عادة تنتهي علاقتي مع الكتاب فور الانتهاء من قراءته، ويمكن للكتاب الجيد أن يحظى فيما بعد بفرصة أخرى لتقليب سريع لصفحاته، لكن الذي حدث بعد إنهائي مجموعة ]مثلث العشق[ للقاص شريف صالح أنني تمنيت لو كنت كاتبتها، لما تميزت به من خصوصية صادمة، وخصوبة سردية فنية، ترافق بعضها مع أجواء غرائبية على مستوى عال من الخيال، فقد استطاع الكاتب، وأغبطه، من ليّ ذراع تابو الجنس بطرح فني جريء يحسب له ، فخاض في لغز الجسد ورغباته ضمن علاقات إنسانية نتجاهلها لكنها موجودة. ولم تكن المجموعة في طرحها صادمة ولا منفرة كما صارت إليه إصدارات حديثة كثيرة تلهث وراء إعلاء قيمة الجرأة بفجاجة، على حساب مستوى الرهافة الإبداعية المطلوبة، فتلغي بتعمد عامل المتعة الذي يعتبر الهدف الأسمى للكتابة.
المثلث ونظرية الضعف الإنساني
لايخفى على القارئ في مجموعة ] مثلث العشق [وحدة موضوعها وتجانسه بدءاً من العنوان الذي يحيل إلى تشابك العلاقات، وإقفالها على أضلاع ثلاثة، مدعماً بلوحة الغلاف في معنى مضمر وتكاملي لحالة حسية وجسدية تتعلق برجل وامرأة والحالة الحسية بينهما، حيث تتعرض القصص بمجملها إلى مفهوم "الرغبة " ضمن سياقات اجتماعية محبطة، هذه المعالجة الإيروتيكية تأتي ضمن علاقات وشخصيات ترتبط أو تنفصم في متاهة من مشاعر وأحاسيس ملتبسة أو معلنة أو مخفية أو نفسية .. تتكرر ثيمة الرغبة في تشابكات حياتية لاتخلو من فجاجة واقع يضعنا أمام لغز لا حل له، حيث لم تتكامل "الرغبة/ الجسد" مع الحب/ النفس في ظرف مريح لحالة رومانسية متكاملة وبلا منغصات، بل جاءت كل الحالات التي طرحها الكاتب كمساحة إضافية للخيبة في العلاقة بين الرجل والمرأة بعمومها سواء كانت ضمن مؤسسة الزواج أو خارجه، لتقودنا القصص إلى مأزق إنساني بلا حلول.
سخرية لاذعة لنقد ضمني:
يختار شريف صالح لقصصه في أغلبها ماعدا ( خطيئة الكعب- شاب هندي وفتاة صينية- سنونوة)، صيغة السارد العليم الذي يهيمن على الحكاية من ألفها إلى يائها، متحكماً بآلية التواصل بينه وبين القارئ، ليؤدي وظيفته في التفسير والتعليق والتحكم بميكانيزما السرد ضمن لغة فنية عالية لا تخلو من السخرية التي لازمت جميع نصوص المجموعة، ووظفت لنقد أمراض اجتماعية شائعة بما فيها حالات الازدواجية ، والرغبات المكبوتة، وشهامة الرجال المقنعة ، والطرق التعويضية لإيهامات الحب، التزمت الديني، وغيرها من الأفكار...
ص 22 " هي لاتشتكي ابداً لقناعتها في النظرية القائلة " الخائب في بلاده خائب في بلاد الناس" ص 24" الزوج إذن أرنب في نظر الزوجة وخرتيت في نظر العشيقة، هذا التكوين الحيواني يجعله يرهف السمع ..."
هذا كما أن مهنة الكاتب كصحفي فني حاصرته، وظهرت في استعارات وصور اتكأت كثيراً على أسماء فنانين وعناوين أفلام ومشاهد من المسرح والموسيقى والسينما، بل أن قصة " سعاد حسني" كانت بكاملها من وحي حياة سندريلا الشاشة وجسدها الذي استسلم لانتحاره.
ص 25: " عواصف متلاحقة، قطعت عليه حبل التفكير في سمرة بيونسي وتيرا وامتلائهما الشهواني الذي يتحدى فحولة أشد الرجال"
ص 111: " صوتها رائع مثل صوت هند رستم لكن رائحتها ليست كذلك"
صنعة التجريب:
لم يتوان الكاتب عن استخدام التجريب لبناء مملكته السردية، فلجأ إلى قطع الإيهام عبر تدخل الكاتب في السرد، الأمر الذي ساعد في تصعيد وتأكيد حالة "السخرية" والتي حولت الوصف والحوار إلى ديناميكية غير مملة .
ص 21 " لاأعلم – باعتباري المؤلف- إن كان الزوج سيحاسب يوم القيامة على أخيلته الفاسقة أم لا! ماأعرفه يقينا أنه يلصق هاتف " سوني اريكسون" على خده الأيسر طول النهار..."
ص 125" هبط المغني العاطفي ( هذا مجرد لقب مبدئي إلى أن نعرف اسمه الرباعي كاملا) درجتين رخاميتين"
ص 78: "من غير المعقول أن فني كمبيوتر يقرض الشعر أصلاً أو يعرف رقص الفلامنكو! كما أنها علاقة عابرة فكيف يكتب فيها الشعر وهو لايحبها! ولو حذفنا القصيدة فلن تتأثر القصة..."
مشهدية المكان :
توزعت قصص بحسب فضائها الجغرافي بين الكويت والقاهرة، لكن الكتاب بدا شديد الحرص على العناية بالمكان وتحديده ضمن تفاصيله الأكثر دقة، ليفتتح كل قصة بمشهدية تصويرية، بحيث لم يعد المكان مجرد عنصر جمالي، بل صار يحيلنا من خلال طبيعته سواء كان بيتاً أو غرفة نوم، أو سيارة، أو مقهى، أو عبوراً بين الشوارع، إلى طبيعة العلاقة بين الشخصيات، ليكّون المكان مع جدلية الزمن بنى معرفية تفرض سياقات السرد، وتوضح منطق الشخصيات، فتنفتح على الجزئيات مشهداً متكاملاً ، فعلى سبيل المثال يختار المؤلف للزوجين في قصة ( جر الخيط ) جدران البيت ليكون سجنهما النفسي ضمن هواجس غير معلنة من الشك والترصد. فيما يكون مأزق الزوج العالق داخل سيارته أثناء العاصفة في قصة ( شعرها الغجري تتطاير منه الحجارة) نقيضاً مكانياً للزوجة التي تتسوق، وتنقلب الحالة السلوكية فهو لم يعد قادراً على المزيد من مغامراته، لتبدأ هي ترتيب بديلاً له في علاقة جديدة. أما ( مينادا) فتاة المقهى التي تحمل القصة اسمها، فتنحدر إلى علاقات سهلة تفترضها مناخات المقاهي السريعة والصلات التي تنقطع وتتصل بين روادها. أيضاً يخدم الفندق كمكان الفكرة في قصة ( سنونوة) حيث يتناسب الفضاء مع ليلة واحدة لتعارف إنساني جسدي بسيط غير خاضع لمبررات ولا لنتائج.
دقة إطلاق السهم:
عن مهارة الكتابة القصصية تقول الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي :" إن كتابة القصة القصيرة مثل إطلاق سهم، حيث لابد من توفر غريزة وممارسة ودقة، رامي القوس الجيد، والقوة اللازمة للإطلاق، والعين القادرة على قياس المسافة، والسرعة في الرمي، والحظ الطيب لإصابة الهدف, الرواية تصنع بالعمل، والقصة القصيرة بالإلهام، إنها بالنسبة لي جنس صعب مثل الشعر"
وأجزم بأن صالح شريف على الرغم من أنه لم يمنحنا علاقة رومانسية ناجحة ومتكاملة في قصصه كما سبق وأشرت، سوى أنه سدد سهامه بدقة أصابت الهدف.. فكان حظه طيباً ككاتب وبالتالي كان حظنا طيباً كقراء، وهذا هو المهم.
نذكر أخيراً أن مجموعة [مثلث العشق] لشريف صالح صادرة في القاهرة ضمن منشورات دار العين وتحتوي على إحدى عشرة قصة توزعت على 134 صفحة من القطع المتوسط ، وهي المجموعة الثانية للكاتب بعد مجموعة سابقة له بعنوان [اصبع يمشى وحده.]..
المثلث ونظرية الضعف الإنساني
لايخفى على القارئ في مجموعة ] مثلث العشق [وحدة موضوعها وتجانسه بدءاً من العنوان الذي يحيل إلى تشابك العلاقات، وإقفالها على أضلاع ثلاثة، مدعماً بلوحة الغلاف في معنى مضمر وتكاملي لحالة حسية وجسدية تتعلق برجل وامرأة والحالة الحسية بينهما، حيث تتعرض القصص بمجملها إلى مفهوم "الرغبة " ضمن سياقات اجتماعية محبطة، هذه المعالجة الإيروتيكية تأتي ضمن علاقات وشخصيات ترتبط أو تنفصم في متاهة من مشاعر وأحاسيس ملتبسة أو معلنة أو مخفية أو نفسية .. تتكرر ثيمة الرغبة في تشابكات حياتية لاتخلو من فجاجة واقع يضعنا أمام لغز لا حل له، حيث لم تتكامل "الرغبة/ الجسد" مع الحب/ النفس في ظرف مريح لحالة رومانسية متكاملة وبلا منغصات، بل جاءت كل الحالات التي طرحها الكاتب كمساحة إضافية للخيبة في العلاقة بين الرجل والمرأة بعمومها سواء كانت ضمن مؤسسة الزواج أو خارجه، لتقودنا القصص إلى مأزق إنساني بلا حلول.
سخرية لاذعة لنقد ضمني:
يختار شريف صالح لقصصه في أغلبها ماعدا ( خطيئة الكعب- شاب هندي وفتاة صينية- سنونوة)، صيغة السارد العليم الذي يهيمن على الحكاية من ألفها إلى يائها، متحكماً بآلية التواصل بينه وبين القارئ، ليؤدي وظيفته في التفسير والتعليق والتحكم بميكانيزما السرد ضمن لغة فنية عالية لا تخلو من السخرية التي لازمت جميع نصوص المجموعة، ووظفت لنقد أمراض اجتماعية شائعة بما فيها حالات الازدواجية ، والرغبات المكبوتة، وشهامة الرجال المقنعة ، والطرق التعويضية لإيهامات الحب، التزمت الديني، وغيرها من الأفكار...
ص 22 " هي لاتشتكي ابداً لقناعتها في النظرية القائلة " الخائب في بلاده خائب في بلاد الناس" ص 24" الزوج إذن أرنب في نظر الزوجة وخرتيت في نظر العشيقة، هذا التكوين الحيواني يجعله يرهف السمع ..."
هذا كما أن مهنة الكاتب كصحفي فني حاصرته، وظهرت في استعارات وصور اتكأت كثيراً على أسماء فنانين وعناوين أفلام ومشاهد من المسرح والموسيقى والسينما، بل أن قصة " سعاد حسني" كانت بكاملها من وحي حياة سندريلا الشاشة وجسدها الذي استسلم لانتحاره.
ص 25: " عواصف متلاحقة، قطعت عليه حبل التفكير في سمرة بيونسي وتيرا وامتلائهما الشهواني الذي يتحدى فحولة أشد الرجال"
ص 111: " صوتها رائع مثل صوت هند رستم لكن رائحتها ليست كذلك"
صنعة التجريب:
لم يتوان الكاتب عن استخدام التجريب لبناء مملكته السردية، فلجأ إلى قطع الإيهام عبر تدخل الكاتب في السرد، الأمر الذي ساعد في تصعيد وتأكيد حالة "السخرية" والتي حولت الوصف والحوار إلى ديناميكية غير مملة .
ص 21 " لاأعلم – باعتباري المؤلف- إن كان الزوج سيحاسب يوم القيامة على أخيلته الفاسقة أم لا! ماأعرفه يقينا أنه يلصق هاتف " سوني اريكسون" على خده الأيسر طول النهار..."
ص 125" هبط المغني العاطفي ( هذا مجرد لقب مبدئي إلى أن نعرف اسمه الرباعي كاملا) درجتين رخاميتين"
ص 78: "من غير المعقول أن فني كمبيوتر يقرض الشعر أصلاً أو يعرف رقص الفلامنكو! كما أنها علاقة عابرة فكيف يكتب فيها الشعر وهو لايحبها! ولو حذفنا القصيدة فلن تتأثر القصة..."
مشهدية المكان :
توزعت قصص بحسب فضائها الجغرافي بين الكويت والقاهرة، لكن الكتاب بدا شديد الحرص على العناية بالمكان وتحديده ضمن تفاصيله الأكثر دقة، ليفتتح كل قصة بمشهدية تصويرية، بحيث لم يعد المكان مجرد عنصر جمالي، بل صار يحيلنا من خلال طبيعته سواء كان بيتاً أو غرفة نوم، أو سيارة، أو مقهى، أو عبوراً بين الشوارع، إلى طبيعة العلاقة بين الشخصيات، ليكّون المكان مع جدلية الزمن بنى معرفية تفرض سياقات السرد، وتوضح منطق الشخصيات، فتنفتح على الجزئيات مشهداً متكاملاً ، فعلى سبيل المثال يختار المؤلف للزوجين في قصة ( جر الخيط ) جدران البيت ليكون سجنهما النفسي ضمن هواجس غير معلنة من الشك والترصد. فيما يكون مأزق الزوج العالق داخل سيارته أثناء العاصفة في قصة ( شعرها الغجري تتطاير منه الحجارة) نقيضاً مكانياً للزوجة التي تتسوق، وتنقلب الحالة السلوكية فهو لم يعد قادراً على المزيد من مغامراته، لتبدأ هي ترتيب بديلاً له في علاقة جديدة. أما ( مينادا) فتاة المقهى التي تحمل القصة اسمها، فتنحدر إلى علاقات سهلة تفترضها مناخات المقاهي السريعة والصلات التي تنقطع وتتصل بين روادها. أيضاً يخدم الفندق كمكان الفكرة في قصة ( سنونوة) حيث يتناسب الفضاء مع ليلة واحدة لتعارف إنساني جسدي بسيط غير خاضع لمبررات ولا لنتائج.
دقة إطلاق السهم:
عن مهارة الكتابة القصصية تقول الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي :" إن كتابة القصة القصيرة مثل إطلاق سهم، حيث لابد من توفر غريزة وممارسة ودقة، رامي القوس الجيد، والقوة اللازمة للإطلاق، والعين القادرة على قياس المسافة، والسرعة في الرمي، والحظ الطيب لإصابة الهدف, الرواية تصنع بالعمل، والقصة القصيرة بالإلهام، إنها بالنسبة لي جنس صعب مثل الشعر"
وأجزم بأن صالح شريف على الرغم من أنه لم يمنحنا علاقة رومانسية ناجحة ومتكاملة في قصصه كما سبق وأشرت، سوى أنه سدد سهامه بدقة أصابت الهدف.. فكان حظه طيباً ككاتب وبالتالي كان حظنا طيباً كقراء، وهذا هو المهم.
نذكر أخيراً أن مجموعة [مثلث العشق] لشريف صالح صادرة في القاهرة ضمن منشورات دار العين وتحتوي على إحدى عشرة قصة توزعت على 134 صفحة من القطع المتوسط ، وهي المجموعة الثانية للكاتب بعد مجموعة سابقة له بعنوان [اصبع يمشى وحده.]..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق