29 سبتمبر 2006

كمشة ياسمين تحت أقدام التعب


تدافعت مسعورة اللعنات، بصقت ألسنتها وشِعرها ومجازاتها، وبقي المرار صمتاً لكبرياء..

***

قدماي يا لعنة المنافي.. عينان تتربصان الحزن في مجامر العشاق.
أتنهد الفراق منتهكة كرئة أفسدتها أنفاس العزلة، كوجه مشوه بالبرص،
أمسح غبش مرآتي، وأقطب..
حذرة ووجلة أمشيه على رؤوس أصابعي .. وبكاؤه نواح أرملة تتقدم الجنازة...
أهدهده ، أضمه، أسترضيه، أكوّر له الأحلام، أزيف ابتسامة واسعة اشحذها من فم مهرج مرق سريعاً تحت نافذتي، ولم يلتفت ..
أشد الخيط كثيراً..
يرتفع نجماً في السماء..
يأخذه الذبول رويداً .. رويداً.
يهمد.
أخيراً ينام .
أحكم الأغطية حول فتاته.. أضمه / طفلي الرضيع / كما الضمادات فوق الجرح.

***

وتتأجل لمواعيد الغيب الصباحات .

***

نمت مدثرة بالنسيان..
لاشيء أذكره عن الخذلان
عن حرج المرايا
عن جذر ضارب في الروح
وعاشق شرّع لصبواته مراكب الرحيل
وعن رضيع نهنهه البكاء حتى غفا
ملعونة وكالحة تفاصيله العتيقة خبأتها في عتمة الأدراج، وألقيت المفاتيح في غيابة الجب حيث الزرقة عمياء شاردة .. تماطل العطش.

هكذا كان يمكن لعمر آخر أن ينقضي دون أن يخلّف الغبار أو يعيث الفوضى..

وهكذا أيضاً كان يمكن لفصلي الأنيق أن لا يجازف- ثانية- بالبكاء، فما من نوافذ تطل، وما من ريح تملأ القمصان الواسعة، والزمن يلّوح بمنديله الأبيض، يبعثر الحنان بين حيطان الصدى..
***
لهذا سأتهمك بالكثير
سأتهمك بأنك جئت ترفل بالبياض.. رفعت وجهي إليك عالياً

سمعت خشخشة الودع وخلاخيل عرافة تسحب قدميها.. كان الرمل طرياً..
ولا حائل بيننا إلا ظهراً محنياً يغيم...
كنت أغلي قهوتي جيداً، حين قامت الزوابع في قعر فنجاني..
لمحتك تركب الموجة الأعلى، وتترك في رغوة البن فألك ورائحة الهيل..
حسبتك وهماً يطل مثل برق خاطف سرعان ما يغيب.
لكنك طرقت الخشب المهجور بإلحاح، وتربعت عند المصطبة ..
هل كان إصرارك..
أم كانت لهفتي ..
أم كلاهما ..؟
كي أرفع المزلاج وأفتح البوابة على مصراعيها ؟..

جعلت تخمِّر الكلام، توزعه خبزاً ووعوداً على الجائعين ..
- قهوتي تكفيني في الصباح .....
لم تسمعني ..
حشوت فمي بقضمة من رغيفك الساخن، وضاع في الإفراط مجداف الكلام..
ضحكت ..
يا إلهي كم ضحكت لك..
ضجّت لصبحك المشاكس جوقة عصافير غردتك في وقت واحد ..
نقرت مطارح الهوى .. تركت الستائر دائخة .. وطوحت كمشة ياسمين تحت أقدام التعب .

كم ستعاتبني ضحكتي بعد ذلك ! كم ستتصمغ شفاهي !
مازال الوقت مبكراً كي أخبرك عن ذلك.
دعني الآن أخبرك عن ضوء غافل العتمة ..
عن مطرك الذي راود الرمل
عن ثريات البهجة التي علقتها
عن سماء شددتها من شعرها
فدنت .
قلت لك وكنت أتنشف بلون عينيك :
- أعرني جناحيك يا فضاء

سبّحت بشمسي مغازلاً:
- ليس أشهى من ابتسامة طازجة.. ليس أجمل من إيقاظ النيام.

دفنت وجهي في عالم غيبك، رسمتك متشابكاً بين ظل وحنان.
غمزتني الريح، هبت في أمجادها العواصف، طار ثوبي عرياناً من وجّله
علّقتُ في الكوخ الصغير قنديل فرح ، ما عدت أشبهني تماماً.
فاق الصغير.
صفق جزلاناً .
كنس ما بقي من خدر النوم وبقايا الوسن.
...
...
...

يااااااااااااااه كم كان قاسياً حين دب بالوعد التعب

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.