بعض الوجوه لها قامة في القلب لا يغيرها تعاقب الفصول، ولا وطأة المرض، ولا قسوة المسافة.
.بعض الوجوه عصية على التعب، وعلى اللوم، وعلى سوء النية..
بعض الوجوه لا تتهشم كما الزجاج، ولا تصطنع المعروف، ولا يعنيها الحضور أو الغياب..
بعض الوجوه لا تشحب.. ولا تبخل.. ولا تنأى..
بعضها بستان نبل؛ ذاكرة لا تشيخ؛ نجوم لكل ليل محتمل..
بعض الوجوه تقول لنا ان الدنيا بخير ماداموا فيها، وان الإنسانية تكمن في نقطة من القلب لايستطيع أنذال العالم افسادها..
لذلك فمن غير المهم أنها وجوه تخاف، لأننا جميعاً خوّافون أمام النصل والفخ وعتو البرد،
ومن غير المهم أن تبتعد، فالمسافة دائماً بلا منطق،
ومن غير المهم أن تنتابها الهواجس، فتنسى لبعض الوقت حسها الساخر، ومصائد نوادرها، وتعليقاتها المتربصة، والممرات القصيرة إلى قصائد تأتي عفو الخاطر،
بل ومن غير المهم أبداً أن تقلق وتقلقنا، فحتى اليقين لايمكن أن يكون حتمياً، والعبث مسرح الحياة.
سنغفو قليلاً ننتظر قهوة على رائحتها تفوح الأحاديث، تدغدغ ضحكات ستمتطي الريح والضوء، ثم سنغزل من ألوان الفراشات أزماناً قايضنا يباسها بالحنين، سنسرقها على غفلة من ورقة الرزنامة، لأنه ليس إلا توقيتاً متمرداً، ونحن لن نستهلك أصابعنا في تعداد المودات القادمة، والألفة التي بمحض العادة تعودت ألا تعتب ولا تعاتب..
سنسكت.. لبعض الوقت فقط، فالأحزان كما الأفراح تباغتنا كأنها تحدث للمرة الأولى، والزفرات الثقيلة لم تكلف نفسها مرة واحدة عناء التبرير، كما أن الله لم يمنحنا فضيلة الانبعاث من سطوة الوجع.
أنظر إلى داخلي، فأرى تلك الوجوه متعبة تعلن وحدتها، تكبت البكاء، تستغرق في مساءاتها البعيدة، وتنسى أن الأصدقاء هالات نور لوقت العتمة.
سيتشرد الكلام،ويترقع بألف رقعة..
سنقف على أطراف الوقت، ننتظر، فبعض الوجوه نادرة لا ترضخ لقوانين الوجود، ولأنها كذلك فعلى العالم انتظارها. ستعود.