30 نوفمبر 2007

جهة الزرقة: وجوه


بعض الوجوه لها قامة في القلب لا يغيرها تعاقب الفصول، ولا وطأة المرض، ولا قسوة المسافة.
.بعض الوجوه عصية على التعب، وعلى اللوم، وعلى سوء النية..
بعض الوجوه لا تتهشم كما الزجاج، ولا تصطنع المعروف، ولا يعنيها الحضور أو الغياب..
بعض الوجوه لا تشحب.. ولا تبخل.. ولا تنأى..
بعضها بستان نبل؛ ذاكرة لا تشيخ؛ نجوم لكل ليل محتمل..
بعض الوجوه تقول لنا ان الدنيا بخير ماداموا فيها، وان الإنسانية تكمن في نقطة من القلب لايستطيع أنذال العالم افسادها..
لذلك فمن غير المهم أنها وجوه تخاف، لأننا جميعاً خوّافون أمام النصل والفخ وعتو البرد،
ومن غير المهم أن تبتعد، فالمسافة دائماً بلا منطق،
ومن غير المهم أن تنتابها الهواجس، فتنسى لبعض الوقت حسها الساخر، ومصائد نوادرها، وتعليقاتها المتربصة، والممرات القصيرة إلى قصائد تأتي عفو الخاطر،
بل ومن غير المهم أبداً أن تقلق وتقلقنا، فحتى اليقين لايمكن أن يكون حتمياً، والعبث مسرح الحياة.
سنغفو قليلاً ننتظر قهوة على رائحتها تفوح الأحاديث، تدغدغ ضحكات ستمتطي الريح والضوء، ثم سنغزل من ألوان الفراشات أزماناً قايضنا يباسها بالحنين، سنسرقها على غفلة من ورقة الرزنامة، لأنه ليس إلا توقيتاً متمرداً، ونحن لن نستهلك أصابعنا في تعداد المودات القادمة، والألفة التي بمحض العادة تعودت ألا تعتب ولا تعاتب..
سنسكت.. لبعض الوقت فقط، فالأحزان كما الأفراح تباغتنا كأنها تحدث للمرة الأولى، والزفرات الثقيلة لم تكلف نفسها مرة واحدة عناء التبرير، كما أن الله لم يمنحنا فضيلة الانبعاث من سطوة الوجع.
أنظر إلى داخلي، فأرى تلك الوجوه متعبة تعلن وحدتها، تكبت البكاء، تستغرق في مساءاتها البعيدة، وتنسى أن الأصدقاء هالات نور لوقت العتمة.
سيتشرد الكلام،ويترقع بألف رقعة..
سنقف على أطراف الوقت، ننتظر، فبعض الوجوه نادرة لا ترضخ لقوانين الوجود، ولأنها كذلك فعلى العالم انتظارها. ستعود.

21 نوفمبر 2007

الجمال يكسب

أثناء أحد تجليات 'الصفنة' -وهو تعبير يطلق على حالة الشرود التي تفاجئك وأنت في خضم حدث اجتماعي حاشد- اكتشفت أن غالب السيدات الحاضرات يبدون أصغر من أزواجهن بكثير، وبعد التمحيص والتساؤلات الفضولية، اكتشفت أن الفارق شكلي فقط، ولاتؤكده البطاقات الشخصية.. ففي الوقت الذي تبدو فيه المرأة المتزوجة منذ أكثر من عشرين سنة أختا كبيرة لابنتها، يظهر الرجل وكأنه أب للاثنتين، خاصة أن الحزام يقسم كرشه المنتفخ إلى قسمين، فيما تلمع صلعته أكثر من شمس ساطعة، أما تنفسه المتقطع بعد التهام وجبات العشاء الرسمية، فهو دليل قاطع على أنه في سن الشيخوخة.أما الزوجة ( زوجته)، فيبدو أنها تتدارك نفسها أولا بأول، فهي تواظب على رياضة الايروبيك، وتسبح مرة أو مرتين في الأسبوع، ولها اشتراك أسبوعي لتسريح شعرها وصبغه ونكشه وتلوين بعض خصلاته، كما أنها تقف على الميزان كل عشر دقائق لتتأكد أن كارثة الوزن الزائد لن تغافلها لا سمح الله..ولست على ثقة تامة، بأن الوعي قد داهم المرأة وحدها من دون زوجها، لتكتشف أساليب الحياة الصحية، والعمر المديد، والشباب الدائم.. بل أغلب الظن أن المجتمع الذي طالبها منذ جدتها حواء بأن تكون جميلة وتصمت، والذي فاجأها بأن عمرها رذيلة غير مبررة، وبأن صلاحيتها يمكن أن تنتهي في لحظة ما حين يستبدلها الرجل بأخرى أكثر شبابا وحيوية.. كل ذلك جعلها فطنة لتعرف بأن الجمال - طبيعيا كان أو صناعيا - هو بطاقتها الرابحة، وهي لم تصدق ما يتشدق به هواة التنظيرات عن أن الجمال هو جمال الروح، وأن الأخلاق تاج كاف واف، مادام الواقع يدحض كل ذلك.. فالخطاب يطرقون باب الجميلات، والوظائف المهمة والراقية تنالها الجميلات، والانطباع الأول لكل العلاقات الاجتماعية يعززها الجمال، والشعراء لايتغنون إلا بالجميلات. لذلك شئنا أم أبينا، فإن الجمال ورقة تميز لا يمكن تجاهلها.
جهة الزرقة:
نشرت في القبس23/8/2007

أهمية أدب الأطفال ودوره

في مناخ وأجواء عائلية يشح فيها تواجد الكتاب بكل أنواعه يصبح من الصعب الحديث عن كتاب الطفل وأسباب فقدان الطفل لشهية القراءة، ففاقد الشيء في النهاية لايعطيه. ففي الحقيقة لايمكن فصل ثقافة الكبار عن أطفالهم، فالكبار ينقلون ثقافتهم وثقافة مجتمعهم سلباً وإيجاباً إلى صغارهم، وقد كانت حكايات الجدات هي الناطق الرسمي بذلك، سوى أن تلك الوسيلة الشفاهية من النقل المعرفي للتراث آلت إلى الانقراض.الحكي يحقق الألفة والعلاقة الحميمية، لكن غياب الجدة وحكاياتها المتخيلة عن فراش الطفل لم يترافق مع الحضور الفعلي للكتاب كما في الغرب سواء مصوراً للصغار أم النص المكتوب للفتية الأكبر سناً، فالطفل عبر القصة أو الحكاية أو الحكي يستحضر في ذهنه مسرحاً متخيلاً للأحداث مما ينمي لديه أكثر من ملكة. وتعد وسائل الإعلام مصدراً من مصادر ثقافة الطفل، وقد برز مؤخراً مصطلح الإعلام الثقافي للدلالة على صناعة ثقافية تهدف إلى صناعة المستقبل وتثقيف الطفل وإمداده بما يلزم من كتب ومجلات موجهة له.. لكن أي منهج يحتاج في العادة إلى أهداف واضحة، والإعلام الثقافي على امتداد الوطن العربي الحاضن لهذه الثقافة يختلف في أولوياته من بلد إلى آخر، فما تختاره السعودية لتقديمه للطفل يختلف عن ماتتطلبه دولة الكويت، والوضع أيضاً مختلف في سوريا عنه في مصر عنهما في المغرب وهكذا..تُعرف ثقافة الطفل أنها مجموعة العلوم والفنون والآداب والمهارات والقيم التي يستطيع الطفل استيعابها وتمثّلها في كل مرحلة من مراحله العمرية الثلاث، ويتمكّن بوساطتها من توجيه سلوكه داخل المجتمع توجيهاً سليماً.وتعتبر مجلة (العربي الصغير) الصادرة عن وزارة الإعلام بدولة الكويت منذ عام 1986 والتي حددت أنها موجهة للأطفال من عمر 9 سنوات إلى 14 سنة وقد خصصت ثماني صفحات للأطفال الأصغر سناً، وكانت أهدافها التي حددتها في الأعداد الأولى من إصدارها «خلق جيل من أبناء الوطن العربي مخلص للثقافة العربية بروافد المعرفة، معتز بعروبته ومعتقده» وبالفعل، جاءت أبواب المجلة منوعة وغزيرة، فقد اهتمت بالموروث العربي الحكائي جنباً إلى جنب مع الحكايات المعاصرة والحكايات المصورة، ومن الملفت اهتمامها بالجانب العلمي الذي تغفل عنه الكثير من منشورات الأطفال، وجاء فيها باب للتعريف بالفن والفنانين العرب والأجانب،وآخر للتعريف بالشخصيات الإسلامية، إضافة إلى الصفحات المخصّصة لإبداعات الأطفال ورسائلهم وعناوينهم. ويتضح من أبواب المجلة شيء آخر إضافة إلى التنوّع هو الحرص على إضافة أبواب جديدة وعلى تعديل أساليب طرح الأبواب الثابتة. كما أن هناك توازن بين الجانبين الماضي والحاضر والأدبي والعلمي والاهتمام بتنوع القيم وتنمية القدرات والمهارات، لكن يأتي كل هذا بعيداً عن توعية الطفل ولفت انتباهه إلى المشاكل التي تحفل بها مجتمعاتنا من فقر وجهل واستلاب للحريات ومشاكل الرأي والتهديد بالحروب وعدم الأمان. إضافة إلى العربي الصغير فهناك مجلة (أسامة ) التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية منذ 1969 وأيضاً مجلة سامر الصادرة في بيروت ومجلة (ماجد) الصادرة من أبو ظبي، وغيرها من إصدارات لا يتسع المكان للحديث عنهم بالتفصيل رغم جودة وأهمية ما تقدمه للطفل في مراحل حياته المختلفة لنمو الطفل، ونفرق هنا بين ماقبل سن التعليم ومابعده، إذ ينبغي ألا يقتصر المنتج الثقافي على الحشو المعرفي والمعلوماتي، بل لابد من الانتباه لتنمية الذكاء واعتباره قيمة موجودة بشكلها الفطري الغريزي عند الأطفال ، والذي يساعد على تنمية القدرات العليا أكثر مما تفعل الذاكرة.إن التحصيل اللغوي والثراء في استخدام المجازات وتنوع الدلالات والاستخدامات هي قدرات يكتسبها الطفل جراء القراءة والمطالعة، خاصة وأن هناك الكثير من أطفالنا ممن يعانون مشاكل نقص مهارات اللغة العربية، نتيجة تحصيلهم في مدارس أجنبية اللغة، فكتاب القراءة ماقبل النوم يسد تلك الثغرة بسهولة حين تستوفي القصة أو المجلة أو الكتاب أهدافها التربوية، وتجذب اهتمام الطفل، وهذا ماتفعله أيضاً الافلام والحكايات والاناشيد والمسرحيات ، حين تتوافق مع حاجة الطفل من الخيال والجذب. إن الاكتساب المعرفي في الاطلاع على ثقافات أخرى، وتكوين عادات وجدانية صحيحة وتنمية العواطف السليمة بالنسبة للطفل الذي يكون في العادة يملك مشاعراً رقيقة وخبرات فطرية عن الخير والسعادة كما أن سعة خياله وحبه للاكتشاف والتعلم يجذبه نحو كتاب متوفر وفي متناول اليد، ففي مكان خال من مكتبة وكتب لن تستطيع لفت انتباه الطفل إلى أمر طارئ وجديد عليه حين تجبره على قصة يتيمة اشتريتها بحكم الواجب.. إذ أن الألفة بين الطفل والكتاب تبدأ منذ اللحظة التي يضعه فوق ركبتيه مقلباً صفحاته دون أن يعي تماما مادة الكتاب في متابعة مدهشة للألوان والصور، وهذه تجربة أولى وهامة في حياة الطفل، تولد فيه البذرة الصغيرة لبوادر النضج والتوهج الذهني والوجداني وتنشئة الشخصية إضافة لنمو الحس الذوقي لما يسمعه من حكاية أو قصة. بعدها تتكون عادات التذوق السليمة والاختيار الجمالي في كل مايتصل بالحياة اليومية والاجتماعية والحضارية، فالطفل يتعلم انشاء علاقات ايجابية بناء على مااطلع عليه من تجارب لأبطال قصصه، ويتعلم إصدار أحكام ايجابية حول ما يخص النظافة والانضباط والنظام والتصرف اللائق.. والقيم الأخرى من التصميم والشجاعة والجلد وتحمل الأعباء ولابد من الانتباه أيضا إلى السلوك الجانبي الذي يعنى بإرادة التغيير والعزم والتنافس، إذ الهدف دائما بناء الشخصية السليمة الخالية من الاضطرابات العصابية.هذا يعد انعكاساً للآفاق التي أتيحت له مما يعالج سلبيات الأطفال وانطوائهم وعزلتهم وارتباكهم أحياناً، بما لديهم من خبرات نقلتها لهم الأجواء القصصية.. فلايتخوف الصغار من المواقف المشابهة. إذ لابد من الاهتمام أثناء الكتابة للطفل إلى:-ربط الطفل بتراثه الحضاري والاسلامي. - ربط الطفل بواقعه اليومي المعيشي.-الاطلالة على منجزات التطوّر العلمي والتكنولوجي.- غرس القيم الأخلاقية.- تشجيع الطفل كي لايكون سلبياً بل مبادراً لكل مافيه خير وبناء للوطن. - مساعدته على توجيه أوقات فراغه، والاستفادة من هذه الأوقات بما يعود عليه وعلى من حوله بالنفع. إن الكتابة للطفل بعكس مايتصوره الكثيرون، فأنا شخصياً أتهيب منه، وهو بالفعل من أصعب أنواع الكتابات، وتتحكم فيها عوامل كثيرة، منها السن كمرحلة عمرية، فكل سن له طريقة فى الكتابة والرسوم والإخراج الفني لابد من اطلاع تخصصي عليها ، والحق ان الكتاب بشكله الإخراجي الحالي فقير بالنسبة لطفل صارت الالكترونيات في متناول يده قبل أن يعرف إمساك الملعقة، ولابد من نسف كل الطرق القديمة في نشر الكتاب الذي يعتمد فقط على اللون والصورة، فالكتاب الحديث يجب أن تتنوع مصادر الإثارة فيه فيكون ملحقاً أيضا بحسب عمر الطفل بميزة تحويله إلى ورشة رسم أو خيال الظل، كما أن الفكرة نفسها يمكن نقلها إلى المدرسة بجذب الطفل إلى تحويل قصة ما إلى مسرحية يمثلها أصدقاؤه وتكون الورشة كلها من صنع الأطفال، ويكون الكتاب القصصي المؤلف هو محور تلك الورشة، فيصبح من خلالها الكتاب بقصته عدة قصص وعدة رسوم وعدة قطع موسيقية وعدد من العرائس وعروض فنية متكاملة. والبعد عن الأسئلة الساذجة التي تعقب القصة من مثل « ماذا تعلمت من القصة؟وما الذي أحببته في هذه القصة؟ وغيرها من أسئلة انتهى زمنها، واستبدالها بأسئلة جادة حول كيفية البحث عن المعلومة والمتعة والفن. والبعد عن السطحية في مواجهة الأمور، وتنمية قدرة الطفل على الخلق والتفكير والابتكار بدلا من الحشو المدمر للعقول.الحقيقة أن الكثير من الأمور تقصي الطفل عن اكتساب عادة القراءة، فهناك نقص في عدد ومحدودية المجلات والكتب وقصص الأطفال، خاصة تلك التي تستهدف المراحل الأولى من الطفولة، بعيداً عن طريقة التوجيه المباشر المتعارف عليها.. خاصة أن المعارف والمعلومات صارت متغيرة بشكل سريع، ولابد من أن نربي طفلاً قادراً على التكيف مع عصر متغير، معتمداً على عقله ومنطلقاً من التساؤل والبحث، من دون أن تقتصر المعرفة على التاريخ والأدب بل الانتباه أيضا للنواحي العلمية والاكتشافية وتذوق الفنون حتى التجريدي منها
اعداد: سوزان خواتمي.

05 نوفمبر 2007

صورة مسروقة من مدونة أحمد محجوب طيب الله ذكره


أخلاقنا ياعيني

يبدو أننا سنحتاج إيمانويل كانط ليفسر لنا الأخلاق ، فيقول لنا مثلاً بأن علينا أن نعامل كل شخص على أنه غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة، أو إن على الفرد أن يجعل سلوكه قاعدة للإنسانية، فلا يتفاوت في تصرفاته بين مستويين للعدالة ومستويين للرأي ومستويين للمعايير، في ازدواجية غير محمودة العواقب.
من المؤسف حقاً أن تغيب عن مداركنا العقلية والسلوكية المنظومة الأخلاقية الصارمة وغير مزدوجة المعايير رغم تبجحنا بمرجعية دينية يُفترض أنها قادرة على أن تكون وازعاً إضافياً مسانداً للضمير الذي يغفو ويفيق بحسب الحالة.
بينما نجد أن أمماً أخرى " متقدمة " تشكلت لديها منظومتها الأخلاقية، دون أن ترتبط بالدين حتى! بالطبع لا يمكن القول أن كل فرد ينتمي لتلك الأمم هو مثال ملائكي النزعة، أو خال من أهواء فردية شريرة، لكن الأخلاقيات التي تحكمه بالعموم نشأت في ظل قوننة الحياة، واتساق هذه القوانين مع حاجته، كونها تقدم منفعة متساوية للجميع. لذلك نرى الغالبية تلتزم بقوانين العمل والنظافة و المرور، و حتى الضرائب لأنها تعود عليهم بخدمات عامة لمجتمع يعتد بتنظيمه، وعلى ذلك تقاس كل الأمور، فهو يعلم أنه مسؤول عن أقواله وأفعاله ومصداقيتهما التي ما أن تقع في مخالفة ما حتى يحاسبه قانون لايتسامح ولا يعرف الوساطات، وتقبيل الجباه والخشوم، على رغم أنه - ومازال الحديث عن مواطن الأمم الأخرى " المتقدمة "- يعتبر حريته الشخصية حقاً مقدساً كفلها القانون، ولا يحق لأحد المساس بها أياً تكن جهة التدخل.
لذلك تستطيع محكمة أمريكية على سبيل المثال، وكما جاء في الخبر الذي نشرته النهار في صفحتها الأخيرة منذ أسبوع، أن تقضي بسجن سيدة من ولاية فيلادلفيا عامين مع وقف التنفيذ على أن تؤدي 200 ساعة عمل في خدمة المجتمع بأحد المساجد وأن تحصل على دورات تدريبية في إدارة الغضب والتنوع العرقي. وقد كانت جريمة هذه السيدة أنها بعثت رسالة تهجم إلى رئيستها في العمل، وهي أمريكية مسلمة من أصل مصري، ما اعتبرته السلطات الأمريكية القضية جريمة كراهية.
إنه مثال للعدالة، على رغم أن الأمر ليس كذلك على جميع الأصعدة، لكن القانون حجة هناك، وهو قادر على أن يعطيك حتى حقك المعنوي. إنها ضوابط تحدد أن مالاترضاه لنفسك لاترضاه للغير، فيما تتنازعنا أهواء بين مانحن عليه فعلاً ومانريده لأنفسنا أن نكون،فتختلط الأمور بين واقع نراه في قلة الانضباط والتهرب من المسؤولية، والشطارة بمعنى أن كل ماتستطيع اغتنامه من غير أن تتعرض للمساءلة، هو مُشرعن!
الأخلاق ليست تنظيراً ، ولا تملك مستويين سري وعلني، لذلك فلابد من الاعتراف أننا نرضخ لسلطة الأخلاق التي تمارسها الأسرة والسلطة القانونية والدين وفي حال غياب أي منهم أو كلهم معاً نتصرف على علاتنا ، وينكشف المستور
.

04 نوفمبر 2007

شرطة مرور حلب حفظها الله تستخدم طائرات الهلوكبتر

إذا كنت- على غير العادة- تعبر الشارع من ممر المشاة، محتمياً بالإشارة الضوئية الخضراء التي تعني –إعبر- وكانت السيارات مازالت تندفع من حولك، رغم أنف الإشارة الضوئية الحمراء التي تعني – توقف
..
إذا كانت الأرصفة محطمة، وبارتفاعات مختلفة، وتُستخدم كمصف للسيارات، بحيث يصبح المشي فوقها أشبه بمشي البهلوانات فوق سلك
..
إذا رأيت دوار (عين الله عليه) مع ذلك فهو محاط بالإشارات المرورية، فاعلم أنه إنجاز خاص لا علاقة له بعجائب الدنيا بل بتنظيم السير، ورغم ذلك فهناك سيارات توفر على نفسها البنزين، فلا تتكلف مشقة الالتفاف الكامل حول الدوار
..
إذا كنت شاهدَ عيان على مخالفة سرعة صريحة، أو وقوف في الممنوع، أو عرقلة سير، والتفت لتجد شرطياً مستكيناً يرى ما رأيته دون أن يحرك ساكناً
..
إذا هاجمتك سيارة فخمة أو حتى سيرفيساً شعبياً (المساواة الطبقية هنا واضحة)من غير أن تخفف سرعتها، رغم أنك تركض بكل طاقة ساقيك، ولهفتك على الحياة، لتصل مقطوع الأنفاس إلى الرصيف المقابل
..
إذا كنت في شارع عجائبي (له علاقة بعجائب الدنيا السبع) قديم ورصين في منتصفه جزيرة من الأشجار الظليلة والوارفة الممتدة لكن كلا الطرفين باتجاه واحد
..
إذا كنت في طريق بين المطب والمطب هناك مطب، هذا غير المطبات التي أحدثتها الطبيعة في الإسفلت القديم والمشروخ، وجميعها مفاجئة لأنها غير مخططة، فعليك إن أردت أن تتفاداها أن تحفظ مكانها.. وإلا
..
إذا كنت في شارع يشبه يوم الحشر، بحيث يختلط فيه الذي يمشي على قدمين، بالذي يركب السيارة، بالذي يقود دراجة هوائية، بالذي يركب – طرطيرة- بالذي يتعكز على عصاه، بالتي تدفع عربة أطفالها، دون أي فارق بين شيء وآخر..
إذا كنت في شارع باتجاه واحد، وفاجأتك سيارة قادمة من حيث لا تعلم، فأنت أمام احتمالين إما أن يرسل لك قائدها ابتسامته اللزجة، أو أن يضطهدك بنظرة فوقية.. وفي كلا الحالين عليك أن تفسح له الطريق
..
إذا كنت ممن أنعم عليهم الله بمقود سيارة، واعترضك كائن يقف في منتصف الشارع دون أن يتحرك، لأنه يريد أن يوقف تاكسياً أو سرفيساً، فعليك أن تعتمد شطارتك فتلتف من ورائه أو من أمامه، دون أن تلمس ظهره أو بطنه أو حتى تخترق نظرته – المستنكرة- التي يطلقها عليك لأنك أزعجته
..
إذا كنت تمر تحت جسر، والسيارات تطلق زماميرها فتملأ الأرض والسماء، دون سبب معروف، وهي تقف في أنساق ( ملخبطة) لأن الخطوط الأرضية مفقودة تماماً، و يقسم العارفون بواطن الأمور أن أي شارع يتم تخطيطه يزول بعد أيام معدودة، أو حتى ساعات معدودة
..
إذا كنت في عز الظهيرة- مسلوق مثل دجاجة- أو في آخر المساء – متعب ومنهك- وأشرت إلى تاكسي كي ينقلك بضمان مكان الإقامة إلى حيث تريد، فإنك ستصدم بأن السائقين هم اللذين يقررون وجهة مسيرهم، وأنت وحظك الذي غالباً ما ينتهي بانطلاقهم، تاركين حضرتك للأقدار السماوية
..
إذا ركبت سيارة إجرة، وأردت أن لا تسمع شتيمة تخص كرمك المشكوك بأمره، فعليك الامتثال إلى ما يطلبه السائق منك بغض النظر عما سجله العداد
..
إذا ركبت تاكسي مع سائق لا يعرف أيا من شوارع المدينة الرئيسية ولا الفرعية، ولا أي معلم من معالم المدينة، وكان ينطلق مثل سهم، و(يزوبق ) بين السيارات الأخرى في حركات بهلوانية، فيما يلتصق ظهرك بالمقعد، وأنت تصلب أو ترتل آيات قرآنية على نية الوصول بالسلامة
..
إذا كنت في سيارة أجرة، وفتح السائق معك حديثاً يسألكِ عن دينك، وعن السبب الذي يجعلكِ تسيرين دون حجاب رغم أنك - ماشاء لله عليك- تبدين بنت ناس أوادم ومحترمين
..
إذا شاءت أقدارك أن تعلق بزحام المدينة دون أن تجد مكاناً تركن فيه سيارتك، أو تجد نفسك محاصراً في شارع ضيق لا تستطيع أن تمر به لأنه مشغول برتل من السيارات على جانبيه
..
إذا صدف أنك مستعجل، وليس أمامك خيار سوى السيارة القديمة المتهالكة التي وقفت لك ، فستجد أن مقعدها وسخ وأنك لا تستطيع أن تسند ظهرك، ولا أن تلمس المسند، ولا أن تفتح النافذة لأنها معطلة، فتتساءل ببراءة متى كانت آخر مرة دخلت تلك السيارة الفحص الفني وخرجت بختم اللياقة
..
فيما لو انطبقت عليك كل الاحتمالات السابقة، فهذا يعني أنك مواطن يعيش في مدينة حلب، وأن احتفالية عاصمة الثقافية الإسلامية قد انتهت وأخذت معها التنظيم الظاهري الذي رافقها، وأن أياً من المسؤولين المعنيين بقضية المرور والتنظيم لم يعد يستخدم شوارع المدينة، بل صاروا يركبون طائرات الهلوكوبتر، لأنه السبب الوحيد الذي يجعلهم يتغاضون عما يحدث في شوارع الموت والفوضى
..

وشوشات الشاي

حنجرتي
الصدأ العالق بما لم يقله الحنين
حنجرتي..
جروح الوردِ في شاسع غربتي
يرتد الصمت محتقناً بمواجع الرحيل..
وما سمعتني الليالي حين ذرفتها على صدرك
كنتُ وحيدةً، وكنتَ تزفر ما بقي من روحك
قاتماً.. صامتاً.. تخربشُ الوقتَ بأظافرك..
اخفضْ قسوتك قليلاً كي تسمع فراشاتي المأخوذة بطفولتها
سنتبادل الأسماء حقاً.. بقيد الوعود
قريباً من الحياة
تطلقنا النداءات حباً
أجفلتك الحروف وأجفلتني
أحركُ السكر في الشاي
أصابُ بالدواروأنتَ ترتكب الغرور..
كأنك لن تحتاج كفي يقود وجهك
كأنك كارثة الكسور.. لا تشتهي ارتشاف الشاي
****
الفجر ملء السماء، ومازلنا فارغي الوفاض، هالات السهر بيننا والصمت..
المرآة تبالغ : قلتَ لي
وكان
قد آتاك الحب .. ودمي قربان
الوجع ينقض الوضوء..
والحاضر يشرق في الظهيرة..
يغني مسالك العشاق الغاويين
أقدامهم الربيع تنبت عشباً، وتطير لأجلهم الحساسينتذكرتَ كيف يكون انهمار اللون
تمتمات على سجادة فارسية، تحكي ماكان سراً، ماكان افتراضاً، ماكان حياء الشفاه
تذكرتَ عجين اسمي في زادك.. في خمر بصيرتك
في سراب منافيك البعيدة .. في خرمشات عتمتك.. إذا التفت الظلال على الظلال
فلا نبت حلم.. ولا ترجتك الأشواق
حيث تركتَ الحقائب جثثاً فوق خزانتك
واستلقيت كالموت على برد فراشك
لم أشعر بك
لم تشعر بي
كنا كخشب المنافي..كعفن الأزقة الحائرة
كنا كالتهاب الصدأ على أسيجة الحدائق المهجورة
كنا مواسم السواد.. غربان الغصات.. جفاف الحقول
****
الفجر ملء السماء، ومازلنا فارغي الوفاض، هالات السهر بيننا والصمت..
المرآة تبالغ : قلتُ لك..
وكان
ثمة مرة أخرى
قد داهمني وجهك شمساً/ سماءً / ريحاً
حتى ثملتُ.. أطير إليك بمعصية الجناح
أحمل معي ليالي شوق لم تنم.. ولم تستريح..
أحبكَ
أعلق بالغيم خلاخيلي
أركض ..أركض حتى آخري
بين الجنون والهاوية
أواصل في الهذيان، خطط النجاة
زاد من كحل وضوء، قد قامت الروح من الأسى
لتنفض ماعلق بها من جفوة السنين
أحبكَ
ألهث في حناء سمرتك
وأنت الفرح سكينة الطيبين
رائحة المطر في أنفاس عاشقة
وأنت ابتكارات أول النهار
انسلال السحر من أصابع عرافة
أشواق الوصول
****
كنت أحرك الحلم في فنجان الشاي
ثلاث قطع من السكر.. وجهك.. وصباحي
إذ كلما كتبتك أكثر
كلما ظننت أني أعيش

03 نوفمبر 2007

كما الرغبات المحققة
هنا ثانية
أو مرة أخرى : أسرح في المدى حافية شمساً تمشي فوق الماء ولا تغرق