في مناخ وأجواء عائلية يشح فيها تواجد الكتاب بكل أنواعه يصبح من الصعب الحديث عن كتاب الطفل وأسباب فقدان الطفل لشهية القراءة، ففاقد الشيء في النهاية لايعطيه. ففي الحقيقة لايمكن فصل ثقافة الكبار عن أطفالهم، فالكبار ينقلون ثقافتهم وثقافة مجتمعهم سلباً وإيجاباً إلى صغارهم، وقد كانت حكايات الجدات هي الناطق الرسمي بذلك، سوى أن تلك الوسيلة الشفاهية من النقل المعرفي للتراث آلت إلى الانقراض.الحكي يحقق الألفة والعلاقة الحميمية، لكن غياب الجدة وحكاياتها المتخيلة عن فراش الطفل لم يترافق مع الحضور الفعلي للكتاب كما في الغرب سواء مصوراً للصغار أم النص المكتوب للفتية الأكبر سناً، فالطفل عبر القصة أو الحكاية أو الحكي يستحضر في ذهنه مسرحاً متخيلاً للأحداث مما ينمي لديه أكثر من ملكة. وتعد وسائل الإعلام مصدراً من مصادر ثقافة الطفل، وقد برز مؤخراً مصطلح الإعلام الثقافي للدلالة على صناعة ثقافية تهدف إلى صناعة المستقبل وتثقيف الطفل وإمداده بما يلزم من كتب ومجلات موجهة له.. لكن أي منهج يحتاج في العادة إلى أهداف واضحة، والإعلام الثقافي على امتداد الوطن العربي الحاضن لهذه الثقافة يختلف في أولوياته من بلد إلى آخر، فما تختاره السعودية لتقديمه للطفل يختلف عن ماتتطلبه دولة الكويت، والوضع أيضاً مختلف في سوريا عنه في مصر عنهما في المغرب وهكذا..تُعرف ثقافة الطفل أنها مجموعة العلوم والفنون والآداب والمهارات والقيم التي يستطيع الطفل استيعابها وتمثّلها في كل مرحلة من مراحله العمرية الثلاث، ويتمكّن بوساطتها من توجيه سلوكه داخل المجتمع توجيهاً سليماً.وتعتبر مجلة (العربي الصغير) الصادرة عن وزارة الإعلام بدولة الكويت منذ عام 1986 والتي حددت أنها موجهة للأطفال من عمر 9 سنوات إلى 14 سنة وقد خصصت ثماني صفحات للأطفال الأصغر سناً، وكانت أهدافها التي حددتها في الأعداد الأولى من إصدارها «خلق جيل من أبناء الوطن العربي مخلص للثقافة العربية بروافد المعرفة، معتز بعروبته ومعتقده» وبالفعل، جاءت أبواب المجلة منوعة وغزيرة، فقد اهتمت بالموروث العربي الحكائي جنباً إلى جنب مع الحكايات المعاصرة والحكايات المصورة، ومن الملفت اهتمامها بالجانب العلمي الذي تغفل عنه الكثير من منشورات الأطفال، وجاء فيها باب للتعريف بالفن والفنانين العرب والأجانب،وآخر للتعريف بالشخصيات الإسلامية، إضافة إلى الصفحات المخصّصة لإبداعات الأطفال ورسائلهم وعناوينهم. ويتضح من أبواب المجلة شيء آخر إضافة إلى التنوّع هو الحرص على إضافة أبواب جديدة وعلى تعديل أساليب طرح الأبواب الثابتة. كما أن هناك توازن بين الجانبين الماضي والحاضر والأدبي والعلمي والاهتمام بتنوع القيم وتنمية القدرات والمهارات، لكن يأتي كل هذا بعيداً عن توعية الطفل ولفت انتباهه إلى المشاكل التي تحفل بها مجتمعاتنا من فقر وجهل واستلاب للحريات ومشاكل الرأي والتهديد بالحروب وعدم الأمان. إضافة إلى العربي الصغير فهناك مجلة (أسامة ) التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية منذ 1969 وأيضاً مجلة سامر الصادرة في بيروت ومجلة (ماجد) الصادرة من أبو ظبي، وغيرها من إصدارات لا يتسع المكان للحديث عنهم بالتفصيل رغم جودة وأهمية ما تقدمه للطفل في مراحل حياته المختلفة لنمو الطفل، ونفرق هنا بين ماقبل سن التعليم ومابعده، إذ ينبغي ألا يقتصر المنتج الثقافي على الحشو المعرفي والمعلوماتي، بل لابد من الانتباه لتنمية الذكاء واعتباره قيمة موجودة بشكلها الفطري الغريزي عند الأطفال ، والذي يساعد على تنمية القدرات العليا أكثر مما تفعل الذاكرة.إن التحصيل اللغوي والثراء في استخدام المجازات وتنوع الدلالات والاستخدامات هي قدرات يكتسبها الطفل جراء القراءة والمطالعة، خاصة وأن هناك الكثير من أطفالنا ممن يعانون مشاكل نقص مهارات اللغة العربية، نتيجة تحصيلهم في مدارس أجنبية اللغة، فكتاب القراءة ماقبل النوم يسد تلك الثغرة بسهولة حين تستوفي القصة أو المجلة أو الكتاب أهدافها التربوية، وتجذب اهتمام الطفل، وهذا ماتفعله أيضاً الافلام والحكايات والاناشيد والمسرحيات ، حين تتوافق مع حاجة الطفل من الخيال والجذب. إن الاكتساب المعرفي في الاطلاع على ثقافات أخرى، وتكوين عادات وجدانية صحيحة وتنمية العواطف السليمة بالنسبة للطفل الذي يكون في العادة يملك مشاعراً رقيقة وخبرات فطرية عن الخير والسعادة كما أن سعة خياله وحبه للاكتشاف والتعلم يجذبه نحو كتاب متوفر وفي متناول اليد، ففي مكان خال من مكتبة وكتب لن تستطيع لفت انتباه الطفل إلى أمر طارئ وجديد عليه حين تجبره على قصة يتيمة اشتريتها بحكم الواجب.. إذ أن الألفة بين الطفل والكتاب تبدأ منذ اللحظة التي يضعه فوق ركبتيه مقلباً صفحاته دون أن يعي تماما مادة الكتاب في متابعة مدهشة للألوان والصور، وهذه تجربة أولى وهامة في حياة الطفل، تولد فيه البذرة الصغيرة لبوادر النضج والتوهج الذهني والوجداني وتنشئة الشخصية إضافة لنمو الحس الذوقي لما يسمعه من حكاية أو قصة. بعدها تتكون عادات التذوق السليمة والاختيار الجمالي في كل مايتصل بالحياة اليومية والاجتماعية والحضارية، فالطفل يتعلم انشاء علاقات ايجابية بناء على مااطلع عليه من تجارب لأبطال قصصه، ويتعلم إصدار أحكام ايجابية حول ما يخص النظافة والانضباط والنظام والتصرف اللائق.. والقيم الأخرى من التصميم والشجاعة والجلد وتحمل الأعباء ولابد من الانتباه أيضا إلى السلوك الجانبي الذي يعنى بإرادة التغيير والعزم والتنافس، إذ الهدف دائما بناء الشخصية السليمة الخالية من الاضطرابات العصابية.هذا يعد انعكاساً للآفاق التي أتيحت له مما يعالج سلبيات الأطفال وانطوائهم وعزلتهم وارتباكهم أحياناً، بما لديهم من خبرات نقلتها لهم الأجواء القصصية.. فلايتخوف الصغار من المواقف المشابهة. إذ لابد من الاهتمام أثناء الكتابة للطفل إلى:-ربط الطفل بتراثه الحضاري والاسلامي. - ربط الطفل بواقعه اليومي المعيشي.-الاطلالة على منجزات التطوّر العلمي والتكنولوجي.- غرس القيم الأخلاقية.- تشجيع الطفل كي لايكون سلبياً بل مبادراً لكل مافيه خير وبناء للوطن. - مساعدته على توجيه أوقات فراغه، والاستفادة من هذه الأوقات بما يعود عليه وعلى من حوله بالنفع. إن الكتابة للطفل بعكس مايتصوره الكثيرون، فأنا شخصياً أتهيب منه، وهو بالفعل من أصعب أنواع الكتابات، وتتحكم فيها عوامل كثيرة، منها السن كمرحلة عمرية، فكل سن له طريقة فى الكتابة والرسوم والإخراج الفني لابد من اطلاع تخصصي عليها ، والحق ان الكتاب بشكله الإخراجي الحالي فقير بالنسبة لطفل صارت الالكترونيات في متناول يده قبل أن يعرف إمساك الملعقة، ولابد من نسف كل الطرق القديمة في نشر الكتاب الذي يعتمد فقط على اللون والصورة، فالكتاب الحديث يجب أن تتنوع مصادر الإثارة فيه فيكون ملحقاً أيضا بحسب عمر الطفل بميزة تحويله إلى ورشة رسم أو خيال الظل، كما أن الفكرة نفسها يمكن نقلها إلى المدرسة بجذب الطفل إلى تحويل قصة ما إلى مسرحية يمثلها أصدقاؤه وتكون الورشة كلها من صنع الأطفال، ويكون الكتاب القصصي المؤلف هو محور تلك الورشة، فيصبح من خلالها الكتاب بقصته عدة قصص وعدة رسوم وعدة قطع موسيقية وعدد من العرائس وعروض فنية متكاملة. والبعد عن الأسئلة الساذجة التي تعقب القصة من مثل « ماذا تعلمت من القصة؟وما الذي أحببته في هذه القصة؟ وغيرها من أسئلة انتهى زمنها، واستبدالها بأسئلة جادة حول كيفية البحث عن المعلومة والمتعة والفن. والبعد عن السطحية في مواجهة الأمور، وتنمية قدرة الطفل على الخلق والتفكير والابتكار بدلا من الحشو المدمر للعقول.الحقيقة أن الكثير من الأمور تقصي الطفل عن اكتساب عادة القراءة، فهناك نقص في عدد ومحدودية المجلات والكتب وقصص الأطفال، خاصة تلك التي تستهدف المراحل الأولى من الطفولة، بعيداً عن طريقة التوجيه المباشر المتعارف عليها.. خاصة أن المعارف والمعلومات صارت متغيرة بشكل سريع، ولابد من أن نربي طفلاً قادراً على التكيف مع عصر متغير، معتمداً على عقله ومنطلقاً من التساؤل والبحث، من دون أن تقتصر المعرفة على التاريخ والأدب بل الانتباه أيضا للنواحي العلمية والاكتشافية وتذوق الفنون حتى التجريدي منها
اعداد: سوزان خواتمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق