترقك في عيد مولدك مثلا او في عيد ميلاد الحب او...... اي زمن خاص جدا لك



حينها



حينها



ستتحول انت الى ضوء



وتختلط بالضوء



كيف يمكن حينها فصلك



عن الدبوس \ الضوء



وكيف يمكن حينها ان تقول هذا الضوء وانت فيه



وكيف تحس هذا الضوء وانت ضوء وهو ضوء





الرياض 14\2\2005







2





فجأة بعد قراءة شيء ما .... الخروج من صالة سينما بعد حضور فيلم .....تختلج داخلك باشياء كثيرة , تتيه , تريد ان تمشي فحسب , إذ يصبح الكلام هذرا لا معنى له وتريد ان تبكي ، ان تبكي وحيدا لا يعني هذا إنك تخجل من الدمع , لكن الدمع يثير الاخرين ويستفزهم وتصبح عرضة لكل تدخلاتهم ويكون السؤال الذي لاتحار جوابا له :

لمَ تبك ؟ بإلحاحه النابع من الحب والتعاطف, شيئا مربكا لك لكنه مقيت ايضا , إذ لا بد ان يقطع استرسالك في الحالة .. ويكون الرد حينها مقتضبا ولا يقول شيئا : مافي شي...



الذي تبدد ايامه القسوة

الذي يرحل وحيدا ويسافر وحيدا

الذي دائما بلا مودعين ومستقبلين

الذي يعلو صراخه

الذي....

يكون سريع العطب ايضا وسريع البكاء





السينما مثلاً مكانا اثيرا للبكاء ، ففي الصالة تكون وحيدا في سوادها ، الوحدة تغري بالغوص عميقا في بواطنك، الظلمة تحيلك الى داخلك ، الظلمة تجعلك مشدودا بكلك لتفاصيل هامشية في الفيلم... تتدحرج دموعك بصمت .... البكاء يجب ان يكون رفيقه الصمت ... او صدرا تلتصق به يهدهدك فقط ، ولا يقول لك لا تبك ، او لما تبك ، سواء كنت طفلا او في منتصف الحنين أو في آخر الحياة... البكاء يربك الاخر أيضاً فيجلعه يريد ان يتعاطف معه / معك ان يقول شيئا .. الارباك يجعله لا يعرف ما يقول ولا ما يتصرف ويربكك ايضا

قليلون اللذين يديرون ظهورهم ويمضون عندما يشاهدون احدا يبكي وهو تصرف ودود للتعاطف



والبكاء يغسل الحنين ولا يشفيه ولا يحضره , البكاء دواء المسافة ، القهر بكاءه دمعة واحدة تطفر دون صوت او شيء يتبعها ولا احساس يرافقها سوى احساس بلاختناق ، انها شيء مختلف عن البكاء لذا دمعة القهر جارحة حادة نزقة نافرة واضحة وتصيب عن بعد



أذكر حالة بعيدة انتابتني حين خروجي من فيلم " سينما براديسو "، يومها غادرت اصدقائي قبل ان يقوموا من مقاعدهم، كي امارس بكائي وحيدا، بعيدا عن اربكاي لهم وإرباكهم لي، وما دمنا في الحياة فإن حالة البكاء تتكرر، والبكاء حالة طقسية فأحيانا نعبر عن تعاطفنا مع الباكي بالبكاء ...



الخ

الخ

الخ



الرياض 24 \2\2005









3



هكذا يبني الحنين اعشاشه على شجرة ايامك .. وأيامك لم تنبت بعد ، الفراغ ليس لغةً وليس جسدا وليس هواءً الفراغ هو انت



آآآه ياشجرا ينمو بلا جذور.. كيف لنا ان نسقيك من مائنا الذي بلا لون .. من قال ان الماء بلا لون ؟

والحياة تفاصيل .. تمضي في رؤاك ولستَ حالما ، تمضي في اللغة ولستَ شاعرا ، تمضي في الحياة وانت ميْت

كل ما نجمعه من الضوء يخطفه طير بلا اجنحة وبلا جسد ... كل ما نجمعه من مرور الحبيبة يخطفه هواء يمر سريعا ويتركنا مبهوتين ، لا نستطيع سوى تأمل ارواحنا الخاوية



الحياة تفاصيل الحياة ليست سرداً وانت تغني تغني :

" يما العمر وياي ما انصف وجار

وين ارحل بممشاي كل ساع الي دار"



الاغنية تحبسك .. تخنقك ... تتلبس جدران روحك وتهدمها ...



والروح ليست من علم ربي فقط ، نحن نرى الروح وهي تجف ، نراها وهي تغدو خضراء ونراها وهي تغادر وهي تعود ، ما لا نعلمه هو فقط اين تغادر هذه الروح ، وما ينفعنا ان نعلم اين تغادر؟ وما لنا اين تغادر ... ؟! انها تغادر فحسب

ويمكنك ان تجازف وتقول : الروح هي صناعة الكائن ، نحن نخلق ارواحنا بقدر ما .. ونحن لا نكون على هيئة الروح بل تكون ارواحنا على هيئتنا

اه

" ياطير البّرق اخذت حمائم روحي "

ياطير هب لي جناحا واحدا لأحاول أن أطير منكسرا ، اعلم أني لن أبعد عن الارض وأعلم ايضا ان من روحه مسفوحة في اراضٍ شتى لن يكون باستطاعته التفكير بالطيران حتى....



ألا من يجمع الروح



ليس سواك ايتها العاشقة ليس سواك..........



الرياض 10/3/2005







4



يبست يا أمي يبست \ اصبحت مثل عشب لازال في الشمس منذ قرون.... ولا ماء ولا غيم ... ليس سوى دمع ... والدمع مثل الشمس يزيد اليباس \ مدي يدك ياأمي لا ليخضر ضلعي بل اقطفيني .... اسحني هذا الجسد اليابس وانثريه للريح......



هل الصحراء بحر أم البحر صحراء

لو كانت الصحراء بحر لصرخت :



" وك تدري مرات السفن لو ضاق خاطرها

بجبن غبطانها تسيس

وحدها "



الرياض 18/3/2005

ليست هناك تعليقات: