سوزان التي نعرفها؛ تعرّفنا إليها في (الكشكول)*، هذا الحيّز الذي فتح لنا نافذة حميمة على أبناء الوطن وعلى من سكن هذا الوطن في قلوبهم.. نحن الذين كنا كالأيتام على مأدبة الإعلام الثقافي الرسميّ، توزّعنا في المغتربات الجسدية والروحية، وراح كلّ واحد يحفر في حيّزه الذي انوجد فيه؛ هكذا كمياه عذبة نقية أو كواحة ظليلة اكتفت بعابيرها، على أمل أن يتذكّر هؤلاء العابرون في الهجير عذوبة الماء الأولى فيعودوا ليستأنسوا بالمكان وظلّه وثمره ومائه..
هكذا هي سوزان التي ولدت ذات يوم في مدينة حلب الشهباء شمال سوريا كما، تعرف نفسها، سافرت إلى الكويت لتكون هناك واحة وظلاً ونبعاً فائضاً بالخير والخيرات، كالأم السورية الأولى؛ أو كنسخة إضافية من آلهة الينبوع؛ دأبها أن ينهمر الماء من تلك الجرة التي تمسكها بإحكام بكلتا يديها، ليشرب الظامئون، وليقولوا فيما بعد، مررنا هنا ذات يوم..
ولسوزان كما نعلم مجموعتان قصصيتان ضمّت إحداهنّ فيما أظنّ 35 قصة وهي بصدد نشر الثالثة بالإضافة إلى نشاطها الثقافي المتنوّع وحياتها العائلية والاجتماعية في الكويت والمنتديات الأدبية. وإن عنى هذا بشيء، فإنما يعني أنها ذلك النبع المتفجّر الدلالات الذي حكينا عنه للتوّ..
ليست تتوفر لديّ كتب سوزان، ولذلك فإنني قمت بعجالة بانتقاء 9 قصص مما نشرته في الكشكول أو في موقعها، وأنا لا أعرف إن كانت هذه القصص تعبّر على هذا النحو أو ذاك عن تجربتها القصصية أم أنها سوف تنظلم نقدياً بهذا الانتقاء شبه العبثي، ولكنها التجربة وما تحمله من صدق في النوايا، وكلنا نخطئ ونصيب، بتعبير رومان رولان، فعذراً.
القصص المختارة هي: "1 الموت الأخير، 2 الفالس الوردي، 3 أحدنا كان يرتعش، 4 ما زالوا يغادرون، 5 كلّ شيء عن الحبّ، 6 كادت خطواتنا أن تلتقي، 7 فسيفساء امرأة، 8 تمارين رياضية، 9 يحدث دائماً."
من خلال قراءة هذه القصص التسع للقاصة سوزان خواتمي، يمكننا تلمّس معالمها الفكرية الأولى كشخصية شهرزادية، تسعى عبر يوتوبيا السرد الجميل لإزاحة الليل الذي استوطن النفس الإنسانية، والمقاربة هنا بينها وبين شهرزاد مهمّة جداً من ناحيتي عالم السرد ككتابة في فضاء متخيّل، والتوجّه الفائض بإنسانيته عبر هذه الكتابة النابعة من ذات شاعرية شفّافة تدرك جيداً معنى أن تغشى الظلمة النفوس. وبذلك فإن هذه القصص، ربّما تبصّرنا بأنوات سوزان المضمرة، سواء في كلّ قصّة على حدة، أو في أناها كأنثى تنتمي إلى هذا الحيز الفني الكاشف لمضمرها، بالرغم من اقتصادها وسعيها دائماً إلى المحو؛ مكتفية بما يمكن لدلالاتها واستعاراتها وتناصاتها أن تتفاعل في ذات قارئها. وهذا الكلام فيما إذا أردنا تأكيده فنياً، فإنه بإمكاننا القول أن قصص سوزان ربّما تنتهك البنية الفنية للحكاية الشهرزداية، بأن تحذف استهلالاتها وفائضها العجائبي، لتبدأ من لحظة الفعل الواقعي لشخوص من لحم ودم، ربّما تعرّفنا إليهم ذات يوم، بحيث يشعر القارئ بأن ثمة كلاماً قيل سابقاً، وعليه أن يتمثّله أو يتخيّله منذ لحظة دخوله المشهد المتحرّك كما في هذا الاستهلال: "المسافة التي قطعتها طويلة ومتعبة، ولكنها وصلت أخيراً، تنهدت بارتياح. لا زال المكان على حاله، كما تركته بالضبط، رغم كلّ الوقت الذي مضى. ثلاث سنوات، وليست فترة طويلة جداً ولا قصيرة تماماً.." فهذا الاستهلال المشهدي كما نلحظ يقتضي استكمالاً واستفهاماً عن الغياب، وبالتالي سيكون بمثابة المحفّز السردي الذي سيمكّن الساردة من فتح الأطر الحكائية لهذه الكينونة المتعبة.
ومن اقتصاديات سوزان في الاستهلال أيضاً هي أن تضع نقطاً (....) في بداية الكلام كإشارة أن ثمة محواً مقصوداً تمّ، وهذا بدوره يستوجب من الساردة إضاءة جانب منه عبر السفر إلى ماض قريب، أو بعيد نسبياً. " .... تستعد الأرض لابتلاع شمسها ، فتمتد الظلال ، ترسم فوق رخام الأرضية النظيفة خيالاً شاحباً ، لامرأة ينحني ظهرها قليلاً فوق شغلها الصوفي ، تحرك ذراعيها النشطتين المطويتين إلى جانبيها بانتظام متواتر . إنها " أم أيمن " أمي في مثل هذا الوقت ما بين العصر والمغرب ، تكون قد أنجزت كل أعمالها ، وعليها أن تستريح ، لكن قيلولة الظهيرة ما عادت تناسبها منذ أن ارتبك النوم فوق جفنها العاصي ."(كل شيء عن الحبّ).
وهكذا ما بين السفر والإياب في زمن تجريدي توجّه الساردة أحداث حكايتها، ولتبني متنها السرديّ بعمارة كلامية أساسها الإيجاز، بالرغم من كثير من التفاصيل التي يلتمسها القارئ في قراءته، وهي تفاصيل محببة وسنتعرض لها في حينه. وما اصطلحنا عليه ب "الإيجاز" هو في الحقيقة أسلوب وطريقة متّبعة في سرد القصة سواء من خلال التهيئة بالحوافز، أو بالوصف، أو بالتفاصيل، لأننا بتنا ندرك جميعاً أن القصة لا تتحدد بمضمونها، وإنما بالشكل والطريقة التي تقدّم، وبما يجترحه السارد من وسائل وحيل تقنية لكي يوصل هذه القصّة إلى متلقّيها، بتعبير حميد لحمداني في كتابه المهم "بنية النصّ السردي".
ومن هنا فإننا قد لا نقع في قصص سوزان خواتمي على مضامين كبيرة، وممارسات نفسية معقدة، ولا على أفعال عجائبية، بمقدار ما نقع على لقطات فيديو إنسانية وغنية، أجادت في تلوينها بأسلوبية حديثة أساسها الاقتصاد الكلامي أو الإيجاز كما أسلفنا، وإلى ذلك فإن هذه اللقطات غالباً ما تستعرض وضعاً إنسانياً محدداً، لنتعاطف مع أطروحته أو لنتأمل دلالاته كما في هذا المشهد البسيط الذي تمّ بين الأم وابنتها:
"ما بك؟ ألم تعرفيني؟ أنا أمك.. أمك.
فتردّ ابنتها ببرود: أأنت هي؟ حسبتك مت.
تقول المرأة وقد آلمها وقع الكلمة: صحيح.. لكني حاولت المستحيل حتى أعود.. ذلك اليوم، أقصد يوم متّ، كنت شاحبة ومتألمة بكيت فوقي كثيراً، بللتني دموعك، لم تمر علي لحظة هناء واحدة، كان صراخك في أذني يقضّ مضجعي.."
فهذا الحوار بين الأمّ، وبين ابنتها الوحيدة التي ظلّت برعاية الأب، يعكس جانباً من معاناة المرأة المطلّقة في بلادنا، حيث تحرم من مشاهدة أبنائها كعقاب متفّق عليه اجتماعياً، وعلى نحو من العنف اللاإنساني تجاه الأمومة. ونحن في القصة لن نلتمس حتى ولو تعليقاً واحداً يخصّ هذا التحليل من قبل الساردة، حيث إن الحوار بين الفتاة والأم كان في دلالاته يدفع نحو هذه الوجّهة، هذا فيما إذا استثنينا عنوان القصّة "الموت الأخير" وعبارة "يوم متّ" العابرة الناضحة بدلالتها إلى أن الطلاق = الموت في مجتمع دخل طور المدنية منذ ألفي عام. وتأكيداً على ذلك سيقول لها زوجها عندما رآها قادمة من "الموت" لتطمئن على ابنة تركتها: لقد كبرت! وبما أن الغياب كان لمدة سنوات ثلاث فقط، فعلى القارئ أن يتخيل معاناة هذا النموذج الإنساني في مجتمع ظالم، لم يتمكّن حتى الآن من التفكير بحلّ هذه المشكلة كما يجب. ولن نذهب بعيداً في السوسويولوجيا، فمقامها ليس هنا، ولكن قصص سوزان تتوغّل عميقاً في الذات المظلمة، لتنقل إلينا كلّ حين حالة من تلك الحالات، حتى ولو كان الأمر على حساب الفنيات بانحيازها إلى الأنوثة والأسرة أحياناً، أو بالتدخل على حساب الفنيات لتدفع بأناها الساردة نحو وجّهة غير محايدة كما في "الفالس الورديّ" التي انبنت على لحظة سردية منحازة سلفاً للطرف الأنثوي، بدليل استخدام الساردة لضمير الخطاب "ك" المؤسس على تعال مقصود لإدانة الزوج قبل محاكمته، وكأن الساردة هنا تماهت مع الزوجة وباتا واحداً، الأمر الذي أدى إلى إلغاء حضور الزوجة كشخصية فالساردة تتكلم بلسانها، وجلّ ما عرفناه عنها كان عن طريق هذه الساردة المتعاطفة معها. وهذا الأمر برأينا يعبّر عن خلل يقع فيه الكثير من القصاصين نظراً لتعاطفهم مع شخصياتهم ليتأثر البناء بدوره بهذا الاختيار السردي: " آخر مرة رأيت غمازتيها منذ مالا تذكر .. وكان ثالثكما حديث مقطوع .. وأنفاس نرجيلة تعدها لك ثم تنسحب ..تبرعم شوقٌ صغير مدغدغاً مَوات حواسك ، تشرب فنجان شايك .تتقلب قليلاً فوق فراشك ، غداً في المحكمة ينتهي كل شيء .. تنام على الجنب الذي يريحك."
ومن جانب ثان فإن القصّة ذاتها تحتفي بالتفاصيل الصغيرة، وهذه التفاصيل هي أجمل ما في قصص سوزان، سواء كانت تفاصيل ترقيشية بلاغية، أو كمحفّزات تشويقية، وهي في عمومها تعبّر عن أسلوب بارع في التقاط المدهش والجميل والمفارق والتعبير عنها بلغة لها خصوصيتها السوزانية بكلّ تأكيد، والمتتبع لحكاية الساردة التي سافرت بنا إلى البدايات الوردية للمشترك الزوجي، سوف يلتمس عبر هذا السفر الكثير من التفاصيل التي يمكن تصنيفها في حساب الشعرية وإضافة جمالية تتوخّى التناغم مع العناصر الفنية الأخرى لاستكمال القصّة على النحو الذي من شأنه أن يمنح هذه القصّة مشروعية أن تكون قصّة فنية وحديثة: "غاصت غمازةٌ ضاحكة في خدها، وقفز قلبك عالياً، التفت البائع وابتسم في وجهيكما، كانت أسنانه سوداء. كان فعل ماض، عند زاوية الانكسار شفة مقلوبة. تهجسُ بالفكرة. نهضتَ فجأة، و قررتَ أن تنام وبين كتفيكما مسافة سنوات من الانكسار، لتنتصب في الحلم حقولٌ عطشى وأشجارٌ ظمآنة. منذ أن تحول شأنكما الخاص إلى شأن عام واللغط والتساؤلات تحشرك في أضيق المواقع."
وإذا كانت القصتان السابقتان قد تناولتا موضوعة الطلاق أو الافتراق من زاوية رؤية مختلفة سردياً، فإن قصّة "كادت خطواتنا أن تلتقي" ربّما تعاين جانباً نموذجياً نمطياً ينهض على الصدفة لبناء الحكاية، صدفة اللقاء، تجاوب البطلين، وسعيهما للزواج، تدخّل الأم ليحصل الافتراق، ولكن ما بين نقطة اللقاء والافتراق أفقياً، ثمة مساحة من الرومانسية الجميلة تستغلها الساردة بأسلوبها العذب وعلى نحو ذكي لإضاءة لحظة الحبّ التي ينبغي أن تعاش كما يجب بين حبيبين.
أما عمودياً فإنه إذا كان تاريخ الذكورة حافلاً بقصص وأد الحبّ، فإن الأمومة هنا ستسعى على نحو غامض إلى وأد الحبّ من خلال تمثيلها لدور الذكورة الغائبة. وربّما هي ذات الأم التي تعرّفنا إليها في قصّة "كلّ شيء عن الحبّ" أو "أحدنا كان يرتعش" وأعتقد أن هذا الجانب يحتاج إلى وقفة إضافية منا، لتبيّن سبب تمثّل الأنوثة دور الذكورة التقليدي عندما يكون غائباً، وهل لذلك علاقة بما يمكن تسميته بالحرص على "مؤسسة الأسرة" ونظام التوريث الذي ظلّ متماسكاً منذ ذلك اليوم الذي رفض فيه جلجامش نداء عشتار لممارسة اللذة على حساب النظام الطبيعي[1]، بل ربّما هو مسعى من قبل القاصة لمواجهة ما يسمى بالقيم النسوية الجديدة التي لها من يسوّقها في الوسط الأدبي والثقافي، بالدعوة إلى التحرر الجنسي وممارسة اللذة وغير. والراصد لشخصية أم أيمن في القصّة سيتلمّس ذلك:
" أمي قارة حنان جفت، تقرح جفناها، وتساقطت مع الأيام التي مرت أهدابها، فيما مضى لم تكن كذلك كانت مليحة هدباء، وكانت قوية البنية، لطالما حملت السجاد الثقيل، ونقلت قطع الأثاث دون أن تطلب المساعدة، وكانت متينة أقرب في قوامها إلى السمنة. كم تغيرت! نحل عودها، واختفت ابتسامتها، وصمتت شفتاها، إلا بما يجعل الحياة تسير. مرت بها عواصف كثيرة لم تكسرها، استطاعت أن تجعل قاماتنا تنمو نحن أولادها الثلاثة، في زمن حوى كل شيء إلا الطمأنينة، لم أجدها يوماً تشكو، لم يهدها موت أبي، ولا هجرة "أختي" وحيدتها إلى كندا ، كما هدها غياب صالح " أخي الصغير ".
ولا أظنّ أن ثمة غموضاً يستدعي التحليل في هذا المجتزأ، لأن أم أيمن في هذه القصّة تشبه كلّ الشبه الجدة "وهّوب" في رواية وليد إخلاصي "زهرة الصندل" وكلتاهما تدركان أهمية مؤسسة الأسرة والحرص على سلامة أفرادها وسلامة المجتمع، سيما أن الذي غاب كان قد التحى وغاب في مجهول خياراته محدودة جداً بالعودة سالماً.
وربّما قصّتها "فسيفساء امرأة" ستتناول الموضوعة ذاتها ولكن من وجهة سردية معاكسة، لامرأة نسيت نفسها في أحد المستوصفات كممرضة حتى دخلت الستين، لتكتشف فيما بعد أنها صارت ستينية وأن العمر سرقها، فتعمل القاصة على تفتيت كثافة هذه اللحظة بفتح عدة أطر سردية، فسافرت بنا إلى ماضي الشخصية وأيام الطفولة، إلى الحبّ وأيامه، ثمّ الزواج والإنجاب ووفاة الزوج مبكّراً، والعودة من جديد إلى تذكّر ذاتها المنسية من خلال استهلال يعبّر عن ذلك:
"جاء وقت الحب ..
إنها صفقة جديدة مع الحياة ..
كل ما مضى كان لأخرى وعلي أن أحاول من جديد .."
ونحن في هذه العجالة إذا كنا تجاوزنا بعض القصص أو بعض الأفكار التي يمكن مناقشتها، فإنه ربّما نعمل على استكمالها فيما بعد، ولكننا إلى ذلك بودنا أن نقف ختاماً عند قصّتها المعبّرة "يحدث دائماً" التي كانت نشرتها في الكشكول منذ مدة، وهي تؤرّخ لحياة كرسي اكتشف فضائله الآخرون فالتصقوا به، والتي يمكن تصنيفها في حيّز الأدب الساخر المفعم باحتجاج نبيل على ما تؤول عليه علاقة الإنسان بالكرسي، والمفارق في هذه القصّة أن الكرسي ذاته سيكون الراوي المتماهي بمرويّه، وسيحكي عن هذه تجربته مع أولئك الجالسين عليه:
قبل أن يكتشف فضائلي الآخرون ، كنت مجرد نكرة ، كان وجودي كعدمه، لا يزيد ولا ينقص، بل أكثر، أشيع ذات وقت أن الزهد بي فضيلة، خشي القوم بعض إثمي فعفوا عني .
تغيرت المفاهيم وتغير حظي مع إحدى دورات الزمن التي لا تبقي وضعاً على حاله، انقلب -باسماً لي- وجه المجن ، فطن بي بعضهم فسوقوني كإحدى الضرورات صوراً وألواناً وشعارات. صرت طموح هذا العصر، أي ذهول !!
كفرقعة الوسطى مع الإبهام .. هكذا .. تغيرت الأحوال
صرت بين ليلة وضحاها اختراعا إنسانيا مدهشا ،
...
وكما الناس نختلف " نحن الكراسي " بأصولنا وفروعنا ، بأنواعنا وأحجامنا
، وبالأماكن الشتى التي نتوضع فيها، إلا أننا جميعاً على السواء ، ذوو راحة وعميم إفادة .
والعلاقة بيننا وبين الجالس علينا .. علاقة تبادلية ، أخذ وعطاء ، نُمنح فنعطي المزيد ، فحين تضيف إلى قاعدتنا حشوة طرية من قطن أو ريش النعام تقي بها عجيزتك من صلابة قد تزعجك ..
ستنسى دون أدنى ريب – واعذر يقيني - منذ متى وأنت مسمر في مكانك ؟.
عزت عمر
________________________________________
[1] مروراً بعصرنا الحديث وتبوّأ جملة من النساء مراكز قيادية كمارجريت تاتشر، وتانسو تشيللر وأرويو وغيرهنّ، اللاتي بحكم مناصبهنّ الخطيرة واظبن على ممارسة النظام المؤسسي نفسه، وربّما بحرص أكثر من الذكور أنفسهم، وهو أمر يدفعنا للاستنتاج بأن هذا الحرص على مؤسسة الأسرة ووحدة المجتمع، إنما هو حرص حضاري قديم قدم الوعي البشري ذاته، آثر على الدوام الحفاظ على التفوّق الثقافي المدني على الطبيعة المتّسمة بالفوضى واللاعقلانية، إنه باختصار حرص متجذّر في اللاوعي الجمعي، وإمكانية اختراقه والعودة إلى زمن الطبيعة الأولى باتت مستحيلة.
* كشكول: ملتقى أدبي، اجتماعي لمجموعة بريدية ضمت العديد من الاصدقاء السوريين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق