05 نوفمبر 2007

أخلاقنا ياعيني

يبدو أننا سنحتاج إيمانويل كانط ليفسر لنا الأخلاق ، فيقول لنا مثلاً بأن علينا أن نعامل كل شخص على أنه غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة، أو إن على الفرد أن يجعل سلوكه قاعدة للإنسانية، فلا يتفاوت في تصرفاته بين مستويين للعدالة ومستويين للرأي ومستويين للمعايير، في ازدواجية غير محمودة العواقب.
من المؤسف حقاً أن تغيب عن مداركنا العقلية والسلوكية المنظومة الأخلاقية الصارمة وغير مزدوجة المعايير رغم تبجحنا بمرجعية دينية يُفترض أنها قادرة على أن تكون وازعاً إضافياً مسانداً للضمير الذي يغفو ويفيق بحسب الحالة.
بينما نجد أن أمماً أخرى " متقدمة " تشكلت لديها منظومتها الأخلاقية، دون أن ترتبط بالدين حتى! بالطبع لا يمكن القول أن كل فرد ينتمي لتلك الأمم هو مثال ملائكي النزعة، أو خال من أهواء فردية شريرة، لكن الأخلاقيات التي تحكمه بالعموم نشأت في ظل قوننة الحياة، واتساق هذه القوانين مع حاجته، كونها تقدم منفعة متساوية للجميع. لذلك نرى الغالبية تلتزم بقوانين العمل والنظافة و المرور، و حتى الضرائب لأنها تعود عليهم بخدمات عامة لمجتمع يعتد بتنظيمه، وعلى ذلك تقاس كل الأمور، فهو يعلم أنه مسؤول عن أقواله وأفعاله ومصداقيتهما التي ما أن تقع في مخالفة ما حتى يحاسبه قانون لايتسامح ولا يعرف الوساطات، وتقبيل الجباه والخشوم، على رغم أنه - ومازال الحديث عن مواطن الأمم الأخرى " المتقدمة "- يعتبر حريته الشخصية حقاً مقدساً كفلها القانون، ولا يحق لأحد المساس بها أياً تكن جهة التدخل.
لذلك تستطيع محكمة أمريكية على سبيل المثال، وكما جاء في الخبر الذي نشرته النهار في صفحتها الأخيرة منذ أسبوع، أن تقضي بسجن سيدة من ولاية فيلادلفيا عامين مع وقف التنفيذ على أن تؤدي 200 ساعة عمل في خدمة المجتمع بأحد المساجد وأن تحصل على دورات تدريبية في إدارة الغضب والتنوع العرقي. وقد كانت جريمة هذه السيدة أنها بعثت رسالة تهجم إلى رئيستها في العمل، وهي أمريكية مسلمة من أصل مصري، ما اعتبرته السلطات الأمريكية القضية جريمة كراهية.
إنه مثال للعدالة، على رغم أن الأمر ليس كذلك على جميع الأصعدة، لكن القانون حجة هناك، وهو قادر على أن يعطيك حتى حقك المعنوي. إنها ضوابط تحدد أن مالاترضاه لنفسك لاترضاه للغير، فيما تتنازعنا أهواء بين مانحن عليه فعلاً ومانريده لأنفسنا أن نكون،فتختلط الأمور بين واقع نراه في قلة الانضباط والتهرب من المسؤولية، والشطارة بمعنى أن كل ماتستطيع اغتنامه من غير أن تتعرض للمساءلة، هو مُشرعن!
الأخلاق ليست تنظيراً ، ولا تملك مستويين سري وعلني، لذلك فلابد من الاعتراف أننا نرضخ لسلطة الأخلاق التي تمارسها الأسرة والسلطة القانونية والدين وفي حال غياب أي منهم أو كلهم معاً نتصرف على علاتنا ، وينكشف المستور
.

ليست هناك تعليقات: