21 سبتمبر 2009

سوزان خواتمي وكهف الانوثة.. عن مجموعة فسيفساء امرأة ( صبري رسول)

مقدمة صامتة



الهم النسوي من أبرز ملامح قصص " فسيفساء امرأة " تجلى ذلك في طول القصص وعرضها متمثلاًَ في اهتمام المرأة في شؤنها اليومية والتفاصيل الحياتية الدقيقة (.جمالها ورشاقتها ،علاقاتها مع ألأخرين :أب .أخ . زوج. ألخ ).....


إضافة ألى هموم المرأة في حياتها العامة ككائن اجتماعي وركن من أركان المجتمع العام ، فالأنوثة كهف مغلق لاتتعرض جوانبه لضرب الشمس ، وهموم الكتابة تبقى أسيرة هذا الكهف اللطيف على امتداد 145 صفحة من القطع المتوسط من إصدارات اتحاد الكتاب العرب .ففي قصة (فسيفساء امرأة ) التي تحمل المجموعة تصوغ سوزان حياة كاملة في قصة قصيرة :ميلاد ،زواج ،أرملة ،كهل .لاأظن أن تقسيم القصة إلى عناوين فرعية مثل مســرحية ذات فصول متعددة قد أضافت فنية جديدة : (سرد الطفولة ؛محاولة حب ؛شهية حياة ؛ ميلاد طارىء )وتسرد بمرارة وألم فشل ألحصول على حياة " بنفسجية " . أكاد أبكي .فلا نحن عثرنا على مغارة علي بابا ..ولا نحن اكتشفنا كلمة السر ،ولا نحن في بال الأربعين حرامي "ص105 .






في مستهل القصة تواجه هذه الجمل " وفي خاتمة القصة يتساءل " أختي حنان :في الزمن الجهنمي ..ما الذي تفعله هنا ؟ص122 .عبارةالاستهلال و الخاتمة تختصران الزمن السردي وتربطان حكايتين متشابهتين على سطح يتخطيان المستحيل بحثا عن لذة الحب . لكن الزمن كعنصر سردي أوضح ما يكون في تجلياته المتماهية مع المكان في قصة "حين ضحكت أخيراً " ، فعبارة واحدة تتكرر في مستهل القصة وخاتمتها لكن القارئ لايفهم ما تعنيه العبارة ألأولى إلابعد قراءة النص والوصول الى خاتمة القصة فيختزل الزمن بين تكرارة العبارة في المرة ألأولى و الثانية .






حداثة الخطاب القصصي






نصوص (فسيفساء امرأة ) تندرج تحت مفهوم "الخطاب القصصي الجديد من حيث التقنيات السردية المستخدمة في فضاء متواتر يتصالح فيه المتلقي والنص والكاتبة . ثمة تماسك سردي على المستوى الدلالي والنصي ، مما يجعل بنية النص غير قابلة للتجزئة والتبعثر ففي قصة (كاني أعرفها ) في وقت غير مناسب من حر ألخليج الصيفي ,يحاول الراوي في القصة الوصول الى موعده الغرامي مع حبيبته لأنهما متورطان (بلهفة الحب يتبادلان سراًبعيدا عن أصحاء الحالة ) ص 188 .


في هذه النص يتحدث الراوي عن علاقته بها وعن حلمه بتبادل القبل وعن دلالها وتمنعها وعن قوانين المرور و الذين يقطعون الشارع لكن يبقى الخيط السردي لامعاً في أجزاء النص وتبقى مفاجأة النهاية


ذات دلالة قوية حيث يرى أخته تدخل المقهى في ذات الوقت الجهنمي .فتقنية السرد تنجح باستغلال العامل الزمني هنا.






علاقة المرأة بزوجها من الأفكار الطاغية في النصوص ، تكون أحياناً الفكرة الرئيسية في النص مثل قصة (حين ضحكت أخيراً ، فانتازيا الحب ،فسيفساء الحب ، كأني أعرفها ) . وتكون أحياناً ، فكرة تمر كغمامة على سبيل التذكير ، مثل : ( جدران ونافذة ، أحدنا كان يرتعش . ) . ففي قصة ( حين ضحكت أخيرا ) نجد سوزان تختزل سوء العلاقة بين الزوجين في جملة عبثية متمردة ( غياب الأجساد أكثر قسوة من حضورها الكاذب ) ص55. ويأتي الطلاق (بيسر شديد ، الكلمة جاهزة على طرف السان سرعان ما نطقها كمن يتخلص من زفرة . ) ص54 .


سوزان خواتمي تجيد سرد الوقائع اليومية , بسخرية لاذعة فهي لا ترحم النص بـ( بهارات ) لاذعة وهي سمة تتكرر في نصوص المجموعة كما في قصة (ربطة العنق ) .(أخته مازالت في الرحم تتقرب المجيئ..وطلبات البيت كقبعة الحاوي دائما هنالك جديد )ص58 .


على طول شاطئ السرد يبقى هم ألأنوثة طاغياً يترك ارتعاشا بالخوف لدى المتلقي لان الأ نثى في النصوص تمد ضفافا ًألى حيث ألاخر دون أن تحصد توافقا على ثمرة البردي المتمايلة .



جماليات العنوان






أغلب العناوين في المجموعة يتألف من كلمتين (مضاف ومضاف إليه ) استخدمت اثني عشرعنواناً وهذا الرقم يشكل نصف قصصص المجموعة وبدلالات مختلفة زمانية ومكانية وبالصيغة النحوية (مضاف ومضاف إليه )وكأنها تبحث عن مسند قوي تستند إليه تحاول ان تبدأ بقوة العنوان مثل (طرق الدهشة , عصفور الغفلة , فانتازيا الحب , ..........الخ ) .


ومعروف نحيوياً إن المضاف اسم نكرة يستمد معرفته بإضافته إلى اسم معرف . ففي عنوان (طرق الدهشة ) جاءت الكلمة الأولى بصيغة الجمع لتطلق عقال الدلالة الى أقصى المدى ، وكأن هذه العبارة تفتح أفقاً كبيراً للتنفس بعد لحظة انحباس قاسية . وفي العنوان الثاني (عصفور الغفلة )تم اسناد المحسوس إلى المجرد ، الكائن الملموس إلى المعنوي المجرد , الطائر الجميل الى المعنى الذي يفقد فيه المرء صوابه ,والعنوان ذاته تركيب يمنح للقارئ الفرصة الأخيرة للتنفس تركيب (مذكر , مؤنث . جامد ، مشتق . خاص ، عام . كائن نابض بالحياة .اسم ذو معنى . ) .


أماا لعنوان الأخير الذي يمكن الوقوف عنده هو عنوان المجموعة (فسيفساء امرأة ) جاءت العبارة باسناد نكرة (فسيفساء )إلى اسم نكرة (امرأة ) والتركيب يقوي المجاز الدلالي ذات السلطة الواسعة لغوياً ، وكلمة (فسيفساء ) تشكل فضاء لامتناهياً من التنوع اللوني والجمالي ، تتكثف فيه حياة الأنثى بكل تنوعها وحالاتها ومراحلها . فالمرأة ما هي طيف مدهش , غنى هذا الطيف في غنى السخصيات التي تقدمه لأن هذا الطيف مزيج جمالي هائل ومتنوع , تقابله حياة متعددة الألوان وكثيرة الخيبات والآلام , وهذه الأفكار هي المعادل الموضوعي – فنياً – لرؤية إشكالية تشكل جزءاً اساسياً لحياة يعالجها الكاتبة , وبالتالي فهذا العنوان هو المحور ((اللولبي )) لمجمل موضوعات المجموعة التي لم تستطع سوزان التحرر من طغيانها ( كهف الأنوثة ) ، و كأن الحياة ليس فيها مواضيع أخرى غير هذا الحيز الضيق من الهم الإنساني .


(أحلى حكايات الحب , تلك التي تبدأ مباغتة )ص116 . هذه العبارة هي التي تفرض الفكرة التي يجب معالجتها فنياً. أخيرا يمكن القول أن جمالية العنوان وبروز اللغة المجازية فيها ,والتركيب ذات الدلالات المتعددة جاءت من الانزياح اللغوي ذات البعد الفكري . وتلك من تقنيات القصة الفنية الحديثة .


ليست هناك تعليقات: